المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي - إمتاع الأسماع - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم]

- ‌ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال:

- ‌فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته

- ‌وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة

- ‌وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب

- ‌وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة

- ‌وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها

- ‌وأما انفلاق البرمة عنه

- ‌وأما ولادته مختونا مسرورا

- ‌وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك

- ‌وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان

- ‌وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة

- ‌وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل

- ‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته

- ‌وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ]

- ‌وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب

- ‌وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته

- ‌وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته

- ‌فصل في رعاية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة

- ‌فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد

- ‌فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام

- ‌فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده

- ‌فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأمّا شبهة منكري التكليف

- ‌وأما شبهة البراهمة

- ‌وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه

- ‌وأما شبهة اليهود

- ‌وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة

- ‌وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأحدهما:

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌الحجة الخامسة

- ‌الحجة السادسة

- ‌الحجة السابعة

- ‌الحجة الثامنة

- ‌الحجة التاسعة

- ‌الحجة العاشرة

- ‌وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل

- ‌وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام

- ‌فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] :

- ‌ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء

- ‌وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم

- ‌بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌[المعجزة في رأي المتكلمين]

- ‌[الآية]

- ‌تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد

- ‌فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام]

- ‌وأما إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما هود عليه السلام

- ‌وأما صالح عليه السلام

- ‌وأما إدريس عليه السلام

- ‌وأما يعقوب عليه السلام

- ‌وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل

- ‌وأما يوسف عليه السلام

- ‌وأما موسى عليه السلام

- ‌وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه

- ‌وأما هارون عليه السلام

- ‌وأما داود عليه السلام

- ‌وأما سليمان عليه السلام

- ‌وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام

- ‌وأما عيسى عليه السلام

- ‌أمّا القرآن الكريم

- ‌أمّا إعجاز القرآن الكريم

- ‌وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها

- ‌وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

- ‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

- ‌[الناسخ والمنسوخ]

- ‌[القراءات التي يقرأ بها القرآن]

- ‌[التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء]

- ‌[التابعون بمكة المشرّفة من القراء]

- ‌[التابعون بالبصرة من القراء]

- ‌[التابعون بالشام من القراء]

- ‌[التابعون بالكوفة من القراء]

- ‌[القراءات المشهورة]

- ‌[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بمكة]

- ‌[آخر ما نزل بمكة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بالمدينة]

- ‌[تتمّة مفيدة]

- ‌[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له]

- ‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

- ‌[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

- ‌[إسلام أبي ذر]

- ‌[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌تنبيه مفيد

- ‌[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]

الفصل: ‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي

‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

[ (1) ] وروى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق، وروى الواقدي أيضا من حديث عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسيّ- وله حلف في قريش- قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة [مما][ (2) ] هم فيه، وجعلت قريش حين منعه اللَّه منهم يحذرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب.

وكان الطفيل بن عمرو الدوسيّ يحدث أنه قدم مكة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها، ومشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له:

يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الّذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وإنما قوله كالسّحرة، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمع منه، قالوا: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا [ (3) ] ، فرقا أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.

قال: فغدوت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال:

فقمت قريبا منه، فأبى إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا قال: فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، واللَّه إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الّذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فأتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد! إن قومك قالوا لي: كذا وكذا، فو اللَّه ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذني

[ (1) ] هو الطّفيل بن عمرو الدوسيّ، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان سيدا مطاعا من أشراف العرب، ودوس بطن من الأزد، وكان الطفيل يلقب ذا النور، أسلم قبل الهجرة بمكة. له ترجمة مطولة في:(سير أعلام النبلاء) : 1/ 344- 347، ترجمة رقم (75)، (طبقات ابن سعد) : 4/ 237، (طبقات خليفة) : 13/ 224، (تاريخ خليفة) : 111، (الجرح والتعديل) : 4/ 489.

[ (2) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .

[ (3) ] الكرسف: القطن.

ص: 357

بكرسف لأن لا أسمع قولك، ثم أبي اللَّه أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا فاعرض عليّ أمرك، قال: فعرض عليّ الإسلام، وتلا علي القرآن، قال: فو اللَّه ما سمعت قولا قط أحسن ولا أمرا أعدل منه.

قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي اللَّه، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم داعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكن لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل له آية،

فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت:

اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثله وقعت في وجهي لفراقي دينهم.

قال: فتحول، فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أنهبط إليهم من الثنية، حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا فقلت: إليك عني [يا أبت][ (1) ] ، فلست منك ولست مني، قال: ولم أي بني؟ قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد، قال:

فديني دينك، واغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم.

قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني، فلست منك ولست مني [قالت][ (2) ] لم؟ بأبي أنت وأمي، قال: قلت: فرق بين وبينك الإسلام، أسلمت وتابعت دين محمد، قالت: فديني دينك، فأسلمت، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا عليّ، ثم

جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت: يا نبي اللَّه! إنه قد غلبني على دوس الزنا [ (3) ] ، فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم،

فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقضى بدرا وأحدا والخندق، ثم قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومي، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس [ (4) ] .

[ (1) ] زيادة للسياق من (دلائل أبي نعيم) .

[ (2) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.

[ (3) ] كذا في (خ)، وفي المرجع السابق:«قد غلبني دوس فادع اللَّه عليهم» .

[ (4) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 238- 240، حديث رقم (191)، (طبقات ابن سعد) : 4/ 237- 240، (سيرة ابن هشام) : 2/ 226- 229.

ص: 358

وقال هشام بن محمد، عن أبيه محمد بن السائب الكلبي: وطفيل بن ذي النون بن طريف بن العاص، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نبي اللَّه! إن دوسا قد غلب عليها الزنا فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نوّر له،

فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب، أخاف أن يقولوا: مثله، [فحوّله][ (1) ] إلى طرف سوطه، وكان يضيء في الليلة الظلماء، فقال يا رسول اللَّه، اجعلنا ميمنتك، واجعل شعارنا مبرور بفعله، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور. ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك [ (2) ] .

وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الحميد ابن صالح، حدثنا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبان بن صالح، عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني، قلت: من هو؟ قال: أختك وختنك [ (3) ]، قال: فانطلقت فوجدت الباب مغلقا وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت فقلت: ما هذا أسمع عندكم؟

قالوا: ما سمعت شيئا، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى أخذت برأس ختني، فضربته ضربة وأدميته، فقامت إليّ أختي فأخذت برأسي فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، فاستحييت [ (4) ] حين رأيت الدم، فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسه إلا المطهرون، فإن كنت صادقا فقم فاغتسل، قال: فقمت واغتسلت وجئت فجلست، فأخرجوا إلي صحيفة فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [قلت: أسماء طاهرة طيبة [ (5) ]] ، طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ

[ (1) ] زيادة للسياق.

[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 2/ 288.

[ (3) ] الختن: زوج الأخت.

[ (4) ] في (خ) : «فاستخبئته» ، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) .

[ (5) ] كذا في (خ)، وفي (أبي نعيم) :«قلت: أما ظاهره طيب» .

ص: 359

[الْقُرْآنَ] لِتَشْقى [ (1) ] إلى قوله: الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ (1) ]، فتعظمت في صدري وقلت: من هذا أفرّت قريش؟ ثم شرح اللَّه صدري إلى الإسلام فقلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، قال: فما في الأرض نسمة أحب إليّ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قلت: أين رسول اللَّه؟ قالت: عليك عهد اللَّه وميثاقه أن لا تجبهه بشيء يكره؟ قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دار عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم،

فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا:

عمر بن الخطاب، قال: افتحوا له، فإن قبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال:

فسمع ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول اللَّه فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة فما تمالك أن يقع على ركبتيه في الأرض، فقال: ما أنت [بمنته يا عمر! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. قلت: يا رسول اللَّه، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ قال: بلى- والّذي نفسي بيده- إنكم لعلى الحق إن متّم وإن حييتم،

قال: فقلت: فيم الاختفاء؟! والّذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين [ (2) ] حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

الفاروق، أفرق بين الحق والباطل] [ (3) ] .

[قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبي نجيح المكيّ عن أصحابه: عطاء، ومجاهد أو عمن روى ذلك، أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه، أنه كان يقول:

كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأسرّ بها] [ (4) ] ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة، عند دور آل عمر بن عبد

[ (1) ] طه: 1- 8.

[ (2) ] كناية عن إثارة الغبار أثناء مشيهم.

[ (3) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، وما أثبتناه من (دلائل أبي نعيم) : 1/ 241- 243، باب إسلام عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، حديث رقم (192)، (حلية الأولياء) : 1/ 40.

[ (4) ] ما بين الحاصرتين سقط في (خ) ، وما أثبتناه من (سيرة ابن هشام) .

ص: 360

ابن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، قال: فجئتهم، فلم أجد فيه منهم أحدا، فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها، قال: فخرجت، فجئته فلم أجده.

قال: فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين، قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلّى استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني.

قال: فقلت حين أتيته: واللَّه لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنّه، فجئت من قبل الحجر، فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويدا، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن، حتى قمت في قبلته مستقبله، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة.

قال: فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل قائما في مكاني ذلك، حتى قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين، وكان طريقه حتى يجزع [ (1) ] المسعى، ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شريق، حتى يدخل بيته، وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء [ (2) ] التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان.

قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته، فلما سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني [ (3) ] ثم قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة؟ قال:

قلت: لأؤمن باللَّه وبرسوله، وبما جاء به من عند اللَّه.

قال: فحمد اللَّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: قد هداك اللَّه يا عمر، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات. ثم انصرفت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيته [ (4) ] .

[ (1) ] يجزع: يقطع.

[ (2) ] الرقطاء: الملونة.

[ (3) ] نهمني: زجرني.

[ (4) ](سيرة ابن هشام) : 2/ 191- 192 فصل: ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر.

ص: 361

واعلم أن من أمهات شرائعه وقبولها وانقياده له عليه السلام، من أوضح الدلائل، وتتضمن هذه القصة أيضا إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، رضي الله عنهما.

ص: 362