الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْه قَوْله: " {ذروني مَا تركْتُم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِكَثْرَة سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ. فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ. وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم} "
فصل
تَابع كَلَام الجيلاني:
قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر: " وَإِن كنت فِي حَالَة الْحَقِيقَة وَهِي حَالَة الْولَايَة: فَخَالف هَوَاك، وَاتبع الْأَمر فِي الْجُمْلَة وَاتِّبَاع الْأَمر على " قسمَيْنِ ": (أَحدهمَا) : أَن تَأْخُذ من الدُّنْيَا الْقُوت الَّذِي هُوَ حق النَّفس وتترك الْحَظ، وَتُؤَدِّي الْفَرْض وتشتغل بترك الذُّنُوب مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن.
و (الْقسم الثَّانِي) : مَا كَانَ بِأَمْر بَاطِن وَهُوَ أَمر الْحق تبارك وتعالى يَأْمر عَبده وينهاه وَإِنَّمَا يتَحَقَّق هَذَا الْأَمر فِي الْمُبَاح الَّذِي لَيْسَ حكما فِي الشَّرْع على معنى أَنه لَيْسَ من قبيل النَّهْي وَلَا من قبيل الْأَمر الْوَاجِب بل هُوَ مهمل ترك العَبْد يتَصَرَّف فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ فَسُمي مُبَاحا فَلَا يحدث العَبْد فِيهِ شَيْئا من عِنْده بل ينْتَظر الْأَمر فِيهِ فَإِذا أَمر امتثل فَتَصِير جَمِيع حركاته
وسكناته بِاللَّه تَعَالَى مَا فِي الشَّرْع حكمه فبالشرع وَمَا لَيْسَ لَهُ حكم فِي الشَّرْع فبالأمر الْبَاطِن فَحِينَئِذٍ يصير محقًّا من أهل الْحَقِيقَة وَمَا لَيْسَ فِيهِ أَمر بَاطِن فَهُوَ مُجَرّد الْفِعْل حَالَة التَّسْلِيم. وَإِن كنت فِي حَالَة حق الْحق وَهِي حَالَة المحو والفناء وَهِي حَالَة الأبدال المنكسري الْقُلُوب لأجل الْحق، الْمُوَحِّدين العارفين أَرْبَاب الْعُلُوم وَالْفِعْل، السَّادة الْأُمَرَاء الشِّحْن الخفراء لِلْخلقِ، خلفاء الرَّحْمَن وأخلائه وأعيانه وأحبابه عليهم السلام، فاتباع الْأَمر فِيهَا بمخالفتك إياك، بالتبري من الْحول وَالْقُوَّة، وَأَن لَا يكون لَك إِرَادَة وهمة فِي شَيْء أَلْبَتَّة، دنيا وَأُخْرَى، عبد الملِك
لَا عبد المُلك، وَعبد الْأَمر لَا عبد الْهوى، كالطفل مَعَ الظِّئْر، وَالْمَيِّت الغسيل مَعَ الْغَاسِل، وَالْمَرِيض المغلوب على جنبه مَعَ الطَّبِيب فِيمَا سوى الْأَمر وَالنَّهْي ".
وَقَالَ أَيْضا: " اتبع الشَّرْع فِي جَمِيع مَا ينزل بك إِن كنت فِي حَالَة التَّقْوَى، الَّتِي هِيَ الْقدَم الأولى، وَاتبع الْأَمر فِي حَالَة الْولَايَة وخمود وجود الْهوى وَلَا تتجاوزه، وَهِي الْقدَم الثَّانِيَة، وَارْضَ بِالْفِعْلِ، وَوَافَقَ، وافن فِي حَالَة الْبَدَلِيَّة والغوثية والقطبية والصديقية، وَهِي الْمُنْتَهى.
تَنَح عَن الطَّرِيق الْقدر خل عَن سَبيله رد نَفسك وهواك كف لسَانك عَن الشكوى فَإِذا فعلت ذَلِك إِن كَانَ خيرا زادك الْمولى طيبَة وَلَذَّة وسرورا، وَإِن كَانَ شرا حفظك فِي طَاعَته فِيهِ وأزال عَنْك الْمَلَامَة وأفقدك فِيهِ حَتَّى يتَجَاوَز ويرحل عِنْد انْقِضَاء أَجله كَمَا يَنْقَضِي اللَّيْل فيسفر عَن النَّهَار، وَالْبرد فِي الشتَاء فيسفر عَن الصَّيف.
ذَلِك أنموذج عنْدك فَاعْتبر بِهِ. ثمَّ ذنُوب وآثام وإجرام وتلويث بأنواع الْمعاصِي والخطيّات وَلَا يصلح لمجالسة الْكَرِيم إِلَّا طَاهِر عَن أنجاس الذُّنُوب والزلات، وَلَا يقبل على سدته إِلَّا طيب من دون الدَّعْوَى والهواشات كَمَا لَا يصلح لمجالسة الْمُلُوك إِلَّا الطَّاهِر من الأنجاس وأنواع النتن والأوساخ فالبلايا مكفرات مطهرات. قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم " {حمى يَوْم كَفَّارَة سنة} ".