الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]
[ (1) ] وكان له صلى الله عليه وسلم مع هذه الفضائل الباهرة من المعجزات البينات: إبطال الكهانة وانشقاق القمر، وردّ الشمس بعد غروبها، وانقياد الشجر، وانقلاب العود والقضيب سيفا جيدا، وتسليم الأشجار والأحجار عليه، وتحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره، [وحثا][ (2) ] يوم حنين وجوه المشركين كفّا من تراب فملأ أعينهم، وإشارته إلى الأصنام وسقوطها، وإلانة الصخر له، وتسبيح الحصا في كفه، وتأمين اسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه.
ونبع الماء من بين أصابعه، وظهور بركته في تكثير الماء القليل الّذي كان في الميضأة، فشرب منه أهل العسكر كلهم وهم عطاش وتوضئوا، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه يده المكرمة، وفي مزادتي المرأة، وفي الماء بالحديبية، وفي العين التي بتبوك، وقد أهرق عليه وضوءه فيهما، ولا ماء فيهما، فجاشتا بالماء، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف، حتى رووا كلّهم وفاضت بعد ذلك، وشرب من بئر الحديبيّة ألف وأربعمائة حتى رووا، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء.
وأمطرت بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، واستسقى وقد قحط المطر فسقوا بدعائه، وظهرت بركته في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا تجري، وفي بئر بقباء، وفي بئر قليلة الماء بعث إليها بحصباء فألقيت فيها فغزر ماؤها.
وأفاق جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه وقد أغمى عليه لما صبّ من وضوئه عليه، ونشط بعير قد أعيا ببركة وضوئه لمّا رشّه عليه وسقاه منه، وعذب الماء
[ (1) ] هذا العنوان ليس في (خ) .
[ (2) ] زيادة للسياق.
بريقه، وحبس الدمع بما نضحه في وجه امرأة، وذهب حزن امرأة ببركة ما شربته بعد ما غمس فيه يده، ومضمض ودعا في بقية الزاد مرجعه من الحديبيّة، ومرجعه من تبوك، فنما وزاد بعد قلته، حتى أشبع قياما من الناس.
وكثر طعام جابر يوم الخندق ببركة يده، وكثر طعام أكل منه قصعة، وأكل مائة وثلاثون رجلا من صاع واحد، وأخذ كل منهم جزأه من سواد بطن شاة، وظهرت البركة في طعام بدار أبي بكر رضي الله عنه، ورزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة من حيث لم يحتسبوا ببركته، وأكل سبعون أو ثمانون رجلا في بيت أبي طلحة رضي الله عنه من قليل أقراص خبز شعير مأدوم بسمن حتى شبعوا، وبقيت كما هي ببركته، وأكل أهل الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا وفضل عنهم فضله، وأكل بضع وسبعون رجلا من حيس عملت من نحو مدّ تمر وفضل عنهم قدر ما كان قبل أكلهم.
وأكل أربعون رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء- ومن عادة الواحد منهم أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق- وأخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل، فلم ينقص من أخذهم شيئا، وأكل مائة وثلاثون رجلا من الأنصار حتى صدروا بعد ما جاعوا، من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
وأكل طائفة في بيت عائشة رضي الله عنها حيسا يسيرا وشربوا لبنا حتى شبعوا ورووا، وغرس صلى الله عليه وسلم نخلا لسلمان الفارسيّ رضي الله عنه فأطعم من سنته، ودعا لأبي هريرة رضي الله عنه في تمرات يسيرة فنمت حتى كمل منها عدة أو ساق سوى ما أكل وأطعم.
وترك عند عائشة رضي الله عنها شطر شعير فأكلت منه حتى طال عليها ثم كالته، وأطعم رجلا شطر وسق من شعير، فما زال يأكل منه وامرأته حتى كالاه، ودفع لنوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثين صاعا من شعير فطعم منه وأهله نصف سنة، ثم كاله فوجده بحاله.
وأطعم أعرابيا كسرة كانت [عنده][ (1) ] فشبع بما أكل منها وأفضل، وأمر قوما كانوا لا يشبعون بالاجتماع على طعامهم، فأكلوا وشبعوا، ودفع إلى أم شريك ثلاثين صاعا من شعير وعكة سمن قد فرغ ما فيها فوجدتها ملآنة سمنا، وأكلت من الشعير دهرا ثم كالته فلم ينقص منه شيئا.
وبعث أبا أمامة رضي الله عنه إلى أهله فإذا هم يأكلون الدم فتنزه عنه ونام، فأتي في منامه بشربة لبن فشربها فشبع وروي بعد انتباهه، ونزل به صلى الله عليه وسلم ضيف ولا شيء عنده، فدعا اللَّه فأعانه بشاة مصلية، وقعد على تمر خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حزام، وأمر أن يكال منه لغرمائه، فكالوا حقهم وبقي التمر كما هو.
وسمع أصحابه تسبيح الطعام وهو يؤكل، ومسح ضرع شاة أم معبد فدرّت باللبن بعد جهدها، ومسح ضرع عناق ودعا اللَّه تعالى فأنزلت لبنا، وحلب لبنا من شاة لم [ينز][ (2) ] عليها فحل قط، واحتاج ليلة إلى الغذاء فلم يجد شيئا، فقام المقداد ليذبح له عنزا، فإذا هي وأخواتها حفل، فحلب له وسقاه حتى روى، ومسح [ظهر][ (2) ] عناق لم تنتج فتدلى ضرعها وحلب منها لبنا كثيرا، [وسقى][ (2) ] أهل الصفة من لبن في قدح حتى رووا، وأروت الجند وقد عطشوا في سفر فشربوا من حلب عنز أتى اللَّه بها ثم لم تر بعد ذلك.
وأهدت إليه أم سليم عكة سمن فأفرغها ثم ردّها إليها فوجدتها مملوءة سمنا، فأتدمت به شهرا أو شهرين بعد ما فرقت منها، وأهدت له أم مالك البهزية عكة سمن فأفرغها وردها، فما زالت تجد فيها السمن حتى عصرتها، وبعثت عمرة ابنة رواحة إلى زوجها وأخيها بجفنة تمر- وهم يحفرون الخندق- فأمر بها فصبت في كفه فما ملأته، فدحاها على ثوب ودعا أهل الخندق [بأسرهم][ (2) ] فأكلوا منه حتى صدروا، وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
وشهد له الذئب بالرسالة، وأتاه الذئب ليفرض له في شياه أصحابه، فلم
[ (1) ] زيادة للسياق حيث أنها مطموسة بالأصل.
[ (2) ] زيادة للسياق.
يفرضوا له شيئا فأمره أن يخالسهم فذهب، وكلمته ظبية في إرضاع حشفها وقد [شدها][ (1) ] أعرابي في وثاق فأطلقها حتى مضت ثم عادت، وشهد له الضب بالرسالة، وسجدت له الغنم، وربض له الوحش لما أحسّ به، وسجد له البعير، وشكى إليه ما به، وازدلفت البدن إليه ليبدأ بنحرها، وخاطبه الحمار.
ونسج العنكبوت على الغار الّذي اختفى فيه، ووقف الحمام به، وقامت شجرة على بابه ليستتر عن أعين المشركين وقد أتوا ليأخذوه، ووقفت له حية وسلمت عليه، وشكت إليه حمرة ما فجعت به من أخذ فرخها، وسخر اللَّه تعالى الأسد لمولاه سفينة تكرمه له، وسخر له صلى الله عليه وسلم طيرا من السماء، وكثر اللَّه تعالى غنم هند بنت [عتبة][ (1) ] بدعائه لها بالبركة، وأحيا له شاة جابر بن عبد اللَّه بعد ما ذبحها وطبخها وأكل لحمها، وأحيا [اللَّه][ (1) ] تعالى حمار رجل أقبل من اليمن ليجاهد في سبيل اللَّه بعد ما مات تكرمة له صلى الله عليه وسلم، [و][ (1) ] أحيا ولد [امرأة][ (1) ] أتت مهاجرة بعد موته، وسقى العلاء بن الحضرميّ ومن معه من المسلمين وقد عطشوا، [وفرق][ (1) ] لهم البحر حتى مروا فوقهما لقتال المشركين، ومشى أبو مسلم الخولانيّ على الماء بدجلة وهي ترمي الخشب من فوقها، كل ذلك كرامة له صلى الله عليه وسلم.
وشهد له ميت بعد موته بالرسالة، وشهد له الرضيع والأبكم بالرسالة، وكان حيث سلك توجد رائحة الطيب، ويسجد له ما يمر به من حجر أو شجر، ومجّ بعد ما تمضمض في دلو مسكا أو أطيب من المسك.
وكان إذا قعد لحاجته ابتلعت الأرض ما يخرج منه، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويرى في الظلمة كما يرى في النور، وأضاءت عصا أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر لما خرجا من عنده في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئها، كرامة له صلى الله عليه وسلم.
وسهر ومعه عمر بن الخطاب عند أبي بكر ثم خرجا في ليلة مظلمة، وخرج معه أبو بكر فأضاءت عصا أحدهما حتى بلغوا المنزل، وأضاءت عصا أبو عيسى
[ (1) ] زيادة للسياق.
الأنصاري وقد رجع بعد ما صلّى معه صلى الله عليه وسلم، فنور له حتى دخل دار أبي حارثة، وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا فأضاء له من بين يديه ومن خلفه صلى الله عليه وسلم.
وخرج الحسن بن علي من عنده ليلا إلى أمه، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه، وأضاءت إصبع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمع ما سقط من متاع رحله صلى الله عليه وسلم.
وتفرق من إبل أصحابه في ليلة مكر فيها المنافقون بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو بطريق تبوك، وأرى أنس بن مالك وقد خرج معه ليلا إلى المسجد نورا بأيدي قوم يدعون اللَّه بدعائه له أن يريه اللَّه ذلك، [وكانت][ (1) ] الملائكة تسلم على عمران بن حصين، ونزلت السكينة والملائكة عند قراءة البراء القرآن، كان ذلك تكرمة له صلى الله عليه وسلم.
وانقلبت بضعة لحم حجرا في بيت أم سلمة، وذهبت صورة مصورة بوضع يده عليها، وكان اللَّه تعالى يعطيه ما سأل ما لم تجر به العادة، ويلهمه جواب ما يسأله عنه السائلون وهو في مقامه، وأمر أبا هريرة أن يبسط بردة كانت عليه، ثم قبضها فلم ينس بعد ذلك شيئا سمعه منه صلى الله عليه وسلم.
وضرب في صدر أبي عثمان بن أبي العاص فما نسي شيئا بعد أن حفظه، ودعا اللَّه أن يهدي أم أبي هريرة فأسلمت بعد إبائها، ومسح وجهه بمنديل فلم تعمل فيه النار بعد ذلك إذا وضع فيها، وأعيا بعير جابر بن عبد اللَّه وهو في سفر حتى أراد أن يسيبه، فتحسسه أو ضربه صلى الله عليه وسلم فسار عنه سيرا لم يسر مثله،
وركب فرس أبي طلحة- وكان ثبطا قطوفا- فكان بعد ذلك لا يجاري، وضرب فرس جعيل بمخفقة وكانت ضعيفة عجفاء وقال: اللَّهمّ بارك له فيها،
فصارت تتقدم الركب، وباع من نتاجها باثني عشر ألفا، وضرب برجله ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة، ودعا لرجل أن يحمله بعيره فمكث عنده عشرين سنة.
وذهب الجوع عن فاطمة الزهراء بدعائه، وكفى على بن أبي طالب الحر والبرد بدعائه،
ووعك عليّ مرة فقال [صلى الله عليه وسلم][ (1) ] : اللَّهمّ عافه: فما اشتكى وجعه ذاك
[ (1) ] زيادة للسياق.
بعد،
وبصق في عين عليّ وقد رمد في خيبر فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، وضرب في صدره وقد بعثه قاضيا باليمن وقال: اللَّهمّ اهد قلبه وسدد لسانه، فما شك في قضاء بعد.
وصرف اللَّه ألوفا عن المدينة ونقل حمّاها إلى الجحفة بدعائه، ومرض سعد ابن أبي وقاص فوضع يده على جبهته ومسح وجهه
وقال: اللَّهمّ اشف سعدا وأتمم هجوته،
فما زال يجد برده على كبده، وأصاب أسماء ورم في رأسها ووجهها، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب وسمى اللَّه ودعا، فذهب الورم، وجاءته امرأة بابن لها فدعا له فشفي وعمّر حتى جاهد في سبيل اللَّه.
وأتته امرأة بابن لها وبه جنون فمسح رأسه ودعا له، فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى، وكانت أم زفر تتكشّف فاصرعت، فدعا لها فلم تتكشّف، وشكى عبد اللَّه بن رواحة وجع ضرسه، فوضع يده على خده ودعا له فشفاه اللَّه قبل أن يبرح، ومسح بطن رافع أو رفاعة بن رافع وقد اشتكى بطنه فلم يشتك بطنه بعد ذلك.
وعاد عمه أبا طالب وقد مرض، فدعا له فقام كأنما نشط من عقال، ومسح ساق علي بن الحكم السلمي وقد تقنطر عن فرسه فدق جدار الخندق ساقه، فما نزل عنها حتى بريء، وأتته امرأة من خثعم بصبي لها به بلاء لا يتكلم، فشفاه ماء غسل فيه يده [ومضمض][ (1) ] فاه فبرأ وعقل عقلا ليس كعقول الناس، ونفث في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه، وأتاه الوازع بابن له مجنون فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد يفضل عليه.
وشكى إليه عثمان بن أبي العاص سوء حفظه فتفل في فيه ووضع يده على صدره وقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، فما سمع شيئا بعد ذلك إلا حفظه،
وكان الشيطان يلبس عليه صلاته فتفل في فمه وضرب في صدره وقال: اخرج عدوّ اللَّه، فلم يعرض له بعد ذلك،
وردّ اللَّه على الأعمى بصره بدعاء علّمه إياه، وردّ بصر
[ (1) ] زيادة للسياق.
من كانت عيناه مبيضتين بنفثه فيهما.
ورد عين قتادة بعد ما سالت على خده، ونفث في يد محمد بن حاطب وقد احترقت فبرأ في الحال، ووضع يده على شامة في كف شرحبيل الجعفي وقد نفث فيها، فما رفع يده حتى لم يبق لها أثر، وضرب حبيب بن إساف يوم بدر فمال شقه فتفل عليه ورده فانطبق، وضرب بقدح سلعة في كف أبي سبرة ومسحها فذهبت، ومسح وجه أبيض بن جمال وقد التمعت وجهه قوبا فما أمسى وله أثر، وأصابت يد حبيب بن إساف ضربة فتفل عليها فبرأت، ودعا لعمرو بن أخطب أن يحمله اللَّه فأناف عن التسعين ولم يشب رأسه ولا لحيته.
وقال لعمرو بن الحمق: اللَّهمّ متعه بشبابه، فبلغ الثمانين ولم تر شعرة بيضاء،
وأخذ له يهودي من لحيته فقال: اللَّهمّ جمله، فاسودت لحية اليهودي بعد ما كانت بيضاء،
ودعا للسائب بن مزيد وهو شاك فأناف على التسعين وهو جلد معتدل ممتع بحواسه، ومسح بيده على رأسه وقال: اللَّهمّ بارك فيك فلم يشب.
ومسح رأس محمد بن أنس فلم يشب موضع يده، ومسح رأس حنظلة بن حديم وقال له: بورك فيك، فكان حنظلة إذا تفل في يده ووضعها على ورم ذهب، ومسح رأس أبي سفيان بدلوك فلم يبيض شعر ما مسه بيده صلى الله عليه وسلم.
ودعا لعبد اللَّه بن عتبة ولولده بالبركة فلم يهرم منهم أحد، ومسح وجه عمرو ابن ثعلبة الجهنيّ فمات عمرو وقد أتت عليه مائة سنة وما شابت منه شعرة، ووضع يده على رأس مالك بن عمير ووجهه فلم يشب، ومسح على ظهر عتبة بن فرقد بيده فصار أطيب أهله ريحا، ومسح وجه قتادة بن ملحان، فصار كأن على وجهه دهان من وضاءته.
وقال للنابغة: لا يفضض اللَّه فاك فنيف على المائة وما ذهب له سن،
وأصيب ساق سلمة بن الأكوع بضونة في خيبر فنفث فيها فما اشتكاها بعد، وأعيت قرحة برجل رجل فوضع إصبعه عليها وسمى ورقاها فبرأت، وتفل في فم عبد اللَّه بن عامر فكان لا يعالج أيضا إلا ظهر له الماء، وكان يتفل في أفواه الرضعاء فيقوم مقام الغذاء لهم.
وبزق في فم محمد بن ثابت بن قيس وحنّكه فلم يحتج إلى إرضاع يومين والثالث، وأخذ بجلدة ما بين عيني فراء بن عمرو، وقد أصابه صداع شديد، فذهب ولم يصدع بعد، ودعا لأهل المسجد أن يذهب عنهم البرد فأذهبه اللَّه عنهم، ودعا لحذيفة بن اليمان في ليلة شديدة البرد وقد بعثه ليأتيه بخبر الأحزاب، فمشى كأنه في حمام.
واستأذنت عليه الحمى فبعث بها إلى أهل قباء لتكون كفارة لهم فلقوا منها شدة، وذهبت الحمى عن عائشة بدعاء علمها إياه، وأمر امرأتين وقد اغتابتا أن يتقيئا، فتقيأتا لحما وقيحا ودما، وكان صلى الله عليه وسلم يسمع أصوات أهل القبور، ويسمع أطيط السماء، وجعل خالد بن الوليد في قلنسوته ناصية الرسول لما حلق، فلم يشهد قتالا وهي معه إلا نصر، واقتمح السم فلم يضره.
وقال لابن عباس: اللَّهمّ فقّهه في الدين،
فصار حبر الأمة،
وقال لأنس بن مالك: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته، فكثر ماله، وصار له نحو المائة من الولد، وكان بستانه يحمل الفاكهة في السنة مرتين،
ودعا لامرأة في لسانها فضل فظهرت بركة دعائه، ودعا لرجل بخيل جبان كثير النوم، فاشتد بأسه في الحرب، وسخت نفسه، وقلّ نومه،
وقال لأبي طلحة وقد جامع امرأته- بارك اللَّه لكما في سائر ليلتكما، فحملت وولدت غلاما.
وضرب في صدر أبي بن كعب ودعا له فزال عنه الشك،
وقال لسعد بن أبي وقاص: اللَّهمّ استجب له إذا دعاك، فما دعا إلا أجيبت دعوته،
وعلم أبا بكر رضي الله عنه دعاء [فوفىّ][ (1) ] اللَّه عنه دينا كان عليه لما دعا به،
وقال لعبد الرحمن بن عوف: بارك اللَّه لك فكثرت أمواله،
ودعا لعروة البارقي بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه،
وقال لعبد اللَّه بن جعفر: اللَّهمّ بارك له في تجارته، فما باع شيئا ولا اشترى إلا بورك فيه،
ودعا لعبد اللَّه بن هشام بالبركة فكثر ربحه.
[ (1) ] زيادة للسياق.
وقال لأبي أمامة- وقد بعثة في غزاة-: اللَّهمّ سلّمهم وغنّمهم [فسلموا وغنموا][ (1) ] ،
ومسح ضروع شويهات كان يرعاهن أبو قرصافة، ودعا فيهن بالبركة فامتلأت شحما ولبنا،
وقال له جوير بن عبد اللَّه: إني لا أثبت على الخيل، فصك في صدره وقال: اللَّهمّ ثبته، فما سقط عن فرس بعد،
وأتاه المقداد بن عمرو بسبعة عشر دينار قد ظفر بها
فقال: بارك اللَّه لك فيها
فصار عنده منها غرائر ورق، ولقي صلى الله عليه وسلم العدو
فقال: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين،
فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة، وأمسك لسان شاب عن الشهادة وقد احتضر لغضب أمه عليه، فلما استرضاها فرضيت نطق بالشهادتين.
وقال ليهودي- لما عطس وشمته-: هداك اللَّه، فأسلم،
وكثر مال صخر الماردي لامتثاله أمره في بعثة غلمانه بالتجارة بكرة، وتحاب امرأة وزوجها بعد البغضاء بدعائه، وأقبل اللَّه بأهل اليمن وأهل الشام وأهل العراق بدعائه، ودعا على مضر لما عتوا حتى قحطوا، ثم دعا لهم حتى سقوا، ودعا لأهل جرش برفع قتل صرد بن عبد اللَّه وأصحابه فنجوا بدعائه، ومكن اللَّه تعالى لقريش العز والشرف بدعائه، وأيد اللَّه من كان معه وأجاب دعاءه حتى صرع ركانة بن عبد يزيد، ولم يكن أحد يصرعه لشدته.
وقال لمسعود الضحاك: أنت مطاع في قومك،
فكان يأخذ الراية إذا وقع بين القبائل شر فيصلح بينهم، وأراد عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أن يغدرا به وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر، فحيل بينهما وبين ذلك،
وخرج وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر ورجالا، فقال: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فقتله اللَّه،
ونزلت صاعقة على أربد فقتلته،
وأمر رجلا قد أكل بشماله أن يأكل بيمينه فقال [الرجل][ (1) ] : لا أستطيع، فقال [صلى الله عليه وسلم] [ (1) ] : لا قد استطعت، فما رفعها إلى فيه.
وقال للحكم بن أبي العاص وقد اختلج كأنه يحاكيه: كن كذلك، فلم يزل
[ (1) ] زيادة للسياق.
يختلج حتى مات،
ودعا على رءوس قريش وقد تظافروا عليه بمكة فقتلهم اللَّه بسيوفه يوم بدر،
ومرّ بين يديه في صلاته رجل فقال: قطع اللَّه أثره فأقعد،
ومر كليب بين أيديهم وهم يصلون مع الرسول صلاة العصر، فدعا عليه رجل منهم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات،
وقال لرجل: لا أقرته الأرض، فما استقر بعدها بأرض،
وقال لمعاوية بن أبي سفيان: لا أشبع اللَّه بطنه، فما شبع بطنه أبدا.
وقال لرجل: ضرب اللَّه [عنقك][ (1) ]، فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه؟
فقال: في سبيل اللَّه،
فضربت عنقه في سبيل اللَّه،
وقال: من احتكر طعاما ضربه اللَّه بالجذام،
فلم يعبأ رجل بذلك فجزم،
وقال لأبي ثروان: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه،
فشاخ حتى تمنى الموت،
وقال لعتبة بن أبي لهب: اللَّهمّ سلط عليه كلبك، فافترسه الأسد،
وقصده سراقة بن مالك لما خرج مهاجرا، فساخت يدا فرسه إلى الركبتين وخرّ عنها.
ولما مزّق كسرى ملك فارس كتابه الّذي كتب إليه، دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق، فلم تبق لهم باقية، وهزم اللَّه المشركين يوم بدر وقتلهم بدعائه عليهم في العريش، وقال هذا مصرع فلان غدا، ووضع يده على الأرض وهو يسميهم واحدا واحدا، فما جاوز أحد منهم موضع يده.
وأخبر بمكة أنه يقتل أبا جهل فقتله اللَّه بسيوفه يوم بدر، وقتل أمية بن خلف ببدر أيضا بدعائه عليه، وألقاه ومعه صناديد قريش بالقليب، فأنجز اللَّه وعده، وقال عن عقبة بن أبي معيط: اللَّهمّ كبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر فأخذ وضربت عنقه،
وقال: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسر يوم بدر وقتله علي بن أبي طالب.
وقال للعباس بن عبد المطلب لما أسر ببدر أين مالك الّذي وضعت بمكة عند أم الفضل وليس معكما أحد؟
فقال: والّذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغير عمير بن وهب وصفوان بن أمية وهما خاليان في الحجر أن همّوا بقتل الرسول،
[ (1) ] زيادة للسياق.
وقدم إلى المدينة ليقتله، فلما دخل به عليه حدّثه بما جرى بينه وبين صفوان فأسلم عند ذلك.
وانهزم قباث بن أشيم يوم بدر فيمن انهزم، وحدث نفسه بشيء ثم قدم المدينة بعد مرة، وأتى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فقال له: يا قباث بن أشيم! أنت القائل يوم بدر كذا؟ فأسلم عند ذلك،
ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر قال عمر:
يا رسول اللَّه! انزع ثنيته، فقال: لعله يقوم مقاما لا تكرهه،
فقام حين جاءه وفاة الرسول بخطبة أبي بكر رضي الله عنه، ولما خرج إلى بدر ودعا لأصحابه أن يحملهم اللَّه ويكسبهم ويشبعهم ويغنيهم، فما رجع أحد منهم إلا كذلك.
ولما اشتد [أذى][ (1) ] كعب بن الأشرف له قال: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت، فقتله اللَّه،
وقام دعثور بن الحرث على رأسه- وقد نام- ليقتله بالسيف، فدفع جبريل في صدر دعثور، فوقع السيف وأخذه الرسول، فأسلم دعثور، وخرج إلى بني النضير وجلس في ناديهم مستندا إلى بعض بيوتهم فهموا بقتله وأن يطرح عليه عمرو بن جحاش صخرة من فوق البيت، فأتاه خبر السماء بذلك، فقام وترك أصحابه ودخل المدينة.
وقال لأبي بن خلف وهو بمكة: أنا أقتلك إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد، قدم فخدشه صلى الله عليه وسلم في عنقه خدشة لطيفة هلك منها،
وقال عن عتبة بن أبي وقاص:
اللَّهمّ لا تحل عليه الحول، فمات دون ذلك كافرا،
وقال عن ابن قميئة ومن وافقه:
اللَّهمّ لا [تحل][ (1) ] الحول على أحد منهم فهلكوا دون الحول،
وغسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر لما قتل بأحد شهيدا ورئي رأسه يقطر ماء فإنه خرج جنبا.
وغشي النعاس المؤمنين يوم أحد مع قرب العدو منهم وقال إن قزمان من أهل النار فقتل نفسه بجراحة المنية، وصنعت امرأة سعد بن الربيع طعاما يكفي رجلا أو رجلين، فأطعم منه صلى الله عليه وسلم زيادة على عشرين رجلا حتى شبعوا ولم ينقص، وقتل المشركون عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وأرادوا أخذ شيء من جسده، فبعث
[ (1) ] زيادة للسياق.
اللَّه عليه مثل الظلة من الدّبر- وهي الزنابير- فحمته فلم يقدر على قطع شيء من لحمه، ثم جاء السيل فحمله فلم نعرف له مكان، وذلك أنه كان نذر أنه لا يمسّ مشركا ولا يمسه، فوفّى اللَّه نذره تكرمة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعث أبو سفيان بن حرب أعرابيا لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه الرسول قال:
هذا الرجل يريد غدرا، واللَّه حائل بينه وبين ما يريد، وأخذ فظهر أمره، وأخبر بما جاء به، فخلى عنه وأسلم.
ولما قتل عامر بن فهيرة ببئر معونة رفع إلى السماء بعد قتله، وأعلم اللَّه نبيه بما همّ به المشركون من الميل عليهم وهم في الصلاة، فصلّى بأصحابه صلاة الخوف، ونزلت [] تحت شجرة وعلق بها سيفه ونام،
فقام غورث على رأسه والسيف في يده وقال: من يمنعك مني؟ فقال: اللَّه! ولم يعاقبه،
ولما حفر الخندق ضرب عدة ضربات وقال في كل ضربه: هذه الضربة يفتح اللَّه بها كذا، فما [سمى] شيئا إلا فتحه اللَّه على أمته.
وقال يوم الأحزاب عن المشركين: نغزوهم ولا يغزونا، فما غزوة بعدها،
ولما نزل على بني قريظة قذف اللَّه الرعب في قلوبهم حتى أخذهم،
وخرج سعد ابن معاذ يوم الأحزاب فقال: اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة،
فاستمسك حتى حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم وقد نزلوا على حكمه، فحكم بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم.
وتبين لثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد بما عندهم من العلم صدق الرسول فآمنوا به، وامتنع عمرو بن سعدي القرظي من الدخول مع بني قريظة في غدرهم وخرج عنهم، وقتل اللَّه أبا رافع بن أبي الحقيق بتحريضه على الرسول، وأخبر عبد اللَّه بن أنيس وقد بعثه لقتل سفيان بن نبيح وكان لا يعرفه بأنه إذا رآه فرق منه، فكان كذلك، وقتله اللَّه على يد ابن أنيس، وقد جمع لحرب الرسول.
وهبت ريح شديدة مرجعه من المريسيع، فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح، فكان ذلك زيد بن رفاعة بن التابوت،
وضلت ناقته فتكلم زيد بن اللصيت كلام منافق مع أصحابه، فجاء الوحي بكلامه إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه، وأخبر بمكان ناقته فأتوا بها من ذلك المكان.
وشجّ عبد اللَّه بن أنيس في قتله أسيد بن رزام، فنفث في شجته فلم تقح، وأمر في مسيره إلى الحديبيّة باصطناع الطعام، و [أوقدت][ (1) ] أكثر من خمسمائة نار، فخاف الصحابة أن يرى المشركون نيرانهم فقال: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيغيبكم عنهم، فكان كذلك ولم يروهم،
وأخبر بقدوم أهل اليمن فقدموا، وأخبر بأن اللَّه غفر للركب جميعا إلا رويكبا على جمل أحمر، فطلب فوجد ولم يؤمن وهلك، ولما نزل بخيبر شكى إليه الجهد، فدعا اللَّه أن يفتح عليهم أعظم حصن [و][ (1) ] أكثره طعاما وودكا ففتح اللَّه من الغد حصن الصعب بن معاذ أكبر حصون خيبر، وأكثرها طعاما وودكا منه.
وقال عن أبي اليسر: اللَّهمّ متعنا به، فعمّر عمرا طويلا،
ورمى حصن البزار [وقد][ (1) ] استعصى بكف من حصا فرجف الحصن بمن فيه ثم ساخ في الأرض، فأخذوا أهله أخذا، ولما نزل عيينة بن حصن بخيبر مددا ليهود صاح به وبقومه صائح فلحقوا بأهاليهم وتركوا يهود، ورأى عيينة مناما فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما رأى، وكان معه رجل بخيبر يقاتل قتالا شديدا وهو يخبر عنه أنه من أهل النار، فخرج ولم يصبر فقتل نفسه.
وغلّ بعض من شهد خيبر من الغنيمة شيئا فأخبره بما غلّ منها، وأهدت إليه يهودية شاة قد سمتها فأخبره عضو من أعضاء الشاة أنها مسمومة، وقتل رجل رجلا أسلم بحرمات فلم تقله الأرض لما دفن وأصبح على وجه الأرض، وقد صدقت رؤياه صلى الله عليه وسلم في دخوله المسجد الحرام فدخله عام القضية وعام الفتح وفي حجة الوداع، وقالت قريش لما قدم لعمرة القضاة: قد وهنتهم حمى شرب فأطلعه اللَّه على ذلك، فأمر أصحابه بالرمل في طوافهم ليظهر لقريش قوتهم.
وكان تعيينه في غزاة مؤتة زيد بن حارثة أميرا، فإن قتل فجعفر، فإن قتل
[ (1) ] زيادة للسياق.
فعبد اللَّه بن رواحة، إشارة إلى أنهم يقتلوا في غزاتهم، فلما قتلوا نعاهم في اليوم الّذي قتلوا فيه، وبينه وبينهم مسيرة ليالي وأيام.
ونحر عوف بن مالك الأشجعي جزورا لقوم في غزاة ذات السلاسل، وأخذ منها جزءا عن أجرته، فأنكر عليه سادات الصحابة أن أخذ على المعروف أجرا، فلما قدم كان الرسول أخبره خبر الجزور.
وبعث أبا عبيدة بن الجراح على سرية، فلما اشتد بهم الجوع قذف لهم البحر حوتا أكلوا منه حتى شبعوا وادخروا، ونعى النجاشيّ ملك الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، وأخبر بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك، وسأل اللَّه تعالى أن يعمي على قريش خبره حتى يبعثهم لما توجه لفتح مكة فلم يعلموا به حتى قدم بطن مر.
وأطلعه اللَّه على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بمسيره إليهم، وأطلعه على مقالة الأنصار يوم الفتح، وأخبر أن مكة لا تغزى بعد فتحه لها، فحق اللَّه ذلك، وأرى اللَّه عثمان بن طلحة صدق رسول اللَّه في أخذه مفتاح الكعبة منه ووضعه حيث يشاء، وأخبره اللَّه تعالى عقالات قريش عند أذان بلال، وعفا عن سهيل ابن عمرو مع سوء أثره يوم الحديبيّة، وأخبر بإسلام ابن الزبعري حيث نظر إليه مقبلا.
وألقى اللَّه محبته في قلب هند بنت عتبة بعد العداوة الشديدة، وأخبر أبا سفيان ابن حرب بما حدّث به نفسه في يوم الفتح من عوده إلى المحاربة، وبما قال لهند.
وأخبر بمجيء عكرمة بن أبي جهل مسلما قبل قدومه، وحقق اللَّه تعالى لصفوان ابن أمية صدق رسالة المصطفى، وأنجز له تعالى وعده بدخول الناس أفواجا في الدين بعد الفتح.
وصدق رسوله بأن العزّى لا تعبد بأرض العرب، وكفاه أمر الّذي أراد قتله بالقرب من أوطاس، وكفاه كيد شيبة في يوم حنين، وهداه بعد كفره إلى الإيمان وأخبر عيينة بن حصن بما قاله لأهل حصن الطائف، وسمع الناس تسبيح سارية كانت في مصلاه، وأجيبت دعوته في رجل بحصن الطائف، وهدي اللَّه ثقيفا وأتي
بهم إليه بدعائه.
وصدقت مقالته عن ذي الخويصرة وأصحابه بأنهم يمرقون من الدين فكانت منهم الخوارج، وظهر صدقه في إخباره عروة بن مسعود أن قومه يقتلونه، واستجيبت دعوته على حارثة بن عمرو، وأخبر عمار بن ياسر بما قاله المنافقون وهم سائرون إلى تبوك.
وصدق قوله لأبي ذر بأنه يموت وحده، وبخرص حديقة المرأة، وبأن ريحا ستهب، وصلّى بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة، وصدق قوله لخالد ابن الوليد عن أكيدر دومة بأن يجده يصيد البقر.
وأطعم بتبوك طائفة من سبع تمرات حتى أشبعهم غير مرة ولم تنقص، وأجيبت دعوته لذي البجاد أن يحرم اللَّه دمه على الكفار، وأخبر بقدوم وفد عبد القيس قبل مجيئهم، وصدق اللَّه لعدي بن حاتم ما أخبره به.
وصدق في إخباره بقدوم أهل اليمن، واستجيب دعاؤه في قدوم معاوية بن جيدة، وشهدت أساقفة نجران بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، واستمع من دعاه منهم إلى ما [دعا إليه][ (1) ] خوفا من الهلاك، وتيقن عبد اللَّه بن سلام صدق رسالته صلى الله عليه وسلم، وعرف الخبر من يهود صؤاب ما أجابه به وصدقه في نبوته.
وأقر عصابة من يهود بأنه أصاب في قوله، وعلم [يهوديان][ (1) ] بأنه صادق في نبوته، واعترف يهود بنبوته لما أتوه يسألونه عن حد الزاني، وشهد ابن صوريا على يهود بمعرفته، واعترفت اليهود بأن صفته عندهم في التوراة.
وأظهر اللَّه تعالى معجزته الباهرة لليهود لما دعاهم إلى تمني الموت، وأخبرهم لما دعاهم إلى ذلك أنهم لا يتمنونه أبدا فما أحد منهم تمناه، تحقيقا لصدق مقالته، واعترف قوم من اليهود بأن سورة يوسف موافقة لما في التوراة، وصدقته يهود في إخباره بأسماء النجوم التي رآها يوسف عليه السلام في منامه، وأهلك اللَّه تعالى
[ (1) ] زيادة للسياق.
رجلا خالف أمره.
وأهلك مشركا لما سأل عن كيفية اللَّه تعالى، وأهلك رجلا كذب على رسوله، وصدقت مقالته لرجل بما حدثته به نفسه وبما يؤول أمره إليه، وأخبر امرأة قد صامت بما كان منها في صومها، وأغنى اللَّه تعالى أبا سعيد الخدريّ ببركة دعائه في التعفف مقالة الرسول، وأخبر وابصة بما جاء يسأله عنه.
وأخبر رجلين أتياه ليسألاه بما يريدان أن يسألاه عنه، وأخبر رجالا من أهل الكتاب أتوه ليسألوه عن ذي القرنين بما أرادوا أن يسألوه عنه، كل ذلك قبل أن يسأل، وأخبر بما هو مدفون مع أبي رعان، وأخبر عن أمر السفينة، وأخبر بإسلام أبي الدرداء قبل أن يسلم.
وأخبر بحال الرجل الّذي نحر نفسه، وأشار إلى ما صار إليه أمر ماعز من الرجم، وأخبر رجلا عما قال في نفسه من الشعر، وأخبر أبا شهم بما كان منه، وأخبر عن شاة دعي لأكلها بأنها أخذت بغير إذن أهلها.
وأخبر عن سحابة أمطرت باليمن، وأخبر بوقعة ذي قار في يوم الوقعة، وأخبر بغدر الحطيم، وأخبر بالفتن التي وقعت بعد وفاته، وأخبر بأن اللَّه تعالى يتم أمره ويظهر دينه على الدين كله.
وأخبر بما فتح اللَّه من بعده لأمته من ممالك الأرض، وأخبر بأن القبط يكون، وأن ملك أمته يبلغ ما روى له فيها، فكان ذلك، وبلغ ملكهم لأول المشرق من بلاد السند والترك، إلى آخر بلاد العرب من سواحل البحر المحيط بالأندلس وبلاد البربر، ولم يتسعوا في الجنوب والشمال كل الاتساع كما أخبر سواء.
وأخبر بقيام الخلفاء من بعده، وأخبر بقيام ملوك بعد الخلفاء، وأخبر عن مدة الخلافة ثم يكون ملكا، وأخبر باختيار اللَّه خلافة أبي بكر، وأراه اللَّه في منامه مدة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأشار إلى الفتن الواقعة في زمن عثمان وعلي- رضي الله عنهما والاختلاف عليهما.
وأخبر عن جماعة من أصحابه أنهم شهداء، وأخبر عن ثابت بن قيس بأنه
شهيد، وأنذر بما كان من الردة بعده، وبسوء عاقبة الرجال، وأجيبت دعوته في مجيء ثمامة بن أثال، وأدركت لعنته الأربعة وأختهم، وأنذر بقتال أصحابه بعضهم بعضا.
وأخبر فاطمة الزهراء رضي الله عنها أنها أول أهل بيته لحوقا به، وأن اللَّه تعالى يبر قسم البراء بن مالك، وأن عمر بن الخطاب من المحدثين، وأن أول نسائه لحوقا به أطولهن يدا، وأخبر عن أويس بن القرني، وعن صلة بن أشيم، وأخبر على بن أبي طالب بولادة غلام له يسميه محمدا.
وأخبر أم ورقة بأنها تدرك الشهادة، وأنذر بالطاعون الّذي وقع بعده، وأنذر بفتنة تموج موج البحر، وأنذر عثمان بما أصابه من البلاء، وأنذر بأن أقواما يؤخرون الصلاة عن وقتها، وصدق اللَّه مقالته أن [أدخل][ (1) ] عقبة بن أبي معيط النار، وأنذر بما وقع من الفتن من بعده، وأن بعض نسائه تنبحها كلاب الحوأب، وأن الزبير بن العوام يقاتل على بن أبي طالب.
وأخبر زيد بن صوحان أنه يموت شهيدا، وأنذر بوقعة صفين، وأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وأنذر بالحكمين الذين حكما بين على ومعاوية، وأخبر عن الخوارج وقتال على لهم، وأخبر أن علي بن أبي طالب يقتل، وأنه يمحى اسمه، وأن الحسن بن علي سيد، وأن اللَّه يصلح به بين فئتين عظيمتين.
وأخبر بتملك معاوية بن أبي سفيان، وأن ميمونة تموت بغير مكة، وأن أم حرام بنت ملحان تركب البحر للغزاة في سبيل اللَّه، وأخبر أن رجلا يتكلم بعد موته، وأن نفرا من المسلمين يقتلون بعذراء من أرض الشام.
وأخبر عمرو بن الحمق بمن يقتله، وأخبر كيف يموت سمرة بن جندب، وأن عبد اللَّه بن سلام يموت على الإسلام ولا يستشهد، وأن رافع بن جريج يستشهد، وأن هلاك أمته على يد أغيلمة من قريش، وأن قيس بن خرشة لا يضره بشر، وأن الحسين بن علي رضي الله عنه يقتل، وأنذر بقتل أهل الحرة، وبتحريق
[ (1) ] زيادة للسياق.
الكعبة، وذهاب بصر عبد اللَّه بن سلام، وعمى زيد بن أرقم.
وأخبر بالكذابين من بعده، وربما يلقي عبد اللَّه بن الزبير وما يصيب الناس منه، وبخروج الحجاج بن يوسف- وهو المبيرة- وأن معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، وأن الشر يقع بعد الخير الّذي جاء به.
وأخبر بما يكون من أحداث يزيد بن معاوية، وبتملك بني أمية، وبسوء سيرة الوليد، وأشار إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، وأخبر بوهب بن منبه، وبغيلان القدري، ومحمد بن كعب القرظي، وبانخرام القرن الّذي كان هو فيه على رأس مائة سنة، وصدق اللَّه قوله في تعيين عمر إنسان وهلاك آخر.
وأخبر بتملك بني العباس على الناس وبما نزل بأهل بيته من البلاء، وبقيام اثنى عشر خليفة، وبظهور الجور والمنكرات، وأن قريشا يسلط عليهم من ينزع الملك منهم بذنوبهم.
وأخبر باتساع الدنيا على أمته، وتنافسهم فيها، وتقاتلهم عليها، وبوقوع ما بين أمته بينهم، وأن السيف إذا وقع فيهم لا يرتفع عنهم، وبظهور المعاون، وأخبر بمجيء قوم بأيديهم سياط يضربون بها الناس، وبنساء كاسيات عاريات، وأشار إلى أن بغداد تبني مدينة، وأخبر عن البصرة.
وأخبر بما يكون من الفجور وتناول الحرام، والتسرع إلى القتل، وعن قوم يؤمنون به ولم يروه، وأن أقصى أماني أمته من بعده أن تراه، وبتبليغ الصحابة ما سمعوا منه من يأتيهم بعده، وتفقههم في الدين، وأنذر بظهور الاختلاف في أمته، وأنها تتبع طرائق الأمم من قبلها، وأن العلم يذهب ويظهر الجهل، وأن أهل الزيغ يتبعون ما تشابه من القرآن وتظهر الروافض والقدرية، وأن يكذب عليه، وأن الناس يتغيرون بعد اتباع القرون، وأن طائفة من الأمة لا تزال متمسكة بالدين، وأن الأنصار يرون بعده أثره.
وأخبر بخروج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وأن أحجار الزيت بالمدينة تغرق من الدم، وأخبر بما يكون بعده من الخسف، وأن الأمر
يوسد إلى غير أهله، وأن الإسلام يعود غريبا كما بدأ، وأن التّرك تتغلب على أهل الإسلام.
فما أخبر بشيء من ذلك إلا وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وهذه أشياء لا تعرف البتة بشيء ووجوه تقدمة المعرفة، لا بنجوم، ولا بكيف، ولا بخط، ولا بزجر تم بحمد اللَّه تعالى وحسن توفيقه الجزء الرابع من إمتاع الأسماع للمقريزي
ويليه بمشيئة اللَّه الجزء الخامس وأوله:
[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على سبيل التفصيل]