الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي كونها عنده سبحانه وتعالى زيادة تشريف لهم، وتكريم وتعظيم وتفخيم.
{وَ} لهم {مَغْفِرَةٌ} من الله سبحانه وتعالى لذنوبهم التي سبقت وصولهم إلى درجات الكمال {وَ} لهم {رِزْقٌ كَرِيمٌ} ؛ أي: ثواب حسن في الجنة، مقرون بالإكرام والتعظيم، خال عن كد الاكتساب وخوف الحساب، وهو ما أعد الله سبحانه وتعالى لهم من نعيم الجنة، من لذيذ المآكل والمشارب، وهناء العيش، والكريم تصف به العرب كل شيء حسن، لا قبح فيه ولا شكوى.
5
- والكاف في قوله: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره: الأمر والشأن كائن كما أخرجك ربك، و {ما} مصدرية؛ أي: قضاء الله وأمره وشأنه كائن كإخراجه إياك من بيتك في المدينة، حال كونك ملتبسا بالحق والوحي {وَ} الحال {إِنَّ فَرِيقًا} وجماعة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ} ذلك الخروج، لعدم استعدادهم له بالعدد والعدد، وقيل: إن الكاف اسم بمعنى مثل واقعة خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: حالهم في كراهة ما رأيت من تنفل جميع الغزاة بالسوية، مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب؛ أي فكراهتهم لقسمة الغنيمة على السوية مثل كراهتهم لقتال قريش.
والحاصل: أنه وقع للمسلمين في وقعة بدر كراهتان:
كراهة قسمة الغنيمة على السوية، وهذه الكراهة من شبابهم فقط، وهي الداعي الطبيعي، ولتأولهم بأنّهم باشروا القتال دون الشيوخ.
والكراهة الثانية: كراهة قتال قريش، وعذرهم فيها أنّهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة، ولم يتهيؤوا للقتال، فكان ذلك سبب كراهتهم للقتال، فشبه إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهة.
وقيل: إن التشبيه واقع بين إخراجين؛ أي: إخراج ربك إياك من بيتك في مكة بالحق والوحي، وأنت كاره للخروج، وكان عاقبة ذلك الإخراج الظفر والنصر، والخير كائن، كإخراجه إياك - وبعض المؤمنين - من بيتك في المدينة بالحق والوحي في أنّه يكون عقب ذلك الخروج الثاني الظفر والنصر والخير، كما
كانت عقيب ذلك الخروج الأول، وقيل: المعنى الأنفال ثابتة لله ثبوتا بالحق والوحي، كثبوت إخراجك من بيتك بالمدينة بالحق والوحي، والحال: إنّ فريقا وطائفة من المؤمنين لكارهون ذلك الخروج.
وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام - وفيها تجارة عظيمة ومعه أربعون راكبا، منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام - فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر المسلمين، فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا وبلغوا وادي دقران - بوزن سلمان وهو قريب من الصفراء - نزل عليه صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشا، فاستشار النبي أصحابه فقال:«ما تقولون؟ إنّ القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أم النفير؟» - وهو اسم عسكر مجتمع - فقالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ردد عليهم فقال:«إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل؛ أي: بجمع أهل مكة، ومضى إلى بدر» فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عند ذلك أبو بكر وعمر، فأحسنا في القول، ثم قال سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك فامض، فو الله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال مقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض كما أمرك ربك، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ} ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:«أشيروا علي أيها الناس» فقال سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أردت، فو الله الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسطه قول سعد، ثم قال صلى الله عليه وسلم:«سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» .
وحاصل المعنى: أنّ الأنفال لله يحكم فيها بالحق، ولرسوله يقسمها بين من