الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِنْسَان وَهَذَا الْمَعْنى مُمْتَنع فِي حق الله من الْجِهَتَيْنِ فَإِن الله لَا يحب محبَّة زِيَادَة على الْعدْل ومحبة عبَادَة الْمُؤمنِينَ لَهُ لَيْسَ لَهَا حد تَنْتَهِي إِلَيْهِ حَتَّى تكون الزِّيَادَة إفراطا وإسرافا ومجاوزة للقصد بل الْوَاجِب أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا
كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي أَنه قَالَ ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يجب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقِي فِي النَّار وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح لَا يجد عبد حلاوة الْإِيمَان حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا إِلَى آخِره وَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ
وَفِي الصَّحِيح أَن عمر قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله وَالله لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا من نَفسِي فَقَالَ لَا يَا عمر حَتَّى أكون أحب إِلَيْك من نَفسك قَالَ فلأنت أحب إِلَيّ من نَفسِي قَالَ الْآن يَا عمر
وَقد تقدم دلَالَة الْقُرْآن على هَذَا الأَصْل بقوله تَعَالَى قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره
وَقيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْإِدْرَاك والتخيل والمعرفة
وَقيل أَن الْعِشْق هُوَ فَسَاد فِي الْإِدْرَاك والتخيل والمعرفة فَإِن العاشق يخيل
لَهُ المعشوق على خلاف مَا هُوَ بِهِ حَتَّى يُصِيبهُ مَا يُصِيبهُ من دَاء الْعِشْق وَلَو أدْركهُ على الْوَجْه الصَّحِيح لم يبلغ إِلَى حد الْعِشْق وَإِن حصل لَهُ محبَّة وعلاقة
وَلِهَذَا يَقُول الْأَطِبَّاء الْعِشْق مرض وسواسي شَبيه بالمالنخوليا فيجعلونه من الْأَمْرَاض الدماغية الَّتِي تفْسد التخيل كَمَا يُفْسِدهُ المالنخوليا
وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك امْتنع فِي حق الله من الْجَانِبَيْنِ فَإِن الله بِكُل شَيْء عليم وَهُوَ سميع بَصِير مقدس منزه عَن نقص أَو خلل فِي سَمعه وبصره وَعلمه والمحبون لَهُ عباده الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِهِ وعرفوه بِمَا تعرف بِهِ إِلَيْهِم من أَسْمَائِهِ وآياته وَمَا قذفه فِي قُلُوبهم من أنوار مَعْرفَته فَلَيْسَتْ محبتهم إِيَّاه عَن اعْتِقَاد فَاسد
لَكِن قد يُقَال إِن كثيرا مِمَّن يكون فِيهِ نوع محبَّة الله قد يكون مَعهَا اعْتِقَاد فَاسد إِذْ الْحبّ يستتبع الشُّعُور لَا يسْتَلْزم صَرِيح الْمعرفَة لَا سِيمَا من كَانَ من عقلاء المجانين الَّذين عِنْدهم محبَّة لله وتأله وَفِيهِمْ فَسَاد عقل فَهَؤُلَاءِ قد يُصِيب أحدهم مَا يُصِيب العشاق فِي حق الله وَمَعَهُمْ حب شَدِيد وَنَوع من الِاعْتِقَاد الْفَاسِد
وَكَثِيرًا مَا يعتري أهل الْمحبَّة من السكر والفناء أعظم مَا يُصِيب السَّكْرَان بِالْخمرِ والسكران بالصور كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قوم لوط إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون فالحب لَهُ سكر أعظم من سكر الشَّرَاب كَمَا قيل
سَكرَان سكر هوى وسكر مدامة
…
وَمَتى إفاقة من بِهِ سَكرَان
وَمَعْلُوم أَنه فِي حَال السكر والفناء تنقص الْمعرفَة وَالتَّمَيُّز ويضطرب الْعقل وَالْعلم فَيحصل فِي ضمن ذَلِك من الاعتقادات والتخيلات الْفَاسِدَة مَا هُوَ من جنس الْعِشْق الَّذِي فِيهِ فَسَاد الِاعْتِقَاد
وَهَؤُلَاء محمودون على مَا مَعَهم من محبَّة الله والأعمال الصَّالِحَة وَالْإِيمَان بِهِ وَأما مَا مَعَهم من اعْتِقَاد فَاسد وَعمل فَاسد لم يشرعه الله وَرَسُوله فَلَا يحْمَدُونَ على ذَلِك لَكِن إِن كَانُوا مغلوبين على ذَلِك بِغَيْر تَفْرِيط مِنْهُم وَلَا عدوان كَانُوا معذورين وَإِن كَانَ ذَلِك لتفريطهم فِيمَا أمروا بِهِ وتعديهم حُدُود الله فهم مذنبون فِي ذَلِك مثل مَا يُصِيب كثيرا مِمَّن يهيج حبه عِنْد سَماع المكاء والتصدية والأشعار الغزلية فتتولد لَهُم أَنْوَاع من الاعتقادات والإرادات الَّتِي فِيهَا الْحق وَالْبَاطِل وَقد يغلب هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة
فباب محبَّة الله ضل فِيهِ فريقان من النَّاس فريق من أهل النّظر وَالْكَلَام والمنتسبين إِلَى الْعلم جحدوها وكذبوا بحقيقتها
وفريق من أهل التَّعَبُّد والتصوف والزهد أدخلُوا فِيهَا من الاعتقادات والإرادات الْفَاسِدَة مَا ضاهوا بهَا الْمُشْركين
فالأولون يشبهون المستكبرين وَهَؤُلَاء يشبهون الْمُشْركين
وَلِهَذَا يكون الأول فِي أشباه الْيَهُود وَيكون الثَّانِي فِي أشباه النَّصَارَى
وَقد أمرنَا الله تَعَالَى أَن نقُول اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين