الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة وَمَا يذكرُونَهُ من الْقوي الَّتِي فِي الْأَجْسَام الَّتِي هِيَ تكون بهَا الْحَرَكَة وَمَا يذكرُونَهُ من كل شَيْء
وَمن ذَلِك ذكرهم الطبيعة الَّتِي فِي الْإِنْسَان وَالْقُوَّة الجاذبة والهاضمة الغاذية والدافعة والمولدة وَغير ذَلِك وَأَن الرئة تروح على الْقلب لفرط حرارته وَأَن الدِّمَاغ أبرد من الْقلب إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْبَاب وَالْحكم الَّتِي فِيهَا من شُهُود مَا فِي مخلوقات الله من الْأَسْبَاب وَالْحكم مَا هُوَ عِبْرَة لأولي الْأَبْصَار
لَكِن يَقع الْغَلَط من إِضَافَة هَذِه الْآثَار الْعَظِيمَة إِلَى مُجَرّد قُوَّة فِي جسم وَلَا يشْهدُونَ الْحِكْمَة الغائية من هَذِه الْمَخْلُوقَات وَأَن ذَلِك هُوَ عبَادَة رَبهَا سبحانه وتعالى
أهل الْكَلَام يُنكرُونَ طبائع الموجودات وَمَا فِيهَا من الْقوي والأسباب
وَقد يعارضهم كلهم طوائف من أهل الْكَلَام فينكرون طبائع الموجودات وَمَا فِيهَا من الْقوي والأسباب ويدفعون مَا أرى الله عباده من آيَاته فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم مِمَّا شهد بِهِ فِي كِتَابه من أَنه خلق هَذَا بِهَذَا كَقَوْلِه فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات وَقَوله فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا
وكلا الطَّائِفَتَيْنِ قد لَا يعلمُونَ مَا فِيهَا من الْحِكْمَة الَّتِي هِيَ عبَادَة رَبهَا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُود الَّذِي بعث الله بِهِ الرُّسُل وَانْزِلْ بِهِ الْكتب بل إِنَّمَا يتنازعون فِي
فَاعل هَذِه الْأُمُور وَمَا يتَعَلَّق بتوحيد الربوبية كَمَا قدمْنَاهُ وَأما شَهَادَة غَايَة هَذِه الْأُمُور وَمَا يتَعَلَّق بتوحيد الإلهية فقد لَا يَهْتَدُونَ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ فِي طرقهم من الضلالات والجهالات مَا هُوَ مُخَالف لصحيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول
لَكِن أهل الْعلم فِي إِضَافَة جَمِيع الْحَوَادِث إِلَى خلق الله ومشيئته وربوبيته أصح عقلا ودينا وَمن أَدخل فِي ذَلِك كل شَيْء حَتَّى أَفعَال الْحَيَوَان فَهُوَ الْمُصِيب الْمُوَافق للسّنة وَالْعقل وهم متكلمة أهل الْإِثْبَات الَّذين يقررون أَن الله خَالق كل شَيْء وربه ومليكه
بِخِلَاف الْقَدَرِيَّة الَّذين أخرجُوا عَن ذَلِك أَفعَال الْحَيَوَان وَبِخِلَاف أهل الطَّبْع والفلسفة الَّذين يخرجُون عَن ذَلِك عَامَّة الكائنات من الْعِلَل المولدات وَكِلَاهُمَا بَاطِل كَمَا بَين فِي غير هَذَا الْموضع
وَلِهَذَا تَجِد هَؤُلَاءِ إِذا تكلمُوا فِي الحركات الَّتِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مثل حَرَكَة الرِّيَاح والسحاب والمطر وحدوث الْمَطَر من الْهَوَاء الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض تَارَة وَمن البخار المتصاعد من الأَرْض تَارَة كَمَا ذكر ذَلِك أَيْضا غير وَاحِد من السّلف وَهُوَ حق مشهود بالأبصار كَمَا يخلق الْوَلَد فِي بطن أمه من الْمَنِيّ وكما يخلق الشّجر من الْحبّ والنوى فَشَهِدُوا بعض الْأَسْبَاب المرئية وجهلوا أَكثر الْأَسْبَاب وأعرضوا عَن الْخَالِق الْمُسَبّب لذَلِك كُله وَعَما جَاءَ فِي ذَلِك من عِبَادَته وتسبيحه وَالسُّجُود لَهُ الَّذِي هُوَ غَايَة حكمته
فَإِن خلق الله سُبْحَانَهُ للسحاب بِمَا فِيهِ من الْمَطَر من هَذَا الْبَحْر وبخار الأَرْض كخلقه للحيوان والنبات والمعدن من هَذِه الْأُمُور
وَمَعْلُوم أَن الْمَنِيّ جسم صَغِير مشابه لهَذَا الَّذِي فِي الْحَيَوَان من الْأَعْضَاء المكسوة والمتنوعة فِي أقدارها وصفاتها وَحكمهَا وغاياتها هَل يَقُول عَاقل إِن هَذَا مُضَاف إِلَى عرض وَصفَة حَال فِي جسم صَغِير أَو يُضَاف هَذَا إِلَى ذَلِك الْجِسْم الصَّغِير هَذَا من أفسد الْأُمُور فِي بديهة الْعقل
وَمَعْلُوم أَنه لَا نِسْبَة إِلَى خلق هَذَا من هَذَا وَإِلَى مَا يصنعه بَنو آدم من الصُّور الَّتِي يصنعونها من المداد مثل الْكِتَابَة بالمداد ونسيج الثِّيَاب من الْغَزل وصنعة الْأَطْعِمَة والبنيان من موادها وهم مَعَ ذَلِك لم يخلقوا الْموَاد وَلَا يفنونها وَإِنَّمَا غايتهم حَرَكَة خَاصَّة تعين على تِلْكَ الصُّورَة ثمَّ لَو أضَاف مضيف هَذِه الْكِتَابَة إِلَى المداد لَكَانَ النَّاس جَمِيعًا يستجهلونه ويستحمقونه فَالَّذِي يضيف خلق الْحَيَوَان والنبات إِلَى مادتها أَو مَا فِي مادتها من الطَّبْع أَلَيْسَ هُوَ أَحمَق وأجهل وأظلم وأكفر
وَكَذَلِكَ خلق السَّحَاب والمطر من الْهَوَاء والبخار هُوَ كَذَلِك إِضَافَة الزلزلة إِلَى احتقان البخار وَإِضَافَة حَرَكَة الرَّعْد إِلَى مُجَرّد اصطكاك أجرام السَّحَاب إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي ضلوا فِيهَا ضلالا مُبينًا حَيْثُ جعلوها هِيَ الْعلَّة التَّامَّة فَاعِلا وَلم يعرفوا الْغَايَة فجهلوا الوضعين ونازعهم طوائف من النَّاس فِيمَا يُوجد من الْأَسْبَاب وَالْقَوِي الَّتِي فِي الطباع وَذَلِكَ أَيْضا جهل
وَإِذا كَانَت الْمحبَّة والإرادة أصل كل عمل وحركة وَأَعْظَمهَا فِي الْحق محبَّة الله وإرادته بِعِبَادَتِهِ وَحده لَا شريك لَهُ وَأَعْظَمهَا فِي الْبَاطِل أَن يتَّخذ النَّاس من