الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما يوسف عليه السلام
فإنه فاق في الحسن على جميع الخلق، وقد بلغ نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك ما لا غاية فوقه، وذلك أن يوسف عليه السلام قد ثبت أنه أوتي شطر الحسن، فزعم زاعم أنه عليه السلام اختص بالشطر من الحسن، واشترك الناس جميعا في [الشطر] الآخر، وليس كذلك، بل إنما أوتي شطر الحسن الّذي أوتيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية، وهو عليه السلام بلغ شطر الغاية، بدليل ما خرجه الترمذي من طريق قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا حسن الوجه وحسن الصّوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا.
ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وصف بأنه كالشمس الطالعة، وكالقمر ليلة البدر، وأحسن من القمر، ووجهه كأن مذهبة يستنير كاستنارة القمر، وكان عرقه صلى الله عليه وسلم له رائحة كرائحة المسك الإذخر، وقد تقدم ذلك بطرقه.
وقد قاسي يوسف عليه السلام مرارة الغربة، وامتحن بمفارقة أبويه، والخروج عن وطنه، وكان الّذي قاسي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك أعظم، فإنه اغترب وفارق أهله وولده، وعشيرته وأحبته، كما هاجر من حرم اللَّه وأمنه، حيث مسقط رأسه مضطرا لا مختارا، فاستقبل البيت مستعبرا متلهفا حزينا، وقال: إني أعلم أنك أحب البلاد إلى اللَّه، ولولا أني أخرجت منك ما [خرجت][ (1) ] ، وخرج ليتأوّلها، فلما بلغ الجحفة أنزل اللَّه عليه: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [ (2) ] وأراه اللَّه تعالى رؤيا أزال بها الحزن عنه، كما أري يوسف عليه السلام رؤيا صدق تأويلها.
قال تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ [ (3) ] ، فدخل صلى الله عليه وسلم مكة آمنا، وصدق وعد اللَّه له، كما جاء تعالى بأبوي يوسف تأويلا لرؤياه من قبل.
وقد ابتلى يوسف عليه السلام بالسجن توقيا للمعصية، إذ قال: رب
[ (1) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.
[ (2) ] القصص: 85.
[ (3) ] الفتح: 27.
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ (1) ] ، وكذلك ابتلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالسجن في الشّعب وضيق عليه فيه أشد الضيق مدة ثلاث سنين، حتى صنع اللَّه بكيد أضعف خلقه وتسليطها على صحيفة مكر قريش التي عقدوها في قطيعته صلى الله عليه وسلم، فكان لنبينا من ذلك ما لم يكن ليوسف عليه السلام، لأن يوسف كانت محنته بالسجن من أجل أن امرأة العزيز دعته إلى نفسها فاستعصم، وكانت محنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالإلجاء إلى الشّعب قطيعة من ذوي رحمه، لأنه دعاهم إلى توحيد اللَّه تعالى، وترك عبادتهم الأصنام، وشتان بين هذين المقامين من البون.
وعلّم اللَّه يوسف من تأويل الأحاديث- يعني عبارة الرؤيا- ولم يقص تعالى عنه سوى تعبير ثلاث منامات، ونقل عن نبينا من ذلك شيء كثير جدا، مما رآه ومما عبّره لغيره فجاء كفلق الصبح.
ومكن تعالى ليوسف في الأرض- يعني أرض مصر خاصة- ونبينا مكّن اللَّه له ولأمته في الأرض كلها، وملك يوسف أهل مصر في زمن الغلاء، وقد ملك نبينا [صلى الله عليه وسلم] يوم الفتح جلة العرب وصناديد الحجاز وسمّاهم الطلقاء، فأحرز صلى الله عليه وسلم خصائص يوسف عليه السلام وزاد عليها، ولهذا ترقى عليه ليلة الإسراء ما شاء اللَّه.
[ (1) ] يوسف: 33.