الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]
وأما تحريم الصلاة بالشاذ [من القراءات][ (1) ] ، فهو المعروف في كتب المتقدمين [من أن علم هذه المسألة][ (1) ] عند الفقهاء الفروعية أجدر بها، لأنها تحتاج إلى مواد: من حديث، وفقه قديم، واطلاع على عمل السلف، وتحقيق قول أئمة التفسير، ومعرفة بما صحت أسانيده من القراءات وما اختلف من ذلك، ولا ريب أن فقهاء زماننا عن هذا بمعزل إلا القليل منهم.
وأما الشواذ، فإنّها مأخوذة من: شذّ الشيء، ويشذّ شذا وشذوذا، أي ندر عن جمهوره، فسميت [القراءة][ (1) ] شاذة لأنها فارقت ما عليه القراءات وانفردت عن ذلك، وهي على قسمين:
أحدهما: ما روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم بإسناد صحيح.
والثاني: ما لم يصح سنده، وللناس في هذه الشواذ مذهبان:
أحدهما: أنه يقرأ في غير الصلاة.
والثاني: أنه لا يجوز أن يقال له قرآن.
فأما من جوّز تلاوته، فقد تقدم ما نقله عن ابن وهب، عن الإمام مالك رحمه الله أنه قيل له: أترى أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«فامضوا إلى ذكر اللَّه» [ (2) ] ؟ فقال: ذلك جائز، وأنه قال: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا، قد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر رضي الله عنهم كانت لهم مصاحف، وأنه قال في قراءة ابن مسعود:«طعام الفاجر» [ (2) ]، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا، وأن ابن عبد البر قال: معناه عندي: أن تقرأ به في غير الصلاة، لأن ما عدا مصحف عثمان رضي الله عنه [لا][ (1) ] يقطع عليه بالصحة، وإنما يجري مجرى
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] صوابهما في القراءة المعتمدة: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، طَعامُ الْأَثِيمِ.
السنة التي نقلها بطريق الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في ردّه، وأن ابن القثم قال في مصحف ابن مسعود: أرى أن الإمام يمنع من تبعه، ويصرف من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة ممن خالف المصحف [ (1) ] لم يصلّ وراءه.
قال ابن عبد البر: وعلماء [المسلمين][ (2) ] مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا، لا [يعول][ (2) ] عليهم، منهم الأعمش سليمان بن مهران، وأما من منع أن يكون الشواذ قرآنا فإنّهم قالوا: لا ينطلق اسم القرآن إلا على ما بين دافتي مصحف عثمان رضي الله عنه.
وأما آحاد القراءات فإنّها غير متواترة، ولهذا قيل لها شاذة لخروجها عما عليه الجمهور.
وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، وقال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحيى بن عبد اللَّه بن أبي مليكة بن عبد اللَّه: إن نافعا حدثني عن أبيك عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقرأ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [ (3) ] وتقول: إنما هو من ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك أن لا تكون سمعته عائشة؟ نافع ثقة عن أبي، وأبي ثقة عن عائشة، وما [يضرني][ (2) ] أن قرأتها هكذا، ولو كذا وكذا، قلت: ولم أنت تزعم أنها قد قالت؟ قال:
لأنه غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين، ما كان بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء به عن الأئمة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن اللَّه، وتقولون أنتم: حدثنا فلان عن فلان الأعمش؟ ما أدري ماذا أن ابن مسعود قرأ غير ما بين اللوحين؟ إنما هو واللَّه ضرب العنق والتوبة.
وقال هارون بن موسى: ذكرت ذلك لأبي عمرو- يعني القراءة عن عائشة رضي الله عنها فقال: سمعت هذا قبل أن تولد ولكنا لا نأخذ به. وقال محمد ابن صالح: سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: وكيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ]، فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ فقال
[ (1) ] يعني مصحف عثمان رضي اللَّه تعالى عنه.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (3) ] النور: 15.
[ (4) ] الفجر: 25- 26.
له أبو عمرو: لقد سمعت الرجل الّذي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وما أخذته عنه، وتدري لم ذلك؟ لأني أتهم الواحد بالشاذ، وإذا كان على خلاف ما جاءت به العامة.
قال كاتبه: هذا الحديث خرجه الحاكم من حديث علي بن الحسن [ (1) ] بن شقيق قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عمن أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ، وقال [الحاكم] [ (2) ] : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والصحابي الّذي لم يسمه قد سماه غيره، وهو مالك بن الحويرث، وهذه القراءة إنما أنكرها أبو عمر، لأنها لم تبلغه على وجه التواتر، وإن كانت تثبت عند غيره.
وقال أبو حاتم السجستاني: أول من تتبع بالبصرة من وجوه القرآن [وألّفها][ (2) ] ، وتتبع الشاذ منها، فبحث عن إسناد: هارون بن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء حين ألّفها، وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرن وأمة عن أفواه أمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء.
وقال الأصمعي عن هارون هذا: كان ثقة مأمونا، قال: وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف، وكان الأصمعي لا يذكر أحدا بسوء إلا من عرف ببدعة. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: يَقُصُّ الْحَقَّ [ (3) ]، فقلت له: إن أبا عمر يقرأ يقضي الحق، وقال: القضاء مع الفضل، فقال نافع: وي [ (4) ] يا أهل العراق! [تعبثون][ (2) ] في القرآن؟. قال يزيد بن هاشم: إياكم أن تأخذوا القراءة [ (5) ] على قياس العربية، إنما أخذناها بالرواية.
وقال بعض أصحاب سليم: قلت لسليم في حرف من القرآن: من أي وجه كان كذا وكذا؟ فرفع كمه وضربني به، وغضب وقال: اتّق اللَّه، لا تأخذون في شيء من هذا، إنما يقرأ القرآن على الثقات من الرجال الذين قرءوه على الثقات.
[ (1) ] في (خ) : «الحسين» ، وصوبناه من (المستدرك) .
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] الأنعام: 57.
[ (4) ] كلمة تعجب.
[ (5) ] في (خ) : «القرآن» . وما أثبتناه أجود للسياق.
وقال الكسائي: لو قرأت على قياس العربية لقرأت كبره [ (1) ] برفع الكاف، لأنه أراد عظمه، لكنني قرأت على الأثر. وقال يحيى بن آدم: أخبرنا أبو بكر بن عياش بحروف عاصم في القراءات وقال: سألته عنها حرفا حرفا، فحدثني بها ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك بها حرفا حرفا، فتعلمتها منه بعد أن اختلفت إليه نحوا من ثلاث سنين، كل غداة في البرد والأمطار، حتى إني لأستحيي من أهل مسجد بني كاهل في الصيف والشتاء، وأعملت نفسي [فيه][ (2) ] سنة بعد سنة، فلما قرأت عليه قال لي: احمد اللَّه فإنك قد جئت وما تحسن شيئا، فتعلمت القرآن من عاصم كما يتعلم الغلام في الكتّاب ما أحسن غير قراءته.
وقال أبو عبيد بن القاسم بن سلام: ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الّذي عليه الإجماع من الحروف التي تعرف أسانيدها الخاصة دون العامة، مما نقلوا فيه عن أبيّ بن كعب:«وما كان ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، وعن ابن عباس:
«ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» .
ومما يحكون عن عمر رضي الله عنه: أنه قرأ: «غير المغضوب عليهم وضرّ الضالين» ، مع نظائر لهذه الحروف كثيرة لم ينقلها أهل العلم، على أن الصلاة بها تحل، ولا على أنها معارض بها مصحف عثمان رضي الله عنه، لأنها حروف، لو جحد جاحد ألفا من القرآن لم يكن كافرا. والقرآن الّذي جمعه عثمان بموافقة أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له، لو أنكر بعضه منكر كان كافرا، حكمه حكم المرتد، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري- وقد ذكر ما ينقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ: «والعصر* ونوائب الدهر* إن الإنسان لفي خسر»
-: قول أبي بكر بن عياش، قال لي عاصم بن أبي النجود: ما أقرأني أحد من الناس حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الرحمن قرأ على عليّ رضي الله عنه، وكنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن فأعرض على زرّ بن حبيش، وزرّ بن حبيش قرأ على عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.
[ (1) ] النور: 11.
[ (2) ] زيادة للسياق.
قال ابن الأنباري: وإذا روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه:
وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] ، كما يقرأ المسلمون جميعا بشهادة عاصم على أبي عبد الرحمن، فرواية أبي عبد الرحمن تنسخ كل رواية في القراءة عن علي، لموضع أبي عبد الرحمن بن علي، وضبطه عنه، وأنه كان يقرئ الحسن والحسين رضي الله عنهما،
فهذه جهة تبطل رواية من روى عن علي رضي الله عنه: «والعصر* ونوائب الدهر» .
الجهة الثانية: أن عليا لما أفضت الخلافة إليه بعد عثمان رضي الله عنه، وكان إمام المسلمين وقدوتهم، لو علم أن «والعصر» في مصحف عثمان الّذي أجمع عليه المسلمون تنقص «ونوائب الدهر» ، لم يستحل ترك خلل في المصحف، ونقص ألفاظ تنقص بها من ثواب القارئ حسنات، ويزول من جهتها معنى أراده اللَّه وقصد له، فترك عليّ وَالْعَصْرِ [ (2) ] في مصاحف المسلمين على ما لا يعرف غيره، هو الدليل على أن من روى:«والعصر* ونوائب الدهر» كذب أو نسي.
والجهة الثالثة: أن المسلمين أجمعوا على أن هذا هو القرآن الّذي أنزله رب العالمين على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا زيادة فيه ولا نقصان، فمن ادعى زيادة أو نقصانا منه فقد أبطل الإجماع، وبهّت الناس وردّ ما قد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتزوّج تسع من النساء؟
حلال، وفرض اللَّه أياما فصام مع شهر رمضان، فإذا ردّ جميع هذا الإجماع، كان الإجماع على القرآن أثبت وأوكد، والبناء عليه أولى. وعليّ رضي الله عنه داخل في الإجماع غير خارج منه.
وأيضا فقد كان علي يصلي بالمسلمين صلاة المغرب، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيقرأ والناس وراءه يستمعون قراءته. فلو خالف عثمان وأبا بكر وعمر في حرف واحد أو أكثر، لسارع الناس إلى سؤاله عنه، وقبوله منه، وتغييره من المصاحف بمحضر منه، فلما سمعوا قراءته طول خلافته، فلم ينكروا حرفا ولم يغيروا مما سمعوا منه شيئا من المصحف، كان هذا هو الدليل على أن قراءة عليّ هي قراءة أبي بكر وعمر وعثمان، والحجة واضحة برواية أبي عبد الرحمن السلمي، عنه ما يوافق قراءتنا ولا يخالفها
[ (1) ] العصر: 1- 2.
[ (2) ] العصر: 1.
فالقرآن الّذي حصّله عنه أبو عبد الرحمن، هو الّذي كان يؤم الناس به في صلاته، فيجدونه موافقا قرآن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المسلمين، ولو وقفوا فيه على زيادة كلمة أو نقصان لفظة، لوافقوا [عليا][ (1) ] عليها وأثبتوها في المصاحف على قوله، وما يأمر به من رسمه لعلو درجته وارتفاع منزلته، فقد حصّلوا في كلامه المنثور ضمة في حرف وياء في كلمة، فتابعوا حكايتهما عنه، ونسبتهما إليه، فأحد الحرفين الدّهقان [ (2) ] بضم الدال، والآخر نيرز من النيروز.
قال عياش بن القدح الرياشي: حدثنا أبو عاصم عن معاذ بن العلاء- أخي أبي عمرو بن العلاء- عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدّهقان بضم الدال، ثم أتى بيت المال فقال: خذ خذ، وأنشأ يقول:
[أفلح][ (3) ] من كانت له قوصرّة [ (4) ]
…
يأكل منها كل يوم مرة
وقال سليمان بن حرب: حدثني حماد بن مسلمة بن زيد عن التميمي قال: أهدى إلى عليّ فالوذج [ (5) ] في جام [ (6) ] يوم النيروز، فقال: ما هذا؟ قال: هذا يوم النيروز، فقال: نيرز، وأكل.
يوم بالياء، قال: فمن ضبط من لفظ عليّ وحصّل من كلامه ضمة نادرة، وياء نادرة، فهو صفيق بأن لا يغفل من قراءته كلمة تنبت، ولفظة تسقط، وحركة تغير، فمن ادعى أن ألفاظه في منثور كلامه ضبطت، وكلماته في قراءته القرآن أضيعت، فقد أخبر بمحال لا يقبله عليم، ولا يشهد بصحته حكيم.
وذكر ابن الأنباري ما ينقل عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه قرأ كأن
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (2) ] الدّهقان، والدّهقان: التاجر، فارسىّ معرّب. (لسان العرب) : 10/ 107.
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان من المرجع السابق.
[ (4) ] القوصرّة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البوادي. قال ابن الأعرابي: العرب تكني عن المرأة بالقارورة والقوصرّة قال ابن بري: وهذا الرجز ينسب إلى الإمام علي عليه السلام، وقالوا: أراد بالقوصرة المرأة، وبالأكل النكاح. (المرجع السابق) : 5/ 104.
[ (5) ] نوع من الحلوى.
[ (6) ] الجام: هو إناء من فضة، عربي صحيح، قاله ابن سيده. (اللسان) : 12/ 112.
لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، «وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، ثم إن الحسن ابن الحيان حدثنا قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد القاسم بن نافع ابن أبي برة قال: قرأت القرآن على عكرمة بن سليمان أنه قرأ على شبل بن عباد، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن قسطنطين، وأنهما أخبراه أنهما قرءا على عبد اللَّه بن كثير، وأن عبد اللَّه بن كثير أخبره أنه قرأ على مجاهد [وأن مجاهد][ (2) ] أخبره أنه قرأ على عبد اللَّه بن عياش، وأن ابن عياش قرأ القرآن على أبيّ بن كعب، فقرأه ابن كثير بهذا الإسناد عن أبي بن كعب: حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [ (3) ] ، فهذا الإسناد يبطل الإسناد الضعيف الّذي نقل به عن أبيّ.
وحدثنا حسن بن الحباب، حدثنا محمد بن عبد الحكم، حدثنا الشافعيّ قال:
قرأت على ابن قسطنطين، وأخبرني ابن قسطنطين أنه قرأ على ابن شبل بن عباد، وأخبر شبل بن عباد أنه قرأ على عبد اللَّه بن كثير، وأخبر ابن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عياش، وأخبر ابن عياش أنه قرأ على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ بن كعب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فهذا السند الّذي نقلته أهل العدالة والصيانة، ما يثبت ما عليه الجماعة في البناء على مصحف عثمان، ويوجب على من خالفه خلاف الرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لأن هذا السند متصل بالرسول، ولذا صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه.
وحدثنا الحسن بن الحباب، حدثنا الطيب بن إسماعيل المقرئ، حدثنا يحيى ابن المبارك اليزيدي قال: قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء، وقرأ أبو عمرو على مجاهد، وقرأ مجاهد على ابن عياش، وقرأ ابن عياش على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فتصحيح هذا الخبر قراءة العامة كتصحيح الخبر الّذي قبله، وكلاهما يوجب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ:«وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها اللَّه تعالى على نبيه فليس بكافر ولا آثم.
[ (1) ] يونس: 24.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] الأعراف: 58.
وذكر ما نقل عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ: «وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم» ، وأنه قرأ:«في جيدها حبل من ليف» ، ثم قال: وما نعلم أن سندا يتصل بعبد اللَّه بن مسعود في أنه قرأ ذلك، ولا يصح من هذا في مصحف مكتوب، إذا لم يصحّحه إجماع أو أسانيد معروفة الأهل، مشهورون بصحة النقل، فلو أن حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم أورده مورد في مصحف بسند لا يعرف، لم يحكم على الرسول به، ولم يقبله عليه، فكيف يقبل على اللَّه رب العالمين أنه قال في القرآن:«من عين تجري من تحت الجحيم» ، والصحابة متفقون على إبطال ذلك، وروايتهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالفه، وفيهم من أتقن القرآن من أوله إلى آخره، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيّ، فلو أسقط عثمان حرفا لعارضه الحفاظ الذين حفظوا جميع القرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما وافقوه كان في هذا أوضح برهان على أن جميع ما يخالف ما مع المسلمين من القرآن، من كلام الشياطين ووضع إبليس.
وما
لعبد اللَّه بن مسعود مما دخل فيه على بن أبي طالب، فذكر من طريق الحسن ابن عرفة قال: حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عبد، قال: قرأت عند عليّ أو قرئت عند على شك مجالد: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (1) ]، فقال علي رضي الله عنه: ما قال الطلح، أما يقرأ وطلع؟ ثم قال: وطلع نضيد، فقيل له:
يا أمير المؤمنين أتحكها من المصحف؟ فقال: لا، لا يهاج القرآن اليوم.
قال: ومعنى هذا: أنه رجع إلى ما في المصحف، وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الّذي كان فرط من قوله، فما يلحق عبد اللَّه بن مسعود نقص برجوعه عما كان يقرأ به إلى قراءة عثمان كما رجع إليها عليّ، وعثمان مشهود له بحفظ جميع القرآن وإتقانه.
قالت نائلة بنت العرائض: لما دخل المضريون على عثمان [قالوا][ (2) ] إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاتركوه، فقد كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في ركعة.
وقال يحيى بن زكريا الأنصاري، عن يعلي عن عمر بن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: ما رأيت قرشيا كان أقرأ لكتاب اللَّه عز وجل منك يا ابن أبي طالب.
[ (1) ] الواقعة: 29.
[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.
وقال يحيى بن آدم عن ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال:
ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب اللَّه عز وجل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا يجوز أن يحكم على عبد اللَّه بن مسعود بكتاب في رق، يدعي مدعي أنه مصحف عبد اللَّه، لأن الخط ليس بشاهد عدل، ما رأينا نقلة الأنساب وأصحاب الأخبار صححوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يرى مكتوبا في صحيفة، حتى يشهد على الصحيفة عدول، فما [ينفي][ (1) ] عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بضعف مذهب، فنفيه عن رب العالمين أولى، إذ الإجماع من أهل الإسلام كافة على صحة ما بأيدينا من مصحف عثمان، وكل ما يرد أنه في مصحف ابن مسعود مما يخالف ما عليه الكافة، ليس معه إجماع ولا له شهود ورواة فهو مردود، ولإبطال إجماع الأمة له، وإن حمزة وعاصما يرويان عن عبد اللَّه بن مسعود، ما عليه جماعة من المسلمين، وإلينا على سندين [موافقين][ (1) ] الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه إجماع الأمة.
فإن قيل: إن عبد اللَّه بن مسعود طالبه عثمان لما جمع المصحف بدفع مصحفه إليه فامتنع، ولم يكن امتناعه إلا لخلاف بين المصحفين، فكره عبد اللَّه أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، [فأبى][ (1) ] إلا احتجابه والإقامة عليه وأن لا يخرجه، وقد قال خلاد القارئ، عن قيس بن الربيع عن الأعمش قال: ليس بين مصحف عبد اللَّه وبين ثابت خلاف في حلال وحرام إلا في حرفين: في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [من] المهاجرين في سبيل اللَّه [ (2) ]، وفي سورة الحشر: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [والمهاجرين في سبيل اللَّه][ (3) ] .
وقد قال أبو عبيد: حدثنا معاذ عن ابن عون عن عمر بن قيس، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: جاءني جاء وأنا أصلي فقال: ثكلتك أمك! أتصلي وقد أمر بكتاب اللَّه أن يمزق؟ فتحورت في صلاتي وأتيت الدار وزقت وكنت لا
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] الأنفال: 41، وما بين الحاصرتين وجه اختلاف القراءتين.
[ (3) ] الحشر: 7، وما بين الحاصرتين وجه اختلاف القراءتين.
أحبس، فرأيت أبا موسى الأشعري، وعبد اللَّه بن مسعود، وحذيفة [يتقاولون][ (1) ]، وحذيفة يقول لعبد اللَّه بن مسعود: أعطهم، وعبد اللَّه يقول: واللَّه لا أدفعه إليهم، قرأت من في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وأدفعه إليهم؟ واللَّه لا أدفعه إليهم.
فالامتناع الّذي كان منه للحذر الّذي حاذره من أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، أجيب عن هذا بأن عثمان جمع المصاحف وطالب عبد اللَّه بمصحفه بعد حصول مصحف المسلمين الّذي اجتمعت على صحته الصحابة كلهم، بعد تصحيح أبي بكر وعمر إشفاقا من أن يكون في بعضها منسوخ لم يقف صاحب المصحف [عليه][ (1) ] لوقوفه هو وسائر المسلمين على ما يلحقه ويدخل عليه.
وكان امتناع عبد اللَّه من دفع مصحفه إشفاقا على تغيير يدخله، يخالف ما [قد][ (1) ] رواه وأتقنه، وكان هذا الّذي حاذره زائلا ساقطا مأمونا منه، فبعد ذلك حين وقف على إتقان المصحفين، واجتماع الروايتين، قرأ وأقرأ بمثل قراءة المسلمين، على أنه قد كان [آخر] [ (1) ] من تولى زيد بن ثابت جمع المصحف وقال: أنا أحق بهذه المنزلة لتقدمي في القراءة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأخذي عنه، وزيد في صلب أبيه.
ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان، على عبد اللَّه بن مسعود في جمع القرآن، وعبد اللَّه بن مسعود أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد اللَّه، إذ وعاه كله، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيّ، والّذي حفظه منه عبد اللَّه في حياة رسول اللَّه نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حيّ، أولى بجمع المصحف، وأحق بالإيثار والاختيار، ولا ينبغي أن يظن بأن هذا طعنا على عبد اللَّه بن مسعود، لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا تقدمته عليه، لأن أبا بكر وعمر كان زيد أحفظ [منهما][ (1) ] للقرآن، وليس هو خير [منهما][ (1) ] ، ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، فحسن اختيار أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمن أسندوا إليه جمع القرآن واضح، والّذي لحق عبد اللَّه ابن مسعود من الغضب، وما أبداه من الإنكار غير معول عليه، ولا مأخوذ
[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.
به، لأنهم كانوا يرجعون عنه إذا رضوا، وقد قال زيد بن ثابت: كنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع، فإذا تقدم زيد في هذا ورسول اللَّه حيّ، كان أحق الناس بالجمع بعد وفاته، وما اختلف أهل العلم في أن زيدا ضم القرآن وحفظه في حياة رسول اللَّه، وأن عبد اللَّه بن مسعود قبض رسول اللَّه وهو غير حافظ لجميع القرآن، وقراءة عبد اللَّه هي قراءة زيد، لا نعلم بينهما خلافا أخل بمعنى ولا [يفسده][ (1) ] وما يروى مما يخالف ذلك لا [يخلو][ (1) ] من أن يكون موضوعا على جهة العناد لعثمان وبقية الصحابة، وللتشكيك [فيما][ (1) ] قد صح من كتاب اللَّه الّذي قد [جمعه صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم][ (2) ] ، ولم يحصل ما روى، أو أن يكون الحديث المتضمن له واهي السند منقطعة، لا يقوم بمثله حجة.
وذكر ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ]، ثم قال: رويت عنه روايتان: إحداهما موافقة للمصحف، فعليها العمل، والأخرى مرفوضة، تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها، أو الغلط من بعض من نقل الحديث عنه، وأورد حديث جرير عن منصور، عن أبي وائل عن مسروق قال: لما حضر أبو بكر رضي الله عنه أرسل إلى عائشة رضي الله عنها، فلما دخلت عليه قالت: هذا كما قال الشاعر:
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر
فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: ألا قلت كما قال اللَّه تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ الحديث.
وذكر ما نقل عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنهما، أنهما قرءا: فامضوا إلى ذكر اللَّه، ثم قال: إن الأمة اجتمعت على: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [ (4) ] ، برواية ذلك عن رب العالمين ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأما عبد اللَّه ابن مسعود، فما صح عنه:«فامضوا» ، لأن السند غير متصل، إذ إبراهيم النخعي
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سياقه مضطرب في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[ (3) ] ق: 19، وقراءتها على رواية حفص عن عاصم: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ
[ (4) ] الجمعة: 9.
لم يسمع من عبد اللَّه، إنما ورد:«فامضوا [إلى ذكر اللَّه [ (1) ]] » عن عمر رضي الله عنه وحده، فإذا انفرد واحد بما يخالف الأمة والجماعة كان ذلك نسيانا منه، ويدل على ذلك أن الصحف التي كتبها أبو بكر رضي الله عنه ونسخ منها مصحف عثمان كانت عند عمر مكتوبا فيها فَاسْعَوْا، وهي أمامه، وهو أرضى الناس بما فيها لنفسه وللمسلمين، فلو علم وقت قوله:«فامضوا» ، أن المصحف فيها:
فَاسْعَوْا ما استجار الخلاف لها، ولرجع إلى ما فيها، لكنه غلب عليه نسيان البشر، وطبع الآدميين، وإنما كتب القرآن في المصاحف ليحفظ على الناس، ويرجع إليه الناسي، ويوقف بما فيه على غلط الغالط وتغيير المغيّر، وليس من آدمي يسلم من النسيان والغفلة.
وذكر ما نقل من قراءة عبد اللَّه بن عياش رضي الله عنه: «والشمس تجري لا مستقر لها» ، ثم قال: هذا باطل مردود على من نقله، لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عياش، وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عياش: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [ (2) ] فهذان السندان عن ابن عياش اللذان [يشهد][ (1) ] بصحتهما الإجماع ببطلان ما ورد بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة وما اتفقت عليه الأمة.
وذكر ما نقل عن ابن عباس أنه قرأ: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» ، ثم قال أبو عمرو وابن كثير: سنديهما المنضم إليهما الإجماع عن ابن عباس لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
[ (3) ] ، فأبطل هذان الإسنادان غيرهما، وحمل الحديث الآخر على أن ابن عباس قال:«في مواسم الحج» مفسّرا لمعنى القرآن، فحمل التفسير بعض الناقلين على أنه من القرآن فأدخله فيه غالطا أو غافلا.
وهذا بمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ: «يا حسرة للعباد» ، وبمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس، أنه قرأ، «وإن عزموا السراح» ، قال: فالسراح تفسير الطلاق، غلط فيه بعض الناقلين. ومثله حديث مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه قرأ:«يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن» ، قال: فما يحمل ذا إلا على أن ابن عمر
[ (1) ] زيادة للسياق.
[ (2) ] يس: 38.
[ (3) ] البقرة: 198.
ذكر «لقبل» تفسيرا لمعنى القرآن، فتوهم بعض من نقل الحديث أنه من القرآن فأدخله فيه، وإجماع الأمة يدل على صحة هذا التأويل.
قال: وكل ما يحتج به مما يحكى عن الأئمة من خلاف المصحف المجمع عليه لا تقوم به حجة، ولا يجوز أن يستعمل شيء منه في صلاة ولا غيرها، لأنه لا [يخلو] من أن يكون الحرف المخالف تفسيرا لمعنى القرآن، فأدخله بعض الناقلين في القرآن، بقصور علمه، أو يكون بعض الرواة لم يضبط ما نقل، ولم يصحح ما آثر، أو يكون المنقول عنه غلط كما يغلط البشر، فقرأ بحرف يقدّر أنه مثبت في المصحف فلم يصح تقديره.
وذكر ما نقل عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ «أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء اللَّه [لهدى] الناس جميعا» [ (1) ] ، ثم قال هذا باطل عن ابن عباس، لأن مجاهد وسعيد ابن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، يرفعه إلى أبيّ، ويبلغ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن بن عيسى المقرئ: حدثنا هارون الكوفي، حدثنا أبو العباس حسن الليثي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: على من قرأت؟ فقال: على مجاهد وسعيد ابن جبير، والقراءة عندهم سنّة، يأخذها آخر عن أول، قال: فكل واحد من الأئمة- أئمة الأمصار- قراءته روايته، ونقل الإسناد الّذي يذكره ويفصح به.
وذكر ما نقل عن عطاء عن ابن عباس أنه قرأ: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» [ (2) ]، ثم قال: هو باطل، من قرأه عامدا في صلاته فقد أفسدها، وحكى عن اللَّه تعالى ما لم ينقل بإجماع المسلمين على خلافه، واحتجاج عائشة رضي الله عنها خاصة، على ما قرأته، وإبطالها مذهبه.
وذكر حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قلت لعائشة وأنا حديث السن: أرأيت قول اللَّه تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (2) ] ، فقد تطوف الناس بهما، وما أرى على أحد شيئا أن لا يطّوف بهما، فقالت: كلا يا بني، لو كانت كما تقول
[ (1) ] الرعد: 31، وقراءة حفص: أَفَلَمْ يَيْأَسِ.
[ (2) ] البقرة: 158، وقراءة حفص: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.
لكانت: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» ، وإنما هذه الآية في الأنصار، وكانوا يهلون لمناة [ (1) ] ، وكانت مناة على قديد [ (2) ] ، وكانوا يتحرجون من الطواف بالصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل اللَّه عز وجل:
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (3) ] .
[ (1) ] اسم صنم.
[ (2) ] اسم جبل.
[ (3) ] البقرة: 158.