المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات - إمتاع الأسماع - جـ ٤

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌[تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم]

- ‌ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال:

- ‌فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته

- ‌وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة

- ‌وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب

- ‌وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة

- ‌وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها

- ‌وأما انفلاق البرمة عنه

- ‌وأما ولادته مختونا مسرورا

- ‌وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك

- ‌وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان

- ‌وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة

- ‌وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل

- ‌وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته

- ‌وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ]

- ‌وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب

- ‌وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته

- ‌وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته

- ‌فصل في رعاية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة

- ‌فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد

- ‌فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام

- ‌فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده

- ‌فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأمّا شبهة منكري التكليف

- ‌وأما شبهة البراهمة

- ‌وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه

- ‌وأما شبهة اليهود

- ‌وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة

- ‌وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌فأحدهما:

- ‌الحجة الثانية

- ‌الحجة الثالثة

- ‌الحجة الرابعة

- ‌الحجة الخامسة

- ‌الحجة السادسة

- ‌الحجة السابعة

- ‌الحجة الثامنة

- ‌الحجة التاسعة

- ‌الحجة العاشرة

- ‌وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل

- ‌وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام

- ‌فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] :

- ‌ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء

- ‌وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم

- ‌بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى

- ‌[المعجزة في رأي المتكلمين]

- ‌[الآية]

- ‌تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد

- ‌فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام]

- ‌وأما إبراهيم عليه السلام

- ‌وأما هود عليه السلام

- ‌وأما صالح عليه السلام

- ‌وأما إدريس عليه السلام

- ‌وأما يعقوب عليه السلام

- ‌وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل

- ‌وأما يوسف عليه السلام

- ‌وأما موسى عليه السلام

- ‌وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه

- ‌وأما هارون عليه السلام

- ‌وأما داود عليه السلام

- ‌وأما سليمان عليه السلام

- ‌وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام

- ‌وأما عيسى عليه السلام

- ‌أمّا القرآن الكريم

- ‌أمّا إعجاز القرآن الكريم

- ‌وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها

- ‌وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

- ‌وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم

- ‌[الناسخ والمنسوخ]

- ‌[القراءات التي يقرأ بها القرآن]

- ‌[التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء]

- ‌[التابعون بمكة المشرّفة من القراء]

- ‌[التابعون بالبصرة من القراء]

- ‌[التابعون بالشام من القراء]

- ‌[التابعون بالكوفة من القراء]

- ‌[القراءات المشهورة]

- ‌[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بمكة]

- ‌[آخر ما نزل بمكة]

- ‌[ترتيب نزول القرآن بالمدينة]

- ‌[تتمّة مفيدة]

- ‌[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له]

- ‌إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ

- ‌[الهجرة الأولى إلى الحبشة]

- ‌[إسلام أبي ذر]

- ‌[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌تنبيه مفيد

- ‌[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]

الفصل: ‌وأما جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

‌وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات

الأولى: عند ما أنزله اللَّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فكان يمليه في كتّابه فيكتبون في العظام وغيرها، حتى اجتمعت سور القرآن وآياته.

والجمع الثاني: في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، جمعه من العظام وغيرها في صحف،

قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي، عن ابن عبد خير، قال: قال علي رضي الله عنه يرحم اللَّه أبا بكر، هو أول من جمع من اللوحين.

حدثنا قبيصة، حدثنا ابن عيينة، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن صعصعة قال: أول من جمع من اللوحين وورّث الكلالة [ (1) ] أبو بكر رضي الله عنه.

والجمع الثالث: في خلافة عثمان رضي الله عنه، نسخ الصحف المذكورة وما أجمع عليه الصحابة في مصحف، وجعله خمس نسخ: أقر مصحفا بالمدينة، وبعث مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، ومصحفا إلى الشام، وحرّق ما عدا ذلك. فأجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن ما في مصحف عثمان رضي الله عنه هو كلام اللَّه الّذي نزل به جبريل عليه السلام من رب العالمين على محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصار كل ما يخالف المصحف العثماني لا يعتد به.

قال ابن عائذ في كتاب (المغازي) : حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد اللَّه بن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: لما أصيب المسلمون من المهاجرين

[ (1) ] الكلالة: الرجل لا والد له ولا ولد. وقيل: ما لم يكن من النسب لحما، وقيل: الورثة كلهم سوى الوالدين والأولاد، وقيل: من تكلل نسبه بنسبك كإبن العم وشبهه، وقيل: هي الإخوة لأمّ، وقيل:

هي من العصبة من ورث معه الإخوة للأمّ، وقيل: هم بنو العمّ الأباعد، وقال ابن عباس: هي اسم لما عدا الوالد.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: «من مات وليس له ولد ولا والد» ،

فجعله اسم الميّت، وهو صحيح أيضا، فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا، وقيل:

اسم لكل وارث. (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : 4/ 373- 374.

ص: 239

والأنصار باليمامة، وقتل عامة المسلمين وفقهاؤهم، فزع أبو بكر رضي الله عنه إلى القرآن فدعا به الناس، وخاف أن يهلك منه، وإنما هو في العسب والرقاع، وكان رجال قد قرءوه كله، منهم أبي بن كعب، وسالم مولى حذيفة، وكان أول من جمع القرآن في مصحف خلف [][ (1) ] حتى يكتبه أجمع في مصحف وأشفقوا منه أن يزاد فيه أو ينقص منه، فجمعوه على رجل أبي بكر رضي الله عنه وبأمره.

فلما أخرجوه للناس ولا يسمونه يومئذ المصحف، قال أبو بكر رضي الله عنه:

التمسوا له اسما، فقال بعضهم. إنجيلا، فكرهوا ذلك لما ذكر اللَّه تعالى في الإنجيل، وقال بعضهم: سموه سفرا، فقالوا: اسما يدعوه اليهود كتابهم الأسفار، فقال عتبة ابن مسعود- وهو أخو عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، وكان في مهاجرة الحبشة-: إني سمعت الحبشة يدعون المصحف، فرضوا به.

فكان أبو بكر رضي الله عنه أول من جمع القرآن في مصحف، وسماها المصاحف، وذكر هشام عن أبيه محمد بن السائب في كتاب. (الجامع لأنساب العرب) ومنه نقلت أن نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف بن قصي هو الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذا ذكر الزبير بن بكار في كتاب:(نسب قريش) فقال: حدثني أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب، قال نافع بن ظريب الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب، وهو نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف.

وخرج النّسائي والترمذي من حديث يحيى بن سعيد، قال في رواية النسائي:

حدثنا يزيد الفارسيّ قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان، وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عذي، وسهل ابن يوسف، حدثنا عوف بن أبي جميلة، حدثنا يزيد الفارسيّ، حدثنا ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي الله عنهما: ما حملكم أن عهدتم إلى الأنفال وهي من المثاني،

[ (1) ] ما بين الحاصرتين كلمة مطموسه في (خ) .

ص: 240

وإلى بَراءَةٌ [ (1) ] ، وهي من المئين [فقرنتم] بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (2) ] ، ووضعتموهما في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي الله عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وكانت بَراءَةٌ [ (3) ] من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (4) ]، فوضعتها في السبع الطّول. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسيّ [ (5) ] . وخرّجه الحاكم [ (6) ] وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وللحاكم من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا حول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن إذ قال: طوبى للشام، فقيل له: ولم؟ قال: إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم [ (7) ] . وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه نؤلّف القرآن وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (8) ] .

قال: هذا

[ (1) ] أول سورة التوبة.

[ (2) ] أول سورة الفاتحة.

[ (3) ] أول سورة التوبة.

[ (4) ] أول سورة الفاتحة.

[ (5) ] يزيد الفارسيّ من التابعين من أهل البصرة، (تحفة الأحوذي) : 8/ 379، حديث رقم (3282) .

[ (6) ](المستدرك) : 2/ 241، حديث رقم (2875/ 4) ، ص 260، حديث رقم (3272/ 389) .

وعن علي بن عبد اللَّه بن عباس قال: سمعت أبي يقول: سألت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: لم لم تكتب في بَراءَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟ قال: لأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان، وبَراءَةٌ نزلت بالسيف ليس فيها أمان (المرجع السابق) ، حديث رقم (3273/ 390) .

[ (7) ](المستدرك) : 2/ 249، حديث رقم (2900/ 29) .

[ (8) ](المستدرك) : 2/ 249، حديث رقم (2901/ 30) .

ص: 241

حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وخرجه الإمام أحمد بهذا السّند، ولفظه: بينما نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (1) ] .

الحديث.

قال الحاكم: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والجمع الثالث هو ترتيب السور، كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه [ (2) ] .

وقال الشعبي: أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من جمع المصحف، وقال مجالد الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال: أبو بكر أول من جمع المصحف،

وقال سفيان عن [من حدثه][ (3) ]، عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال: رحم اللَّه أبا بكر، أول من جمع المصحف. وفي رواية: أول من جمع من اللوحين.

وخرج الحاكم من حديث شريك، عن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة- والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب- فجلست قريبا من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة بَراءَةٌ [ (4) ]، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني. [قال وذكر][ (5) ] الحديث [ (6) ] .

وله من حديث إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن [ابن] عباس رضي الله عنه قال: أي القراءتين ترون كان آخر القراءة؟ قالوا: قراءة زيد، قال:

لا، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعرض القراءة كل سنة على جبريل عليه السلام،

[ (1) ](مسند أحمد) : 6/ 236، حديث رقم (21096) ، وحديث رقم (21097) ، كلاهما عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

[ (2) ](المستدرك) : 2/ 249، تعقيبا على الحديث رقم (2901/ 30) .

[ (3) ] زيادة ليستقيم السياق حيث لم أتبين اسم الراويّ.

[ (4) ] أول سورة التوبة.

[ (5) ] زيادة من (المستدرك) .

[ (6) ](المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2902/ 31) .

ص: 242

فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عرضتين، فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن [ (1) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وفائدة الحديث ذكر عبد اللَّه بن مسعود.

وله من حديث حجاج بن المنهال [ (2) ] قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: عرض القرآن على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه هي العرضة الآخرة [ (3) ] . قال: هذا حديث صحيح، على شرط البخاري بعضه، وبعضه على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد قال: حدثنا ابن شهاب عن عبيد ابن السبّاق، أن زيد بن ثابت قال، أرسل إليّ أبو بكر رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحّرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر، كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري لذلك، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر.

قال زيد: قال أبو بكر رضي الله عنه: إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتتبّع القرآن فأجمعه، فو اللَّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن! قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر [رضي الله عنهما][ (4) ] .

[ (1) ](المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2903/ 32) .

[ (2) ] في (خ) : «محتاج بن منهال» ، وما أثبتناه من (المستدرك) .

[ (3) ](المستدرك) : 2/ 250، حديث رقم (2904/ 33) .

[ (4) ] زيادة من رواية البخاري.

ص: 243

فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ][ (1) ] حتى خاتمة بَراءَةٌ [ (2) ] ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللَّه تعالى، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر [رضي الله عنه][ (1) ] . ذكره في كتاب فضائل القرآن، وترجم عليه جمع القرآن [ (3) ] ، وفي كتاب الأحكام [ (4) ] ، وفي كتاب التفسير [ (5) ] ، وخرجه الترمذي في التفسير [ (6) ] .

وللبخاريّ من حديث هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة [أم المؤمنين][ (7) ] رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت ويحك! وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: [لعلي][ (7) ] أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيّه قرأت، قيل: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (8) ] ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له الصحف وأملت عليه-

[ (1) ] زيادة من رواية البخاري.

[ (2) ] أول سورة التوبة.

[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 12- 13، حديث رقم (4986) .

[ (4) ](فتح الباري) : 13/ 227، باب (37) يستحبّ للكاتب أن يكون أمينا عاقلا، حديث رقم (7191) .

[ (5) ](فتح الباري) : 8/ 437، باب (20) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ من الرأفة، حديث رقم (4679) .

[ (6) ](تحفة الأحوذي) : 8/ 405، باب تفسير سورة التوبة، حديث رقم (3302)، وقال في آخره:

هذا حديث حسن صحيح.

[ (7) ] زيادة للسياق من البخاري.

[ (8) ] القمر: 46.

ص: 244

أي السور [ (1) ] .

وله من حديث شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول في بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، أنهن من العتاق [ (3) ] الأول، وهي من تلادي [ (4) ] . وذكره في تفسير سورة بني إسرائيل [ (2) ] ، ولم يذكر فيه طه والأنبياء [ (5) ] . وذكر في تفسير سورة الأنبياء من حديث غندر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه قال: بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي [ (6) ] .

وذكر في باب تأليف القرآن من حديث الوليد قال: حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، سمع البراء قال: تعلمت سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الْأَعْلَى] قبل أن يقدم النبي [ (7) ] .

وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: ولقد قرأت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (8) ] وفي رواية: واللَّه لقد قرأت من في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (9) ] وصح أنه جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعة.

[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 46- 47، كتاب فضائل القرآن، باب رقم (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4993) .

[ (2) ] سورة بني إسرائيل، وهي سورة الإسراء.

[ (3) ] العتاق: جمع عتيق، وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة.

[ (4) ] التلاد: قديم الملك، أي مما حفظ قديما، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص، وأخبار الأنبياء والأمم، مختصرا من (فتح الباري) .

[ (5) ](فتح الباري) : 8/ 495، كتاب التفسير، باب (17) سورة بني إسرائيل، حديث رقم (4708) .

[ (6) ](فتح الباري) : 8/ 556، كتاب التفسير، باب (21) سورة الأنبياء حديث رقم (4739) ، 9/ 47، كتاب فضائل القرآن، باب (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4994) . وتأليف القرآن:

أي جمع آيات السورة الواحدة، أو جمع السور مرتبة في المصحف.

[ (7) ](فتح الباري) : 9/ 47، كتاب فضائل القرآن، باب (6) تأليف القرآن، حديث رقم (4995) .

[ (8) ](المستدرك) : 2/ 247- 248، حديث رقم (2896/ 25) ، (2898/ 27) .

[ (9) ] المرجع السابق، حديث رقم (2897/ 26)، وفي (خ) :«لقد أخذت» ، وما أثبتناه من المرجع السابق.

ص: 245

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: [رحمة] اللَّه على أبي بكر، كان أول من جمع ما بين اللوحين. وحدثنا ابن مهدي عن سفيان به فذكره.

وللبخاريّ من حديث إبراهيم، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي الله عنه وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق- فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث ابن هشام، فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان رضي الله عنه للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق مصحفا مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق [ (1) ] .

قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال:

فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة [بن ثابت] [ (2) ] الأنصاري: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (3) ] ، فألحقناها في سورتها من المصحف [ (4) ] .

[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 13، كتاب فضائل القرآن، باب (3) جمع القرآن، حديث رقم (4987) .

[ (2) ] زيادة في النسب من المرجع السابق.

[ (3) ] الأحزاب: 23.

[ (4) ](فتح الباري) : 9/ 13، كتاب فضائل القرآن، باب (3) جمع القرآن، حديث رقم (4988) .

و (صحيح سنن الترمذي) : 3/ 260 أبواب تفسير القرآن، حديث رقم (2480- 3315) تفسير سورة التوبة.

ص: 246

وأخرجه الترمذي في التفسير بنحوه وقال: قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه [ (1) ]، فقال: التابوت، وقال زيد:

التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش، قال الزهري: فأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، أن عبد اللَّه بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف وقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل، واللَّه لقد أسلمت وإنه [ (2) ] لفي صلب رجل كافر، يريد زيد بن ثابت.

[ولذلك][ (3) ] قال عبد اللَّه بن مسعود: يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن اللَّه يقول: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [ (4) ] ، فالقوا [ (5) ] اللَّه بالمصاحف.

قال الزهريّ: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة [ابن][ (6) ] مسعود رجال من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث إبراهيم ابن سعد عن الزهري، لا نعرفه إلا من حديثه [ (7) ] .

وأخذ خالد بن عرفطة مصاحف ابن مسعود، فأغلى الزيت وطرحها فيه، وكان عثمان بن عفان قد [بعثه][ (8) ] إلى الكوفة، وكانت له صحبه، وقاتل مع معاوية، فلما كانت أيام المختار بن أبي عبيد، أخذه فأغلى له زيتا وطرحه فيه.

وقال البخاري في باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: وأخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد اللَّه بن الزبير، وعبد الرحمن بن

[ (1) ] التابوه: قراءة في التابوت.

[ (2) ] في (خ) : «وإني» والتصويب من (صحيح سنن الترمذي) .

[ (3) ] زيادة من المرجع السابق.

[ (4) ] آل عمران: 161.

[ (5) ] في (خ) : «فاتقوا» ، والتصويب من المرجع السابق.

[ (6) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.

[ (7) ](تحفة الأحوذي) : 8/ 409، حديث رقم (3303) .

[ (8) ] زيادة للسياق.

ص: 247

الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا. هكذا ذكره مختصرا [ (1) ] .

وذكر ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب، عن سالم وخارجة، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر، ثم كانت عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان رضي الله عنه فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردها إليه، فبعثت بها إليه فنسخها ثم ردّها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها.

وقيل: لما تولى مروان المدينة أرسل إلى حفصة في الصحف ليمزقها فمنعته، فلما ماتت [أعطاها][ (2) ] عبد اللَّه أخوها فمزقها.

وقال مسعد بن سعد: أدركت الناس وقت جمع عثمان المصحف، فما رأيت المهاجرين والأنصار اختلفوا في تصويبه.

وقد روى من طريق حسن الجعني، عن زائدة، عن حجاج، عن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل عثمان.

ومن طريق عفان قال: حدثنا محمد بن أبان، حدثنا علقمة عن سويد [ (3) ] بن علقمة قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: واللَّه لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل.

وفيه قصة.

[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 10، كتاب فضائل القرآن باب (2) نزل القرآن بلسان قريش والعرب، قُرْآناً عَرَبِيًّا- بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. حديث رقم (4984) .

[ (2) ] زيادة للسياق.

[ (3) ] السياق مضطرب في (خ) فيما بين «علقمة وسويد» .

ص: 248