المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المعاندون من المشركين وأهل الكتاب، وقت التنزيل وفي كل حين - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: المعاندون من المشركين وأهل الكتاب، وقت التنزيل وفي كل حين

المعاندون من المشركين وأهل الكتاب، وقت التنزيل وفي كل حين إذا استمعوا إلى القرآن أو نظروا فيه.

4 -

أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه، وهذا هو المنصف، وكم من السامعين أو القارئين آمن من بعد أن نظر، وتأمل، فقد نظر طبيب فرنسي في ترجمة القرآن، فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه كالطهارة والاعتدال في المآكل، والمشارب، وعدم الإسراف فيهما، ونحو ذلك من المسائل التي فيها محافظة على الصحة، توافق أحدث النظريات التي استقر عليها رأي الأطباء، في هذا العصر، فرغب في هذا كله وأسلم.

وكثير من المسلمين يستمعون القراء، ويتلون القرآن، فلا يشعرون بأنهم في حاجة إلى فهمه وتدبر معناه، بل يستمعونه للتلذذ بتجويده، وتوقيع التلاوة على قواعد النغم، أو يقصدون بسماعه التبرك فقط، ومنهم من يحضر الحفاظ عنده في ليالي رمضان، ويجلسهم في حجرة البوابين أو غيرهم من الخدم تشبها بالأكابر والوجهاء.

‌24

- {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ؛ أي: صدقوا الله ورسوله {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} ؛ أي: أجيبوا الله والرسول بحسن الطاعة، والانقياد، فاستجاب هنا بمعنى أجاب، لأن السين والتاء فيه زائدتان، وإن كان استجاب يتعدى باللام، وأجاب بنفسه كما أن قوله:{يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ} وقد يتعدى استجاب بنفسه، كما في قول الشاعر:

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

{إِذا دَعاكُمْ} الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ وإنما أفرد الضمير لأن استجابة الرسول استجابة لله تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، وأخرج البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال صلى الله عليه وسلم:«ألم يقل الله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم» ، ثم ذكر الحديث.

وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبيّ بن كعب

ص: 381

وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبي» فالتفت أبي ولم يجبه، وصلى أبي، وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وعليك السلام، ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك» ، فقال:

يا رسول الله، إنّي كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم:«أفلم تجد فيما أوحي إليّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ}» قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، وذكر الحديث. وقال: حديث حسن صحيح.

قيل (1): هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر، وقيل: لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير .. فله أن يقطع صلاته.

{لِما يُحْيِيكُمْ} ؛ أي: لما فيه حياتكم من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أن الجهل موت، قال الشاعر:

لا تعجبنّ الجهول حلّته

فذاك ميت وثوبه كفن

قال (2) السدي: هو الإيمان لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال قتادة: هو القرآن لأنه حياة القلوب، وفيه النجاة والعصمة في الدارين، وقال مجاهد: هو الحق، وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل، وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

والمعنى (3): أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاكم بأمر ربكم لما فيه حياتكم الروحية من علم بسننه في خلقه، ومن حكمة وفضيلة، ترفع نفس الإنسان وترقى بها إلى مراتب الكمال، حتى تحظى بالقرب من ربها، وتنال رضوانه في الدار الآخرة

فأجيبوا دعوته بقوة وعزم كما قال في آية أخرى: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ} وطاعته صلى الله عليه وسلم واجبة في حياته، وبعد مماته، فيما علم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمور الدين الذي بعثه الله به، كبيانه لصفة الصلاة، وعددها، قولا أو فعلا

(1) الخازن.

(2)

الخازن.

(3)

المراغي.

ص: 382

فقد صلى بأصحابه وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال:«خذوا عني مناسككم» . وكبيانه لمقادير الزكاة وغيرها من السنن العملية المتواترة، وأقواله كذلك، فكل من ثبت عنده شيء منها ببحثه أو ببحث العلماء الذين يثق بهم ..

وجب عليه الاهتداء به، أما الإرشادات النبوية في أمور العادات كاللباس، والطعام، والشراب، والنوم .. فلم يعدها أحد من الأئمة دينا يجب الاقتداء به فيه.

ويستدل (1) بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله، أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية، أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال، وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان.

{وَاعْلَمُوا} يا معشر المؤمنين {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} ؛ أي: يحول بين المرء وبين ما يريده بقلبه، فإن الأجل يحول دون الأمل، فكأنه (2) قال تعالى: بادروا إلى الأعمال الصالحة، ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء فإن ذلك غير موثوق به، وقال مجاهد:

المراد بالقلب هنا العقل؛ أي: فإن الله تعالى يحول بين المرء وعقله.

والمعنى: فبادروا إلى الأعمال، وأنتم تعقلون، فإنكم لا تأمنون زوال العقل، والله يحول بين المرء الكافر وطاعته، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته، والقلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول:«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ولا يستطيعون المرء أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه تعالى.

والمعنى (3): أنه تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء والقادر على

(1) الشوكاني.

(2)

المراح.

(3)

البحر المحيط.

ص: 383