الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمراد بالغفلة عدم التدبر، وهذا مؤاخذ به، فسقط ما يقال: الغفلة لا مؤاخذة بها.
والخلاصة: أنّهم كانوا يظهرون الإيمان عند كل آية من آيات العذاب، ثم يكذبون، حتى إذا انقضى الأجل المضروب لهم، انتقمنا منهم بسبب أنّهم كذبوا بها كلها، وكانوا غافلين عما يعقبها من العذاب في الدنيا والآخرة، إذ كانت في نظر الكثير منهم من قبيل السحر والصناعة، ومن ثم كانوا يكابرون أنفسهم في كل آية منها، ويحاولون أن يأتي سحرتهم وعلماؤهم بمثلها.
ومنهم من اهتدى إلى الحق وظهر له صدقه، فآمن به جهرة ككبار السحرة، ومنهم من كتم إيمانه كالذي عارض فرعون وملأه بالحجة والبرهان، في قتل موسى كما سيأتي في سورة غافر، ومنهم من جحد بها كبرا وعلوا في الأرض، كفرعون وأكابر وزرائه ورؤسائه.
137
- {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} ؛ أي: يغلبون ويذلون ويمتهنون بقتل أبنائهم، واستبقاء نسائهم، وضرب الجزية عليهم، واستعمالهم في الأعمال الشاقة لفرعون وقومه، وهم بنو إسرائيل {مَشارِقَ الْأَرْضِ} التي كانت للعمالقة أولا، التي باركنا فيها بكثرة الأشجار والثمار والأنهار فيها، وهي الشام {وَمَغارِبَهَا} التي كانت للفراعنة أولا {الَّتِي بارَكْنا فِيها} بالخصب وسعة الأرزاق، وبالنيل وهي مصر؛ أي: ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فيها {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى} ؛ أي: نفذت كلمة الله وقضاؤه، ومضت على بني إسرائيل تامة كاملة، وأنجز لهم وعده الحسن الذي وعدهم بالنصر لهم على أعدائهم حيث قال:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} فالمراد بالكلمة: وعدهم بالنصر على عدوهم والتمكين في الأرض من بعدهم، وتمامها: إنجاز ما وعدهم به من تمكينهم في الأرض وإهلاك عدوهم، وقوله:{كَلِمَتُ رَبِّكَ} يرسم لفظ كلمت هنا بالتاء المبسوطة، وما عداها في القرآن يرسم بالهاء المربوطة على الأصل، ذكره في «الفتوحات» والحسنى صفة لكلمة، وهي تأنيث الأحسن {بِما صَبَرُوا}؛ أي:
بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه، وقد كان وعد الله تعالى إياهم مقرونا بأمرهم بالصبر والاستقامة، كما أمرهم نبيهم عليه السلام مبلغا عن ربه {قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} فمن قابل البلاء بالجزع .. وكله الله إليه، ومن قابله بالصبر .. ضمن الله له الفرج، وقد تم وعد الله تعالى لهم بذلك، ثم سلبهم تلك الأرض بظلمهم لأنفسهم وللناس، ولم يكن من مقتضى الوعد أن يعودوا إليها مرة أخرى.
{وَدَمَّرْنا} ؛ أي: دمرنا {ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} في مصر من المباني والقصور التي كانوا يبنونها للمصريين، والمكايد السحرية والصناعية التي كان يصنعها السحرة لإبطال آياته، والتشكيك فيها، كما قال تعالى:{إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ} .
فـ {فِرْعَوْنُ} (1) اسم كان، و {يَصْنَعُ} خبر لـ {كانَ} مقدم؛ أي: وخربنا الذي كان فرعون وقومه يصنعه من المدائن والقصور {وَ} خربنا {ما كانُوا يَعْرِشُونَ} ؛ أي: ما كان فرعون وقومه يعرشونه ويرفعونه من الشجر والكروم، أو ما كانوا يرفعونه من البنيان كصرح هامان.
وقرأ (2) ابن عامر وشعبة وأبو بكر بضم الراء، وباقي السبعة والحسن ومجاهد، وأبو رجاء بكسر الراء هنا، وفي «النحل» وهي لغة الحجاز، وقال الزيدي: هي أفصح، وقرأ ابن أبي عبلة {يعرشون} بضم الياء وفتح العين وتشديد الراء، قال الزمخشري: وبلغني أنّه قرأ بعض الناس {يغرسون} من غرس الأشجار، وما أحسبه إلا تصحيفا.
وأسباب هذا التدمير لتلك المصانع والعروش أمور (3):
1 -
الآيات التي أيد الله تعالى بها موسى من الطوفان والجراد وغيرها، وسمتها التوراة الضربات العشر.
2 -
إنجاء بني إسرائيل، وحرمان فرعون وقومه من استعبادهم في أعمالهم.
(1) المراح.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.