المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من العقاب، وهم في الغفلة على درجات، فمنهم الغافلون عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: من العقاب، وهم في الغفلة على درجات، فمنهم الغافلون عن

من العقاب، وهم في الغفلة على درجات، فمنهم الغافلون عن آيات الله في الأنفس والآفاق التي تهدي العبد إلى معرفة ربه، والغافلون عن استعمال مشاعرهم وعقولهم في أفضل ما خلقت لأجله، والغافلون عن ضروريات حياتهم الشخصية والقومية والدينية.

والخلاصة: أنّ أهل النار هم الأغبياء الجاهلون الغافلون الذين لا يستعملون عقولهم في فقه حقائق الأمور، وأبصارهم وأسماعهم في استنباط المعارف، واستفادة العلوم، ولا في معرفة آيات الله الكونية، وآياته التنزيلية، وهما سبب كمال الإيمان والباعث النفسي على كمال الإسلام

‌180

- {وَلِلَّهِ} سبحانه وتعالى لا لغيره {الْأَسْماءُ الْحُسْنى} ؛ أي: الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها، لدلالتها على أحسن المعاني وأشرفها. {فَادْعُوهُ}؛ أي: فادعو الله سبحانه وتعالى وسموه ونادوه {بِها} ؛ أي: بتلك الأسماء عند الدعاء لحوائجكم، وعند الذكر والثناء عليه، كأن تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم؛ أي: فاذكروه ونادوه بها إما للثناء عليه نحو {اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * ونحو: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22)} وإما لدى السؤال، وطلب الحاجات، وذكر الأسماء الحسنى في أربع سور من القرآن:

أولها: هذه السورة.

ثانيها: في آخر سورة الإسراء في قوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ} .

وثالثها: في أول طه في قوله: {اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8)} .

رابعها: في آخر الحشر في قوله: {هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} . اه. الخطيب.

وللذكر فوائد: منها تغذية الإيمان، ومراقبة الله تعالى، والخشوع له، والرغبة فيما عنده، واحتقار آلام الدنيا، وقلة المبالاة بما يفوت المؤمن من نعيمها، ومن ثم جاء في الحديث: «من نزل به غم أو كرب أو أمر مهم فليقل:

ص: 241

لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم» رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وروى الحاكم في «المستدرك» عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وأسماء الله كثيرة، وكلها حسنى لدلالة كل منها على منتهى كمال معناه، وتفضيلها على ما يطلق منها على المخلوقين، كالرحيم والحكيم والحفيظ والعليم.

وروى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها .. دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر» .

وفي رواية: «من أحصاها» في رواية أخرى: «لله تسعة وتسعون اسما، مئة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر» . قال البخاري: أحصاها: حفظها. وفي رواية الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن العزيز، الجبار المتكبر، الخالق البارىء المصور، الغفار القهار، الوهاب الرزاق، الفتاح العليم، القابض الباسط، الخافض الرافع، المعز المذل، السميع البصير، الحكم العدل، اللطيف الخبير، الحليم العظيم، الغفور الشكور، العلي الكبير، الحفيظ المقيت، الحسيب الجليل، الكريم الرقيب، المجيب الواسع، الحكيم الودود، المجيد الباعث، الشهيد الحق، الوكيل القوي، المتين الولي، الحميد المحصي، المبدىء المعيد، المحي المميت، الحي القيوم، الواجد الماجد، الواحد الصمد، القادر المقتدر، المقدم المؤخر، الأول الآخر، الظاهر الباطن، الوالي المتعال، البر التواب، المنتقم العفو،

ص: 242

الرؤوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط الجامع، الغني المغني، المانع الضار النافع، النور الهادي، البديع الباقي، الوارث الرشيد الصبور» وقد شرحت معاني هذه الأسماء كلها في كتابي «هدية الأذكياء على طيبة الأسماء منظومة الأسماء الحسنى» لرستم الحلبي، فراجعه إن شئت.

وقد اختلف (1) المحدثون في سرد هذه الأسماء، هل هو مرفوع أو مدرج في الحديث من بعض الرواة؟ والثاني هو الراجح، ومن ثم لم يخرجه الشيخان لتفرد الوليد بن مسلم به واحتمال الإدراج كما قاله الحافظ بن حجر في «الفتح» .

{فَادْعُوهُ بِها} ؛ أي: فادعوا (2) بأسمائه التي سمى بها نفسه، أو سماه بها رسوله، ففيه دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنّه يجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، ويجوز أن يقال: يا عالم، ولا يجوز أن يقال: يا عاقل، ويجوز أن يقال: يا حكيم، ولا يجوز أن يقال: يا طبيب.

وللدعاء بها شروط: منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها، ويستحضر في قلبه عظمة المدعو سبحانه وتعالى، ويخلص النية في دعائه، مع كثرة التعظيم والتبجيل والتقديس لله، ويعزم المسألة مع رجاء الإجابة، ويعترف لله سبحانه وتعالى بالربوبية، وعلى نفسه بالعبودية، فإذا فعل العبد ذلك .. عظم موقع الدعاء، وكان له تأثير عظيم.

{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ} تعالى؛ أي (3): واتركوا أيها المؤمنون تسمية الذين يزيفون ويميلون عن الحق في أسمائه تعالى، الذين يسمونه بما لا توقيف فيه، يا سخي يا عاقل، أو بما يوهم معنى فاسدا، كقولهم: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه، أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه، كقولهم: ما نعرف إلا رحمن اليمامة، أو: وذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام،

(1) المراغي.

(2)

الخازن.

(3)

البيضاوي.

ص: 243

واشتقاق أسمائها منها، كاللات من الله، والعزى من العزيز، ولا توافقوهم عليه، أو: أعرضوا عنهم، فإنّ الله سبحانه وتعالى مجازيهم كما قال:{سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} ؛ أي: لأنّهم سيلقون جزاء عملهم، وتحل بهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فاجتنبوا إلحادهم كيلا يصيبكم مثل ما يصيبهم، وهذا تهديد لمن ألحد في أسمائه تعالى، وهذا قبل الأمر بالقتال، فهو منسوخ بآية السيف، وقرأ حمزة يلحدون بفتح الياء والحاء هنا وفي فصلت والنحل، ووافقه عاصم والكسائي في النحل، يقال: لحد وألحد إذا مال عن الحق، وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى، وقرأ باقي السبعة بضم الياء وكسر الحاء فيهن من ألحد الرباعي.

فصل في الإلحاد في أسمائه تعالى وأقسامه

والإلحاد ضربان (1): إلحاد إلى الشرك بالله وهو ينافي الإيمان ويبطله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب كأن ينظر إليها مع الغفلة عن كونها من خلق الله وتسخيره، أو يعتقد أنّها مؤثرة بذاتها لا بفعله تعالى، وهذا يوهن عرا الإيمان، ولا يبطله.

والخلاصة: أن الإلحاد في أسمائه الحسنى أقسام:

1 -

تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه في كتابه أو ما صح من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق أهل الحق على أن أسماءه وصفاته تعالى توقيفية؛ أي: تحتاج إلى إذن من الشارع لصحة إطلاقها عليه تعالى، وكل ما ورد في الكتاب والأحاديث الصحيحة دعاء ووصفا له، وإخبارا عنه، يصح إثباته له، ويمنع كل ما دلت على منعه، قال في «الكشاف»: كقول أهل البدو: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه، يا سخي.

(1) المراغي.

ص: 244