الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيهم بحال
102
- {وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} ؛ أي: وما وجدنا (1) لأكثر الأمم الخالية والقرون الماضية، الذين قصصنا خبرهم عليك يا محمد - من وفاء بالعهد الذي عهدنا إليهم، وأوصيناهم به يوم أخذ الميثاق - قال ابن عباس: إنّما أهلك الله أهل القرى .. لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به؛ أي: وما وجدنا (2) لأكثر أولئك الأقوام عهدا يفون به، سواء أكان عهد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إذ قد فطر الله أنفس البشر على الشعور بسلطان غيبي فوق جميع القوى، وعلى إيثار الحسن، واجتناب غيره، وعلى حب الكمال، وكراهة النقص، أم كان العهد الذي أخذه ربهم عليهم - وهم في الأصلاب - أنه ربهم ومليكهم، وأنّه لا إله إلا هو، وأقروا بذلك، وشهدوا على أنفسهم به، وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم، وعبدوا معه غيره، بلا دليل ولا حجة من عقل ولا شرع، وقد جاء في «صحيح مسلم»:«يقول الله: إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» وفي «الصحيحين» : «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» ..
{وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ} ؛ أي: وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين خارجين عن طاعتنا وأمرنا، وهذا المعنى على مذهب الكوفيين من كون {إِنْ} للنفي واللام بمعنى إلا، وعند غيرهم إنّ {إِنْ} مخففة، واسمها ضمير الشأن، واللام فارقة، والمعنى حينئذ أي: وإنّ الشأن والحال وجدنا أكثر الأمم في عالم الشهادة، خارجين عن كل عهد فطري وشرعي وعرفي، فهم ناكثون غادرون للعهود، مرتكبون أفانين المعاصي، وفي التعبير بالأكثر إيماء إلى أنّ بعضهم قد آمن والتزم كل عهد عاهده الله عليه، أو تعاهد عليه مع الناس.
الإعراب
(1) الخازن.
(2)
المراغي.
{قالَ الْمَلَأُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنّه قيل: فماذا قالوا بعد سماعهم هذه المواعظ من شعيب؟ إه أبو السعود. {الَّذِينَ} : اسم موصول صفة للملأ {اسْتَكْبَرُوا} : فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، مِنْ قَوْمِهِ: جار ومجرور، حال من واو {اسْتَكْبَرُوا}. {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ} إلى قوله:{قالَ} : مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَنُخْرِجَنَّكَ} اللام: موطئة للقسم {نخرجنك} فعل ومفعول، ونون توكيد، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم المحذوف في محل النصب مقول قالوا {يا شُعَيْبُ}: منادى مفرد العلم، وجملة النداء مقول القول على كونها معترضة {وَالَّذِينَ}: اسم موصول في محل النصب، معطوف على الكاف في {لَنُخْرِجَنَّكَ}. {آمَنُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول {مَعَكَ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {نخرجنك} وفي «الفتوحات» قوله:{مَعَكَ} متعلق بالإخراج لا بالإيمان {مِنْ قَرْيَتِنا} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {نخرجنك} {أَوْ}: حرف عطف، {لَتَعُودُنَّ} واللام: موطئة للقسم المحذوف {تعودن} : فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكين، في محل الرفع فاعل؛ لأنّ أصله تعودونن، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم معطوف على جملة القسم في قوله:{لَنُخْرِجَنَّكَ} . {فِي مِلَّتِنا} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {تعودن} .
{قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ} .
{قالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {شُعَيْبُ}: والجملة مستأنفة. {أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ} إلى قوله: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مقول محكي لـ {قالَ} . وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف تقديره: أتعيدوننا في ملتكم، أو تخرجوننا من قريتكم كارهين، كلا الأمرين، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قالَ} (1). قال الزمخشري: الهمزة:
(1) البحر المحيط.
للاستفهام، والواو: واو الحال تقديره: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، أو مع كوننا كارهين. انتهى. فجعل الاستفهام خاصا بالعود في ملتهم، وليس كذلك، بل الاستفهام هو عن أحد الأمرين: الإخراج أو العود، وجعل الواو واو الحال، وقدره: تعيدوننا في حال كراهتنا وليست واو الحال التي يعبر عنها النحويون بواو الحال، بل هي واو العطف، عطفت على حال محذوفة كقوله: ردوا السائل ولو بظلف محرق، ليس المعنى ردوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق، بل المعنى: ردوه مصحوبا بالصدقة، ولو مصحوبا بظلف محرق. ذكره أبو حيان في «البحر». والواو: واو الحال: {لَوْ} : حرف شرط بمعنى إن الشرطية {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه {كارِهِينَ} : خبره، وجملة كان فعل شرط لـ {لَوْ}. وجوابها معلوم مما قبلها تقديره: أو لو كنا كارهين تعيدوننا أو تخرجوننا؟ وجملة {لَوْ} الشرطية في محل النصب، حال من ضمير المفعول في الفعل المحذوف تقديره: أتعيدوننا، أو أتخرجوننا، حالة كوننا كارهين كلا الأمرين؟
{قَدِ افْتَرَيْنا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة على كونها مقول {قالَ}. وجواب القسم محذوف تقديره: والله لقد افترينا {عَلَى اللَّهِ} : جار ومجرور، متعلق بـ {افْتَرَيْنا}. {كَذِبًا}: مفعول به {إِنْ} : حرف شرط {عُدْنا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إِنْ} ، على كونها فعل شرط لها فِي {مِلَّتِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {عُدْنا}: وجواب {إِنْ} معلوم مما قبلها تقديره: إن عدنا في ملتكم .. فقد افترينا على الله كذبا. وجملة {إِنْ} : الشرطية في محل النصب مقول {قالَ} . {بَعْدَ} : منصوب على الظرفية، متعلق بـ {عُدْنا}. {بَعْدَ}: مضاف {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان مضاف إليه، {نَجَّانَا اللَّهُ}: فعل وفاعل ومفعول. {مِنْها} : متعلق به، والجملة الفعلية مضاف إليه لـ {إِذْ} ، والتقدير: بعد وقت تنجية الله تعالى إيانا منها {وَما} الواو: عاطفة ما: نافية، {يَكُونُ}:
فعل مضارع ناقص {لَنا} : جار ومجرور خبر مقدم لـ {يَكُونُ} . {إِنْ} : حرف نصب ومصدر، {نَعُودَ}: فعل مضارع منصوب بـ {إِنْ} : وفاعله ضمير المتكلمين يعود على {شُعَيْبُ} وأتباعه {فِيها} جار ومجرور، متعلق به، والجملة الفعلية صلة {أنْ} المصدرية {أنْ} مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم {يَكُونُ} تقديره: وما يكون العود فيها كائنا لنا، وجملة {يَكُونُ}: معطوفة على جملة قوله: {قَدِ افْتَرَيْنا} على كونها مقول {قالَ} . {إِلَّا} : أداة استثناء من عام الأحوال {أنْ} : حرف مصدر، {يَشاءَ}: منصوب به، {اللَّهِ}: فاعل، {رَبُّنا}: بدل من الجلالة، أو عطف بيان منه، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: عودنا، وجملة، {أنْ} المصدرية مع ما في حيزها في تأويل مصدر مجرور بإضافة المستثنى المقدر إليه والتقدير: وما يكون لنا أن نعود فيها في حال من الأحوال، إلا في حال مشيئة الله عودنا فيها {وَسِعَ رَبُّنا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} {كُلَّ شَيْءٍ}: مفعول به لـ {وَسِعَ} . {عِلْمًا} : تمييز محول عن الفاعل؛ أي: وسع علمه كل شيء {عَلَى اللَّهِ} : جار ومجرور، متعلق بـ {تَوَكَّلْنا}. {تَوَكَّلْنا}: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} . {رَبُّنا} منادى مضاف {افْتَحْ} فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} والجملة في محل النصب مقول {قالَ}:{بَيْنَنا} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {افْتَحْ}. {وَبَيْنَ قَوْمِنا}: ظرف ومضاف إليه، معطوف على الظرف الأول {بِالْحَقِّ}: جار ومجرور، متعلق بـ {افْتَحْ}. {وَأَنْتَ}: مبتدأ {خَيْرُ الْفاتِحِينَ} : خبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول {قالَ} .
{وَقالَ الْمَلَأُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {الَّذِينَ}: صفة لـ {الْمَلَأُ} ، كَفَرُوا: صلة الموصول، {مِنْ قَوْمِهِ}: حال من الواو {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا} : إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: اللام: موطئة للقسم {إن} : حرف شرط {اتَّبَعْتُمْ} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، {شُعَيْبًا}: مفعول به، {إِنَّكُمْ}:{إن} : حرف نصب، والكاف:
اسمها، {إِذًا}: حرف جواب وجزاء ملغاة لا عمل لها لعدم دخولها على الفعل.
{لَخاسِرُونَ} : اللام: حرف ابتداء، {خاسرون}: خبر {إن} وجملة {إن} : من اسمها وخبرها جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم تقديره: إن اتبعتم شعيبا .. فإنّكم لخاسرون.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} .
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الفاء: حرف عطف وتعقيب {أخذتهم الرجفة} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} . {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} ، الفاء: عاطفة {أصبحوا} : فعل ناقص، واسمه {فِي دارِهِمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {جاثِمِينَ} ، جاثِمِينَ خبر {أصبحوا} ، وجملة {أصبحوا} معطوفة على جملة قوله:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} .
{الَّذِينَ} : مبتدأ {كَذَّبُوا شُعَيْبًا} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، {كَأَنْ}: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن تقديره: كأنهم {لَمْ} : حرف نفي وجزم، {يَغْنَوْا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} . {فِيهَا} : جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {كَأَنْ} وجملة {كَأَنْ} في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا}: مبتدأ، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، {هُمُ}: ضمير فصل، {الْخاسِرِينَ}: خبره، وجملة {كان} في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة.
{فَتَوَلَّى} : الفاء: عاطفة، {تولى}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على شعيب، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} ، وما بينهما اعتراض، {عَنْهُمْ}: متعلق بـ {تولى} {وَقالَ} : معطوف على {تولى} ، {يا قَوْمِ}: إلى آخر الآية مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{يا قَوْمِ} : منادى
مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالَ} ، {لَقَدْ}: اللام: موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق، {أَبْلَغْتُكُمْ} فعل وفاعل، ومفعول أول، {رِسالاتِ رَبِّي}: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية، جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، {وَنَصَحْتُ}: فعل وفاعل {لَكُمْ} : متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {أَبْلَغْتُكُمْ}. {فَكَيْفَ} الفاء: عاطفة، {كيف}: اسم استفهام في محل النصب على التشبيه بالحال، {آسى}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {شُعَيْبُ} والجملة الفعلية معطوفة على جملة {نَصَحْتُ} ، {عَلى قَوْمٍ} متعلق بـ آسى، {كافِرِينَ} صفة {قَوْمِ} .
{وَما} : نافية {أَرْسَلْنا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {فِي قَرْيَةٍ} ، متعلق بـ {أَرْسَلْنا}. {مِنْ}: زائدة، {نَبِيٍّ}: مفعول {أَرْسَلْنا} {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ من عام الأحوال، {أَخَذْنا}: فعل وفاعل، {أَهْلَها}: مفعول {أَخَذْنا} ، {بِالْبَأْساءِ}: متعلق بـ {أَخَذْنا} ، {وَالضَّرَّاءِ}: معطوف على {البأساء} ، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل {أَرْسَلْنا} ولكنها على تقدير قد والتقدير: وما أرسلنا في قرية من القرى المهلكة، نبيا من الأنبياء، في حال من الأحوال، إلا في حال كوننا آخذين أهلها بالبأساء والضراء، {لَعَلَّهُمْ}:{لعل} : حرف ترج، والهاء اسمها وجملة {يَضَّرَّعُونَ}: في محل الرفع خبر {لعل} ، وجملة {لعل} مستأنفة: مسوقة لتعليل ما قبلها.
{ثُمَّ} : حرف عطف {بَدَّلْنا} : فعل وفاعل، {مَكانَ السَّيِّئَةِ}: مفعول {كان} ومضاف إليه، أو منصوب بنزع الخافض؛ أي: في مكان السيئة، {الْحَسَنَةَ}: مفعول أول، والمعنى: بدلنا مكان الحال السيىء الحال الحسن، فالحسنة هي المأخوذة الحاصلة، ومكان السيئة هو المتروك الذاهب، وهو الذي تصحبه الباء في مثل هذا التركيب، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {أَخَذْنا}
{حَتَّى} : حرف جر وغاية {عَفَوْا} : فعل وفاعل، في محل النصب بأن المضمرة، {وَقالُوا}: معطوف عليه، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} الجار والمجرور، متعلق بـ {بَدَّلْنا}؛ أي: بدلنا مكان السيئة الحسنة إلى عفوهم، وقولهم:{قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} مقول محكي لـ {قالُوا} ، وإن شئت قلت:{قَدْ} : حرف تحقيق، {مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ}: فعل ومفعول وفاعل، {وَالسَّرَّاءُ}: معطوف على {الضَّرَّاءُ} : والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} ، {فَأَخَذْناهُمْ} الفاء: عاطفة {أخذناهم} : فعل وفاعل ومفعول معطوف على {قالُوا} . {بَغْتَةً} مفعول مطلق؛ أي: أخذ بغتة، أو حال من فاعل {أخذنا}. {وَهُمْ}: مبتدأ وجملة {لا يَشْعُرُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من هاء {أخذناهم} .
{وَلَوْ} الواو: استئنافية {لَوْ} : حرف شرط {أَنَّ} : حرف نصب {أَهْلَ الْقُرى} : اسمها {آمَنُوا} : فعل وفاعل، {وَاتَّقَوْا}: فعل وفاعل معطوف على {آمَنُوا} وجملة {آمَنُوا} : في محل الرفع خبر {أَنَّ} وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف بعد لو الشرطية؛ لأن {لَوْ} لا يليها إلا الفعل، والتقدير: ولو ثبت إيمان أهل القرى وتقواهم .. {لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ} اللام:
رابطة لجواب {لَوْ} . {فتحنا} : فعل وفاعل، {عَلَيْهِمْ}: متعلق به: {بَرَكاتٍ} مفعول به، {مِنَ السَّماءِ}: صفة لـ {بَرَكاتٍ} ، {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّماءِ} وجملة {فتحنا} جواب {لَوْ} : لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية مستأنفة، {وَلكِنْ}: الواو عاطفة {لكِنْ} : حرف استدراك، {كَذَّبُوا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة، على جملة {لَوْ} الشرطية، {فَأَخَذْناهُمْ}: الفاء: حرف عطف وتفريع، {أخذناهم}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {كَذَّبُوا} ، {بِما}: جار ومجرور، متعلق بـ {أخذنا} ، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْسِبُونَ}: خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما كانوا يكسبونه.
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتًا وَهُمْ نائِمُونَ (97)} .
{أَفَأَمِنَ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف {أمن أهل القرى}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أجهل أهل القرى من مكة وما حولها سنتنا فيمن قبلهم فأمنوا؟ {أَنْ} : حرف مصدر، {يَأْتِيَهُمْ}: فعل ومفعول، {بَأْسُنا}: فاعل ومضاف إليه، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: أفأمنوا إتيان بأسنا إياهم؟، {بَياتًا}: حال من {بَأْسُنا} ؛ أي: بائتا مستخفيا في الليل، وقيل: هو منصوب على الظرفية؛ أي: ليلا، {وَهُمْ نائِمُونَ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من هاء {يَأْتِيَهُمْ} ، والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، هذا على مذهب الزمخشري، وأما على مذهب الجمهور: الفاء: عاطفة ما بعدها على {أخذناهم بغتة} ، وما بينهما اعتراض.
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)} .
{أَوَ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والواو: عاطفة على ذلك المحذوف، {أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفل أهل القرى عن سنننا فيمن قبلهم، وأمنوا أن يأتيهم بأسنا؟ والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا}: جملة فعلية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره:
إتيان بأسنا إياهم، {ضُحًى}: منصوب على الظرفية، متعلق بـ {يأتي}. {وَهُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَلْعَبُونَ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من هاء {يَأْتِيَهُمْ} .
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)} .
{أَفَأَمِنُوا} الهمزة: داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف {أمنوا} : فعل وفاعل، {مَكْرَ اللَّهِ}: مفعول به ومضاف إليه، والتقدير: أجهلوا سنتنا فأمنوا مكر الله؟ والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {فَلا يَأْمَنُ}: الفاء: استئنافية، {لا}: نافية {يَأْمَنُ مَكْرَ
اللَّهِ}: فعل ومفعول ومضاف إليه، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {الْقَوْمُ}: فاعل، {الْخاسِرُونَ}: صفته، والجملة الفعلية مستأنفة.
{أَوَلَمْ} الهمزة: للاستفهام التوبيخي داخلة على محذوف، والواو: عاطفة على ذلك المحذوف، {لَمْ}: حرف نفي وجزم، {يَهْدِ} صلى الله عليه وسلم: فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} : وعلامة جزمه حذف حرف العلة، {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق به {يَرِثُونَ الْأَرْضَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول، {مِنْ بَعْدِ أَهْلِها}: جار ومجرور متعلق بـ {يَرِثُونَ} . {أَنْ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن؛ أي: أنه {لَوْ} : حرف شرط {نَشاءُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ومفعول المشيئة محذوف تقديره: لو نشاء أصبنا إياهم، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لَوْ}. {أَصَبْناهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وأتى بجواب {لَوْ} هنا خاليا عن اللام، وهو جائز على قلة، وجملة {لَوْ} الشرطية في محل الرفع خبر {أَنْ} المخففة، وجملة {أَنْ} المخففة في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ {يَهْدِ} والتقدير: أغفل الذين يرثون الأرض من بعد أهلها، عن سننا فيمن قبلهم، ولم يهد ويبين لهم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو نشاء الإصابة لهم، والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب {بِذُنُوبِهِمْ}: جار ومجرور متعلقان بـ {أَصَبْناهُمْ} {وَنَطْبَعُ} الواو: عاطفة بمعنى {أو} التي تمنع الجمع، {نَطْبَعُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، {عَلى قُلُوبِهِمْ}: متعلق بـ {نَطْبَعُ} ، والجملة معطوفة على {أَصَبْناهُمْ} على كونها جواب {لَوْ}. {فَهُمْ} الفاء: حرف عطف وتفريع، {هم}: مبتدأ وجملة {لا يَسْمَعُونَ} خبره، والجملة الاسمية معطوفة مفرعة على {نَطْبَعُ}:
{تِلْكَ} : مبتدأ، {الْقُرى}: بدل منه، أو عطف بيان له، {نَقُصُّ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، {عَلَيْكَ}: متعلق به، {مِنْ}: حرف جر وتبعيض، {أَنْبائِها}: مجرور ومضاف إليه، الجار والمجرور، متعلق بـ {نَقُصُّ} ، أيضا، وجملة {نَقُصُّ} في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {وَلَقَدْ}: الواو: استئنافية، اللام: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {جاءَتْهُمْ}: فعل ومفعول، {رُسُلُهُمْ}: فاعل ومضاف إليه، {بِالْبَيِّناتِ}: متعلق بـ {جاء} والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة استئنافا بيانيا، {فَما}: الفاء: عاطفة، {ما}: نافية، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، {لِيُؤْمِنُوا}: اللام: حرف جر وجحود، {يؤمنوا}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود، {بِما}: جار ومجرور، متعلق بـ {يؤمنوا}. {كَذَّبُوا}: فعل وفاعل صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: كذبوه، و {مِنْ قَبْلُ}: جار ومجرور، متعلق بـ {كَذَّبُوا}: وجملة {يؤمنوا} صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر كان، تقديره: فما كانوا مريدين لإيمانهم بما كذبوا من قبل. هذا على مذهب البصريين، وأما على مذهب الكوفيين: فاللام زائدة لتوكيد النفي، والتقدير عندهم: فما كانوا مؤمنين بما كذبوا من قبل. كما ذكرنا ذلك مبسوطا في كتابنا «الدرر البهية في إعراب أمثلة الآجرومية» وعرف بعضهم لام الجحود ببيت واحد:
وكلّ لام قبله ما كانا أو
…
لم يكن فللجحود بانا
{كَذلِكَ} : جار ومجرور صفة لمصدر محذوف {يَطْبَعُ اللَّهُ} : فعل وفاعل، {عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَطْبَعُ} ، والتقدير: يطبع الله على قلوب الكافرين من أمتك طبعا مثل طبعه على قلوب الكافرين من الأمم الماضية، والجملة الاسمية مستأنفة.
{وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102)} .
{وَما} الواو: إستئنافية، {ما}: نافية، {وَجَدْنا}: فعل وفاعل، والجملة
مستأنفة، {لِأَكْثَرِهِمْ} (1): متعلق بوجد، كقولك: ما وجدت له مالا؛ أي: ما صادفت له مالا ولا لقيته، ويحتمل أن يكون حالا {مِنْ عَهْدٍ} ؛ لأنّه في الأصل صفة نكرة، فلمّا قدم عليها نصب على الحال، والأصل: وما وجدنا عهدا لأكثرهم، وهذا لم يذكر أبو البقاء غيره، وعلى هذين الوجهين: ف {وجد} متعد لواحد، وهو {مِنْ عَهْدٍ} ، ومن مزيدة فيه، والوجه الثالث: أنه في محل نصب مفعولا ثانيا لوجد، إذ هي بمعنى علم، والمفعول الأول هو {مِنْ عَهْدٍ} ، وقد يترجح هذا بأن {وجد} الثانية علمية لا وجدانية، بمعنى الإصابة، فإذا تقرر هذا .. فينبغي أن تكون الأولى كذلك مطابقة للكلام، ومناسبة له، ومن يرجح الأول يقول: إن الأولى لمعنى، والثانية لمعنى آخر اه «سمين». {وَإِنْ}: الواو: عاطفة {إِنْ} : مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن؛ أي: وإن الشأن والحال، {وَجَدْنا}: فعل وفاعل، {أَكْثَرُهُمْ}: مفعول أول لوجد؛ لأنّها علمية {لَفاسِقِينَ} : اللام فارقة بين المخففة والنافية، {فاسقين}: مفعول ثان لوجد على حد قول ابن مالك:
وخفّفت أنّ فقلّ العمل
…
وتلزم اللّام إذا ما تهمل
وجملة وجد في محل الرفع خبر {إِنْ} المخففة، وجملة {إِنْ} المخففة معطوفة على جملة قوله:{وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ} وقال بعض (2) الكوفيين: إن {إِنْ} في مثل هذا التركيب هي النافية، واللام بمعنى إلا، والمعنى: وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين.
التصريف ومفردات اللغة
{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} وفي السمين (3): وعاد في لسانهم لها استعمالان:
أحدهما: وهو الأصل، أنّه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول.
والثاني: استعمالها بمعنى صار، وحينئذ ترفع الاسم وتنصب الخبر، فلا تكتفي
(1) الفتوحات.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الفتوحات.
بمرفوع كقولهم: عاد السعر رخيصا، واستشكلوا على كونها بمعناها الأصلي أنّ شعيبا عليه السلام لم يكن قط على دينهم، ولا في ملتهم، فكيف يحسن أن يقال: أو لتعودن؛ أي: ترجعن إلى حالتكم الأولى، والخطاب له ولأتباعه؟ وقد أجيب عنه بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنّ هذا القول من رؤسائهم قصدوا به التلبيس على العوام، والإيهام لهم أنّه كان على دينهم وعلى ملتهم.
الثاني: أن يراد بعوده رجوعه إلى حاله قبل بعثته من السكون؛ لأنّه قبل أن يبعث إليهم كان يخفي إيمانه، وهو ساكت عنهم، بريء من معبوداتهم غير الله.
الثالث: تغليب الجماعة على الواحد؛ لأنّهم لما أصحبوه مع قومه في الإخراج .. سحبوا عليه وعليهم حكم العود إلى الملة تغليبا لهم عليه، وأما إذا جعلنا بمعنى صار .. فلا إشكال في ذلك، إذ المعنى: لتصيرن في ملتنا بعد أن لم تكونوا، وفي ملتنا حال على الأول، خبر على الثاني، وعدي عاد بفي الظرفية تنبيها على أنّ الملة صارت لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم.
{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا} ؛ أي: اقض؛ لأنهم يسمون القاضي: الفاتح والفتاح؛ لأنّه يفتح مواضع الحق اه كرخي، وفي «السمين»: أن الفتح: الحكم بلغة حمير، وقيل: بلغة مراد، وفي «المراغي» الفتح: إزالة الإغلاق والإشكال وهو قسمان: حسي يدرك بالبصر، كفتح العين والقفل والكلام الذي يكون من القاضي، ومعنوي يدرك بالبصيرة، كفتح أبواب الرزق والمغلق من مسائل العلم، والنصر في وقائع الحرب، والمبهم من قضايا الحكم، ويقال: فتح الله عليه إذا جد وأقبلت عليه الدنيا، وفتح الله عليه نصره، وفتح الحاكم بينهم، وما أحسن فتاحته؛ أي: حكمه كما قال شاعرهم:
ألا أبلغ بني وهب رسولا
…
بأنّي عن فتاحتهم غنيّ
ويقال: بينهم فتاحات؛ أي: خصومات، وولي الفتاحة؛ أي: القضاء.
انتهى.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الرجف الحركة والاضطراب، والمراد منها: الزلزلة
الشديدة، ومنه:{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} وقال هنا وفي سورة العنكبوت: الرجفة، وفي سورة هود {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}؛ أي: صيحة جبريل وصرخته عليهم من السماء، ولعلها؛ أي: الصيحة كانت في مبادىء الرجفة، فأسند هلاكهم إلى السبب القريب تارة، وإلى البعيد أخرى. اه أبو السعود.
وقال قتادة (1): بعث الله شعيبا إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، فأما أصحاب الأيكة .. فأهلكوا بالظلة، وأمّا أهل مدين .. فأخذتهم الرجفة، صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا جميعا، وقال أبو عبد الله البجلي: كان أبو جاد وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، ملوك مدين، وكان ملكهم في يوم الظلة اسمه كلمن، فلما هلك رثته ابنته بشعر اه.
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أصله يغنيوا بوزن يفعلوا، استثقلت الضمة على الياء ثم حذفت، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء، أو يقال: تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا، فالتقى ساكنان ثم حذفت الألف فصار: يغنوا بوزن يفعوا، وفي «المصباح»: غني بالمال يغنى غنى، مثل رضي يرضى رضى، فهو غني، والجمع أغنياء، وغني بالمكان: إذا نزل به واقام فيه فهو غان. اه.
{فَكَيْفَ آسى} والأسى شدة الحزن، وأصل آسى أأسى بهمزتين، قلبت الثانية ألفا، وفي «المصباح» وأسى أسا - من باب تعب - حزن، فهو أسى مثل حزين. اه.
{ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} قال أهل اللغة: السيئة كل ما يسوء صاحبه، والحسنة: كل ما يستحسنه الطبع والعقل، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه يؤاخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة، وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج.
{وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ} القرية المدينة الجامعة لزعماء الأمة ورؤسائها - العاصمة - والبأساء الشدة والمشقة، كالحرب والجدب، وشدة الفقر، والضراء ما
(1) الفتوحات.
يضر الإنسان في بدنه، أو نفسه، أو معيشته، والأخذ بها، جعلها عقابا لهم.
والتضرع إظهار الضراعة؛ أي: الضعف والخوضع {حَتَّى عَفَوْا} ؛ أي: حتى نموا وكثروا عددا وعددا، من عفا النبات والشعر إذا كثر وتكاثف {بَغْتَةً}؛ أي: فجأة، فهو الأخذ حال السعة والرخاء، لا حال الجدب كما قيل؛ فإنّه قد بدل بالسعة. اه أبو السعود.
{بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ} تشمل معارف الوحي العقلية، ونفحات الإلهام الربانية، والمطر، ونحوه مما يوجب الخصب والخير في الأرض، وبركات الأرض، النبات والثمار، وجميع ما فيها من الخيرات والأنعام والأرزاق، والأمن، والسلامة من الآفات، وكل ذلك من فضل الله وإحسانه على عباده، وأصل البركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وسمي المطر بركة السماء لثبوت البركة فيه، وكذا ثبوت البركة في نبات الأرض، لأنّه نشأ من بركات السماء، وهي المطر، وقال البغوي: أصل البركة المواظبة على الشي؛ أي: تابعنا عليهم المطر من السماء، والنبات من الأرض، ورفعنا عنهم القحط والجدب. اه خازن.
{بَأْسُنا بَياتًا} البأس العذاب، بياتا؛ أي: وقت بيات، وهو الليل.
{ضُحًى} ؛ أي: ضحوة النهار، وهي في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت، اه أبو السعود، وفي «السمين»: والضحى: انبساط الشمس، وامتداد النهار، وسمى به الوقت، ويقال: ضحى وضحاء، إذا ضممته قصرته، وإذا فتحته مددته، وقال بعضهم: الضحى - بالضم والقصر - لأول ارتفاع الشمس، والضحاء - بالفتح والمد - لقوة ارتفاعها قبل الزوال، والضحى مؤنث اه.
{يَلْعَبُونَ} ؛ أي: يلهون من فرط غفلتهم {مَكْرَ اللَّهِ} : والمكر التدبير الخفي الذي يفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب، وفي «المختار»: المكر الاحتيال والخديعة، وقد مكر من باب نصر، فهو ماكر ومكّار. اه وفي «السمين»: والمراد بمكر الله هنا: فعل يعاقب به الكفرة على كفرهم، وأضيف إلى الله لما كان عقوبة على ذنبهم {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ} يقال: هداه
السبيل وهداه إليه، وهداه له؛ أي: دله عليه وبينه له.
{مِنْ عَهْدٍ} العهد الوصية، والوصية تارة يراد بها إنشاؤها وإيجادها، وأخرى يراد بها ما يوحى به، ويقال: عهدت إليه بكذا؛ أي: وصيته بفعله أو حفظه، وهو إما أن يكون بين طرفين - وهو المعاهدة - وإما من طرف واحد، بأن يعهد إليك بشيء، أو تلزم بشيء، والميثاق: هو العهد الموثق بضرب من ضروب التوكيد.
وقال الراغب (1): عهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا، وتارة يكون بما أمرنا به في الكتاب وألسنة رسله، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع، كالنذور وما يجري مجراها اه {الفاسقين} والفسوق: الخروج عن كل عهد فطري وشرعي، بالنكث والغدر وغير ذلك من المعاصي، ووجدنا الأولى بمعنى ألفينا، والثانية بمعنى علمنا.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الأيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: تغليب حكم الجماعة على الواحد في قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} ؛ لأنّ شعيبا لم يكن في ملتهم قط، فيعود فيها.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ} .
ومنها: التكرار في قوله: {وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
ومنها: الإطناب في قوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} ، وقوله:{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} لزيادة التقرير.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَسِعَ رَبُّنا} ؛ لأنّه كناية عن الإحاطة، وفي قوله:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا} ؛ لأن الفتح حقيقة في الأجسام كفتح الباب، وفي قوله:{فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ} ؛ لأنّه استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب، كما ذكره أبو السعود. وفي قوله: {لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ
(1) المراغي.
السَّماءِ} شبه تيسير البركات عليهم بفتح الأبواب في سهولة التناول، فهو من باب الاستعارة التصريحية التبعية؛ أي: وسعنا عليهم الخير من جميع الأطراف.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} ، من الإسناد إلى السبب؛ أي: فأخذهم الله بالرجفة.
ومنها: الطباق بين لفظ {الْحَسَنَةَ} و {السَّيِّئَةِ} وبين لفظ {الضَّرَّاءِ} و {السراء} في قوله: {إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ} ، وقوله:{ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} وبين قوله: {الضَّرَّاءُ} و {السَّرَّاءُ} في قوله: {قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} .
ومنها: التفخيم (1) والتهويل في تكرار لفظ {أَهْلَ الْقُرى} لما في ذلك من التسميع والإبلاغ والتهديد، ما لا يكون في الضمير لو قال: أو أمنوا؛ فإنّه متى قصد التفخيم والتعظيم والتهويل جيء بالاسم الظاهر.
ومنها توسيط (2) النداء باسمه العلمي بين المعطوفين في قوله: {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ} ، لزيادة التقرير والتهديد، الناشئة عن غاية الوقاحة والطغيان؛ أي: والله لنخرجنك وأتباعك.
ومنها: الإخبار المتضمن معنى التعجب في قوله: {قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ، كأنّه قيل: ما أكذبنا على الله إن عدنا إلى الكفر، قاله الزمخشري.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) البحر المحيط.
(2)
أبو السعود.
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
المناسبة
لما قص (1) الله سبحانه وتعالى على نبيه أخبار نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وما آل إليه أمر قومهم، وكان هؤلاء لم يبق منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل، إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات، وأمته من أكثر الأمم تكذيبا وتعنتا واقتراحا وجهلا، وكان قد بقي من أتباعه عالم وهم اليهود .. فقص الله علينا قصصهم لنعتبر ونتعظ وننزجر عن أن نتشبه بهم.
(1) البحر المحيط.