الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام
فإنه أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، ويواصل الصيام، وقد أعطى اللَّه نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في قوم يعبدون الأوثان والأصنام من دون اللَّه، ولا كان في عصر الجاهلية، بل كان في بني إسرائيل أهل الكتاب، وبيت النبوة، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان في عصر الجاهلية، ما جاءهم قبله من نذير، يعبدون الأوثان والأصنام والطواغيت، فأوتي من بينهم الفهم والحكم صبيا بين حزب الشيطان وعبدة الأوثان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولا شهد معهم عيدا، ولم يسمع منه كذب قط، وكانوا يعدونه صدوقا أمينا حليما رءوفا، وكان يواصل الأسبوع صوما ويقول: إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني، وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، وقد أثنى اللَّه تعالى على يحيى فقال:
وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] ، والحصور الّذي لا يأتي النساء، وذلك أن يحيى كان نبيا ولم يكن مبعوثا إلى قومه، وكان منفردا [بمراعاة][ (2) ] ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان رسولا إلى كافة الناس ليقودهم [ويقربهم][ (3) ] إلى اللَّه تعالى، قولا وفعلا، [فأقام][ (4) ] اللَّه تعالى به الأحوال المختلفة، والمقامات الغالبة المتفاوتة في تصرفاته، ليقتدي الخلق كلهم بأفعاله وأوصافه.
فاقتدى به الصديقون في حالاتهم، والشهداء في مراتبهم، والصالحون في اختلاف أحوالهم، ليأخذ العالي والداني والمتوسط من أفعاله قسطا وحظا، إذ النكاح من أعظم حظوظ النفس وأبلغ الشهوات، فأمر به صلى الله عليه وسلم وحث عليه لما جبل اللَّه تعالى عليه النفوس البشرية من توقان النفس وهيج الشهوة المطبوع عليها النفس.
وأباح ذلك ليتحصّنوا به من السفاح، فشاركوه صلى الله عليه وسلم في ظاهره، وشملهم الاسم معه، وانفرد صلى الله عليه وسلم عن مساواته معهم،
فقال: تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم،
فإذا غلب عليه وعلى قلبه ما أفرده ألحق به من
قوله: وجعلت قرة عيني
[ (1) ] آل عمران: 39.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (4) ] هذه الكلمة غير واضحة في (خ) ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
في الصلاة،
[و][ (1) ]
تلطف صلى الله عليه وسلم في مرضاتهن فقال لعائشة: ائذني لي أتعبد في هذه الليلة،
فقالت: إني لأحب قربك، وهواك أحب إليّ.
فقام إلى مصلاه إلى الصباح راكعا وساجدا باكيا، وربما خرج إلى البقيع فتعبد فيه وزار أهله، وربما قام ليلة ثانية إلى الصباح يرددها، فكانت نسبته عن أحكام البشرية ودواعي النفس ممحوة عند انشقاق صدره، لما حشوه بالإيمان والحكمة الّذي وزن أمته فرجحهم، هذا مع ما أنزل اللَّه تعالى من السكينة عليه وعلى قلبه المقدس صلى الله عليه وسلم.
[ (1) ] زيادة للسياق.