الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13
- ثم بيّن سبب ذلك التأييد والنصر فقال: {ذلِكَ} المذكور من تأييد الله للمؤمنين بالنصر والمعونة والإمداد، والظفر، والغلبة، وخذلانه للمشركين بالقتل والأسر والهزيمة، {بِأَنَّهُمْ}؛ أي: كائن بسبب أنّ المشركين {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} صلى الله عليه وسلم؛ أي: خالفوهما في الأوامر والنواهي وعادوهما، فكان كل منهما في شقّ، وجانب غير الذي فيه الآخر، فالله هو الحق، والداعي إلى الحق ورسوله، هو المبلغ عنه، والمشركون على الباطل، وما يستلزمه من الشرور والآثام، والخرافات، والكاف في ذلك، لخطاب الرسول، أو لخطاب كل سامع {وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ أي: ومن يخالف الله ورسوله فيما أمرا به، ونهيا عنه. وأجمعوا (1) على الفك في {يُشاقِقِ} اتباعا لخط المصحف، وهي لغة الحجاز، والإدغام لغة تميم، كما جاء في الآية الأخرى {وَمَنْ يُشَاقِّ} {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى يعاقبه يوم القيامة على مخالفته، وشركه لأنه سبحانه وتعالى:{شَدِيدُ الْعِقابِ} له، فالذي نزل بهم في ذلك اليوم قليل بالنسبة إلى ما أعده الله لهم من العقاب يوم القيامة، فلا أجدر بالعقاب من المشاقين له، الذين يؤثرون الشرك وعبادة الطاغوت على توحيده تعالى وعبادته، ويعتدون على أوليائه بمحاولة ردهم عن دينهم بالقوة والقهر، وإخراجهم من ديارهم، ثم اتّباعهم إلى مهجرهم يقاتلونهم فيه،
14
- والخطاب في قوله: {ذلِكُمْ} للمشركين؛ أي: هذا العقاب الذي عجلت لكم أيها المشركون، المشاقون لله ورسوله في الدنيا، من انكسار وهزيمة مع الخزي، والذل أمام فئة قليلة العدد والعدد من المسلمين؛ أي: ذلك العذاب المذكور {فَذُوقُوهُ} عاجلا في الدنيا وباشروه {وَ} اعلموا {أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ} ؛ أي: إنّ لكم في الآخرة عذاب النار إن أصررتم على كفركم، وهو شر العذابين، وأبقاهما، وأشار بالتعبير بالذوق إلى أنّ عذاب الدنيا يسير بالنسبة لعذاب الآخرة، وقيل: المعنى ذوقوا ما عجل لكم في الدنيا مع ما أجل لكم في الآخرة.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وسليمان التيمي (2): {وَإنَّ لِلْكافِرِينَ} بكسر همزة {إن} على استئناف الإخبار.
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
الإعراب
{يَسْئَلُونَكَ} فعل وفاعل ومفعول أول {عَنِ الْأَنْفالِ} جار ومجرور متعلق به على كونه مفعولا ثانيا له، والجملة مستأنفة {قُلِ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {الْأَنْفالُ لِلَّهِ} إلى آخر الآية مقول محكى لـ {قُلِ} ، وإن شئت قلت:{الْأَنْفالِ} مبتدأ {لِلَّهِ} خبره، والجملة في محل النصب مقول {قال} {وَالرَّسُولِ} معطوف على الجلالة {فَاتَّقُوا اللَّهَ} {الفاء} حرف عطف وتفريع {اتقوا الله} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {الْأَنْفالُ لِلَّهِ} على كونها مقولا لـ {قال} {وَأَصْلِحُوا} فعل وفاعل {ذاتَ بَيْنِكُمْ} مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} معطوف على الجلالة {إِنْ} حرف شرط وجزم {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إِنْ مُؤْمِنِينَ} خبرها وجواب {إِنْ} معلوم مما قبله تقديره: إن كنتم مؤمنين فأطيعوا الله ورسوله، وجملة {إِنْ} الشرطية في محل النصب مقول {قُلِ} .
{إِنَّمَا} أداة حصر {الْمُؤْمِنُونَ} مبتدأ {الَّذِينَ} خبر، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حقيقة المؤمنين المذكورين في الآية السابقة، {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان {ذُكِرَ اللَّهُ} فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الجر بإضافة {إِذا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فعل وفاعل، والجملة جواب {إِذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذا} من فعل شرطها، وجوابها صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد ضمير {قُلُوبُهُمْ} {وَإِذا} {الواو}: عاطفة {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان {تُلِيَتْ} فعل
ماض مغير الصيغة {عَلَيْهِمْ} متعلق به {آياتُهُ} نائب فاعل، ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ {إِذا} . {زادَتْهُمْ} فعل ومفعول أول {إِيمانًا} مفعول ثان، وفاعله ضمير يعود على الآيات، والجملة جواب إِذا وجملة إِذا معطوفة على جملة إِذا السابقة على كونها صلة الموصول، والعائد ضمير {زادَتْهُمْ} . {وَعَلى رَبِّهِمْ} جار ومجرور متعلق بـ {يَتَوَكَّلُونَ} ، وجملة {يَتَوَكَّلُونَ} معطوفة على جملة إِذا الأولى على كونها صلة الموصول، أو مستأنفة أو في محل النصب حال من مفعول {زادَتْهُمْ} .
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} .
{الَّذِينَ} اسم موصول في محل الرفع صفة للموصول الأول {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} فعل وفاعل ومفعول، به، والجملة صلة الموصول، {وَمِمَّا} جار ومجرور متعلق بـ {يُنْفِقُونَ} . {رَزَقْناهُمْ} فعل وفاعل ومفعول أول، والثاني محذوف تقديره: مما رزقناهم إياه، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف {يُنْفِقُونَ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} على كونها صلة {الَّذِينَ} .
{أُولئِكَ} مبتدأ {هُمُ} ضمير فصل {الْمُؤْمِنُونَ} خبر، والجملة مستأنفة مسوقة، لبيان ما للمؤمنين من الأجور {حَقًّا} صفة لمصدر محذوف، تقديره: المؤمنون إيمانا حقا {لَهُمْ} جار ومجرور خبر مقدم {دَرَجاتٌ} مبتدأ مؤخر {عِنْدَ رَبِّهِمْ} ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ {دَرَجاتٌ} تقديره: درجات كائنات عند ربهم، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ثان لـ أُولئِكَ. {وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ} معطوفان على {دَرَجاتٌ} . {كَرِيمٌ} صفة لـ {رِزْقٌ} .
{كَما} {الكاف} حرف جر وتشبيه {ما} مصدرية {أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} فعل ومفعول وفاعل {مِنْ بَيْتِكَ} متعلق به {بِالْحَقِّ} جار ومجرور متعلق به أيضا، أو حال من مفعول {أَخْرَجَكَ}؛ أي: حال كونك ملتبسا بالحق، والجملة الفعلية صلة
{ما} المصدرية {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، تقديره: كإخراج ربك إياك {مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف لوقوعه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره الأمر والشأن كائن كإخراج ربك إياك من بيتك بالحق؛ أي: الأمر والشأن الجاري في الأنفال من قسمها بالتسوية بينهم، كائن كإخراج ربك من بيتك في كونه مكروها لهم، وقد ذكروا في متعلق هذه الكاف نحو عشرين وجها أكثرها معترضة، وبعضها صعبة، وفيما ذكرناه كفاية، لأنه أوضح الوجوه، وأسلمها من الاعتراض، {وَإِنَّ فَرِيقًا} الواو: واو الحال {إِنَّ} حرف نصب {فَرِيقًا} اسمها {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} جار ومجرور صفة لـ {فَرِيقًا} {لَكارِهُونَ} {اللام} حرف ابتداء {كارهون} خبر {إِنَّ} وجملة {إِنَّ} في محل النصب حال من مفعول {أَخْرَجَكَ} تقديره: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، حال كون فريق من المؤمنين كارهين خروجك.
{يُجادِلُونَكَ} فعل وفاعل ومفعول {فِي الْحَقِّ} متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة إخبارا عن حالهم في المجادلة، أو حال ثانية من مفعول {أَخْرَجَكَ}؛ أي: أخرجك في حال مجادلتهم إياك، ويحتمل أن تكون حالا من الضمير في {لَكارِهُونَ}؛ أي: لكارهون في حال الجدال. {بَعْدَ ما} {بَعْدَ} منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ {يُجادِلُونَكَ} ما مصدرية {تَبَيَّنَ} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الحق، والجملة صلة ما المصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرود بإضافة الظرف إليه، تقديره: بعد تبينه {كَأَنَّما} {كأن} حرف نصب وتشبيه {ما} كافة لكفها {كأن} عن العمل فيما بعدها، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية {يُساقُونَ} فعل ونائب فاعل {إِلَى الْمَوْتِ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير في {لَكارِهُونَ}؛ أي: حال كونهم مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، {وَهُمْ} مبتدأ {يَنْظُرُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو {يُساقُونَ} .
{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: واذكروا {إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} فعل ومفعول أول، وفاعل ومفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} تقديره: واذكروا نعمة وقت وعد الله سبحانه وتعالى إياكم إحدى الطائفتين؛ {أَنَّها} لَكُمْ أنّ حرف نصب والهاء اسمها {لَكُمْ} جار ومجرور خبرها، وجملة {أَنَّ} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على البدلية من {إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} بدل اشتمال تقديره: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم {وَتَوَدُّونَ} الواو: حالية {تَوَدُّونَ} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من كاف {يَعِدُكُمُ اللَّهُ} {أَنَّ} حرف نصب {غَيْرَ} اسمها {ذاتِ الشَّوْكَةِ} مضاف إليه، {تَكُونُ} فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على {غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ} وأنث الضمير مراعاة لمعنى {غَيْرَ} وهو الفرقة {لَكُمْ} جار ومجرور خبر {تَكُونُ} ، وجملة {تَكُونُ} في محل رفع خبر {أَنَّ} تقديره كائنة لكم، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: وتودون كون غير ذات الشوكة لكم، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {كاف} {إِذْ يَعِدُكُمُ} . {وَيُرِيدُ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ} ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله {بِكَلِماتِهِ} جار ومجرور متعلق بـ {يُحِقَّ} ، وجملة {أَنَّ} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، {وَيَقْطَعَ} معطوف على {يُحِقَّ} وفاعله ضمير يعود على الله {دابِرَ الْكافِرِينَ} مفعول به، ومضاف إليه، والتقدير: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، وقطع دابر الكافرين بقدرته وقهره.
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} .
{لِيُحِقَّ} {اللام} لام كي {يحق} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي وفاعله ضمير يعود على الله {الْحَقَّ} مفعول به {وَيُبْطِلَ الْباطِلَ} فعل
ومفعول معطوف على {يحقّ الحقّ} وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة {يحقّ} مع ما عطف عليها صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي تقديره: لإحقاقه الحق، وإبطاله الباطل، الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: وعد بما وعد وأراد بإحدى الطائفتين ذات الشوكة لإحقاقه الحقّ وإبطاله الباطل، والجملة المحذوفة مستأنفة. {وَلَوْ} الواو: واو الحال {لَوْ} حرف شرط وغاية لا جواب لها {كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من الحق والباطل، تقديره: وعد بما وعد ليحق الحق، ويبطل الباطل، حالة كون المجرمين كارهين إحقاق الحق، وإبطال الباطل، {ولَوْ} الغائية هي التي لا تطلب جوابا، ويكون ما بعدها حالا. وقال أبو حيان (1): والتحقيق أن الواو فيه للعطف على محذوف، وذلك المحذوف في موضع الحال، والمعطوف على الحال حال، ونظيره قولهم: أعطوا السائل ولو جاء على فرس؛ أي: على كل حال، ولو على هذه الحالة التي تنافي الصدقة على السائل، وإن {وَلَوْ} هذه تأتي لاستقصاء ما بطن، لأنه لا يندرج في عموم ما قبله، لملاقاة التي بين هذه الحال وبين المسند الذي قبلها. انتهى.
{إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره، واذكروا إذ تستغيثون، والجملة المحذوفة مستأنفة {تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} تقديره، واذكروا أيها المؤمنون نعمة وقت استغاثتكم ربكم {فَاسْتَجابَ} {الفاء} عاطفة {استجاب} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله {لَكُمْ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة {تَسْتَغِيثُونَ} {أَنِّي} {أن} حرف نصب ومصدر، والياء اسمها {مُمِدُّكُمْ} خبرها، ومضاف إليه بـ {بِأَلْفٍ} متعلق به {مِنَ الْمَلائِكَةِ} صفة
(1) البحر المحيط.
لـ {ألف} . {مُرْدِفِينَ} حال من ألف لتخصصه بالصفة، أو صفة ثانية لألف، وجملة {أن} المفتوحة في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: بإمدادي إياكم بألف {مِنَ الْمَلائِكَةِ} الجار والمجرور متعلق بـ {استجاب} ، وعلى قراءة كسر همزة إن فهو مقول لقول محذوف تقديره: وقال: إني ممدكم بألف من الملائكة.
{وَما} {الواو} : استئنافية {ما} نافية {جَعَلَهُ اللَّهُ} فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة مستأنفة {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ من أعم العلل {بُشْرى} مفعول لأجله {وَلِتَطْمَئِنَّ} {الواو}: عاطفة و {اللام} لا كي {تطمئن} منصوب بأن مضمرة {بِهِ} جار ومجرور متعلق به {قُلُوبُكُمْ} فاعل ومضاف إليه، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولاطمئنان قلوبكم به، وهذا المصدر المؤول معطوف (1) على {بُشْرى} على كونه مفعولا لأجله، ولكن جر باللام لفقد شرط النصب من اتحاد الفاعل كما لا يخفى، فإن فاعل الجعل هو الله تعالى وفاعل الاطمئنان القلوب، وعبارة «السمين» هنا:{إِلَّا بُشْرى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ، إذ التقدير: وما جعله لشيء من الأشياء، إلا للبشرى، وشروط نصبه موجودة، وهي اتحاد الفاعل، والزمان، وكونه مصدرا.
والثاني: أنه مفعول ثان لـ {جعل} على أنه بمعنى صير.
والثالث: أنه بدل من {الهاء} في جَعَلَهُ قاله الحوفي.
{وَما} {الواو} استئنافية ما نافية، {النَّصْرُ} مبتدأ {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة {إِنَ} حرف نصب {اللَّهُ} اسمها {عَزِيزٌ} خبر أول لها {حَكِيمٌ} خبر ثان
(1) الفتوحات.
لها، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا إذ يغشّيكم النعاس، والجملة المحذوفة مستأنفة {يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ} فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} . {أَمَنَةً} إما حال من {النُّعاسَ} ، و {مِنْهُ} صفة له؛ أي: حالة كونه أمانا منه تعالى لكم، أو مفعول لأجله، أي لأجل تأمينه لكم، وفي المقام أوجه أخر من الإعراب تركناها خوف الإطالة. {وَيُنَزِّلُ} فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله {عَلَيْكُمْ} متعلق به {مِنَ السَّماءِ} متعلق به أيضا {ماءً} مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة {يُغَشِّيكُمُ} على كونها مضافا إليه، لـ {إِذْ} . {لِيُطَهِّرَكُمْ} {اللام} لام كي {يطهركم} فعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة وفاعله ضمير يعود على الله {بِهِ} متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتطهيره إياكم به الجار والمجرور متعلق بـ {يُنَزِّلُ} {وَيُذْهِبَ} معطوف على {يطهر} ، وفاعله ضمير يعود على الله {عَنْكُمْ} متعلق به {رِجْزَ الشَّيْطانِ} مفعول به، ومضاف إليه، {وَلِيَرْبِطَ} الواو: عاطفة {اللام} لام كي {يربط} منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير يعود على الله {عَلى قُلُوبِكُمْ} متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولربطه على قلوبكم، الجار والمجرور معطوف على الجار، والمجرور في قوله:{لِيُطَهِّرَكُمْ} {وَيُثَبِّتَ} معطوف على {يربط} {بِهِ} متعلق به وفاعله ضمير يعود على الله {الْأَقْدامَ} مفعول به.
{إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر يا محمد إذ {يُوحِي رَبُّكَ} فعل وفاعل {إِلَى الْمَلائِكَةِ} متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إِذْ} ، والجملة المحذوفة مستأنفة {أَنِّي} أن حرف نصب، والياء
اسمها {مَعَكُمْ} ظرف، ومضاف إليه والظرف متعلق بمحذوف خبر {أن} وجملة {أن} في تأويل مصدر ومجرور بحرف جر، محذوف تقديره: بكوني {مَعَكُمْ} الجار والمجرور متعلق بـ {يُوحِي} . {فَثَبِّتُوا} {الفاء} حرف عطف وتفريع {ثبتوا} . {الَّذِينَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة مفرعة على جملة {أَنِّي مَعَكُمْ} . {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {سَأُلْقِي} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، وهذه الجملة كالتفسير لقوله:{أَنِّي مَعَكُمْ} . {فِي قُلُوبِ الَّذِينَ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {ألقى} {كَفَرُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، {الرُّعْبَ} مفعول به منصوب بـ {ألقى} . {فَاضْرِبُوا} {الفاء} عاطفة {اضربوا} فعل وفاعل {فَوْقَ الْأَعْناقِ} ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {اضربوا} ، وعلى هذا المفعول محذوف تقديره فاضربوا رؤوسهم فوق الأعناق، وقيل:{فَوْقَ} مفعول به على التوسع منصوب بالفعل، والجملة معطوفة على جملة {سَأُلْقِي} وهذه الجملة كالتفسير لقوله:{فَثَبِّتُوا} الخ. {وَاضْرِبُوا} فعل وفاعل {مِنْهُمْ} متعلق بـ {اضْرِبُوا} أو حال من {كُلَّ بَنانٍ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها {كُلَّ بَنانٍ} مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} .
{ذلِكَ} مبتدأ {بِأَنَّهُمْ} {الباء} حرف جر وسبب {أن} حرف نصب و {الهاء} اسمها {شَاقُّوا اللَّهَ} فعل وفاعل ومفعول {وَرَسُولَهُ} معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {أن} تقديره: ذلك بأنهم مشاقوا الله ورسوله، وجملة {أن} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بـ {الباء} تقديره: ذلك بسبب مشاقتهم الله ورسوله، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: ذلك كائن بسبب مشاقتهم الله ورسوله، والجملة الاسمية مستأنفة {وَمَنْ} الواو: عاطفة {مَنْ} اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما {يُشاقِقِ} فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} . {اللَّهَ} لفظ الجلالة مفعول
به، {وَرَسُولَهُ} معطوف عليه {فَإِنَّ} {الفاء} رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبا أو تعليلية للجواب المحذوف {إن} حرف نصب {اللَّهَ} اسمها {شَدِيدُ الْعِقابِ} خبرها، ومضاف إليه، وجملة {إن} في محل الجزم بمن الشرطية على كونها جوابا لها، والرابط محذوف تقديره، فإن الله شديد العقاب له، أو الجملة في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية، على كونها معللة للجواب المحذوف، تقديره: ومن يشاقق الله ورسوله يعاقبه الله تعالى؛ لأنّ الله شديد العقاب، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} على كونها مقررة ومكملة لها.
{ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)} .
{ذلِكُمْ} : مبتدأ. {فَذُوقُوهُ} {الفاء} : زائدة في الخبر على رأي الأخفش، {ذوقوه}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو {ذلِكُمْ}: مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: ذالكم العذاب، والجملة مستأنفة. {فَذُوقُوهُ} {الفاء}: استئنافية، وجملة:{ذوقوه} : مستأنفة. {وَأَنَّ} : حرف نصب ومصدر {لِلْكافِرِينَ} : خبر مقدم لـ {أَنَّ} {عَذابَ النَّارِ} : اسمها مؤخر ومضاف إليه، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا كون عذاب النار للكافرين، وجملة علم المحذوفة معطوفة على جملة قوله:{ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ} .
التصريف ومفردات اللغة
{يَسْئَلُونَكَ} ؛ أي (1): سؤال استفتاء، لأنّ هذا أول تشريع الغنيمة، وفاعل السؤال يعود على معلوم، وهو من حضر بدرا، وسأل: تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسؤول، فيتعدّى بعن كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال فيتعدى لاثنين، نحو سألت زيدا مالا، وقد ادعى بعضهم أن السؤال هنا بهذا المعنى، وزعم أن {عَنِ} زائدة، والتقدير: يسألونك الأنفال، وأيد هذا بقراءة سعد بن
(1) الفتوحات.
أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم {يسئلونك الأنفال} بدون عن، والصحيح أن هذه القراءة على إرادة حرف الجر {عَنِ الْأَنْفالِ} (1) جمع نفل بفتح النون والفاء، كفرس وأفراس، والمراد بها هنا الغنائم، وسميت أنفالا، والنفل هو الزيادة لزيادة هذه الأمة بها على الأمم السابقة، وفي «المصباح» النفل: الغنيمة، والجمع أنفال مثل سبب وأسباب، والنفل: وزان فلس
مثله اه ومنه: صلاة النفل، وقيل: الغنيمة (2) كل ما حصل مستغنما بتعب أو بغير تعب، وقبل الظفر أو بعده، والنفل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من الغنيمة، ومن إطلاقها على الغنيمة قول عنترة:
إنّا إذا احمرّ الوغى نروي القنا
…
ونعفّ عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم.
ويطلق (3) النفل على معان أخر: منها اليمين، والابتغاء، ونبت معروف، والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب، والنافلة ولد الولد، لأنه زيادة على الولد.
{وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} والبين: يطلق على الاتصال والافتراق، وعلى كل ما بين طرفين، كما قال:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وذات البين الصلة التي تربط بين شيئين، وإصلاحها بالمودة وترك النزاع.
{وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الوجل: الفزع والخوف وفي «السمين» (4) يقال: وجل بالكسر في الماضي يوجل بالفتح في المضارع، وفيه لغة أخرى قرىء بها شاذا {وَجِلَتْ}: بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع، فتحذف الواو في المضارع، كوعد يعد، ويقال في المشهورة: وجل يوجل بإثبات الواو في المضارع اه.
{لَهُمْ دَرَجاتٌ} والدرجات منازل الرفعة، ومراقي الكرامة {إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ}
(1) الفتوحات.
(2)
المراغي.
(3)
الشوكاني.
(4)
الفتوحات.
والطائفتان طائفة العير الآتية من الشام، وطائفة النفير التي جاءت من مكة للنجدة، وغير ذات الشوكة هي العير، والشوكة الحدة، والقوة: وأصلها واحدة الشوك شبهوا بها أسنة الرماح {دابِرَ الْكافِرِينَ} ودابر القوم: آخرهم الذي يأتي في دبرهم، ويكون من روائهم و {يحق الحق}؛ أي: يعز الإسلام؛ لأنه الحق {وَيُبْطِلَ الْباطِلَ} ؛ أي: يزيل الباطل، وهو الشرك ويمحقه.
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فالسين والثاء فيه للطلب؛ أي: تطلبون الغوث من ربكم، والاستغاثة طلب الغوث، وهو التخليص من الشدة والنقمة {فَاسْتَجابَ لَكُمْ}؛ أي: أجاب لكم، فالسين والتاء فيه زائدتان {مُمِدُّكُمْ}؛ أي: ناصركم ومعينكم {بِأَلْفٍ} قرىء بألف، وأصل آلف أألف بوزن أفلس فقلبت الهمزة الثانية ألفا، فصار آلفا {مُرْدِفِينَ} من أردفه إذا أركبه وراءه {إِلَّا بُشْرى} مصدر على وزن فعلى كرجعى بمعنى البشارة، وهو الخبر السار {وتطمئن}: تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملتكم {عَزِيزٌ} ؛ أي: غالب على أمره {حَكِيمٌ} لا يضع شيئا في غير موضعه {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ} ؛ أي: يجعله مغطيا لكم، ومحيطا بكم، وفيه ثلاث قراءات سبعية، يغشاكم كيلقاكم من غشيه، إذا أتاه، وأصابه، وفي «المصباح» غشيته أغشاه من باب تعب أتيته {ويُغَشِّيكُمُ}: من أغشاه؛ أي: أنزله بكم، وأوقعه عليكم {ويُغَشِّيكُمُ} من غشاه تغشية غطّاه؛ أي: يغشيكم الله النعاس؛ أي: يجعله عليكم كالغطاء من حيث اشتماله عليكم، والنعاس على الأولى مرفوع على الفاعلية، وعلى الأخيرتين منصوب على المفعولية.
{النُّعاسَ} والنعاس: فتور في الحواس وأعصاب الرأس يعقبه النوم، فهو يضعف الإدراك، ولا يزيله كله، فإذا أزاله كان نوما، وقال بعض الفقهاء: علامة النعاس: أن تسمع كلام الحاضرين ولا تفهمه، وعلامة النوم: أن لا تسمع كلامهم. {رِجْزَ الشَّيْطانِ} والرجز والرجس والركس الشيء المستقذر حسا، أو معنى، ويراد به هنا وسوسة الشيطان، وفي الكرخي: الرجز في الأصل العذاب الشديد، وأريد به هنا نفس وسوسة الشيطان مجازا لمشقتها على أهل الايمان،
كما قيل: كل ما اشتدت مشقته على النفوس فهو رجز. اه.
{وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ} والربط على القلوب تثبيتها وتوطينها على الصبر، وفي «زاده» الربط الشد، يقال لكل من صبر على أمر ربط على قلبه، أي قواه وشدده. وعدى بعلى للإيذان بأن قوة قلوبهم بلغت في الكمال إلى أن صارت مستولية على القلوب، حتى صارت كأنها علت عليها، وارتفعت فوقها؛ أي: فتفيد التمكن في القوة {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} والرعب الخوف الذي يملأ القلب {فَوْقَ الْأَعْناقِ} ؛ أي: الرؤوس {كُلَّ بَنانٍ} والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، وهي جمع بنانة وفي «المصباح» البنان الأصابع، وقيل: أطرافها، والواحدة بنانة اه وفي «السمين» والبنان قيل: الأصابع، وهو اسم جنس، الواحد: بنانة، وضربها عبارة عن الثبات في الحرب، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء، قال عنترة:
وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها
…
ويضرب عند الكرب كلّ بنان
{بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ؛ أي: عادوا وخالفوا، وسميت العداوة مشاقة لأن كلا من المتعاديين يكون في شق غير الذي يكون فيه الآخر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الأيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لأن تقديم المعمول على عامله يفيد الحصر.
ومنها: الإشارة بالبعيد عن القريب في قوله: {أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} إشعارا بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} استعار الدرجات التي هي حقيقة في المحسوسات للمراتب الرفيعة، والمنازل العالية في الجنة بجامع العلو في كل.
ومنها: التشبيه في قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} شبه حالهم وقت قسم الأنفال
بالسوية بينهم بحالهم وقت إخراجه من بيته بجامع الكراهة في كل مع كونه خيرا لهم، وفي قوله:{كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} شبههم بمن يساق إلى الموت؛ أي: القتل، وهو ينظر بعينه أسبابه، بجامع الكراهة في كل.
ومنها: الإبهام في قوله: {إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} فلما نجت العير علم أن الموعود بها النفير.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} وقوله: {وَيُبْطِلَ الْباطِلَ} .
ومنها: الطباق بين {الْحَقَّ} و {الْباطِلَ} .
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} فلذلك عطف عليه: {فَاسْتَجابَ لَكُمْ} بصيغة الماضي على مقتضى الواقع.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {ذاتِ الشَّوْكَةِ} فإنها حقيقة في شوك الشجر فاستعيرت للسلاح بجامع الحدة والطعن في كل.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ} : على قراءة رفع النعاس،
ومنها: الكناية في قوله: {وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ} لأنه كناية عن استئصالهم بالهلاك.
ومنها: تقديم الجار والمجرور على المفعول به للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، في قوله:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً} .
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ} : لأن الرجز حقيقة في العذاب، فاستعاره لوسوسة الشيطان بجامع المشقة والضرر في كل، لأن وسوسة الشيطان ضرر ومشقة على أهل الايمان، كما أن العذاب مشقة على أهله.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ} لأن الربط حقيقة في الأجرام، فاستعاره لتقوية القلوب وتثبيتها بجامع القوة في كل.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} لأن قوله {سَأُلْقِي} الخ كالتفسير لقوله: {أَنِّي مَعَكُمْ} وقوله: {فَاضْرِبُوا} الخ كالتفسير لقوله {فَثَبِّتُوا
…
} الخ.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ} للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل، أو سبب الجمع بين العاجل والآجل؛ لأنّ أصل الكلام فذوقوه وإن لكم عذاب النار، فوضع {لِلْكافِرِينَ} موضع لكم شهادة عليهم بالكفر وتنبيها على العلة المذكورة.
ومنها: الإضافة لتشريف المضاف إليه في قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} .
ومنها: التكرار في قوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ} .
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {شَاقُّوا اللَّهَ} {وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ} .
ومنها: التهكم في قوله: {فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ} .
ومنها: التهييج والإلهاب - أي: الإطناب - في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} لأنّ الإيمان موجود فيهم مع الصفات السابقة، والمعنى: إن كنتم مستمرين على الإيمان.
ومنها: الدلالة على التشريف والتكريم في قوله: {لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} لأن في كونها عنده سبحانه وتعالى زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (1): أنه تعالى لما أخبر أنه سيلقي الرعب في قلوب الكفار، وأمر من آمن بضرب فوق أعناقهم، وبنانهم .. حرضهم على الصبر عند مكافحة العدو، ونهاهم عن الانهزام.
(1) البحر المحيط.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّه لما نهى الله تعالى عن تولي الأدبار .. توعد من ولى دبره وقت لقاء العدو.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (1): أن الله سبحانه وتعالى لما هدد المشركين بقوله: {وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا ..} أردف ذلك بتأديب المؤمنين، بالأمر بطاعة الرسول، وإجابة دعوته إذا دعا للقتال في سبيل حياطة الدين وصد من يمنع نشره ويقف في طريق تبليغ دعوته.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (2) وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم التولي حين الجهاد .. أردفه بالأمر بالاستجابة له إذا دعاهم لهدى الدين وأحكامه عامة؛ لما في ذلك من تكميل الفطرة الإنسانية وسعادتها في الدنيا والآخرة، وكرر النداء بلفظ المؤمنين تنشيطا لهم إلى الإصغاء لما يرد بعده من الأوامر والنواهي، وإيماء إلى أنهم قد حصلوا ما يوجب عليهم الاستجابة، وهو الإيمان.
قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (3) أخبر أن هؤلاء المشبه بهم لا يسمعون .. أخبر أن شر الحيوان الذي يدب الصم، أو أن شر البهائم، فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب، وأخبر أنهم شر الحيوان مطلقا.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما حذر من الفتنة بالأموال والأولاد .. أردف ذلك بطلب التقوى التي
ثمرتها ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد.
(1) و (2) المراغي.
(3)
البحر المحيط.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ
…
} الآية، روى أبو داود (ج 2 ص 349): حدثنا محمد بن هشام المصري، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا داود بن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: نزلت في يوم بدر {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الحديث أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي وابن جرير، وعزاه الحافظ بن كثير (ج 2/ ص 395) إلى النسائي، وابن مردويه مع من ذكرنا، ثم قال: وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة، من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجمهور والله أعلم.
قوله تعالى: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
…
} الآية، في سبب نزولها ثلاثة أقوال (1):
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «ناولني كفا من حصباء» فناوله فرمى به في وجوه القوم، بما بقى منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة، رواه الطبراني عن ابن عباس، وفي رواية أخذ قبضة من تراب، فرمى بها، وقال:«شاهت الوجوه» فما بقى مشرك إلا شغل بعينيه بعالج التراب الذي فيها، فنزلت {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} وذلك يوم بدر، وهذا قول الأكثرين.
والقول الثاني: أن أبيّ بن خلف، أقبل يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربته، فسقط أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل الحجاز لماتوا أجمعون، فمات قبل أن يقدم مكة، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن المسيب عن أبيه.
والثالث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم خيبر بسهم فأقبل السهم يهوي حتى
(1) زاد المسير.
قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه، فنزلت هذه الآية. ذكره أبو سليمان الدمشقي في آخرين، والحديث مرسل (1)، جيد الإسناد، والمشهور أنها نزلت في رمية يوم بدر بالقبضة من الحصباء.
قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
…
} الآية، روى (2) الحاكم عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، قال: كان المستفتح أبا جهل، فإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف، فأحنه الغداة، وكان ذلك استفتاحا، فأنزل الله {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} إلى قوله:{وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية، قال: قال أبو جهل: اللهم انصر أعز الفئتين وأكرم الفرقتين، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
…
} الآية، روى (3) سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: نزلت هذه الآية {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} في أبي لبابة رفاعة بن عبد المنذر، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة، سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير، على أن يسيروا إلى أرض الشام، فأبى أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم، لأنّ ولده وأهله كانوا عندهم، فبعثه إليهم، فقالوا: ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ، فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، أنه الذبح فلا تفعلوا، فأطاعوه، فكانت تلك خيانته، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس والأكثرين، وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي، فمكث سبعة أيام كذلك، ثم تاب الله عليه، فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاء فحله بيده،
(1) لباب النقول.
(2)
لباب النقول.
(3)
زاد المسير.