المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فاستجاب الله له فقال تعالى:   ‌ ‌133 - {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ}؛ أي: أرسلنا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فاستجاب الله له فقال تعالى:   ‌ ‌133 - {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ}؛ أي: أرسلنا

فاستجاب الله له فقال تعالى:

‌133

- {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ} ؛ أي: أرسلنا على آل فرعون عقوبة على جرائمهم، وقد عدد سبحانه هنا من الآيات والعقوبات خمسا، وفي سورة الإسراء تسعا، الأول: منها ما ذكره بقوله: {الطُّوفانَ} ؛ أي: أنزلنا عليهم مطرا أغرق أرضهم، وأتلف زرعهم وثمارهم، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط متشبكة مختلطة، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، ومن جلس منهم غرق، ولم يدخل من ذلك الماء في بيوت بني إسرائيل شيء، وركب ذلك الماء على أرضهم، فلم يقدروا أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا، ودام ذلك عليهم سبعة أيام، من السبت إلى السبت، حتى كان الرجل منهم لا يرى شمسا ولا قمرا، ولا يستطيع الخروج من داره، فصرخوا إلى فرعون فاستغاثوا به، فأرسل إلى موسى عليه السلام فقال: اكشف عنا العذاب فقد صارت مصر بحرا واحدا؛ فإن كشفت هذا العذاب عنا .. آمنا بك، فأزال الله تعالى عنهم المطر، وأرسل الريح، فجفت الأرض، وخرج من النبات ما لم ير مثله قط، فقالوا: هذا الذي جزعنا منه خير لنا، لكنا لم نشعر، فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فنكثوا العهد ولم يؤمنوا، فأقاموا شهرا في عافية {وَ} أرسل الله عليهم {الْجَرادَ} فأكل زروعهم وثمارهم، وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم، وابتلي الجراد بالجوع، فكانت لا تشبع، ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك، وعظم الأمر عليهم، حتى صارت عند طيرانها تغطي الشمس، ووقع بعضها على بعض في الأرض ذراعا، فضجوا في ذلك إلى موسى وقالوا: يا موسى أدع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز .. لنؤمنن لك، فأعطوه عهد الله وميثاقه، فدعا موسى عليه السلام، فكشف الله تعالى عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام، من السبت إلى السبت، فأرسل الله تعالى ريحا فألقته في البحر، وكان قد بقي من زرعهم وغلاتهم بقية، فنظروا إلى ما بقي منها فقالوا: هذا الذي بقي يكفينا، ولا نؤمن بك {وَ} أقاموا شهرا في عافية، فأرسل الله عليم {الْقُمَّلَ} واختلفوا في معنى القمل، والصحيح أنّه هو القمل المعروف الذي يكون في بدن الإنسان وثيابه، ويؤيد هذا المعنى قراءة الحسن:{وَالْقُمَّلَ} - بفتح القاف وسكون الميم - فيكون فيه لغتان. القمل - بصم القاف وتشديد الميم المفتوحة - كقراءة الجمهور، والقمل

ص: 91

كقراءة الحسن، وقيل: القمل البراغيث، وقيل الجعلان، وقيل: إنه السوس الذي يخرج من الحنطة، وقيل: غير ذلك مما يطول الكلام بذكره، وعن سعيد بن جبير: كان إلى جنبهم كثيب أحمر، فضربه موسى عليه السلام بعصاه، فصار قملا، فأخذت أبشارهم وأشعارهم، وأشعار عيونهم، وحواجبهم، ولزم جلودهم كأنّه الجدري، ومنعهم النوم والقرار، فصاحوا وصرخوا هم وفرعون إلى موسى عليه السلام، وقالوا: إنا نتوب فادع لنا ربك يكشف عنا هذا البلاء، فدعا موسى فرفع الله عنهم القمل بعدما أقام عليهم سبعة أيام، من السبت إلى السبت، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم وقالوا: اليوم قد تيقنا أنه ساحر، حيث جعل الرمل دواب ولم يؤمنوا {وَ} أقاموا شهرا في عافية، فأرسل الله عليهم {الضَّفادِعَ} الحيوان المعروف، فامتلأت منها بيوتهم وأطعمتهم وآنيتهم، فلا يكشف أحد منهم عن ثوب ولا طعام ولا شراب إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل يجلس في الضفادع إلى رقبته، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، وكان يثب في قدورهم، فيفسد عليهم طعامهم، ويطفىء نيرانهم، وكان أحدهم يضطجع، فيركبه الضفدع، فيكون عليه ركاما حتى لا يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر، ويفتح فاه إلى أكله فيسبق الضفدع أكله إلى فيه، ولا يعجن عجينا، ولا يفتح قدرا إلا امتلأ الضفادع، فلقوا منها أذى شديدا، فشكوا إلى موسى وقالوا: ارحمنا هذه المرة، فما بقي إلا أن نتوب التوبة النصوح، ولا نعود إلى الكفر، فأخذ عهودهم ومواثيقهم، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بأن أماتها وأرسل عليها المطر والريح فاحتملها إلى البحر بعد ما أقامت عليهم سبعة أيام، من السبت إلى السبت، ثم أظهروا الكفر {وَ} أقاموا شهرا في عافية فأرسل الله عليهم {الدَّمَ} في مياههم، فصارت مياههم كلها دما، فما يسقون من بئر ولا نهر إلا وجدوه دما عبيطا - الخالص الطري - أحمر، فشكوا إلى فرعون وقالوا: إنّه ليس لنا شراب، فقال فرعون: سحركم موسى، فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا دما عبيطا، وكان فرعون لعنه الله تعالى يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد، فيكون ما يلي القبطي دما، وما يلي الإسرائيلي ماء، حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم

ص: 92