الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيركم، كالتخصيص بتلك الآيات القاهرات؛ فإنه لم يحصل مثلها لأحد من العالمين، وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال (1)، مثاله: رجل تعلم علما واحدا، وآخر تعلم علوما كثيرة سوى ذلك العلم، فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك الواحد، وفي الحقيقة أن صاحب العلوم الكثيرة مفضل على صاحب العلم الواحد، والمعنى: أأمركم أن تعبدوا ربا يتخذ ويطلب، بل الإله هو الذي يكون قادرا على الإيجاد وإعطاء الحياة، وجميع النعم، والاستفهام فيه للإنكار والتعجيب والتوبيخ.
والخلاصة (2): أن موسى بدأ جوابه لقومه بإثبات جهلهم بربهم وبأنفسهم، وثنى ببيان فساد ما طلبوه، وكونه عرضة للتبار والزوال؛ لأنّه باطل في نفسه، ثم انتقل إلى بيان أن العبادة لغير الله لا تصح ألبتة، سواء أكان المعبود أفضل المخلوقات كالملائكة والنبيين، أو أخسها كالأصنام، ثم أنكر عليهم أن يكون هو الوساطة في هذا الجعل الذي دعا إليه الجهل، ليعلمهم أن طلب هذا الأمر المنكر منه عليه السلام جهل بمعنى رسالته، وأيد إنكاره لكلا الأمرين بما يعرفون من فضل الله تعالى عليهم، بتفضيلهم على أهل زمانهم، ممن كانوا أرقى منهم مدنية وحضارة، وسعة ملك وسيادة على بعض الشعوب، وهم فرعون وقومه، برسالة موسى وهارون منهم، وتجديد ملة إبراهيم فيهم، وإيتائهما من الآيات ما تقدم ذكره.
141
- ثم ذكر سبحانه وتعالى منته على بني إسرائيل فقال: {وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ؛ أي: واذكروا يا بني إسرائيل قصة وقت إنجائنا إياكم من فرعون وقومه بإهلاكهم بالكلية، حالة كون آل فرعون {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ}؛ أي: يذيقونكم أشد العذاب باستعمالكم في الأعمال الشاقة، وحالة كونهم {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ} صغارا {وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ}؛ أي: ويبقون بناتكم بلا قتل لاستخدامهن، وجملة {يُقَتِّلُونَ} وما بعدها مفسرة لـ {يَسُومُونَكُمْ} ، أو بدل منه {وَفِي ذلِكُمْ}
(1) المراح.
(2)
المراغي.
الإنجاء أو العذاب {بَلاءٌ} ؛ أي: إنعام أو ابتلاء {مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أفلا تتعظون وتنتهون عن قولكم: اجعل لنا إلها؟!.
وحاصل المعنى: واذكروا إذ أنجيناكم - بإرسال موسى وبما أيدناه من الآيات - من آل فرعون الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب بجعلكم عبيدا مسخرين لخدمتهم، ويقتلون ما يولد لكم من الذكور، ويستبقون نساءكم لتزدادوا ضعفا بكثرتهن، وفي ذلك العذاب والإنجاء منه - بفضل الله عليكم، وتفضيله إياكم على غيركم من سكان مصر، وسكان الأرض المقدسة التي سترثونها - بلاء عظيم؛ أي: اختبار لكم من ربكم، المدبر لأموركم، ليس هناك اختبار أعظم منه، فلا أجدر بالاعتبار والاستفادة من أحداث الزمان ممن يعطى النعمة بعد النقمة، وأحق الناس بمعرفة الله تعالى، وإخلاص العبادة له، من يرى في نفسه وفي الآفاق ما يوقن به، أنّه لا يمكن أن يكون فيه شركة لغير الله، وإن أعجب العجب أن تطلبوا بعد هذا كله ممن رأيتم على يديه هذه الآيات أن يجعل لكم آلهة من أخس المخلوفات، تجعلونها واسطة بينكم وبين الله تعالى، وهو قد فضلكم عليها وعلى من يعبدونها، ومن هم أرقى منهم.
وقرأ الجمهور: {أَنْجَيْناكُمْ} وفرقة: {نجيناكم} : مشددا، وابن عامر:{أنجاكم} ، فعلى قراءة:{أنجاكم} ، يكون جاريا على قوله:{وَهُوَ فَضَّلَكُمْ} خاطب به موسى قومه، وفي قراءة النون خاطبهم الله تعالى بذلك، قال الطبري: الخطاب لمن كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تقريعا لهم بما فعل أسلافهم، وبما جاؤوا به، وقرأ نافع:{يقتلون} من قتل الثلاثي، والجمهور {يُقَتِّلُونَ} بالتشديد من قتل المضعف.
الإعراب
{وَقالَ} الواو: عاطفة أو مستأنفة، {قالَ الْمَلَأُ}: فعل وفاعل، والجملة
معطوفة على جملة قوله: {قالَ فِرْعَوْنُ} ، أو مستأنفة، {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من {الْمَلَأُ} ، {أَتَذَرُ مُوسى} إلى قوله:{قالَ} : مقول محكي لـ {قالَ} ، وإن شئت قلت:{أَتَذَرُ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري، {تَذَرُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {فِرْعَوْنَ} ، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {مُوسى} مفعول به {وَقَوْمَهُ}: معطوف عليه، {لِيُفْسِدُوا}:{اللام} : حرف جر وعاقبة، {يفسدوا}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإفسادهم في الأرض، الجار والمجرور متعلق بـ {تَذَرُ} ، {وَيَذَرَكَ} ، الواو: عاطفة {يَذَرَكَ} : فعل ومفعول، معطوف على {لِيُفْسِدُوا} وفاعله ضمير يعود على {مُوسى} ، {وَآلِهَتَكَ}: معطوف على الكاف في {يَذَرَكَ} {قالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {فِرْعَوْنَ} ، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا، {سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير المتكلمين يعود على {فرعون وقومه} ، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {فِرْعَوْنَ} والجملة معطوفة على جملة {سَنُقَتِّلُ} ، {وَإِنَّا} {إن}: حرف نصب و {نا} : اسمها، {فَوْقَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه خبر أول لـ {إن} {قاهِرُونَ} : خبر ثان لها، وجملة {إن} في محل النصب معطوفة على جملة {سَنُقَتِّلُ} .
{قالَ مُوسى} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {لِقَوْمِهِ}: جار ومجرور، متعلق به {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{اسْتَعِينُوا} فعل وفاعل {بِاللَّهِ} متعلق به، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {وَاصْبِرُوا}: فعل وفاعل معطوف على {اسْتَعِينُوا} . {إِنَّ} : حرف نصب {الْأَرْضَ} : اسمها {لِلَّهِ} : جار ومجرور خبر إنّ، والجملة في محل
النصب مقول {قالَ} على كونها معللة لما قبلها {يُورِثُها} : فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الله والجملة في محل نصب حال من الجلالة تقديره: حالة كونه مورثا لها من يشاء من عباده، أو حال من الضمير المستكن تقديره: إنّ الأرض مستقرة لله حال كونها موروثة من الله لمن يشاء من عباده. {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب مفعول ثان، وجملة {يَشاءُ}: صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: من يشاؤه، {مِنْ عِبادِهِ}: جار ومجرور، حال من العائد المحذوف، {وَالْعاقِبَةُ} مبتدأ، {لِلْمُتَّقِينَ}: خبره، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة إنّ على كونها مقولا لـ {قالَ} وعلى قراءة النصب معطوفة على اسم إن.
{قالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أُوذِينا}: إلى قوله: {قالَ} مقول محكي لـ {قالُوا} ، وإن شئت قلت:{أُوذِينا} : فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} ، {مِنْ قَبْلِ}: جار ومجرور، متعلق بـ {أُوذِينا} {أَنْ تَأْتِيَنا}: ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مُوسى} ، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه تقديره: من قبل إتيانك إلينا، {وَمِنْ بَعْدِ}: جار ومجرور، معطوف على الجار والمجرور قبله، {ما}: مصدرية {جِئْتَنا} : فعل وفاعل ومفعول، في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه تقديره: ومن بعد مجيئك إيانا، {قالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مُوسى} والجملة مستأنفة {عَسى رَبُّكُمْ} إلى آخر الآية مقول محكي لـ {قالَ} ، وإن شئت قلت:{عَسى} : من أفعال الرجاء تعمل عمل كان، {رَبُّكُمْ}: اسمها {أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر {عَسى} تقديره: عسى ربكم إهلاكه عدوكم، ولكنه في تأويل مهلكا عدوكم، {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ}: فعل ومفعول، معطوف على {يُهْلِكَ} ، وفاعله ضمير يعود على الله. {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به،
{فَيَنْظُرَ} : {الفاء} : عاطفة، {ينظر}: فعل مضارع معطوف على {يستخلف} : وفاعله ضمير يعود على الله. {كَيْفَ} : اسم استفهام معلق ما قبلها عن العمل فيما بعدها في محل النصب على التشبيه بالمفعول به، والعامل فيه ما بعدها {تَعْمَلُونَ}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مفعول به لـ {ينظر}: علق عن العمل في لفظه باسم الاستفهام، والتقدير: عسى ربكم مهلكا عدوكم، ومستخلفا إياكم في الأرض فناظر كيف تعملون، وجملة عسى في محل النصب مقول {قالَ} .
{وَلَقَدْ} الواو: استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق {أَخَذْنا} : فعل وفاعل {آلَ فِرْعَوْنَ} : مفعول ومضاف إليه، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، {بِالسِّنِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَخَذْنا} ، {وَنَقْصٍ}: معطوف على {السنين} ، {مِنَ الثَّمَراتِ} متعلق بـ {نَقْصٍ}. {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمها، وجملة {يَذَّكَّرُونَ}: في محل الرفع خبر {لعل} وجملة {لعل} مستأنفة مسوقة لتعليل جواب القسم.
{فَإِذا} {الفاء} : فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أخذنا إياهم بالسنين وما بعده، وأردت بيان حالهم ومقالتهم حينئذ .. فأقول لك:(إذا جاءتهم الحسنة): {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، {قالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا}: في محل النصب مقول لجواب {إذا} المقدرة، وجملة {إذا} المقدرة مستأنفة، {لَنا هذِهِ}: مقول محكي، أو مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} ، {وَإِنْ} الواو: عاطفة، {تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}: فعل ومفعول، وفاعل مجزوم
بإن الشرطية على كونها فعل شرط لها، {يَطَّيَّرُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {إِنْ} : على كونه جوابا لها، وجملة {إِنْ} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة {إذا} ، {بِمُوسى}: جار ومجرور متعلق بـ {يَطَّيَّرُوا} ، {وَمَنْ} موصولة في محل الجر، معطوفة على {موسى}. {مَعَهُ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صلة من الموصولة {أَلا}: حرف استفتاح وتنبيه، {إِنَّما}: أداة حصر {طائِرُهُمْ} : مبتدأ ومضاف إليه، {عِنْدَ اللَّهِ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة، {وَلكِنَّ} ، الواو: عاطفة {لكِنَّ} : حرف استدراك ونصب، {أَكْثَرَهُمْ}: اسمها، وجملة {لا يَعْلَمُونَ}: خبرها، والجملة الاستدراكية معطوفة على الجملة التي قبلها.
{وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)} .
{وَقالُوا} الواو: استئنافية {قالُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {مَهْما تَأْتِنا بِهِ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{مَهْما} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، أو في محل النصب مفعول مقدم، والخبر جملة الجواب، أو الشرط أو هما، على الخلاف المذكور، {تَأْتِنا}: فعل ومفعول مجزوم بـ {مَهْما} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير المخاطب يعود على {مُوسى} {بِهِ}: جار ومجرور، متعلق بـ {تَأْتِنا} والضمير عائد على {مَهْما} ذكره نظرا للفظه {مِنْ آيَةٍ}: جار ومجرور، حال من ضمير به {لِتَسْحَرَنا}: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على {مُوسى}. {بِها}: متعلق به، والضمير عائد على {مَهْما} ، وأنثه نظرا إلى كونه بمعنى {آيَةٍ} ، وجملة {تسحرنا} في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره:
لسحرك إيانا، الجار والمجرور متعلق بـ {تَأْتِنا} ، {فَما} {الفاء}: رابطة لجواب {مَهْما} وجوبا، {ما}: حجازية أو تميمية، {نَحْنُ}: في محل الرفع اسمها أو مبتدأ، {لَكَ}: متعلق بـ {بِمُؤْمِنِينَ} ، {بِمُؤْمِنِينَ}: خبر {ما} الحجازية، أو خبر المبتدأ، وجملة {ما} الحجازية، أو جملة المبتدأ في محل الجزم بـ {مَهْما} على كونها جوابا لها، وجملة {مَهْما} الشرطية في محل النصب مقول {قالُوا} .
{فَأَرْسَلْنا} {الفاء} : عاطفة على محذوف تقديره: فدعا عليهم، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله:{وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ} . {أرسلنا} : فعل وفاعل، {عَلَيْهِمُ} متعلق به، {الطُّوفانَ}: مفعول به، {وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ}: معطوفات على {الطُّوفانَ} ، وجملة {أرسلنا}: معطوفة على جملة دعا المحذوفة، {آياتٍ}: حال من الأشياء الخمسة، {مُفَصَّلاتٍ}: صفة لآيات، {فَاسْتَكْبَرُوا}:{الفاء} : عاطفة، {استكبروا}: فعل وفاعل والجملة معطوفة على جملة {أرسلنا} ، {وَكانُوا}: فعل ناقص واسمه، {قَوْمًا} خبرها، {مُجْرِمِينَ}: صفة لـ {قَوْمًا} ، وجملة كان معطوفة على جملة {استكبروا} .
{وَلَمَّا} الواو: استئنافية {لَمَّا} : حرف شرط غير جازم، {وَقَعَ}: فعل ماض، {عَلَيْهِمُ}: متعلق به، {الرِّجْزُ}: فاعل، والجملة فعل شرط لـ {ما} لا محل لها من الإعراب، {قالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} مستأنفة، {يا مُوسَى} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{يا مُوسَى} : منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالُوا} ، {ادْعُ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على {مُوسَى} ، {لَنا}: متعلق به، {رَبَّكَ}: مفعول به، وجملة {ادْعُ} جواب النداء، في محل النصب مقول {قالُوا} ، {بِما}:{الباء} : حرف جر، {ما} مصدرية، {عَهِدَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، {عِنْدَكَ}: متعلق بـ {عَهِدَ} ، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية، وجملة {ما} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: بعهده عندك؛ أي: برسالته عندك؛ أي: متوسلا بالرسالة التي جعلها عندك، الجار والمجرور متعلق بـ {ادْعُ} ، ويصح أن تكون {ما} موصولا اسميا {لَئِنْ} {اللام}: موطئة للقسم {إن} : حرف شرط: {كَشَفْتَ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل
شرط لها، {عَنَّا}: جار ومجرور، متعلق بـ {كَشَفْتَ} ، {الرِّجْزُ}: مفعول به لـ {كَشَفْتَ} ، قال أبو حيان: وجملة القسم حال من واو {قالُوا} ؛ أي: قالوا ذلك مقسمين لئن كشفت .. الخ انتهى، {لَنُؤْمِنَنَّ} {اللام}: موطئة للقسم مؤكدة للام الأولى، أتي باللام ثانيا إيذانا بأنّ الجواب بعدها مبني على قسم مقدر قبلها، لا على الشرط تقديره: والله لئن كشفت .. الخ ذكره في «الفتوحات» . {نؤمنن} : فعل مضارع في محل الرفع لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير المتكلمين، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم تقديره: إن كشفت عنا الرجز نؤمن لك، وجملة القسم مع جوابه، وكذلك جملة الشرط في محل النصب مقول {قالوا} ، {لَكَ} جار ومجرور متعلقان بالفعل {نؤمنن} {وَلَنُرْسِلَنَّ}: الواو: عاطفة، {اللام}: موطئة للقسم مؤكدة للأولى، {نرسلن}: فعل مضارع في محل الرفع، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وفاعله ضمير يعود على قوم فرعون، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لَنُؤْمِنَنَّ} ، على كونها جواب القسم، {مَعَكَ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {نرسلن} ، أو حال من {بَنِي إِسْرائِيلَ} ، {بَنِي إِسْرائِيلَ}: مفعول به ومضاف إليه.
{فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)} .
{فَلَمَّا} {الفاء} : عاطفة على محذوف تقديره: فدعا موسى الكشف عنهم فكشفنا عنهم الرجز المذكور، {لما}: حرف شرط غير جازم، {كَشَفْنا}: فعل وفاعل، {عَنْهُمُ}: متعلق به، {الرِّجْزَ}: مفعول به، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لما}: لا محل لها من الإعراب، {إِلى أَجَلٍ}: جار ومجرور، متعلق بـ {كَشَفْنا} ، {هُمْ بالِغُوهُ}: مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية في محل الجر صفة، لـ {أَجَلٍ} ، ولكنها سببية، {إِذا}: فجائية خلف عن الفاء الرابطة، حرف لا محل لها من الإعراب، {هُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَنْكُثُونَ}: خبره، والجملة الاسمية جواب {لما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما} معطوفة على الجملة المحذوفة.
{فَانْتَقَمْنا} {الفاء} : عاطفة على محذوف تقديره: فنكثوا عهودهم فانتقمنا منهم، {انتقمنا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على الجملة المحذوفة، {مِنْهُمْ}: متعلق بـ {انتقمنا} ، {فَأَغْرَقْناهُمْ} {الفاء}: تفسيرية عاطفة، {أغرقناهم}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {انتقمنا} ، مفسرة لها لأنّ الإغراق عين الانتقام، {فِي الْيَمِّ} متعلق بـ {أغرقنا} ، {بِأَنَّهُمْ}: الباء حرف جر وسبب، {أن}: حرف نصب و {الهاء} : اسمها، {كَذَّبُوا}: فعل وفاعل، {بِآياتِنا}: متعلق به، {وَكانُوا}: فعل ناقص واسمه، {غافِلِينَ}: خبر كان، {عَنْها}: متعلق بـ {غافِلِينَ} ، وجملة {كانُوا}: معطوفة على جملة {كَذَّبُوا} ، على كونها خبرا لـ {أن} ، وجملة {كَذَّبُوا}: في محل الرفع خبر أنّ، وجملة أنّ في تأويل مصدر مجرور بالباء تقديره: فأغرقناهم بسبب تكذيبهم بآياتنا، وغفلتهم عنها، الجار والمجرور متعلق بـ {أغرقنا} .
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ} : فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة مستأنفة أو معطوفة على جملة {أغرقنا} {الَّذِينَ}: صفة لـ {الْقَوْمَ} ، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه {يُسْتَضْعَفُونَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كان صلة الموصول {مَشارِقَ الْأَرْضِ}: مفعول ثان لـ {أَوْرَثْنَا} ، {وَمَغارِبَهَا}: معطوف على {مَشارِقَ الْأَرْضِ} ، {الَّتِي}: صفة للمشارق والمغارب كما أشرنا إليه في مبحث التفسير {بارَكْنا} : فعل وفاعل {فِيها} : متعلق به، والجملة صلة الموصول {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ}: فعل وفاعل ومضاف إليه {الْحُسْنى} : صفة لـ {كَلِمَتُ رَبِّكَ} ، والجملة معطوفة على جملة {أَوْرَثْنَا} ، {عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {تَمَّتْ} ، {بِما صَبَرُوا} الباء حرف جر، {ما}: مصدرية، {صَبَرُوا}: فعل وفاعل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بـ {تَمَّتْ} تقديره: وتمت عليهم كلمت ربك بسبب صبرهم على إذاية فرعون.
{وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} .
{وَدَمَّرْنا} : فعل وفاعل معطوف على جملة قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} ، ولكن الواو لا تقتضي ترتيبا فلا يقال: إن التدمير قبل تمام النعمة، {ما}: موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول {دَمَّرْنا} ، {كانَ}: فعل ماض ناقص، {يَصْنَعُ} فعل مضارع مرفوع بالضم والفاعل تقرير هو {فِرْعَوْنُ}: اسم كان مؤخر، {وَقَوْمُهُ}: معطوف عليه، وجملة {يَصْنَعُ}: خبر كان، وجملة {كانَ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كان فرعون وقومه يصنعونه، {وَما} الواو: عاطفة، {ما}: معطوفة على {ما} الأولى على كونها مفعول {دَمَّرْنا} ، {كانُوا}: فعل ناقص، واسمه، وجملة {يَعْرِشُونَ}: خبر كان، وجملة {كان}: صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره وما كانوا يعرشون.
{وَجاوَزْنا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {بِبَنِي إِسْرائِيلَ}: متعلق بـ {جاوَزْنا} ، {الْبَحْرَ} منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ {جاوَزْنا} ، {فَأَتَوْا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {جاوَزْنا}. {عَلى قَوْمٍ}: متعلق بـ {أتوا} ، وجملة {يَعْكُفُونَ} في محل الجر صفة لـ {قَوْمٍ} ، {عَلى أَصْنامٍ}: متعلق بـ {يَعْكُفُونَ} ، {لَهُمْ}: صفة لـ {أَصْنامٍ} ، {قالُوا}: فعل وفاعل، والجملة جواب لما المحذوفة تقديرها: فلما رأوهم وأصنامهم قالوا: يا موسى
…
إلى قوله: {قالَ} : مقول محكي لـ {قالُوا} وإن شئت قلت: {يا مُوسَى} : منادى مفرد العلم، وجملة النداء مقول:{قالُوا} {اجْعَلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يوعد على {مُوسَى} والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} . على كونها جواب النداء، {لَنا}: جار ومجرور متعلق بـ {اجْعَلْ} ، {إِلهًا}: مفعول به لـ {اجْعَلْ} ؛ لأنه بمعنى اصنع فتعدى إلى مفعول واحد، {كَما}:{الكاف} : حرف جر، {ما}: مصدرية {لَهُمْ آلِهَةٌ} : مبتدأ وخبر، والجملة صلة {ما}: المصدرية، وحسن ذلك كون الظرف مقدرا بالفعل. كما ذكره أبو البقاء. الجار والمجرور صفة لـ {إِلهًا} تقديره: إلها كائنا كالآلهة التي
استقرت لهم، {قالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مُوسَى} ، والجملة مستأنفة {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: مقول محكي لـ {قالَ} وإن شئت قلت: {إِنَّكُمْ} {إن} حرف نصب والكاف اسمها، {قَوْمٍ}: خبرها، وجملة {تَجْهَلُونَ}: صفة لـ {قَوْمٍ} ، وجملة إن في محل النصب مقول {قالَ} .
{إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} .
{إِنَّ} حرف نصب {هؤُلاءِ} في محل النصب اسمها، {مُتَبَّرٌ}: خبرها، ولكنه خبر سببي، وجملة إنّ في محل النصب مقول {قالَ} . {ما هُمْ فِيهِ} ، {ما}: موصولة في محل الرفع نائب فاعل لـ {مُتَبَّرٌ} : لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المغير لاعتماده على المخبر عنه، {هُمْ}: مبتدأ {فِيهِ} : جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة {ما} الموصولة {وَباطِلٌ}: معطوف على {مُتَبَّرٌ} ، {ما}: موصولة في محل الرفع فاعل، {باطِلٌ} ، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْمَلُونَ}: خبر {كان} ، وجملة كان صلة {ما} الموصولة.
{قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140)} .
{قالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {مُوسَى} ، والجملة مستأنفة {أَغَيْرَ اللَّهِ}:{الهمزة} : للاستفهام الإنكاري حقها أن تدخل على الفعل المذكور بعده، {غَيْرَ اللَّهِ}: مفعول به لـ {أَبْغِيكُمْ} مقدم عليه أصله: أأبغي غير الله لكم إلها؟ فلمّا قدم غير حذف الجار، واتصل الكاف بالفعل .. فصار، أبغيكم، {إِلهًا}: تمييز لـ {غَيْرَ} منصوب به، أو منصوب على الحال {وَهُوَ} الواو: واو الحال، هو: مبتدأ، وجملة {فَضَّلَكُمْ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب إما حال من الجلالة، أو من ضمير المخاطبين، أو مستأنفة، {عَلَى الْعالَمِينَ}: متعلق بـ {فضل} .
{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية، {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية مبنية على السكون، والظرف متعلق بمحذوف، تقديره:
واذكروا إذا أنجيناكم، والجملة المحذوفة مستأنفة، {أَنْجَيْناكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} ، {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أَنْجَيْناكُمْ} ، {يَسُومُونَكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {سُوءَ الْعَذابِ}: مفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {آلِ فِرْعَوْنَ} ، {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب بدل من جملة {يَسُومُونَكُمْ} على كونها حالا من {آلِ فِرْعَوْنَ} ، وجملة قوله:{وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ} ، معطوفة على جملة {يُقَتِّلُونَ} على كونها بدلا من {يَسُومُونَكُمْ} ، {وَفِي ذلِكُمْ}: جار ومجرور خبر مقدم {بَلاءٌ} : مبتدأ مؤخر، {مِنْ رَبِّكُمْ}: صفة أولى لـ {بَلاءٌ} ، {عَظِيمٌ}: صفة ثانية له، والجملة الاسمية مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ} كثر استعمال الأخذ في العذاب كقوله: وَ {كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} ، و {آلَ فِرْعَوْنَ} قومه وخاصته وأعوانه في أمور الدولة، وهم الملأ من قومه، ولا يستعمل هذا اللفظ إلا فيمن يختص بالإنسان بقرابة قريبة، كما قال عزّ اسمه. {وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ} أو بموالاة ومتابعة في الرأي، كما قال:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} .
{بِالسِّنِينَ} : جمع سنة، وهي بمعنى الحول، ولكن أكثر ما تستعمل في الحول الذي فيه الجدب، كما هنا بدليل نقص الثمرات، وأصل سنة سنهة، فلامها هاء لقولهم: عاملته مسانهة، وقيل لامها واو لقولهم: سنيوة، وفي لفظ سنين لغتان:
أشهرهما: إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم فيرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، وتحذف نونه للإضافة، كما في الحديث الصحيح «اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» .
واللغة الثانية: أن يجعل الإعراب على النون، ولكن مع الياء خاصة، نقل هذه اللغة أبو زيد والفراء.
{فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} : والمراد بالحسنة هنا الخصب والرخاء، وبالسيئة: ما يسؤهم من جدب وجائحة، أو مصيبة في الأبدان والأرزاق {يَطَّيَّرُوا بِمُوسى}؛ أي: يتشاءموا، وسر (1) إطلاق التطير على التشاؤم أن العرب كانت تتوقع الخير والشر مما تراه من حركة الطير، فإذا طارت من جهة اليمين .. تيمنت بها، ورجت الخير والبركة، وإذا طارت من جهة الشمال .. تشاءمت وتوقعت الشر، وسمي الطائر الأول السانح، والثاني البارح، وسموا الشؤم طيرا وطائرا، والتشاؤم تطيرا.
وأصل (2){يَطَّيَّرُوا} : يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها في المخرج، وقيل أصل التطير: أن يفرق المال ويطير بين القوم، فيطير لكل واحد حظه وما يخصه، ثم أطلق على الحظ والنصيب السيء بالغلبة، وفي «الخازن»: قال ابن عباس (3): طائرهم ما قضي لهم وقدر عليهم من عند الله تعالى، وفي رواية عنه: شؤمهم عند الله، ومعناه أنّ ما جاءهم بكفرهم بالله تعالى، وقيل الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله تعالى من عذاب النار. انتهى.
وفي «المصباح» : طائر الإنسان عمله الذي يقلده، وتطير من الشيء واطّير منه، والاسم الطيرة، وزان عنبة أو هي التشاؤم. اه وفيه أيضا: الشؤم الشر، ورجل مشؤوم غير مبارك، وتشاءم القوم به مثل تطيروا به.
{الطُّوفانَ} الطوفان لغة: ما طاف بالشيء وغشيه، وغلب في طوفان الماء سواء كان من السماء أو من الأرض، وفيه قولان، أحدهما: أنّه جمع طوفانه؛ أي: هو اسم جنس كقمح وقمحة، وشعير وشعيرة، وقيل: بل هو مصدر كالنقصان والرجحان. وهذا قول المبرد مع آخرين، والأول قول الأخفش، قال: هو فعلان من الطواف؛ لأنه يطوف حتى يعم، وواحدته في القياس طوفانة، والطوفان الماء الكثير. قاله الليث، اه «سمين» {الْجَرادَ} جمع جرادة، الذكر والأنثى فيه سواء، يقال: جرادة ذكر وجرادة أنثى، كنملة وحمامة، قال أهل اللغة: وهو مشتق من
(1) المراغي.
(2)
الفتوحات.
(3)
الخازن.
الجراد، قالوا: والاشتقاق (1) في أسماء الأجناس قليل جدا، يقال: أرض جرداء؛ أي: ملساء، وثوب أجرد إذا ذهب وبره. اه «سمين» {وَالْقُمَّلَ} قيل: هو القردان، وقيل: دواب تشبهها أصغر منها، وقيل: هو السوس الذي يخرج من الحنطة، وقيل: هو نوع من الجراد وأصغر منه، وقيل: الحمنان الواحدة حمنانة نوع من القردان، وقيل: هو القمل المعروف الذي يكون في بدن الإنسان وثيابه، ويؤيد هذا المعنى قراءة الحسن:{وَالْقُمَّلَ} بفتح القاف وسكون الميم كما مر.
{وَالضَّفادِعَ} جمع ضفدع بوزن درهم، ويجوز كسر داله، فيصير بزنة زبرج، والضفدع مؤنث وليس بمذكر، فعلى هذا يفرق بين مذكره ومؤنثه بالوصف فيقال: ضفدع ذكر، وضفدع أنثى، كما قلنا ذلك في الملتبس بتاء التأنيث نحو: حمامة وجرادة وقملة اه «سمين» .
وفي «القاموس» (2) الضفدع كزبرج وجعفر وجندب ودرهم، وهذا أقل ومردود، الواحدة بهاء، والجمع ضفادع وضفادي اه {وَالدَّمَ} هو الرعاف، وقيل هو دم كان يحدث في مياه المصريين. {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} ، {الرِّجْزُ} (3): العذاب الذي يضطرب له الناس في شؤونهم ومعايشهم، وذلك شامل نقمة وجائحة أنزلها الله تعالى على قوم فرعون، كالخمس التي ذكرت قبل. {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} والعهد النبوة والرسالة كما مر {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} والنكث لغة نقض ما غزل أو ما فتل من الحبال، ثم استعمل في الحنث في العهود والمواثيق، وأصله (4) من نكث الصوف ليغزله. ثانيا، فاستعير لنقض العهد بعد إحكامه وإبرامه.
{وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ} وفي «القاموس» : غفل عنه غفولا إذا تركه وسها عنه اه وفي «المصباح» وقد تستعمل الغفلة في ترك الشيء إهمالا وإعراضا اه {فِي الْيَمِّ} ، {الْيَمِّ}: البحر في اللغة المصرية الموافقة للغة العربية في كثير من مفرداتها، مما يدل على أن أصل الأمتين واحد {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} وتمام الشيء وصوله إلى آخر حده، وكلمة الله هي وعده لبني إسرائيل بإهلاك عدوهم
(1) الفتوحات.
(2)
القاموس.
(3)
المراغي.
(4)
زاده.
واستخلافهم في الأرض {وَدَمَّرْنا} والتدمير إدخال الهلاك على السالم والخراب على العامر {وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} والعرش رفع المباني والسقائف للنبات والشجر المتسلق، كعرائش العنب ومنه عرش الملك.
{وَجاوَزْنا} وفي «الخازن» يقال: جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره اه، وجاز الشيء وجاوزه وتجاوزه بمعنى؛ أي: عداه وانتقل عنه، وجاوز هنا بمعنى جاز، ففاعل بمعنى فعل {يَعْكُفُونَ} والعكوف على الشيء الإقبال عليه وملازمته تعظيما له يقال: عكف يعكف بضم الكاف وكسرها من بابي قعد وضرب.
{مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ} والتبتر الإهلاك والتدمير، يقال: تبره إذا أهلكه ودمره، والتبار الهلاك، ومنه التبر وهو كسارة الذهب لتهالك الناس عليه، وقيل: التبتير التكسير والتحطيم، ومنه التبر؛ لأنّه كسارة الذهب اه «سمين» {وَباطِلٌ}؛ أي: هالك وزائل لا بقاء له، {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهًا} يقال بغى وابتغاه إذا طلبه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الجناس المماثل في، قوله:{أَتَذَرُ مُوسى} {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} ، والجناس المغاير في قوله:{يَطَّيَّرُوا} وفي قوله: {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ} .
ومنها: التكرار في قوله: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} وقوله: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} وقوله: {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ} .
ومنها: الطباق بين قوله: {سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} وقوله: {وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ} وبين قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا} وقوله: {وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا} وبين قوله: {أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} وقوله: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ} وبين قوله: {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} وبين قوله: {يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ} وقوله {وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ} .
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} ومنها الوصل في قوله: {وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ} .
ومنها: الاستفهام الإنكاري التعجبي في قوله: {أَتَذَرُ مُوسى} ، وفي قوله:{أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهًا} .
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: {وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ} وفي قوله: {وَما كانُوا يَعْرِشُونَ} عدل عن الماضي إلى المضارع لاستحضار الصورة الماضية في ذهن المخاطب، والأصل: ما صنعوا وما عرشوا.
ومنها: العدول عن صيغة الماضي إلى المضارع في قوله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ولم يقل (1) جهلتم إشعارا بأن ذلك منهم كان كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل.
ومنها: تصدير (2) الجملة بالقسم في قوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ} لإظهار الاعتناء بمضمونها.
ومنها: تصديرها بحرف التنبيه في قوله: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ لإبراز كمال العناية بمضمونها.
ومنها: الاستعارة في قوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ} ؛ لأنّه استعار الأخذ للابتلاء على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية، وفي قوله:{أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ} ؛ لأنّ الطائر حقيقة في الحيوان استعارة للحظ والنصيب أو الشؤم، ومنها الاستعارة التصريحية التبعية في قوله:{إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} ؛ لأن النكث (3) حقيقة في حل الصوف ليغزله ثانيا، استعاره هنا لنقض العهد على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {بِالسِّنِينَ} ؛ لأنّ السنة حقيقة في الحول، استعارها هنا للجدوب والقحوط ونقص الثمرات تجريد، وهو ذكر ما يلائم المشبه المستعار له.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) البحر المحيط.
(2)
الفتوحات.
(3)
الفتوحات.
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر (1) ما أنعم به على بني إسرائيل من النجاة من العبودية، ومن جعلهم أمة حرة مستقلة قادرة على القيام بما يشرّعه الله
(1) المراغي.
تعالى لها من العبادات والأحكام .. ذكر هنا بدء وحي الشريعة لموسى عليه السلام، ممتنا عليهم بما حصل لهم من الهداية، بتكليم موسى وإعطائه التوراة، وفيها تفاصيل شرعهم وبيان ما يقربهم من ربهم من الأحكام، وقد روي أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم .. أتاهم بكتاب من عند الله تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون .. سأل موسى ربه الكتاب، فبينت هذه الآيات كيفية نزول هذا الكتاب وهو التوراة.
قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين في الآيات السالفة ما لحق فرعون وقومه من الهلاك بسبب استكباره وظلمه، وفساده في الأرض .. ذكر هنا سننه تعالى في ضلال البشر بعد مجيء البينات، وتكذيبهم لدعاة الحق والخير من الرسل وأتباعهم، وأبان أن السبب الأول لذلك هو التكبر، فإن من شأن الكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال على الحق والهدى، فهم يكونون دائما من المكذبين بالآيات الدالة عليه، ومن الغافلين، كما هي حال الملوك والرؤساء والزعماء الضالين، كفرعون وملئه، وفي هذا إيماء للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الطاغين المستكبرين من صناديد قومه لن ينظروا في دعوته، ولا في آيات القرآن الدالة على وحدانية الله تعالى، بما أقامته عليها من البراهين الكثيرة من آيات كونية، وآيات في الآفاق والأنفس.
وجملة الموانع الصادة لهم عن اتباعه ترجع إلى التكبر، فإنّهم بزعمهم يعتقدون أنهم سادة قريش وكبراؤها وأقوياؤها، فلا ينبغي أن يتبعوا من دونهم سنا وقوة وثروة وعصبية.
قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّه سبحانه وتعالى لما ذكر خبر مناجاة موسى لربه، واصطفائه إياه برسالاته وبكلامه، وأمره بأخذ الألواح بقوة .. ذكر هنا ما حدث أثناء المناجاة من اتخاذ قومه بني إسرائيل عجلا مصوغا من الذهب والفضة، ثم عبادته من دون الله تعالى، لما رسخ في نفوسهم من فخامة المظاهر الوثنية الفرعونية في