الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونصره، ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء من عباده، لا يضع شيئا في غير موضعه.
وظاهر الآية يدل على أن لإنزال الملائكة وإمداد المسلمين بهم فائدة معنوية، فهو يؤثر في القلوب فيزيدها قوة، وإن لم يكونوا محاربين، وهناك روايات تدل على أنّهم قاتلوا فعلا، وفي يوم أحد وعدهم الله وعدا معلقا على الصبر والتقوى، ولكن الشرط الأخير قد انتفى، فانتفى ما علق عليه.
11
- واذكروا أيها المؤمنون نعمة {إِذْ يُغَشِّيكُمُ} ؛ أي: نعمة إذ يلقي الله سبحانه وتعالى عليكم {النُّعاسَ} ؛ أي: النوم الخفيف {أَمَنَةً مِنْهُ} ؛ أي: حالة كون النعاس أمانا من الله لكم؛ أي: سبب أمان وسلامة لكم من عدوكم أن يغلبكم، قال عبد الله بن مسعود (1) النعاس في القتال أمنة من الله؛ أي: طمأنينة منه، وفي الصلاة من الشيطان، والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال: أنّ الخائف على نفسه لا يأخذه النوم، فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن، وإزالة الخوف، وقيل: إنّهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم، وقلة المسلمين عددا وعددا وعطشوا عطشا شديدا .. ألقى الله عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة، وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذلك النوم نعمة في حقهم؛ لأنّه كان خفيفا بحيث لو قصدهم لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله: أنّه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة، فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم - مع وجود الخوف الشديد - أمر خارج عن العادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة؛ لأنّه أمر خارق للعادة، وهذه (2) الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم، وهي أنّهم مع خوفهم من لقاء العدو، والمهابة لجنابه، سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها.
قيل: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
(1) الخازن.
(2)
الشوكاني.
أحدهما: أنّه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني: أنّه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم.
وقيل: إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران، وروى البيهقي في «الدلائل» عن علي كرم الله وجهه قال:
ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأينا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة، حتى أصبح. والمتبادر من الآية أنّ النعاس كان في أثناء القتال، وهو يمنع الخوف؛ لأنّه ضرب من الذهول والغفلة عن الخطر.
وقرأ (1) ابن كثير، وأبو عمرو، ومجاهد، وابن محيصن {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ} بفتح الياء، وسكون الغين، وفتح الشين بعدها ألف مضارع غشي الثلاثي، والنعاس رفع به، وقرأ الأعرج وابن نصاح وأبو حفص ونافع:{يُغَشِّيكُمُ} بضم الياء وسكون الغين وكسر الشين، النعاس بالنصب مضارع أغشى الرباعي، وقرأ عروة بن الزبير، ومجاهد، والحسن وعكرمة، وأبو رجاء، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:{يُغَشِّيكُمُ} بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة، النعاس بالنصب، وقرأ الجمهور {أَمَنَةً} بالتحريك، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن محيصن، {أَمَنَةً مِنْهُ} بسكون الميم على وزان رحمة.
{وَ} اذكروا نعمة {إذ ينزل} الله سبحانه وتعالى {عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً} ؛ أي: مطرا {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ؛ أي: بذلك الماء من الأحداث والجنابات، {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ}؛ أي: وسوسته إليكم، بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم عطاشا محدثين، والمشركون على الماء {وَلِيَرْبِطَ} به {عَلى قُلُوبِكُمْ} باليقين والصبر، وقال الواحدي: ويشبه أن تكون لفظة {عَلى} صلة، والمعنى: وليربط قلوبكم بالصبر، وما أوقع فيها من اليقين، وفي «الوسيط»:{عَلى} زائدة، والمعنى: وليربط قلوبكم بما أنزل من الماء، ولا تضطرب بوسوسة الشيطان اه
(1) البحر المحيط وزاد المسير.
«زاده» أي: يقويها ويعينها باليقين، فجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب، {وَيُثَبِّتَ بِهِ}؛ أي: بذلك الماء {الْأَقْدامَ} على الرمل فقدروا على المشي عليه، كيف أردوا في مواطن القتال.
روى (1) ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون، وصلّوا مجنبين محدثين، وكان بينهم، رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن، وقال أتزعمون أنّ فيكم نبيّا وأنكم أولياء، وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء، فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون، وتطهّروا، وثبتت أقدامهم؛ أي: على الرمل اللين لتلبده بالمطر، وذهبت وسوسته.
وقال ابن القيم: أنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا واحدا، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهّرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض وصلب الرمل، وثبت الأقدام، ومهّد به المنزل، وربط على قلوبهم فسبق رسول الله وأصحابه إلى الماء، فنزلوا عليه شطر الليل، وصنعوا الحياض ثم غوروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله وأصحابه أعلى الحياض، وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش على تلّ مشرف على المعركة، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى، فما تعدّى أحد منهم موضع إشارته.
وقال ابن إسحاق (2): إن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:«بل هو الحرب والرأي والمكيدة» قال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم تغور ما وراءه من القلب، - الأبار غير المبنية - ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي»
(1) المراغي.
(2)
المراغي.