الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا مَوضِع يَقع فِيهِ الْغَلَط فَإِن مَا أحبه الله وَرَسُوله علينا أَن نحب مَا أحبه الله وَرَسُوله وَمَا أبغضه الله وَرَسُوله فعلينا أَن نبغض مَا أبغضه الله وَرَسُوله وَأما مَا لَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله وَلَا يبغضه الله وَرَسُوله كالأفعال الَّتِي لَا تَكْلِيف فِيهَا مثل أَفعَال النَّائِم وَالْمَجْنُون فَهَذَا إِذا كَانَ الله لَا يُحِبهَا ويرضاها وَلَا يكرهها ويذمها فالمؤمن أَيْضا لَا يَنْبَغِي أَن يُحِبهَا ويرضاها وَلَا يكرهها.
الْمُؤمن وَالْقدر:
وَأما كَونهَا مقدورة ومخلوقة لله فَذَاك لَا يخْتَص بهَا بل هُوَ شَامِل لجَمِيع الْمَخْلُوقَات وَالله تَعَالَى خلق مَا خلقه لما شَاءَ من حكمته وَقد أحسن كل شَيْء خلقه.
وَالرِّضَا بِالْقضَاءِ " ثَلَاثَة أَقسَام ":
(أَحدهَا) : الرِّضَا بالطاعات؛ فَهَذَا طَاعَة مَأْمُور بهَا.
و (الثَّانِي) : الرِّضَا بالمصائب فَهَذَا مَأْمُور بهَا: إِمَّا مُسْتَحبّ وَإِمَّا وَاجِب.
و (الثَّالِث) : الْكفْر والفسوق والعصيان، فَهَذَا لَا يُؤمر بِالرِّضَا بِهِ، بل يُؤمر ببغضه وَسخطه، فَإِن الله لَا يُحِبهُ وَلَا يرضاه. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِذْ يبيتُونَ مَا لَا يرضى من القَوْل} ، وَقَالَ:{وَالله لَا يحب الْفساد} ، وَقَالَ:{وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} ، وَقَالَ:{فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين} ، وَقَالَ:{إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} ، وَقَالَ:{وَالله لَا يحب المفسدين} .
وَهُوَ وَإِن خلقه لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحِكْمَة فَلَا يمْتَنع أَن يخلق مَا لَا يُحِبهُ لإفضائه إِلَى الْحِكْمَة الَّتِي يُحِبهَا كَمَا خلق الشَّيَاطِين. فَنحْن راضون عَن الله فِي أَن يخلق مَا يَشَاء وَهُوَ مَحْمُود على ذَلِك.
وَأما نفس هَذَا الْفِعْل المذموم وفاعله فَلَا نرضى بِهِ وَلَا نحمده. وَفرق بَين مَا يحب لنَفسِهِ وَمَا يُرَاد لإفضائه إِلَى المحبوب مَعَ كَونه مبغضا من جِهَة أُخْرَى؛ فَإِن الْأَمر الْوَاحِد يُرَاد من وَجه وَيكرهُ من وَجه آخر. كَالْمَرِيضِ الَّذِي يتَنَاوَل الدَّوَاء الكريه؛ فَإِنَّهُ يبغض الدَّوَاء ويكرهه وَهُوَ مَعَ هَذَا يُرِيد اسْتِعْمَاله لإفضائه إِلَى المحبوب لَا لِأَنَّهُ فِي نَفسه مَحْبُوب.
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح: " يَقُول الله تَعَالَى: وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن قبض نفس عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ ". فَهُوَ سُبْحَانَهُ لما كره مساءة عَبده الْمُؤمن الَّذِي يكره الْمَوْت كَانَ هَذَا مقتضيا أَن يكره إماتته مَعَ أَنه يُرِيد إماتته؛ لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحِكْمَة سبحانه وتعالى.
فالأمور الَّتِي يبغضها الله تَعَالَى وَينْهى عَنْهَا لَا تحب وَلَا ترْضى؛ لَكِن
نرضى بِمَا يرضى الله بِهِ حَيْثُ خلقهَا لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحِكْمَة فَكَذَلِك الْأَفْعَال الَّتِي لَا يُحِبهَا وَلَا يبغضها لَا يَنْبَغِي أَن تحب وَلَا ترْضى كَمَا لَا يَنْبَغِي أَن تبغض.
وَالرِّضَا الثَّابِت بِالنَّصِّ هُوَ أَن يرضى بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا. وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " {من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا كَانَ حَقًا على الله أَن يرضيه} ".
وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقدر فيرضى عَن الله إِذْ لَهُ الْحَمد على كل حَال ويرضى بِمَا يرضاه من الْحِكْمَة الَّتِي خلق لأَجلهَا مَا خلق وَإِن كُنَّا نبغض مَا يبغضه من الْمَخْلُوقَات فَحَيْثُ انْتَفَى الْأَمر الشَّرْعِيّ أَو خَفِي الْأَمر الشَّرْعِيّ لَا يكون الِامْتِثَال وَالرِّضَا والمحبة كَمَا يكون فِي الْأَمر الشَّرْعِيّ وَإِن كَانَ ذَلِك مَقْدُورًا.
وَهَذَا مَوضِع يغلط فِيهِ كثير من خَاصَّة " السالكين " وشيوخهم فضلا عَن عامتهم ويتفاوتون فِي ذَلِك بِحَسب معرفتهم بِالْأَمر الشَّرْعِيّ وطاعتهم لَهُ،