الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العشاق يتولون الشَّيْطَان ويشركون بِهِ
الْعِشْق الَّذِي يُحِبهُ الشَّيْطَان فيهم من تولي الشَّيْطَان والإشراك بِهِ بِقدر ذَلِك لما فاتهم من إخلاص الْمحبَّة لله والإشراك بَينه وَبَين غَيره فِي الْمحبَّة حَتَّى يكون فِيهِ نصيب من اتِّخَاذ الأنداد وَحَتَّى يصيروا عبيدا لذَلِك المعشوق فيفنون فِيهِ ويصرحون بِأَنا عبيد لَهُ فيوجد فِي هَذَا الْحبّ والهوي واقتراف مَا يبغضه الله وَمَا حرمه من الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن يشركوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن يَقُولُوا على الله مَا لَا يعلمُونَ فيوجد فِيهِ من الشّرك الْأَكْبَر والأصغر وَمن قتل النُّفُوس بِغَيْر حق وَمن الزِّنَا وَمن الْكَذِب وَمن أكل المَال بِالْبَاطِلِ إِلَى غير ذَلِك مَا يَنْتَظِم هَذِه الْأَصْنَاف الَّتِي يكرمها الله تَعَالَى لِأَن أَصله أَن يكون حبه كحب الله وَهُوَ من ترك إخلاص الْمحبَّة وَمن الْإِشْرَاك بَينه وَبَين غَيره أَو من جعل الْمحبَّة لغير الله فَإِذا عمل مُوجب ذَلِك كَانَ ذَلِك هُوَ اتِّبَاع الْهَوِي بِغَيْر هدي من الله
وَفِي الْأَثر مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء إِلَه يعبد أعظم عِنْد الله من هوي مُتبع قَالَ تَعَالَى أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا
وَلِهَذَا لَا يَبْتَلِي بِهَذَا الْعِشْق أَلا من فِيهِ نوع شرك فِي الدَّين وَضعف إخلاص لله وَسبب هَذَا مَا ذكره بَعضهم فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ شَيْء من
المحبوبات يستوعب محبَّة الْقلب إِلَّا محبَّة الله أَو محبَّة بشر مثلك أما محبَّة الله فَهِيَ الَّتِي خلق لَهَا الْعباد وَهِي سعادتهم وَقد تكلمنا عَلَيْهَا فِي غير هَذَا الْموضع
وَأما الْبشر المتماثل من ذكر أَو أنثي فَإِن فِيهِ من المشاكلة والمناسبة مَا يُوجب أَن يكون لكل شَيْء من الْحبّ نصيب من المحبوب يستوعبه حبه وَلِهَذَا لَا يعرف لشَيْء من المحبوبات الَّتِي تحب لغير الله من الِاسْتِيعَاب مَا يعرف لذَلِك حَتَّى يزِيل الْعقل ويفقد الْإِدْرَاك وَيُوجب انْقِطَاع الْإِرَادَة لغير ذَلِك المحبوب وَيُوجب مرض الْمَوْت وَإِنَّمَا يعرض هَذَا كُله لضعف مَا فِي الْقلب من حب الله وإخلاص الدَّين لَهُ عبَادَة واستعانة فَيكون فِيهِ من الشّرك مَا يُسَلط الشَّيْطَان عَلَيْهِ حَتَّى يغويه هَذَا بِهَذَا الغي الَّذِي فِيهِ من تولي الشَّيْطَان والإشراك بِهِ مَا يتسلط بِهِ الشَّيْطَان
وَلِهَذَا قد يُطِيع هَذَا الْمُحب لغير الله محبوبه أَكثر مِمَّا يُطِيع الله حَتَّى يطْلب الْقَتْل فِي سَبيله كَمَا يخْتَار الْمُؤمن الْقَتْل فِي سَبِيل الله وَإِذا كَانَ محبوبه مطيعه من وَجه وعبدا لَهُ فَهُوَ أولي بِأَن يكون هُوَ مطيعه وعبدا لَهُ من وَجه آخر
وَإِذا كَانَ النَّبِي قَالَ شَارِب الْخمر كعابد وثن وَمر عَليّ
رَضِي الله عَنهُ بِقوم يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَقَالَ مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون وَأَظنهُ قلب الرقعة
وَذَلِكَ أَن الله جمع بَين الْخمر وَالْميسر وَبَين الأنصاب والأزلام فِي قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ
مَعَ أَن الْخمر إِذا سكر بهَا الشَّارِب كَانَ سكره يَوْمًا أَو قَرِيبا من يَوْم أَو بعض يَوْم وَأما سكر الشَّهْوَة والمحبة الْفَاسِدَة من الْعِشْق وَنَحْوه فسكره قوي دَائِم قَالَ تَعَالَى فِي قوم لوط لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون
فَكيف إِذا خرج عَن حد السكر إِلَى حد الْجُنُون بل كَانَ الْجُنُون المطبق لَا الْحمق كَمَا أنْشد مُحَمَّد بن جَعْفَر فِي كتاب اعتلال الْقُلُوب قَالَ أَنْشدني الصيدلاني
قَالَت جننت على رَأْسِي فَقلت لَهَا
…
الْعِشْق أعظم مِمَّا بالمجانين