المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم - إمتاع الأسماع - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم]

- ‌ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال:

- ‌فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته

- ‌وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة

- ‌وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب

- ‌وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة

- ‌وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها

- ‌وأما انفلاق البرمة عنه

- ‌وأما ولادته مختونا مسرورا

- ‌وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك

- ‌وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان

- ‌وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة

- ‌وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل

- ‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته

- ‌وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ]

- ‌وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب

- ‌وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته

- ‌وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته

- ‌فصل في رعاية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة

- ‌فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد

- ‌فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام

- ‌فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده

- ‌فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأمّا شبهة منكري التكليف

- ‌وأما شبهة البراهمة

- ‌وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه

- ‌وأما شبهة اليهود

- ‌وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة

- ‌وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأحدهما:

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌الحجة الخامسة

- ‌الحجة السادسة

- ‌الحجة السابعة

- ‌الحجة الثامنة

- ‌الحجة التاسعة

- ‌الحجة العاشرة

- ‌وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل

- ‌وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام

- ‌فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] :

- ‌ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء

- ‌وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم

- ‌بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌[المعجزة في رأي المتكلمين]

- ‌[الآية]

- ‌تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد

- ‌فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام]

- ‌وأما إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما هود عليه السلام

- ‌وأما صالح عليه السلام

- ‌وأما إدريس عليه السلام

- ‌وأما يعقوب عليه السلام

- ‌وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل

- ‌وأما يوسف عليه السلام

- ‌وأما موسى عليه السلام

- ‌وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه

- ‌وأما هارون عليه السلام

- ‌وأما داود عليه السلام

- ‌وأما سليمان عليه السلام

- ‌وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام

- ‌وأما عيسى عليه السلام

- ‌أمّا القرآن الكريم

- ‌أمّا إعجاز القرآن الكريم

- ‌وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها

- ‌وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

- ‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

- ‌[الناسخ والمنسوخ]

- ‌[القراءات التي يقرأ بها القرآن]

- ‌[التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء]

- ‌[التابعون بمكة المشرّفة من القراء]

- ‌[التابعون بالبصرة من القراء]

- ‌[التابعون بالشام من القراء]

- ‌[التابعون بالكوفة من القراء]

- ‌[القراءات المشهورة]

- ‌[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بمكة]

- ‌[آخر ما نزل بمكة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بالمدينة]

- ‌[تتمّة مفيدة]

- ‌[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له]

- ‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

- ‌[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

- ‌[إسلام أبي ذر]

- ‌[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌تنبيه مفيد

- ‌[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]

الفصل: ‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

فقد صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف [ (1) ] ، من رواية أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب وأبي بن كعب. وفي الباب عن عبد اللَّه بن عباس وأبي هريرة، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبي جهيم الأنصاري، وأبي بكرة، وسمرة، وغيره.

فأما حديث عمر رضي الله عنه فرواه مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن عن عبد الأعلى، ورواه معمر ويونس عن عقيل وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن عبد اللَّه بن مسلم- وهو ابن أخي محمد بن شهاب الزهري-، عن عروة بن الزبير، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القاري، جميعا عن عمر رضي الله عنه [ (2) ] .

وخرج حديث مالك هذا، البخاري [ (3) ]

[ (1) ] على سبعة أحرف: أي على سبعة أوجه، يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة سبعة. (فتح الباري) : 9/ 28 كتاب فضائل القرآن، شرح الحديث رقم (4992) :

«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه» ،

وبسط القول في القراءات السبعة، في (النشر في القراءات العشر) : 1/ 19- 54.

[ (2) ](فتح الباري) : 9/ 27، كتاب فضائل القرآن، باب (5) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (4991) .

[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 28، كتاب فضائل القرآن، باب (5) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (4992) ، 5/ 92، كتاب الخصومات باب (4) كلام الخصوم بعضهم في بعض، حديث رقم (2419) ، 9/ 107، كتاب فضائل القرآن، باب (27) من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة وسورة كذا وكذا، حديث رقم (5041) ، 12/ 375، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب (9) ما جاء في المتأولين، حديث رقم (6936) ، 13/ 636، كتاب التوحيد، باب (53) قول اللَّه تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، حديث رقم (7550) .

ص: 249

ومسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] وغيرهم من الحفاظ، فخرجه البخاري في كتاب الخصومات عن عبد اللَّه بن يوسف، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأخرجه أبو داود عن القعنبي، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة، والحرث بن مسكين عن أبي القثم عن مالك، وقد رواه مالك في الموطأ [ (4) ] عن محمد بن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، ثم جئت به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

أرسله. ثم قال: اقرأ يا هشام، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ، فقرأتها، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه.

وخرج البخاري ومسلم والنسائي حديث المسور، وعبد الرحمن بن عبد القاري فقال البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في باب ما جاء في المنافقين [ (5) ] .

وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري، أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 346، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، حديث رقم (270- 818) .

[ (2) ](صحيح سنن أبي داود) : 1/ 276، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1308- 1475) .

[ (3) ](سنن النسائي بشرح السيوطي) : 2/ 487- 489، باب (37) جامع ما جاء في القرآن، حديث رقم (935) ، (936) ، (937) .

[ (4) ](شرح الزرقاني على الموطأ) : 2/ 14، كتاب الصلاة، باب (133) ما جاء في القرآن، حديث رقم (474) .

[ (5) ] سبق الإشارة إليه.

ص: 250

اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [كذلك] ، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلما سلم لببته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، فو اللَّه إن رسول اللَّه أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها، فانطلقت أقوده إلى رسول اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها، قال رسول اللَّه: هكذا أنزلت، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا عمر، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه.

وخرجه أيضا في آخر كتاب التوحيد في باب فاقرءوا ما تيسر من القرآن [ (1) ] .

وخرجه في فضائل القرآن [ (1) ] .

وخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال:

أخبرني عروة بن الزبير أن المسوّر بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد أخبراه أنهما سمعا عمر يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، فذكره.

وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كرواية يونس بإسناده. وخرجه النسائي من حديث يونس عن ابن شهاب بإسناد الليث.

قال الحافظ أبو عمر عبد اللَّه بن عبد البر: في رواية معمر تفسير لرواية مالك في قوله: يقرأ سورة الفرقان، لأن ظاهر السورة كلها أو جملتها، فبان في رواية معمر أن ذلك في حروف منها بقوله: على حروف كثيرة.

وقوله: يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئنيها، وهذا مجمع عليه أن القرآن [وآياته كلها][ (2) ] لا يجوز في حروفه وكلماته أن يقرأ على سبعة أحرف ولا شيء

[ (1) ] سبق الإشارة إليه.

[ (2) ] زيادة للبيان.

ص: 251

منها، ولا يمكن ذلك فيها، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن يقرأ على سبعة أحرف إلا قليلا، مثل: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [ (1) ] وتَشابَهَ عَلَيْنا [ (2) ] وبِعَذابٍ بَئِيسٍ [ (3) ] ونحو ذلك، وذلك يسير جدا، وهذا بين واضح يغني عن الإكثار منه.

وأما حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي، وقاسم بن أصبغ، وعدة من الحفاظ. فلمسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبيّ ابن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا [جميعا][ (4) ] على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرءا، فحسّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية.

فلما رأى رسول اللَّه ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا، فقال لي: يا أبي! أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثالثة أن اقرأه سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم ترغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم [ (5) ] .

وله من حديث شعبة، عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبيّ بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة [ (6) ] بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه

[ (1) ] المائدة: 60.

[ (2) ] البقرة: 70.

[ (3) ] الأعراف: 165.

[ (4) ] زيادة من صحيح مسلم.

[ (5) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 350، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، حديث رقم (273) - (820) .

[ (6) ] هي الماء المستنقع كالغدير.

ص: 252

السلام فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك.

ثم أتاه الثانية فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال:

أسأل اللَّه معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك.

ثم جاءه الثالثة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال:

أسأل اللَّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك.

ثم جاءه الرابعة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا [ (1) ] .

وخرج أبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث شعبة بنحو ذلك، وقال النسائي بعد إيراده هذا الحديث: منصور خالف الحكم في هذا الحديث، رواه عن مجاهد عن عبيد بن عمير مرسلا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث أبي معمر عن عبد الوارث عن محمد بن جحاده، عن الحكم بن عيينة إلى آخره بمعناه.

وخرجه النسائي أيضا من حديث يحيى عن حميد عن أنس عن أبيّ قال: ما حاك في صدري منذ أسلمت أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: أقرأنيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ اللَّه، أقرأتني آية كذا وكذا، قال: نعم وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟

قال: نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ

[ (1) ](مسلم بشرح النووي) 6/ 352، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه، حديث رقم (274- 821)، قال الإمام النووي: معناه لا يتجاوز أمتك سبعة أحرف، ولهم الخيار في السبعة، ويجب عليهم نقل السبعة إلى من بعدهم بالتخير فيها، وأنها لا تتجاوز واللَّه أعلم.

[ (2) ](سنن أبي داود) : 2/ 160، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1478) .

[ (3) ](سنن النسائي) : 2/ 490، كتاب (11) الافتتاح، باب (37) جامع ما جاء في القرآن، حديث رقم (938) .

ص: 253

سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف [ (1) ] .

وخرج الترمذي من حديث شيبان عن عاصم عن زرّ بن حبيش، عن أبيّ ابن كعب قال: لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جبريل، فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمّيين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الّذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف [ (2) ] .

قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان، وأم أيوب- وهي امرأة أبي أيوب، وسمرة، وابن عباس، وأبي جهيم بن الحرث بن الصمة، وعمرو بن العاص وأبي بكرة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قد روى من غير وجه عن أبيّ بن كعب.

وقال ابن عبد البر: وأما حديث عاصم عن زرّ عن أبيّ، فاختلف على عاصم فيه، وقد جاء بيان الرجل الّذي رآه أبيّ يقرأ في رواية همام بن يحيى عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن سليمان بن صرد، عن أبيّ بن كعب قال: قرأ أبيّ آية، وقرأ ابن مسعود خلافها، وقرأ رجل آخر خلافها، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألم تقرأ آية كذا وكذا، وكذا وكذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم محسن مجمل، قال: ما كلنا أحسن ولا أجمل! قال:

فضرب صدري وقال: يا أبي، إني أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين؟

فقال لي الملك الّذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الّذي [عندي][ (3) ] : على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، قلت: غفورا رحيما، أو قلت: سميعا حكيما، أو قلت: عليما حكيما، أو عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه [كذلك] [ما لم تختم آية عذاب

[ (1) ](المرجع السابق) ، حديث رقم (940)، قوله:«ما حاك في صدري» . أي ما أثّر، أي أثر شك في صدري، ولا وقع، وقد جاء صريحا أنه وقع في صدره يومئذ شك عصمه اللَّه تعالى منه ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم.

[ (2) ](سنن الترمذي) : 5/ 178، كتاب القراءات (47) ، باب (11) .

[ (3) ] زيادة للبيان والسياق.

ص: 254

برحمة، أو آية رحمة بعذاب] [ (1) ] .

وزاد بعضهم في هذا الحديث: ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب.

قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وإذا ثبتت هذه الرواية، حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره، مما يوافق معناه أو يخالف.

وقال ابن عبد البر: أما قوله في هذا الحديث: قلت سميعا عليما أو غفورا رحيما، أو عليما حكيما، فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي يقرأ القرآن عليها، أنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا تكون في شيء معنى وضده، ولا وجه وخلاف معناه، خلاف بنفسه ومضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده، والسورة التي أنكر فيها- أي القراءة- سورة النحل.

وذكر ذلك الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب قال

، الحديث.

وأما

حديث عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه، فخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيد فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال ابن شهاب:

بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام [ (2) ] .

وأما

حديث أبي هريرة رضي الله عنه فخرجه أبو داود وقاسم بن أصبغ من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:

[ (1) ] تكملة من (سنن أبي داود) : 2/ 160، كتاب الصلاة، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1477) .

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 6/ 348، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (48) بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه، حديث رقم (272- 819)، (سنن أبي داود) : 2/ 160 كتاب الصلاة، باب (357) أنزل القرآن على سبعة أحرف، حديث رقم (1476) .

ص: 255

أنزل القرآن على سبعة أحرف، غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما [ (1) ]، وربما قال: سميعا بصيرا.

وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث ابن أبي أويس قال: حدثني أخي سليمان ابن بلال عن محمد بن عجلان عن [ابن جرير][ (2) ] ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة [ (3) ] .

وأما

حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، فروى جرير بن عبد الحميد عن مغيرة، عن واصل ابن حبان عن عبد اللَّه بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع [ (4) ] .

وأما

حديث أبي جهيم، فخرج ابن وهب من حديث سليمان بن بلال بن يزيد بن عبد اللَّه بن حضيعة، عن بشر بن سعيد أن أبا جهيم الأنصاري رضي الله عنه أخبره بأن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال: هذا تلقيتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: لقّنتها من رسول اللَّه، فسئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنها فقال:

إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولا تماروا في القرآن، فإن المراء [ (5) ] فيه كفر [ (6) ] .

وأما

حديث أبي بكرة، فخرجه الطحاوي من حديث حماد قال: أخبرني علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال:

[ (1) ] وأخرجه أيضا الإمام أحمد في (المسند) : 2/ 635، مسند أبي هريرة، حديث رقم (8190) .

[ (2) ] تكملة من (كنز العمال) .

[ (3) ](كنز العمال) : 2/ 56، حديث رقم (3102)، وقال فيه:«ولكن لا تجمعوا» ، وقال في آخره:(ابن جرير عن أبي هريرة) .

[ (4) ](كنز العمال) : 2/ 53، حديث رقم (3086) وقال فيه:«لكل حرف منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع» وقال في آخره: (طب عن ابن مسعود) .

[ (5) ] المراء: المجادلة والخصام الشديد الّذي يولد الحقد والبغضاء.

[ (6) ](كنز العمال) : 2/ 52، حديث رقم (3082) وقال فيه:«فإنّ مراء في القرآن كفر» ، وقال في آخره:(حم عن أبي جهيم) .

ص: 256

[أتي][ (1) ] جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، قال: فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأه فكل شاف كاف إلا أن يخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو: هلم، ويقال: وأقبل واذهب وأسرع وعجّل [ (2) ] .

وأما

حديث سمرة، فخرج الحاكم من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا قتادة عن الحسن، عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على ثلاثة أحرف [ (3) ] ،

قال الحاكم [ (4) ] : وهذا حديث صحيح وليس له علة.

وقد اختلف الناس في معنى ذلك اختلافا كثيرا، فقال بعضهم: هي سبعة أحرف أودعها اللَّه تعالى في كتابه، قام بها إعجازه، وقال قوم: هي زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال.

وقيل: هي حلال، وحرام، وأمر، ونهي، وزجر، وخبر ما كان قبل، وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال.

وقيل: هي وعد، ووعيد، وحلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، واحتجاج.

وقيل: هي أمر، ونهي، وبشير، ونذير، وإخبار، وأمثال.

وقيل: هي محكم، ومتشابه، وناسخ، ومنسوخ، وخصوص، وعموم، وقصص.

[ (1) ]

في (كنز العمال) : «أتاني جبريل وميكائيل» .

[ (2) ](كنز العمال) : 2/ 50، حديث رقم (3075) باختلاف يسير، حتى

«كلها كاف شاف» .

وقال في آخره (حم وعبد بن حميد عن أبي بن كعب) ، (حم طب عن أبي بكرة) ، (ابن الضريس عن عبادة بن الصامت) .

[ (3) ](كنز العمال) : 2/ 53، حديث رقم (3087)، وقال في آخره:(حم طب ك عن سمرة) .

[ (4) ](المستدرك) : 2/ 243، حديث رقم (2884/ 13)، قال الحاكم: قد احتجّ البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتجّ مسلم بأحاديث حماد بن سلمة، وهذا الحديث صحيح، وليس له علة.

ص: 257

وقيل: هي أمر، ونهي، وحد، وعلم، وسر، وظهر، وبطن.

وقيل: ناسخ، ومنسوخ، ووعد، ووعيد، ورجم، وتأديب، وإنذار.

وقيل: حلال، وحرام، وافتتاح، وإضمار، وفضائل، وعقوبات.

وقيل: أوامر، وزواجر، وأمثال، وأنباء، وعتب، ووعظ، وقصص.

وقيل: الحلال، والحرام، والمنصوص، والقصص، والإباحات.

وقيل: الظهر، والبطن، والفرض، والندب، والخصوص، والعموم، والأمثال.

وقيل: الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والإباحة، والإرشاد، والاعتبار.

وقيل: هي مقدم، ومؤخر، وفرائض، وحدود، ومواعظ، ومتشابه، وأمثال.

وقيل: هي تفسير، ومجمل، ومقتضى، وندب، وحتم، وأمثال.

وقيل: هي أمر حتم، وأمر ندب، ونهي حتم، ونهي ندب، وأخبار، وإباحات.

وقيل: الفرض، والنهي الحتم، والأمر الندب، والنهي المرشد، والوعد، والوعيد، والقصص.

وقيل: هي سبع جهات لا يتعداها الكلام، إذ العرب تسمي الحرف جهة.

وقيل: هي لفظ خاص أريد به العام، ولفظ يغني تنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون في العلم.

وقيل: هي سبع لغات متفرقة لجميع العرب، فكل حرف منها لقبيلة مشهورة، وبعض الأحياء أسعد من بعض، مثل قريش، لأن القرآن أنزل بلغتها.

وقيل: هي سبع لغات: أربع منها لعجز هوازن، وثلاثة لقريش، وعجز هوازن: سعد بن بكر، وجثم بن بكر، ومضر بن معاوية.

وقيل: قال [ابن] عباس: نزل القرآن بلغة الكعبيين: كعب قريش وكعب

ص: 258

خزاعة، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: كانت دارهم واحدة، قال أبو عبيدة:

يعني أن خزاعة جيران قريش.

وقال صالح بن نضر بن مالك الخزاعي: مرّ بي شعبة بن الحجاج فقال لي:

يا خزاعيّ، ألا أحدثك حديثا في قومك؟ حدثنا قتادة عن أبي الأسود الدّؤليّ قال:

نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ.

وقال قتادة عن [ابن] عباس: نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة، هي سبع لغات: لقريش لغة، ولليمن لغة، ولجرهم لغة، ولهوازن لغة، ولقضاعة لغة، ولتميم لغة، ولطىّ لغة.

وقيل: هي لغة الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ ولها سبع لغات.

وقيل: هي اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى الواحد، مثل قولك: هلم، هات، تعال، أقبل، هاهنا، عندي، اعطف عليّ.

وقيل: هي قراءات سبعة من الصحابة هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي بن كعب رضي الله عنهم.

وقيل: هي ما في اللغة مثل: الهمز، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، والمد، والقصر.

وقيل: هي تصريف، ومصادر، وعروض غريب، وسجع، ولغات مختلفة في شيء واحد، كلها لغة العرب.

وقيل: هي كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف اللفظ فيها.

وقيل: هي أمهات الهجاء: الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والسين، والعين، لأن عليها يدور جميع كلام العرب.

وقيل: هي أسماء الرب تعالى مثل: الغفور، الرحيم، السميع، البصير، العليم، الحكيم.

ص: 259

وقيل: هي آية في الذات، وآية تفسيرها في آية أخرى، وآية بيانها في السنة الصحيحة، وآية في وصف الأنبياء والرسل، وآية في خلق اللَّه تعالى الأشياء، وآية في وصف الجنة، وآية في وصف النار.

وقيل: هي آية في وصف الصانع سبحانه، وآية في إثبات الوحدانية للصانع تعالى، وآية في إثبات صفاته، وآية في إثبات رسله، وآية في إثبات كتبه، وآية في إثبات الإسلام، وآية في إثبات الكفر.

وقيل: هي سبع جهات من صفات الذات للَّه تعالى التي لا يقع عليها التكييف.

وقيل: هي إثبات الإيمان باللَّه ومباينة الشرك، وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان، وتحريم ما حرّم اللَّه، وطاعة رسوله.

وقيل: هي إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية، والتعبد للَّه تعالى، ومجانبة الشرك بغير اللَّه، والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب.

وقد ذكر هذه الأقوال كلها- ما عدا القول الأول- أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ثم قال: هذه آخر خمسة وثلاثين قولا لأهل العلم واللغة في معنى

قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» ،

وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا وهي كلها محتملة وتحتمل غيرها.

قال: والّذي عندي أن لقوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف معنيين:

أحدهما: علم القراءات للقرآن، والآخر: علم تأويله بصحة البيان، فأما المعنى الّذي هو وجه [القراءات] [ (1) ] للقرآن: فإنه يؤدي إلى سبعة أحرف على ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم:

أولها: التأنيث والتذكير: مثل قوله: لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [ (2) ] ، ولا تقبل منها، ولا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ [ (3) ] ، ولا تحل لك.

وثانيها: الجمع والوحدان: كقوله: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها

[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.

[ (2) ] البقرة: 48.

[ (3) ] الأحزاب: 52.

ص: 260

وكتبه [ (1) ] ، وو كتابه، وكقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ [ (2) ] ، وشهادتهم [ (3) ] ، وما أشبه ذلك.

وثالثها: الخفض والرفع: مثل قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (4) ] ، محفوظ، وهَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [ (5) ] ، وغير اللَّه، وما أشبه ذلك.

ورابعها: الأدوات والآلات، مثل النون إذا شددتها، والألف إذا كسرتها أو فتحتها ونصبت ما بعدها، مثل قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [ (6) ] ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (7) ] ، وما أشبه ذلك.

وخامسها: الإعراب والتصريف: كقوله: يَعْرِشُونَ [ (8) ] ، ويَعْرِشُونَ، ويَعْكُفُونَ [ (9) ] ، ويَعْكُفُونَ، وما أشبه ذلك.

وسادسها: تغيير اللفظ واللفظ: كقوله تعالى: نُنْشِزُها [ (10) ] ، ونُنْشِزُها (بالراي والزاي) ، وما أشبه ذلك.

وسابعها: ما يدخل في اللفظ وحورته اللغة، مثل القصر والمد، والتفخيم والإمالة، والكسر والفتح، لأن هذه الأشياء عليها يدور جوامع كلام العرب، وهذا المعنى الّذي ذكرناه هو وجه القراءات للقرآن، أعني

قوله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف.

وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أبي الفضل عبد اللَّه المرسي، في كتاب (ري الظمآن) : وهذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مسندها ولا عمّن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أن كلها موجود في القرآن، ولا أدري معنى التخصيص، وفيها أشياء لا أفهم معناها على

[ (1) ] التحريم: 12.

[ (2) ] المعارج: 32.

[ (3) ] المعارج: 33.

[ (4) ] البروج: 22.

[ (5) ] فاطر: 3.

[ (6) ] البقرة: 189.

[ (7) ] الأنفال: 17.

[ (8) ] الأعراف: 137، النحل:68.

[ (9) ] الأعراف: 138.

[ (10) ] البقرة: 259.

ص: 261

الحقيقة، وأكثرها يعارضها حديث عمر رضي الله عنه، فذكره ثم قال: وهذا يقتضي أن الحروف السبعة ليس كما ذكروا: زاجر، وآمر، وحلال وحرام، ومحكم، ومتشابه، [وكذلك] [ (1) ] أكثر الوجوه التي ذكروها في معنى: أنزل القرآن على سبعة أحرف.

وهذا لا يقتضي أن يخالف بعضهم بعضا فيه، لأن الخلاف لا يتصوّر فيه، فإنّهم يقرءون ما في القرآن من هذه الوجوه وهي لا [تختلف][ (1) ] ، فكيف يخالف بعضهم بعضا؟ هذا لا أدري معناه.

وقال أبو عمر بن عبد البر: وقد اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا، فقال الخليل بن أحمد: معنى قوله: سبعة أحرف: سبع قراءات، والحرف هاهنا القراءة.

وقال غيره: هي سبعة، إنما كل نحو منها جزء، ومن أجزاء القرآن خلاف [كثير في][ (2) ] غيرها، وقد ذهبوا إلى أن كل حرف منها هو صنف من الأصناف، نحو قول اللَّه عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (3) ] ، وكان معنى الحرف الّذي يعبد اللَّه عليه هو صنف من الأصناف، ونوع من الأنواع التي يعبد اللَّه عليها، فمنها ما هو محمود عنده تبارك وتعالى، ومنها ما هو خلاف ذلك، فذهب هؤلاء في

قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف،

إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف منها: زاجر، وآمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، ومنها أمثال.

واحتجوا

بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على وجه واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أوجه: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا

[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.

[ (2) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في «خ» ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

[ (3) ] الحج: 11.

ص: 262

حرامه، واعتبروا بأمثاله، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [ (1) ] .

وهذا حديث لا يثبت لأنه يرويه حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد عن سلمة هكذا، ويرويه الليث عن عقيل، عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث [مجمع][ (2) ] على ضعفه من جهة إسناده، وقد رده قوم من أهل النظر، منهم: أحمد بن أبي عمران قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه، لأنه يجوز أن تكون القراءة تقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله. ذكره الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران، سمعه منه، وهو كما قال ابن أبي عمران.

قال: واحتج ابن أبي عمران بحديث أبيّ بن كعب، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف، الحديث.

وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن مفرقات على لغات العرب كلها، يمنها وبرارها، لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وإلى هذا ذهب أبو عبيد في تأويل هذا الحديث.

قال: ليس معناه أن يقرأ الحرف على سبعة أوجه، هذا معنى غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات مفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة أخرى سوى الأولى، والثالثة سواهما، كذلك إلى السبعة.

قال: وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن عثمان رضي الله عنه قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم. وذكر

[ (1) ] آل عمران: 7.

[ (2) ] زيادة للسياق.

ص: 263

حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم، وذكر أخبارا قد ذكرنا أكثرها في هذا الباب.

وقال آخرون: هذه اللغات كلها السبعة، إنما تكون لمضر، واحتجوا بقوله:

نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لطيّئ، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب.

وقد روى عن ابن مسعود أنه كان يحب الذين يكتبون المصاحف من مضر، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها، مثل كشكشة قيس، وعنعنة تميم، فأما كشكشة قيس: فإنّهم يجعلون كاف المؤنث شيئا، فيقولون في [قوله تعالى] [ (1) ] : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [ (2) ] ، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وأما عنعنة تميم: فيقولون في أن:

عن، فيقرءون في قوله تعالى:[فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ][ (3) ] ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، وبعضهم يبدل السين تاءا، فيقول في الناس: النات، وفي أكياس: أكيات، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها، ولا يحفظ عن السلف شيء منها.

وقال آخرون: أما بدل الهمزة عينا، وبدل حروف الحلق [ (4) ] بعضها من بعض، فمشهور عن الفصحاء، وقد فسروا به [العنعنة][ (5) ]، واحتجوا بقراءة ابن مسعود: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [ (6) ]، وبقول ذي الرمة:

فعيناك عيناها وجيدك جيدها

ولونك إلا عنّها غير طائل

يريد «إلا أنها» .

[ (1) ] زيادة للبيان والسياق.

[ (2) ] مريم: 24.

[ (3) ] المائدة: 52.

[ (4) ] حروف الحلق سبعة يجمعها قول الناظم:

همز فهاء ثم عين حاء

مهملتين ثم غين خاء

[ (5) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه.

[ (6) ] يوسف: 35.

ص: 264

وذكر من طريق أبي داود حديث هيثم عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري، عن أبيه عن جده: أنه كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ رجل بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، فقال عمر: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابن مسعود، فقال له عمر. حتى حين، وكتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن اللَّه أنزل القرآن بلسان قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. والسلام.

قال ابن عبد البر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الاختيار، لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز أن يمنع منه، وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل. واللَّه أعلم.

وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه مثل قول عمر هذا، أن القرآن نزل بلغة قريش بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه لأنه من رواية ثقات المدينة، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن حذيفة قدم على عثمان، وقول عثمان رضي الله عنه: فإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم.

وقال القاضي أبو بكر بن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلغة قريش، يريد معظمة وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره نزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف بخلاف لغة قريش، وقد قال تعالى: جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [ (1) ] ، ولم يقل قرشيا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: أنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر، لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا.

وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش، معناه عندي الأغلب، واللَّه أعلم، لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القرآن من تحقيق

[ (1) ] الزخرف: 3.

ص: 265

الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز.

وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة، قال أبو حاتم: عجز هوازن: ثقيف، وبنو سعد بن بكر، وبنو جثم، وبنو نضر بن معاوية. قال أبو حاتم: خصّ هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان.

قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، أدناهم من بطون مضر. قال ابن عبد البر: هو حديث لا يثبت من جهة النقل، وقد روى عن سعيد بن المسيب أنه قال: أنزل القرآن على لغة هذا الحي من ولد هوازن وثقيف.

وإسناد حديث سعيد هذا غير صحيح.

وقال الكلبي في قوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف قال: خمسة منها لهوازن، وحرفان لسائر الناس، وأنكر أهل العلم [معنى][ (1) ]

حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف:

سبع لغات، وقالوا: هذا لا [معنى][ (1) ] له، لأنه لو كان [كذلك][ (1) ] لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض، لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل عليه وفطر لم ينكر عليه.

وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب، ردّ قول من قال:

سبع لغات، لأن عمر رضي الله عنه قرشي عدوي، وهشام بن حكيم بن حزام قرشيّ أسديّ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن [يقرئ][ (1) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا.

وقال قوم: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وهلم. وعلى هذا أكثر أهل العلم، وذكر حديث أبي جهيم وحديث ابن مسعود، وحديث أبيّ بن كعب ثم قال: وهذا

[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.

ص: 266

كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه، المختلف لفظه، نحو: هلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وانظر، واجر، ونحو ذلك.

وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء اللَّه، وأنه أصح من قول من قال: سبع لغات متفرقات، كما قدمنا ذكره، وكما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المختلفات المتفرقات فيه، حتى لو تقصيت لكثير عددها.

وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا،

وذكر من طريق أبي داود حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف: غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما.

ومن طريق النسائي: حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن شقير العبديّ [ (1) ] ، عن سليمان بن صرد، عن أبي بن كعب قال: سمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك فقال: رسول اللَّه، فقال: انطلق إليه، فانطلقنا إليه فقلت: أستقرئه يا رسول اللَّه، قال: اقرأ، فقرأ، فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أحسنت، فقلت: أو لم تقرئني كذا وكذا؟ قال: بلى، وأنت قد أحسنت، فقلت:[تقول][ (2) ] : قد أحسنت قد أحسنت؟ قال: فضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده في صدري ثم قال: اللَّهمّ أذهب عن أبيّ الشك، قال: نقضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

يا أبي: إن ملكين أتياني فقال أحدهما: اقرأ على حرف، قال الآخر: زده، قلت:

زدني، قال: اقرأ على حرفين، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال: اقرأ على ثلاثة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأه على خمسة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأه على ستة أحرف، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال اقرأه على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف.

وذكر طرقا [ (3) ] .

[ (1) ] لم أجده فيمن روى عن سليمان بن صرد.

[ (2) ] زيادة يقتضيها السياق.

[ (3) ] سبق الإشارة إلى هذه الأحاديث.

ص: 267

ثم قال: وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يقرئه على سبع لغات على ما تقدم ذكرنا له، وإنما هي أوجه تتفق معانيها، وتتسع ضروب الألفاظ فيها، إلا أنه ليس منها ما يخالف معنى إلى ضده، كالرحمة بالعذاب، وشبهه.

وذكر يعقوب بن شيبة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت المسجد فجلست إلى ناس وجلسوا إليّ، فاستقرأت رجلا منهم سورة ما هي إلا ثلاثون آية [ (1) ] وهي حم [ (2) ] ، الأحقاف، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرأها، فقلت من أقرأك؟ قال: أقرأني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قلت: وأنا الّذي أقرأني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وما أنا بمفارقكما حتى أذهب بكما إلى رسول اللَّه، فانطلقت بهما حتى أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعنده علي رضي الله عنه فقلت:

يا رسول اللَّه! إنا اختلفنا في قراءتنا، قال: فتغير وجهه حين ذكرت الاختلاف وقال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف، وقال عليّ: إن رسول اللَّه يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علّم، ولا أدري أسرّ إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع، أو علم الّذي كان في نفسه فتكلم به.

وكذلك رواه الأعمش وأبو بكر بن عياش وإسرائيل وحماد بن سلمة وأبان العطار، عن عاصم بإسناده ومعناه، ولم يذكر [الأعمش][ (3) ] حماد وأبان وعليا، وقالا: رجل. وقال الأعمش في حديثه: ثم أسرّ إلي عليّ في حديثه فقال عليّ: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كما علمتم.

وقال أبو جعفر الطحاوي في حديث عمر وهشام بن حكيم المذكور في هذا الباب: قد علمنا أن كل واحد منهما إنما أنكر على صاحبه ألفاظا قرأها الآخر، ليس في ذلك حلال ولا حرام، ولا زجر ولا أمر، وعلمنا بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

هكذا أنزلت، أن السبعة الأحرف التي نزل القرآن بها لا تختلف في أمر ولا نهي،

[ (1) ] كذا في (خ) ، لكن سورة الأحقاف خمسة وثلاثون آية.

[ (2) ] أول سورة الأحقاف.

[ (3) ] هذه الكلمة مطموسة في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.

ص: 268

ولا حلال ولا حرام، وإنما هي كمثل قول الرجل للرجل: أقبل، وتعال، وادن، وهلم، ونحو هذا.

وأكثر أحاديث هذا الباب حجة لهذا المذهب، وذكر حديث أبي بكرة الّذي تقدم ذكره.

ومن طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال: قال الزهري: إنما هذه الأحرف السبعة هي في الأمر الواحد الّذي لا اختلاف فيه. وروي الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: إني سمعت القراءة فرأيتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال.

وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا [ (1) ] . للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبيّ أنه كان يقرأ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [ (2) ] مروا فيه، سعوا فيه، كل هذه الحروف كان يقرأها أبيّ بن كعب، فهذا معنى الحروف المراد بها الحديث. واللَّه أعلم، إلا أن مصحف عثمان الّذي هو بأيدي الناس اليوم، هو منها حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم، فاعلم.

وذكر ابن وهب في كتاب (الترغيب والترهيب) قال: قيل لمالك رحمه الله:

[أترى] أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ذلك جائز،

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسر، ومثل تعلمون، ويعلمون،

وقال: مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا الباب بأسا.

قال: وقد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت لهم مصاحف، قال ابن وهب: وسألت مالكا رحمه الله عن مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: وأخبرني مالك بن أنس قال: أقرأ عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه رجلا: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ

[ (1) ] الحديد: 13.

[ (2) ] البقرة: 20.

ص: 269

طَعامُ الْأَثِيمِ [ (1) ]، فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم، فقال له عبد اللَّه بن مسعود: طعام الفاجر، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا.

قال ابن عبد البر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة في الصلاة لأن ما عدا مصحف عثمان رضي الله عنه لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لا يقدم أحد على القطع في رده.

وقد روى عيسى عن ابن القاسم في المصحف بقراءة ابن مسعود قال: أرى أن يمنع الإمام من تبعه، ويضرب من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك:

إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصلّ وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا لا [يتابع][ (2) ] عليهم، منهم: الأعمش سليمان بن بهزان. وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد ابن ثابت الّذي جمع عليه عثمان المصاحف.

وذكر من حديث محمد بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ، حدثنا أبو علي الحسن ابن صافي الصفّار، أن عبد اللَّه بن سليمان قال: حدثنا أبو الظاهر قال: سألت سفيان بن عيينة عن الاختلاف في قراءة المدنيين والعراقيين، هل تدخل في السبعة الأحرف فقال: لا، وإنما السبعة الأحرف: كقولهم: أقبل، تعال، أي ذلك قلت أجزأك، قال أبو الطاهر: وقاله ابن وهب.

قال أبو بكر بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ: ومعنى سفيان هذا: إن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وبه قال محمد بن جرير الطبري. وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القراءة على غيرها، لأنهم كانوا أميين لا يكتبون إلا القليل منهم،

[ (1) ] الدخان: 43.

[ (2) ] زيادة للسياق والبيان.

ص: 270

فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو دام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كبر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها.

وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد. واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من

رواية ابن أبي ليلى عنه، قوله فيه: إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف والحرفين والثلاثة، حتى بلغ السبعة،

واحتج بحديث عمر مع هشام بن حكيم، واحتج بجمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن في جماعة الصحابة، ثم كتاب عثمان رضي الله عنه لذلك، وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت. فأما أبو بكر رضي الله عنه فأمر زيدا بالنظر فيما جمع منه، وأما عثمان رضي الله عنه فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر، وكانت عند حفصة رضي الله عنها.

وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، منها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل:

أَطْهَرُ لَكُمْ [ (1) ] ، وأطهر لكم، ووَ يَضِيقُ صَدْرِي [ (2) ] ، وو يضيق صدري، ونحو هذا.

ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [ (3) ] ، وربنا باعد بين أسفارنا.

ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [ (4) ] ، وننشرها.

[ (1) ] هود: 78.

[ (2) ] الشعراء: 13.

[ (3) ] سبأ: 19.

[ (4) ] البقرة: 259.

ص: 271

ومنها ما يتغير صورته ولا يتغير معناه، كقوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، وكالصوف المنقوش.

ومنها ما يتغير صورته ومعناه، مثل قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (2) ] ، وو طلع منضود.

ومنها بالتقديم والتأخير، مثل: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ] ، ووَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ.

ومنها بالزيادة والنقصان، مثل:[لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً][ (4) ] ، وتسع وتسعون نعجة أنثى.

قال ابن عبد البر: وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، فمثل قوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، والصوف المنفوش، قراءة عمر رضي الله عنه، فامضوا إلى ذكر اللَّه [ (5) ] وهو كثير. ومثل قوله: نعجة أنثى [ (6) ] ، قراءة ابن مسعود وغيره، فلا جناح عليه ألا يطوف بهما [ (7) ]، وقراءة أبي بن كعب: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها [ (8) ] ، وهذا كثير أيضا.

وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيه بما يوافق صورته من الحركات واختلاف اللفظ من سائر الحروف.

ثم ذكر أبو [عمرو][ (9) ] عدة قراءات من الشواذ بأسانيدها وقال: وقد أجاز

[ (1) ] القارعة: 5.

[ (2) ] الواقعة: 29.

[ (3) ] ق: 19.

[ (4) ] ص: 23.

[ (5) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] .

[ (6) ] زيادة على قراءة حفص عن عاصم [ص: 23] .

[ (7) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة: 158] .

[ (8) ] وهي في قراءة حفص عن عاصم: بدون قوله: وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها [يونس: 24] .

[ (9) ] زيادة للسياق والبيان.

ص: 272

مالك القراءة بهذا ومثله، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة في غير الصلاة على وجه التعليم، والوقوف على ما روى في ذلك من علم الخاصة.

وأما حرف زيد: فهو الّذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم، وقراءتهم من بين سائر الحروف، لأن عثمان رضي الله عنه جمع المصاحف بمحضر جمهور الصحابة. قال: وقد تقدم عن الطحاوي أن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما عوّلا على زيد بن ثابت في ذلك، وأن الأمر عاد فيما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد، وهو الّذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به.

وقال القاضي أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن عطية: اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا شديدا، فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونه، كتعال، وأقبل، وإليّ، ونحوي، وقصدي، أقرب، وجيء، وكاللغات التي في أب، والحروف التي هي في كتاب اللَّه فيها قراءات كثيرة، وهذا قول ضعيف.

قال ابن شهاب في كتاب (مسلم) : بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام، وهذا كلام محتمل.

قال فريق من العلماء: أن المراد بالسبعة الأحرف: معاني كتاب اللَّه، وهي أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، وعبادات، وأمثال. وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا، وأيضا [فالإجماع][ (1) ] أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.

وحكى صاحب (الدلائل) عن بعض العلماء، وقد حكى نحوه القاضي أبو بكر الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، فذكر ما تقدم،

قال: وذكر القاضي أبو بكر الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: نهي، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلّوا حلاله وحرموا

[ (1) ] زيادة للسياق.

ص: 273

حرامه. الحديث.

قال القاضي: فهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة، ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (1) ] ، أي على وجه وطريقة، هي شك وريب، فكذلك يعني هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.

وذكر القاضي أيضا أن أبيّا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني قرأت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم. وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب.

وقد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكر من كلام ابن مسعود نحو قول القاضي ابن الطيب: وهذه سبعة غير السبعة التي هي قراءات، ووسع فيها، وإنما هي سبعة أوجه أسماء اللَّه تعالى، وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، ولا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.

قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة بها فإنّها على سبعة أوجه، وإلا بطل معنى الحديث. قالوا: ونعرف بعض الوجوه لمجيء [الخبر به][ (2) ]، ولا يعرف بعضها إذ لم يأت به خبر. قال: وقال قوم: ظاهر الحديث يوجب تواجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرءان على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث.

قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى هذا الحديث أنه أنزل على سبع لغات مختلفات، وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة، والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب،

[ (1) ] الحج: 11.

[ (2) ] زيادة للسياق.

ص: 274

وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة، وقراءتهم مختلفة، وخرجوا فيها إلى المناكرة.

فأما الأحرف التي صوّب الرسول صلى الله عليه وسلم القراءة بجميعها، وهي التي راجع فيها قراءته، وسهل عليه بعلمه تعالى بما هم عليه من اختلافهم في اللغات، فإنّها سبعة أوجه وسبع قراءات مختلفات بطرائق يقرأ بها على اختلافها في جميع القرآن، ومعظمه حسب ما تقتضيه القراءة.

[و][ (1) ] العبارة في قوله: أنزل القرآن: فإنما أريد به الجميع أو المعظم، فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها، ويدل على ذلك قول الناس: حرف أبي، وحرف [ابن][ (1) ] مسعود، ويقول في الجملة: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب، وتغيير الأسماء والصور، وأن ذلك متفرق في كتاب اللَّه تعالى ليس موجودا في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها.

قال ابن عطية: انتهى ما جمعت من كلام القاضي أبي بكر، وإطلاقه البطلان على القول الّذي حكاه فيه نظر، لأن المذهب الصحيح الّذي قرره أجزاء من قوله، ونقول في الجملة: إنما فتح وترتب من جهة الاختلاف ليس بشديد التباين، حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر، وإنما هو أن قريشا استعملت في عبارتها شيئا، واستعملت هذيل في ذلك المعنى شيئا غيره، وسعد بن بكر غيره، والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

واستدلال القاضي بأن لغة عمرو، وأبي، وهشام، وابن مسعود واحدة، فيه نظر، لأن ما استعملته قريش في عبارتها، ومنه عمر وهشام، وما استعملته الأنصار ومنهم أبي، وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد تختلف، ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب اللَّه تعالى، فليست لغتهم واحدة في كل شيء.

وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة، بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة، لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات، لأن مناكرتهم

[ (1) ] زيادة للسياق.

ص: 275

لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس فيه لغته فأنكره، وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وعساه قرأ قراءة ما ليس من لغته واستعمال قبيلته.

فقال القاضي رحمه الله: إنما أبطل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد في قوله: على سبعة أحرف بعدد اللغات التي تختلف بجملتها، وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل، تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها، ولا تدخل عليها لغة غيرها، بل قصد النبي صلى الله عليه وسلم، عنده عدّ الوجوه والطرائق المختلفة في كتاب اللَّه، مرة من جهة لغة، ومرة من جهة إعراب، وغير ذلك.

ولا مرية أن هذه الوجوه إنما اختلفت لاختلاف في العبارات بين الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وذلك يقال فيه اختلاف لغات.

وصحيح أن يقصد عليه السلام عدّ الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات، وصحيح أن يقصد عدّ الجماهير والرءوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وهي قبائل مضر، فجعلها سبعة، وهذا القول أكثر توسعة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة، فعسى أن الملك قد أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه. قال القاضي أبو بكر في كلامه المتقدم: فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها.

قال ابن عطية: والشرط الّذي يصح به هذا القول: هو أن يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال كثير من أهل العلم، كأبي عبيد وغيره: إن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل، أتيت فيها كل لغة منها. وهذا القول المتقرر من كلام القاضي أبي بكر.

وقد ذكر بعضهم قبائل من العرب روما منهم أن يعينوا السبع التي يحسن أن تكون مراده عليه السلام، نظروا في ذلك بحسب القطر ومن جاور منشأ النبي صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في التسمية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرشيّ واسترضع في بني سعد، ونشأ فيهم ثم ترعرع، [][ (1) ] وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا،

[ (1) ] ما بين الحاصرتين كلمتان غير واضحتين في (خ) .

ص: 276

وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة، وتكرارهم عليها، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط الجزيرة.

فلما بعثه اللَّه تعالى ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة، وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف، وهي اختلافات في العبارات حسب ما تقدم.

قال ثابت بن قيس: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أتى على قبائل مضر في سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن، وهذا نحو ما ذكرناه.

وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة، وسلمت لغاتها من الدّخل، ويسّرها اللَّه لذلك، لتظهر آيات نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها: أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز، ونجد، وتهامة، لم تطرقها الأمم، فأما اليمن وهو جنوب الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطه الحبشة والهنود، على أن أبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها.

قال ابن عطية: وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن، كالعرم والفتاح، فأما ما انفرد به كالرجيح، والغلوب ونحوه، فليس في كتاب اللَّه منه شيء، وأما ما [والى][ (1) ] العراق من جزيرة العرب، وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط، ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الّذي يلي الشام وهو شمال الجزيرة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربي الجزيرة، فهو جبال سكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم.

ويقوي هذا النوع أنه لما اتسع نطاق الإسلام، وداخلت الأمم العرب وتجرد

[ (1) ] زيادة للسياق والبيان.

ص: 277

أهل المصرين: البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها، وتجنبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، ولذلك تجنبوا حواضر الحجاز: مكة والمدينة والطائف، لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها وأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة.

فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها، فنزل القرآن فيعبّر عن المعنى فيه بعبارة قريش [مرة] ، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة، ألا ترى أن «فطر» معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس رضي الله عنه حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما:

أنا فطرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (1) ]، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [ (2) ] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي أحاكمك [ (3) ] .

وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى:

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [ (4) ] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي، فقال عمر: اللَّه أكبر، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، أي على تنقص [ (5) ] لهم.

وكذلك اتفق لقطبة بن مالك، إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة:

[ (1) ] فاطر: 1.

[ (2) ] الأعراف: 89.

[ (3) ] وقال الفرّاء: أهل عمان يسمون القاضي: الفاتح. (البحر المحيط) : 5/ 115، تفسير سورة الأعراف:89.

[ (4) ] النحل: 47.

[ (5) ] قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقال ابن قتيبة: يقال: خوّفته وتخوّفته، إذا تنقصته وأخذت من ماله وجسمه، وقال الهيثم بن عديّ: هو النقص بلغة أزد شنوءة. وفي حديث لعمر أنه سأل عن التخوف، فأجابه شيخ: بأنه التنقص في لغة هذيل. (المرجع السابق) : 6/ 535، تفسير سورة النحل:47.

ص: 278

وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ]، ذكره مسلم [ (2) ] في باب: القراءة في صلاة الفجر. إلى غير ذلك من الأمثلة.

خرج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: صليت وصلّى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقرأ ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ (3) ]، حتى قرأ: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ]، قال: فجعلت أرددها ولا أدري ما قال.

فأباح اللَّه تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الّذي فيه الإعجاز وجودة الوصف، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: فاقرءوا بما تيسر منه بأن يكون كل أحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات، جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، وكان معرضا أن يبدّل هذا وهذا، حتى يكون غير الّذي نزل من عند اللَّه، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ليوسّع بها على أمّته، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضة به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضة به أيضا.

وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى بي إلى سبعة أحرف.

وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسورة الفرقان، وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في كل قراءة منها وقد اختلفتا: هكذا أقرأني جبريل، هل ذلك إلا أنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة.

وعلى هذا يحمل قول أنس بن مالك حين قرأ: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا [ (4) ]، فقيل له: إنما تقرأ: وَأَقْوَمُ قِيلًا [ (4) ]، فقال:

أصوب وأقوم واحد، فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو كان

[ (1) ] ق: 10.

[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 422، كتاب الصلاة باب (35) القراءة في الصبح، حديث رقم (165- (457)) .

[ (3) ] ق: 1- 2.

[ (4) ] المزمل: 6.

ص: 279

هذا لأحد من الناس أن يضعه، لبطل معنى قول اللَّه تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (1) ] ، ثم إن هذه الرواية الكثيرة لما انتشرت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وافترق الصحابة في البلدان، وجاء الخلف، وقراء القرآن كثير من غير العرب، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به، فأشفق حذيفة بما رأى منهم.

فلما قدم حذيفة المدينة- فيما ذكر البخاري وغيره- دخل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال:

[في ماذا] ؟ قال: في كتاب اللَّه، إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الحجاز، ومن الشام، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى، قال عثمان: أفعل، فتجرد الأمر واستناب الكفاءة من العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن، ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات، وقال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش.

فمعنى هذا: إذا اختلفتم فيما روي وإلّا فمحال أن يحملهم على اختلافهم من قبلهم، فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع، مرة من هذه، ومرة من هذه، وذلك مقيد بأن الجميع مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ عليه، واستمر الصحابة رضي الله عنهم على هذا المصحف المتخيّر، وترك ما سواه ممّا كان كتب تفسيرا ونحوه، سدا للذريعة، وتغليبا لمصلحة الألفة، وهي المصاحف التي أمر عثمان رضي الله عنه أن تحرق أن تمزق.

ألا ترى أن ابن مسعود رضي الله عنه أبى أن يزال مصحفه؟ فترك، ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة، ولأنه روي أنه كتب فيه [سورة][ (2) ] النساء على

[ (1) ] الحجر: 9.

[ (2) ] زيادة للسياق.

ص: 280

جهة التفسير، فظنها قوم من التلاوة، فاختلط الأمر فيه، ولم يسقط مما ترك معنى من معاني القرآن، لأن المعنى جزء من الشريعة، وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الّذي أثبت.

ثم إن القراء في الأمصار تتبّعوا ما روي لهم من اختلاف لا يخالف خط المصحف المتميز، فقرءوا بذلك حسب اجتهاداتهم، فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم، ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة، وبها يصلي لأنها ثبتت بالإجماع.

وأما شاذ القراءات فلا يصلي به، وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه، فأما المروي منه عن الصحابة وعن علماء التابعين، فلا نعتقد منهم إلا أنهم رووه، وأما ما يؤثر عن [غيرهم][ (1) ] فلا يوثق به.

وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: قال كثير من علمائنا:

هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست إلا هي حرف السبعة التي اتسعت القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي الله عنه المصحف.

وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه، وأقرأ به فاشتهر عنه وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير

، ولم يمنع واحدا منهم اختيار الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وجوّزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر، وكل صحيح.

وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورواه من القرآن، وكتبوا ذلك في مصنفات، فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد اللَّه تعالى به من حفظ الكتاب، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والقضاة، والمحققون، كالقاضي أبي بكر بن الطيب، والطبري وغيرهما.

[ (1) ] ما بين الحاصرتين غير واضح في (خ) ولعلّ ما أثبتناه يناسب السياق.

ص: 281