المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم - إمتاع الأسماع - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم]

- ‌ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال:

- ‌فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته

- ‌وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة

- ‌وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب

- ‌وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة

- ‌وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها

- ‌وأما انفلاق البرمة عنه

- ‌وأما ولادته مختونا مسرورا

- ‌وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك

- ‌وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان

- ‌وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة

- ‌وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل

- ‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته

- ‌وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ]

- ‌وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب

- ‌وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته

- ‌وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته

- ‌فصل في رعاية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة

- ‌فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد

- ‌فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام

- ‌فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده

- ‌فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأمّا شبهة منكري التكليف

- ‌وأما شبهة البراهمة

- ‌وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه

- ‌وأما شبهة اليهود

- ‌وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة

- ‌وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأحدهما:

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌الحجة الخامسة

- ‌الحجة السادسة

- ‌الحجة السابعة

- ‌الحجة الثامنة

- ‌الحجة التاسعة

- ‌الحجة العاشرة

- ‌وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل

- ‌وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام

- ‌فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] :

- ‌ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء

- ‌وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم

- ‌بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌[المعجزة في رأي المتكلمين]

- ‌[الآية]

- ‌تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد

- ‌فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام]

- ‌وأما إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما هود عليه السلام

- ‌وأما صالح عليه السلام

- ‌وأما إدريس عليه السلام

- ‌وأما يعقوب عليه السلام

- ‌وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل

- ‌وأما يوسف عليه السلام

- ‌وأما موسى عليه السلام

- ‌وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه

- ‌وأما هارون عليه السلام

- ‌وأما داود عليه السلام

- ‌وأما سليمان عليه السلام

- ‌وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام

- ‌وأما عيسى عليه السلام

- ‌أمّا القرآن الكريم

- ‌أمّا إعجاز القرآن الكريم

- ‌وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها

- ‌وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

- ‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

- ‌[الناسخ والمنسوخ]

- ‌[القراءات التي يقرأ بها القرآن]

- ‌[التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء]

- ‌[التابعون بمكة المشرّفة من القراء]

- ‌[التابعون بالبصرة من القراء]

- ‌[التابعون بالشام من القراء]

- ‌[التابعون بالكوفة من القراء]

- ‌[القراءات المشهورة]

- ‌[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بمكة]

- ‌[آخر ما نزل بمكة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بالمدينة]

- ‌[تتمّة مفيدة]

- ‌[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له]

- ‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

- ‌[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

- ‌[إسلام أبي ذر]

- ‌[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌تنبيه مفيد

- ‌[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]

الفصل: ‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

فقد روى محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي الجهم [ (1) ]، عن عبد اللَّه بن جعفر [بن أبي طالب] [ (2) ] عن حليمة بنت الحرث السعدية [ (3) ] قالت: أصابتنا سنة شهباء [ (4) ] لم تبق لنا شيئا، فخرجت مع نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء [ (5) ] بمكة على أتان [ (6) ] لي قمراء [ (7) ] ، فلم تبق منا امرأة إلا عرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم فتأباه، وعرض عليّ فأبيته، ذلك أن الظؤورة [ (8) ] إنما كانوا يرجون الخير من قبل الآباء ويقولون: لا أب له وما عسى أن تفعل أمه، فلم تبق منهن امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، وحان انصرافهن إلى بلادهن.

فقلت لزوجي: لو أخذت ذلك الغلام اليتيم كان أمثل من أن أرجع بغير رضيع، فأتيت أمه فأخذته ثم جئت بعد ذلك، إلى منزلي، فكان لي ابن صغير واللَّه لن ينام من الجوع، فلما ألقيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ثدي أقبلا عليه بما شاء من

[ (1) ] هو جهم بن أبي جهم مولى الحارث بن حاطب الجمحيّ.

[ (2) ] زيادة في النسب من (ابن هشام) .

[ (3) ] هي حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب: عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصيّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر، قدمت عليه صلى الله عليه وسلم وقد تزوج خديجة فشكت إليه جدب البلاد، فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة، وأعطتها بعيرا، ثم قدمت عليه صلى الله عليه وسلم بعد النبوة فأسلمت وبايعت، وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى.

[ (4) ] سنة شهباء: يعني سنة قحط، لأن الأرض فيها تكون بيضاء.

[ (5) ] الرضعاء: جمع رضيع، وهم الأطفال حديثو الولادة.

[ (6) ] الأتان: أنثى الحمار.

[ (7) ] قمراء: أي يميل لونها إلى الخضرة.

[ (8) ] الظؤورة: جمع ظئر، وهي العاطفة على ولد غيرها، المرضعة له، في الناس وغيرهم، للذكر والأنثى، وتجمع على: أظؤر، وأظآر، وظؤور، وظؤورة، وظؤار، وظؤرة. (ترتيب القاموس) :

3/ 119.

ص: 84

اللبن حتى روي وروي أخوه وناما، وقام زوجي إلى شارف [ (1) ] لنا واللَّه ما أن تبضّ [ (2) ] بقطرة، فلما وقعت يده على ضرعها فإذا هي حافل [ (3) ]، فحلب ثم أتاني فقال: واللَّه يا ابنة أبي ذؤيب ما أظن هذه النسمة التي أخذتها إلا مباركة! وأخبرني بخبر الشارف وأخبرته بخبر ثديي وما رأيت منهما.

ثم أصبحنا فغدونا، فكنت على أتان قمراء، واللَّه ما أن تلحق الحمر ضعفا، فلما أن وضعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها جعلت تتقدم الركب فيقولون: واللَّه إن لأتانك هذه لشأنا.

قالت: فقدمنا بلادنا- بلاد سعد بن بكر- لا نتعرف من اللَّه إلا البركة، حتى إن كان راعينا لينصرف بأغنامنا حفلا وتأتي أغنام قومنا ما أن تبضّ بقطرة، فيقولون لرعيانهم: ويحكم! ارعوا حيث يرعى راعي ابنة أبي ذؤيب، فلم يزل كذلك.

فبينما هما يوما يلعبان في بهم لنا وراء بيوتنا، إذ جاء أخوه يسعى فقال: ذاك أخي القرشي قد قتل، فانطلقت وأبوه فاستقبلنا وهو منتقع اللون، فجعلت أضمه إليّ مرة وأبوه مرة ويقول: ما شأنك؟ فيقول: لا أدري، إلا أنه أتاني رجلان فشقّا بطني وساطها [ (4) ]، فقال أبوه: ما أظن هذا الغلام إلا قد أصيب، فبادرى به أهله من قبل أن يتفاقم به الأمر.

عند ذلك لم يكن له همة إلا أن أتيت مكة [فأتيت به أمه، فقلت: أنا ظئر ابني هذا، وقد فصلته، وخشيت أن تقع عليه العاهة فاقبليه، فقالت: مالك زاهدة فيه؟ وقد كنت قبل اليوم تسأليني أن أتركه عندك لعلك خفت على [ابني][ (5) ] الشيطان- أو كلام هذا معناه- ألا أخبرك عني وعنه؟ إني رأيت حيث ولدته

[ (1) ] الشارف: الناقة المسنة.

[ (2) ] تبضّ: ترشح.

[ (3) ] الحافل: الممتلئة الضرع من اللبن، والحفل: اجتماع اللبن في الضرع.

[ (4) ] في (خ) : «وساطا» ، وفي (ابن هشام) :«يسوطانه» ولعل ما قد أثبتناه يناسب المعنى، يقال:

سطت اللبن أو الدم أسوطه، إذا ضربت بعضه ببعض، والمسوط: عود يضرب به.

[ (5) ] السياق مضطرب في (خ) فيما بين الحاصرتين، وقد صوبناه من كتب السيرة.

ص: 85

أنه خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام [ (1) ] . هذا لفظ زياد ابن عبد اللَّه البكائي عن ابن إسحاق.

وفي رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن ابن إسحاق، قالت أمه: إن لابني هذا لشأنا! ألا أحدثك عنه؟ فما زالت بنا حتى أخبرتنا خبره، قالت: إني حملت به، فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة منه، إني لقد رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت له أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته، فما وقع كما يقع الصبيان، وقع واضعا يده بالأرض رافعا رأسه إلى السماء، وألحقا بشأنكما [ (2) ] .

[ (1) ] هذا آخر حديث آمنة في (خ) ، لكنه ليس آخر لفظ زياد بن عبد اللَّه البكائي عن ابن إسحاق، وتمامه:

«ثم حملت به، فو اللَّه ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة» .

[ (2) ] حديث حليمة السعدية ورد في كتب السيرة بسياقات مختلفة، بعضها مطول، وبعضها مختصر، وبروايات مختلفة، عن ابن إسحاق، وابن راهويه، وأبو يعلي، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، فذكره كل من:

* ابن الجوزي في (صفة الصفوة) : 1/ 28- 30، وقال في آخره. وظاهر هذا الحديث يدل [على] أن آمنة حملت غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال الواقدي: لا يعرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد اللَّه ولدا غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

* القسطلاني في (المواهب اللدنية) : 1/ 150- 153، وقال في آخره: كانت الشيماء أخته من الرضاعة تحضنه وترقصه وتقول:

هذا أخ لم تلده أمي

وليس من نسل أبي وعمي

فديته من مخول معمي

فأنمه اللَّهمّ فيما تنمي

وذكر من شعر حليمة ما كانت ترقّص به النبي صلى الله عليه وسلم

يا رب إذا أعطيته فأبقه

وأعله إلى العلا وأرقه

وأدحض أباطيل العدا بحقّه

* ابن هشام في (السيرة النبويّة) : 1/ 297- 303.

* البيهقي في (دلائل النبوة) : 1/ 133- 136.

* الطبري في (التاريخ) : 2/ 158- 160.

* ابن سيد الناس في (عيون الأثر) : 1/ 31- 35.

* أبو نعيم الأصفهاني في (دلائل النبوة) : 1/ 155- 157.

* ابن كثير في (البداية والنهاية) : 2/ 333- 335.

* ابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 110- 112.

* الدّيار بكري في (تاريخ الخميس) : 1/ 222- 223.

* ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 722- 733، في ترجمة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ابن رفاعة، رقم (11384)، قال: وذكر محمد بن المعلى الأزدي في كتاب (الترقيص)، قال:

وقالت الشيماء ترقّص النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير:

يا ربنا أبق لنا محمدا

حتى أراه يافعا وأمردا

ثم أراه سيد مسوّدا

واكبت أعاديه معا والحسّدا

وأعطه عزا يدوم أبدا

قال: فكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها!.

ص: 86

وقال الواقدي: وقدم مكة عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضعاء، وخرجت حليمة بنت عبد اللَّه بن الحرث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصية بن نصر بن بكر بن هوازن، واسم أبيه الّذي أرضعه: الحرث بن العزى ابن رفاعة بن ملان [بن ناصرة][ (1) ] بن فصية بن سعد بن بكر بن هوازن، وإخوته عبد اللَّه بن الحرث، وحذافة بنت الحرث- وهي الشيماء- وكانت الشيماء هي تحضنه مع أمها وتوركه.

وخرجوا في سنة حمراء [ (2) ] ، وخرجت بابنها عبد اللَّه ترضعه، وأتان قمراء تدعى سدرة، وشارف دلقاء لا سنّ لها، يقال لها السمراء، لقوح قد مات سقبها [ (3) ] بالأمس، ليس في ضرعها قطرة لبن قد يبس من العجف [ (4) ]، وقالت أمه آمنة لظئره حليمة: يا ظئر! سلي عن ابنك فإنه يكون له شأن، فإنه لم يزل يذكر أنه يخرج من ضئضئ عبد المطلب نبي، ولقد حملت فما وجدت له ما تجد النساء من المشقة في الحمل، ولقد أتيت فقيل لي: قد حملت بسيد الأنام، ولقد قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد ثم في آل أبي ذؤيب.

قالت حليمة: فإن أبا هذا الغلام الّذي في حجري أبو ذؤيب وهو زوجي، فطابت نفس حليمة وسرت بكل ما سمعت، ثم قالت: واللَّه إني لأرجو أن يكون مباركا، فخرجت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى منزلها، فتجد حمارها قد قطعت رسنها فهي

[ () ] * ابن سعد في (الطبقات الكبرى) : 1/ 110- 112.

* الدّيار بكري في (تاريخ الخميس) : 1/ 222- 223.

* ابن حجر في (الإصابة) : 7/ 722- 733، في ترجمة الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ابن رفاعة، رقم (11384)، قال: وذكر محمد بن المعلى الأزدي في كتاب (الترقيص)، قال:

وقالت الشيماء ترقّص النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير:

يا ربنا أبق لنا محمدا

حتى أراه يافعا وأمردا

ثم أراه سيد مسوّدا

واكبت أعاديه معا والحسّدا

وأعطه عزا يدوم أبدا

قال: فكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها!.

[ (1) ] زيادة للنسب.

[ (2) ] سنة حمراء: شديدة الجدب.

[ (3) ] سقبها: ما قاربها من العمر.

[ (4) ] العجف: الضعف.

ص: 87

تجول في الدار، وتجد شارفها قائمة تقصع بجرّتها [ (1) ]، فقالت لزوجها: إن هذا المولود لمبارك! فقال أبوه: قد رأينا بعض بركته.

قال: ثم عمد إلى شاتها فحلبها قعبا فسقى حليمة، ثم حلبها قعبا آخر فشرب حتى روى، ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل، فحلب قعبا آخر فحقنه في سقاء [ (2) ] له ثم حدجوا [ (3) ] أتانها فركبتها حليمة، وركب الحرث شارفهم، وحملت حليمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديها على الأتان فطلعا على صواحبها بوادي السّرر مرتعات وهما يتواهقان في السير، فقلن: هي حليمة وزوجها، ثم قلن: هذا حمار أنجى من حمارتها، وهذا بعير أنجى من بعيرها، وما يقدران على أن يضبطا رءوسهما حتى نزلت معهن فقلن: يا حليمة! ماذا صنعت؟ قالت: أخذت واللَّه خير مولود رأيته قط وأعظمه بركة، فقالت النسوة: أهو ابن عبد المطلب؟ قالت: نعم، وأخبرتهن بما قالت آمنة في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما أمرتها أن تسأل عنه، وما رأت حليمة من إقبال درّها ودرّ لقوحها وما رأوا من نجاء الأتان واللقحة، فقالت حليمة: فما رحلنا من منزلنا حتى رأيت الحسد في بعض نسائنا [فيمرون بسنح [ (4) ] من هذيل على عراف كبير، فقالت النسوة: سلي هذا، فجاءت حليمة إليه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأخبرته خبره وما قالت فيه آمنة، فصاح الهذلي: يا آل هذيل! اقتلوه.. اقتلوه، وآلهته ليمكن في الأرض وإنه لينتظر من السماء أمرا، فرحن إلى بلادهن، وإنما اعتاف العائف في قبض النبي صلى الله عليه وسلم التراب حين ولد] [ (5) ] .

قالت: فقدمنا على عشرة أعنز ما يرمن البيت هزالا فإن كنا لتريح الإبل وإنها لحفل، فنحلب ونشرب، ونحلب شارفنا غبوقا وصبوحا [ (6) ] ، وإني لأنظر إلى الشارف قد نضبت في سنامها، وانظر إلى عجز الأتان فكأن فيها

[ (1) ] تقصع بجرتها: تجتر، وذلك يعني أنها كانت قد أكلت فامتلأت.

[ (2) ] في (خ) : «سقاية» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) .

[ (3) ] حدجوا: شدوا عليه الحدج، وهو الحمل.

[ (4) ] سنح: موضع في طرق من أطراق المدينة وهي منازل بني الحارث بن الخزرج.

[ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة من (خ) ، وليس في رواية أبي نعيم.

[ (6) ] الغبوق: ما يشرب في المساء، والصبوح: ما يشرب في الصباح.

ص: 88

الأفهار [ (1) ] وإن كان عجزها لدبراء [ (2) ] مما ننخسها، وجعل أهل الحاضر يقولون لرعيانهم: ابلغوا حيث تبلغ غنم حليمة، فيبلغون، فلا تأتي مواشيهم إلا كما كانت تأتي قبل ذلك، ولقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمس ضرع شاة لهم يقال لها «أطلال» ، فما يطلب منها ساعة من الساعات إلا حلبت غبوقا وصبوحا، وما على الأرض شيء تأكله دابة [ (3) ] .

فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع رءوسها، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض [ (4) ] ، ما تجد عودا تأكله، فتروح الغنم أغرث [ (5) ] منها حين غدت، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط [ (6) ] .

قالوا: فمكث سنتين صلى الله عليه وسلم حتى فطم، فكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على رده مكانه، لما رأوا من عظيم بركته، فلما كانوا بوادي السّرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها، فرافقتهم، فسألوها، فنظروا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، وإلى حمرة في عينيه، فقالوا: يشتكي أبدا عينيه للحمرة التي فيها؟ قالت:

لا، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه، فقالوا: هذا واللَّه نبي، فغالبوها عليه، فخافتهم أن يغلبوها، فمنعه اللَّه عز وجل، فدخلت به على أمه، وأخبرتها بخبره، وما رأوا من بركته، وخبر الحبشة، فقالت أمه: ارجعي بابني فإنّي أخاف عليه وباء مكة، فو اللَّه ليكونن له شأن، فرجعت به.

[ (1) ] أي أن لحمها قد تكتل كتلا من السّمن.

[ (2) ] الدبراء: التي بها قرحة.

[ (3) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 157- 159، حديث رقم (96)، أخرجه ابن سعد في (الطبقات) :

1/ 110 مختصرا.

[ (4) ] تربض: تطوي قوائمها وتقيم.

[ (5) ] أغرث: أكثر جوعا، وفي شعر حسان يعتذر لعائشة رضي اللَّه تعالى عنها:

وتصبح غرثي من لحوم الغوافل

[ (6) ] الحبط: الانتفاخ من كثرة الأكل.

ص: 89

وقام سوق ذي المجاز فحضرت به وبها يومئذ عراف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم من هوازن، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة التي في عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب! فاجتمع إليه أهل الموسم فقال: اقتلوا هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه، فيقال له: ما هو؟ فيقول: رأيت غلاما وآلهته ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم.

فطلب بذي المجاز [ (1) ] فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد هذا لا تعرضه لأحد من الناس، ولقد نزل بهم عراف، فأخرج إليه صبيان أهل الحاضر وأبت حليمة أن تخرجه إليه، إلى أن غفلت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخرج من المظلة فرآه العراف فدعاه، فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت، فقال: هذا نبي [هذا نبي][ (2) ]، قالوا: فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي.

فبينا هو يوما مع أخيه في البهم، إذ رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أخذته غمية، فجعل يكلم رسول اللَّه فلا يجيبه، فخرج الغلام يصيح بأمه: أدركي أخي القرشي! فخرجت أمه تعدو، ومعها أبوه فيجدان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاعدا منتقع اللون، فسألت أمه أخاه: ما رأيت؟ قال: رأيت طائرين أبيضين وقعا [ (3) ]، فقال أحدهما: أهو هو؟ فقال: نعم، فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه، ثم قال أحدهما: ائتني بماء ثلج، فجاء به فغسل بطنه، ثم قال:

ائتني بماء برد [ (4) ] ، فجاء به فغسل بطنه ثم أعاده كما هو.

قال: فلما رأى أبواه [ (5) ] ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت: نرى أن نرده على [ (6) ] أمه، إنا نخاف أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا فنرده إلى أمه فيعالج،

[ (1) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فطلب بعكاظ» .

[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.

[ (3) ] في المرجع السابق: «فوقنا» .

[ (4) ] في المرجع السابق: «بماء ورد» .

[ (5) ] في المرجع السابق: «أبوه» .

[ (6) ] في المرجع السابق: «إلى أمه» .

ص: 90

فإنّي أخاف أن يكون به لمم [ (1) ]، [فقال أبوه: لا واللَّه ما به لمم] [ (2) ] إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة، واللَّه إن أصابه [ما أصابه][ (2) ] إلا حسد من آل فلان، لما يرون من عظم بركته منذ كان بين أظهرنا [يا حليمة][ (2) ] .

قال أبوه: يا حليمة! أخذناه ولنا عشر أعنز عجاف فغنمنا اليوم ثلاثمائة، قالت: إني أخاف عليه، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره، ولكنه قد كان من شأنه فأخبرتها [ (3) ] خبره.

قال الواقدي: فحدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قالت حليمة: إنا لا نرده إلا على جدع أنفنا، ما رأينا مولودا أعظم بركة منه، ولكنا كرهنا أن نحدث به عند ما حدث.

قال ابن عباس: فرجعت فكان عندنا سنة أو نحوها، لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا، فغفلت عنه، فجاءتها أخته الشيماء في وقت الظهيرة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في البهم وقد ردت البهم، فخرجت أمه تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه! ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع، تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إي واللَّه.

قال: تقول حليمة: أعوذ باللَّه من شرّ ما نحذر على ابني، فكان ابن عباس يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين، وكان غيره يقول: ردّ على أمه وهو ابن أربع سنين، فكان معها إلى أن بلغ ست سنين.

وخرّج أبو محمد بن حبان من حديث الصلت بن محمد أبي همام قال: حدثنا

[ (1) ] اللمم: ضرب من الجنون.

[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.

[ (3) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 159- 162، حديث رقم (97)، وقال في آخره زيادة عن (خ) :

قال ابن عباس: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين. وكان غيره يقول: ردّ إلى أمه وهو ابن أربع سنين، وكان معها إلى أن بلغ ست سنين، (الخصائص الكبرى) : 1/ 144 وقال: أخرجه أبو نعيم من طريق الواقدي، عن عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده، والواقدي متروك.

ص: 91

سلمة بن علقمة، أخبرنا داود بن أبي هند قال: لما ولدت آمنة ذهب عبد المطلب يطلب ظئرا، فوافق امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت الحرث فجاء بها فدفعه إليها وشيعها وهو يقول:

يا رب هذا الراكب المسافر

محمد فاقلب بخير طائر

وازجره عن طريقة الفواجر

واخل عنه كل خلق فاجر

أخنس ليس قلبه بطاهر

وجنّة تصيد بالهواجر

إني أراه مكرمي وناصري [ (1) ]

فانطلقت به الظّئر، فذكر نحو حديث الجهم.

[ (1) ] هذه الأبيات مضطربة السياق والوزن في (خ) ، وصوبناها من (دلائل أبي نعيم) .

ص: 92