الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في رعاية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة
اعلم أن في رعي البهائم العجم التي لا تعقل ولا تعرب عن نفسها، رياضة لحمل أعباء النبوة، فإن راعيها يسوسها ويحوطها من المتالف المخوفة، كالجوع والعطش والسباع، ويكف عادية قويها عن ضعيفها في منعها الرعي في مراتعها، وشرب الماء من مواردها، وإن القيام بذلك لسياسة يصعب معاناتها، ويشق على النفوس ملازمتها.
فإذا مرّن الإنسان عليها وتهذبت بها أخلاقه، وصارت سيرة العدل والإحسان ملكة له، تأهل لسياسة العقلاء من البشر بحسن التدبير لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم والأخذ بحجزاتهم عما يؤذيهم، والصبر على أذاهم، واحتمال الأفعال عنهم.
ولهذا- واللَّه أعلم- كانت الأنبياء صلوات اللَّه عليهم رعاة البهائم أولا، حكمة من اللَّه سبحانه لتتهذب أخلاقهم برعايتها، وتتهذب نفوسهم بسياستها، رياضة لقيامهم بأعباء النبوة، وصبرهم على ما يلقون فيها من مصاعب تكذيب المكذبين، ومشقات أذى المخالفين، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.
خرج البخاري من حديث عمرو بن يحيى عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟
قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة،
ترجم عليه باب رعي الغنم على قراريط [ (1) ] .
وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن
[ (1) ](إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 1/ 16.
وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن قال: افتخر أهل الإبل والشاء، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلي بأجياد [ (1) ] . ذكره في [تفسير] سورة طه [ (2) ] .
وخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق شعبة به مثله.
وخرج أبو نعيم من حديث زمعة بن صالح عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر ابن عبد اللَّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (3) ] .
ومن حديث موسى بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نجتني الكباث [ (4) ] فقال: عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه، فقلنا: وكنت ترعى الغنم؟ قال: نعم، وهل من نبي إلا وقد رعاها [ (5) ] .
قال ابن عبد البر: وهذا الحديث لا أعلمه يروى إلا من حديث أبي سلمة ابن عبد الرحمن، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة مرسلا، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبيه، وبعضهم يجعله عن جابر.
وخرج من حديث ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن قيس بن مخرمة عن الحسن
[ (1) ] في (خ) : «بجياد» وما أثبتناه من (طبقات ابن سعد) .
[ (2) ] هذا الحديث في (طبقات ابن سعد) : 1/ 126 ولفظه: كان بين أصحاب الغنم وأصحاب الإبل تنازع، فاستطال عليهم أصحاب الإبل، قال: فبلغنا- واللَّه أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
وذكر الحديث.
[ (3) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 175، حديث رقم (112) ، وأخرجه أيضا البخاري في (الصحيح) من طريق ابن عمرو بن يحيى بن سعيد، عن جده عن أبي هريرة، ومالك في (الموطأ) : 689، باب ما جاء في أمر الغنم، حديث رقم (1770)، وابن ماجة في (السنن) : 2/ 727، كتاب التجارات باب (5) الصناعات، حديث رقم (249) .
[ (4) ] الكباث: النضيج من ثمر الأراك.
[ (5) ](دلائل أبي نعيم) : 1/ 174- 175، حديث رقم (111) ، وقد أخرجه أيضا البخاري في (الصحيح)، ومسلم في (الصحيح) : 13/ 248- 249، كتاب الأشربة، باب (29) فضيلة ما اسود من الكباث، حديث رقم 163- (2050)، (طبقات ابن سعد) : 1/ 125- 126.
ابن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني اللَّه منها، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلها نرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة كما يسمر الفتيان [ (1) ] .
ومن حديث مسعر قال: حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبيه قال: مرّ بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن نجتني ثمر الأراك فقال: عليكم بما اسود منه، فإنّي كنت أجتنيه وأنا أرعى الغنم، قالوا: يا رسول اللَّه! أو كنت ترعاها؟ قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (2) ] .
وروى مرسلا.
[ (1) ] وهو حديث طويل سبق الإشارة إليه، وقد أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 186، حديث رقم (128)، قال في هامشه: أخرجه إسحاق بن راهويه في مسندة، وابن إسحاق، والبزار، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر، كلهم عن على بن أبي طالب، وقال ابن حجر: إسناده حسن، ورجاله ثقات.
[ (2) ] سبق توثيقه.