المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله - من أعمال - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله - من أعمال

الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله - من أعمال القلوب، والصفتان الباقيتان من أعمال الجوارح، كما سترى قريبا.

واعلم: أنّه إذا كان الشرع والعقل حاكمين بأن للإنسان كسبا اختياريا كلفه الله العمل به، وأنه يجازى على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .. وجب على الإنسان أن يسعى في تدبير أمور نفسه بحسب ما وضعه الله تعالى في نظام الأسباب وارتباطها بالمسببات، وأنّ هذا الارتباط لم يكن إلا بتسخير الله تعالى وأما ما يناله باستعمالها فهو فضل من الله تعالى الذي سخرها وجعلها أسبابا، وعلمه ذلك، وأن ما لا يعرف له سبب يطلب به، فالمؤمن يتوكل على الله وحده، وإليه يتوجه فيما يطلبه منه، أما ترك الأسباب وتنكب سنن الله في الخلق .. فهو جهل بالله وجهل بدينه، وجهل بسننه التي لا تتبدل ولا تتحول.

‌3

- والرابعة: ما ذكره بقوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} وهذا الموصول في محل رفع على أنّه وصف للموصول قبله، أو بدل منه، أو بيان له، أو في محل نصب على المدح، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه، يعني: يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها؛ أي: يؤدونها مقومة كاملة في صورتها وأركانها الظاهرة من قيام، وركوع، وسجود، وقراءة، وذكر، وفي معناها وروحها الباطن من خشوع وخضوع، في مناجاة الرحمن، واتعاظ وتدبر في تلاوة القرآن، وبهذا كله تحصل ثمرة الصلاة من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

والخامسة: ما ذكره بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} ؛ أي: وينفقون بعض ما رزقناهم في وجوه البر، من الزكاة المفروضة، والحج والجهاد، والنفقات الواجبة والمندوبة للأقربين، والمحتاجين، وفي مصالح الأمة ومرافقها العامة، التي بها يعلو شأنها بين الأمم، ويكون عليه تقدمها وعمرانها.

‌4

- {أُولئِكَ} الموصوفون بالصفات الخمس المذكورة {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} إيمانا {حَقًّا} لا شك في إيمانهم؛ لأنهم حققوا إيمانهم بضم الأعمال القلبية والقالبية إليه.

ص: 336

روى الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أنّه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال:«انظر ماذا تقول يا حارثة؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال:«يا حارثة عرفت فالزم» ثلاثا.

وروي عن الحسن أنّ رجلا سأله: أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة والنار، والبعث والحساب .. فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ

} الخ فو الله لا أدري أنا منهم أم لا.

وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافهم، ذكر جزاءهم عند ربهم فقال:{لَهُمْ} ؛ أي: لهؤلاء الموصوفين بالصفات السابقة {دَرَجاتٌ} من الكرامة والزلفى، ومراتب متفاوتة، بعضها فوق بعض بحسب تفاوتهم في الإيمان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين مئة عام» أخرجه الترمذي.

وله أيضا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في الجنة مئة درجة، لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهن .. لوسعتهم مدخرة لهم {عِنْدَ رَبِّهِمْ} الذي خلقهم وسواهم، وهو القادر على جزائهم على أعمالهم الصالحة في دار الجزاء والثواب، والله تعالى فضل بعض الناس على بعض، ورفعهم درجة أو درجات في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)} وقال تعالى في الرسل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} .

الآية. وقال في درجات الدنيا وحدها: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} .

ص: 337