الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فأحدهما:
أن محمدا صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة وظهرت المعجزة على وفق دعواه، وكل من كان كذلك كان رسول اللَّه حقا، فمحمد رسول اللَّه حقا، أما دعواه النبوة فمتواترة أيضا لو لم يدّع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما ظهور المعجزة فلأنه أتى بالقرآن وهذا متواتر أيضا.
وأما أن القرآن معجزة فلأنه تحدى البلغاء، بل الجن والإنس بمعارضته على أبلغ الوجوه فقال: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (1) ]، ثم زاد في التحدي فقال:
فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (2) ]، ثم بالغ فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] ، وعجزوا عن معارضته وإلا لم يقابلوه، لأنه المعارضة أسهل.
وأما أن كل من أتى بالمعجزة كان صادقا فلا نعلم يقينا أن اللَّه تعالى سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده خارج عن مقدور البشر، فإذا ادّعى الرسالة ثم قال: إلهي، إن كنت صادقا في دعواي الرسالة فأفلق البحر وشق القمر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا اللَّه عز وجل ففعل ذلك عقيب سؤاله فعلمنا بالضرورة أنّه صدّقه في دعواه.
كما أنّا نقطع بأن رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق على عادته الفلانية لأجلي، مثل أن يقوم عن سريره أو ينزل عن مركبه فيمشي لأجلي، أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي، فوجد ذلك من الملك دلّ على صدق مدعي الرسالة.
واعترض عليه بوجوه: أحدهما: لم لا يجوز إظهار المعجزة على يد المتنبئ؟
وأجيب: بأنه لا فائدة فيه إلا تكليف اللَّه الخلق بما يخبرهم الكاذب به، ولا شك أنه تعالى قادر على أن يكلفهم بذلك على يد صادق، فعدوله عن تكليف الخلق على يد رسول من عنده إلى تكليفهم على يد الكذاب خال عن الحكمة بالضرورة.
[ (1) ] الإسراء: 88.
[ (2) ] هود: 13.
[ (3) ] البقرة: 23.
وأجاب بعضهم بأن في إظهار المعجزة على يد الكاذب إضلال [الخلق] وترك [مصلحتهم]، ورد هذا بوجهين:
أحدهما: أنه لو فرض جواز إظهار المعجزة على يد المتنبئ لم يكن فيه إضلال الخلق بل هدايتهم، لأن إظهار المعجزة والحالة هذه تكون أمرا لهم بما جاءهم به المتنبئ، وأمر اللَّه هداية لا إضلال.
والثاني: أن إضلال الخلق وترك [مصلحتهم] إنما لا يجوز إذا لم يكن فيه حكمة، وعدم الحكمة غير معلوم.
الاعتراض الثاني: أن المعجزة تشتبه بالسحر، فلا تدل على الصدق، ورد بالفرق بأن التعليم يدخل السحر دون المعجزة.
وبأن المعجز هو الّذي لا يأتي أحد من المبارزين والمنازعين بمثله، [إما] لأنه ليس في قوته وإما بمنع اللَّه له عز وجل، والسحر ليس كذلك.
وبأن السحر لا يكون إلا باقتراح المقترحين، بل بحسب ما يعرفه الساحر بخلاف معجزات الأنبياء.
وبأن آثار المعجزات حقيقية، كشبع الجماعة من الطعام اليسير، وريهم بالماء القليل، والتزود منها للمستقبل من الزمان، بخلاف السحر فإنه تخييلات لا تروج إلا في أوقات مخصوصة وأمكنة مخصوصة، على أن أحدا من العقلاء لم يجوز انتهاء السحر إلى الموتى، وقلب العصا ثعبانا، وفلق البحر، وشق القمر، وإبراء الأكمه والأبرص ونحوها، ولهم اعتراضات كلها [افتراضات][ (1) ] بنوها على نفي الفاعل المختار، فلذلك أعرضت عنها.
[ (1) ] هذه الكلمة لم أجد لها توجيها في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.