المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأنفال سورة الأنفال مدنية إلا سبع آيات، من قوله: {وَإِذْ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة الأنفال سورة الأنفال مدنية إلا سبع آيات، من قوله: {وَإِذْ

‌سورة الأنفال

سورة الأنفال مدنية إلا سبع آيات، من قوله:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله: {بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} فمكية، والأصح (1): أنّ سورة الأنفال كلها مدنية كما في «الخازن» وإن كانت الآيات السبع المذكورة في شأن الواقعة التي وقعت بمكة، إذ لا يلزم من كون الواقعة في مكة أن تكون الآيات التي في شأنها مكية، فالآيات المذكورة نزلت بالمدينة تذكيرا له صلى الله عليه وسلم بما وقع له في مكة، فقولهم: مدنية إلا سبع آيات ضعيف، وقيل: كلها مدنية إلا (2) قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} ؛ فإنّها نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.

وجملة آيات هذه السورة خمس أو ست (3) وسبعون آية، وكلماتها ألف وست مئة وإحدى وثلاثون كلمة، وحروفها خمسة آلاف ومئتان وأربعة وتسعون حرفا، والله أعلم.

ومما ورد في فضلها: ما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب:

(أنّ (4) النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة المغرب).

وأخرج الطبراني أيضا عن زيد بن ثابت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين من المغرب بسورة الأنفال).

المناسبة: ومناسبة هذه السورة لسورة الأعراف (5): أنّها في بيان أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه، وسورة الأعراف مبينة لأحوال الرسل مع أقوامهم.

الناسخ والمنسوخ: وجملة ما في هذه السورة من المنسوخ ست آيات (6):

(1) الفتوحات.

(2)

المراغي.

(3)

ابن كثير.

(4)

الشوكاني.

(5)

المراغي.

(6)

الناسخ والمنسوخ لابن حزم.

ص: 326

أولاهن: قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

} الآية (1) نسخت بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

} الآية (41).

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية (33)، منسوخة، وناسخها قوله تعالى:{وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ} الآية (34).

الآية الثالثة: قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} الآية (38): منسوخة، وناسخها قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ

}.

الآية الرابعة: قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها

} الآية (61) منسوخة، وناسخها قوله تعالى:{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (29)، من سورة التوبة.

الآية الخامسة: قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (65) منسوخة، وناسخها قوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية (66).

الآية السادسة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا} (72) وذلك أنهم كانوا يتوارثون بالهجرة لا بالنسب، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الآية (75).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 327

قال الله سبحانه جلّ وعلا:

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)} .

المناسبة

المناسبة بين أول هذه السورة وآخر سورة الأعراف: أن سورة الأنفال بدئت بالأمر بتقوى الله تعالى وبإصلاح ذات البين وبالحث على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان أنّ الخوف من الله تعالى وعدم الاستكبار عن طاعته من صفات المؤمنين، وأن إقامة الصلاة التي من أركانها السجود من صفاتهم، وأن سورة الأعراف ختمت بأخذ العفو، والأمر بالمعروف، والإعراض عن الجاهلين، المستلزم لإصلاح ذات البين، وبالأمر باستماع القرآن والإنصات له عند قراءته،

ص: 328

المسلتزم خوف القلوب من ربها، وزيادة الإيمان لها عند تدبرها معاني آيات الله تعالى، وختمت أيضا ببيان أنّ من صفات الملائكة المقربين عدم الاستكبار عن عبادته تعالى، وأنّهم يسبحونه وله يسجدون؛ أي: يصلون، كما أنّ من صفات المؤمنين إقامة الصلاة وعدم الاستكبار عن طاعة الله تعالى.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

} الآية، سبب نزولها (1): ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا .. فله كذا وكذا، ومن أسر أسيرا .. فله كذا وكذا» ، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإنّا كنا لكم ردءا، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} .

وروى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي فقتلت به سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«اذهب فاطرحه في القبض» فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اذهب فخذ سيفك» .

وروى (2) أبو داود والترمذي والنسائي عن سعد قال: لما كان يوم بدر .. جئت بسيف فقلت: يا رسول الله، إنّ الله قد شفى صدري من المشركين، هب لي هذا السيف، فقال:«هذا ليس لي ولا لك» ، فقلت: عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي، فجاءني الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:«إنّك سألتني وليس لي، وإنّه قد صار لي وهو لك» ، قال: فنزلت {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

} الآية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنّهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة

(1) لباب النقول.

(2)

لباب النقول.

ص: 329

الأخماس؟ فنزلت: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ

} الآية.

وأخرج الإمام أحمد وابن جرير والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا، فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، فأكبت طائفة على المعسكر يحوونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها، فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا، نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا، فنزلت:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفاق بين المسلمين. الحديث هذا لفظ أحمد. ولا تنافي بين السببين، إذ لا مانع أن تكون الآية نزلت في الجميع، والله أعلم.

قوله تعالى: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة، وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت -:«ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا؟» فخرجنا فسرنا يوما أو يومين، قال:«ما ترون فيهم» فقلنا: يا رسول الله، ما لنا طاقة بقتال القوم إنما أخرجنا للعير، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال موسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ} فأنزل الله عز وجل: {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5)} . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه.

قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} سبب نزوله: ما أخرجه الإمام أحمد (ج 1/ ص 30) قال: حدثنا أبو نوح قراد، أنبأنا عكرمة عن عمار، حدثنا سماك الحنفي - أبو زميل - حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى

ص: 330