الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظَّالِمين وليمحص الله الَّذين آمنُوا ويمحق الْكَافرين
وَأَيْضًا فقد قصّ سُبْحَانَهُ فى كِتَابه نَصره لرسله ولعباده الْمُؤمنِينَ على الْكفَّار فى قصَّة نوح وَهود وَصَالح وَشُعَيْب وَلُوط وَفرْعَوْن وَغير ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى لقد كَانَ فى قصصهم عِبْرَة لأولى الْأَلْبَاب وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات مبينات ومثلا من الَّذين خلوا من قبلكُمْ
مَا سبق يتَبَيَّن بأصلين:
الأَصْل الأول: حُصُول النَّصْر وَغَيره من أنوع النَّعيم لَا يُنَافِي وُقُوع الْقَتْل أَو الْأَذَى
وَهَذَا يتَبَيَّن بأصلين أَحدهمَا أَن حُصُول النَّصْر وَغَيره من أَنْوَاع النَّعيم لطائفة أَو شخص لَا يُنَافِي مَا يَقع فِي خلال ذَلِك من قتل بَعضهم وجرحه وَمن أَنْوَاع الْأَذَى وَذَلِكَ أَن الْخلق كلهم يموتون فَلَيْسَ فِي قتل الشُّهَدَاء مُصِيبَة زَائِدَة على مَا هُوَ مُعْتَاد لبنى آدم فَمن عد الْقَتْل فِي سَبِيل الله مُصِيبَة مُخْتَصَّة بِالْجِهَادِ كَانَ من أَجْهَل النَّاس بل الْفِتَن الَّتِي تكون بَين الْكفَّار وَتَكون بَين الْمُخْتَلِفين من أهل القبله لَيْسَ مِمَّا يخْتَص بِالْقِتَالِ فَإِن الْمَوْت يعرض لبني آدم بِأَسْبَاب عَامَّة وَهِي المصائب الَّتِي تعرض لبني آدم من مرض بطاعون وَغَيره وَمن جوع وَغَيره وبأسباب خَاصَّة فَالَّذِينَ يعتادون الْقِتَال لَا يصيبهم أَكثر مِمَّا يُصِيب من لَا يُقَاتل بل الْأَمر بِالْعَكْسِ كَمَا قد جربه النَّاس
ثمَّ موت الشَّهِيد من أيسر الميتات وَلِهَذَا قَالَ سبحانه وتعالى قل لن ينفعكم الْفِرَار إِن فررتم من الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإِذا لَا تمتعون إِلَّا قَلِيلا قل من ذَا الَّذِي يعصمكم من الله إِن أَرَادَ بكم سوءا أَو أَرَادَ بكم رَحْمَة وَلَا يَجدونَ لَهُم من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا
فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن الْفِرَار من الْقَتْل أَو الْمَوْت لَا ينفع فَلَا فَائِدَة فِيهِ وَأَنه لَو نفع لم ينفع إِلَّا قَلِيلا إِذْ لَا بُد من الْمَوْت
وَأخْبر أَن العَبْد لَا يعصمه من الله أحد إِن أَرَادَ بِهِ سوءا أَو أَرَادَ بِهِ رَحْمَة وَلَيْسَ لَهُ من دون الله ولي وَلَا نصير فَأَيْنَ نفر من أمره وَحكمه وَلَا ملْجأ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى فَفرُّوا إِلَى الله إِنِّي لكم مِنْهُ نَذِير مُبين وَهَذَا أَمر يعرفهُ النَّاس من أهل طَاعَة الله وَأهل مَعْصِيَته كَمَا قَالَ أَبُو حَازِم الْحَكِيم لما يلقِي الَّذِي لَا يَتَّقِي الله من معالجه الْخلق أعظم مِمَّا يلقاه الَّذِي يَتَّقِي الله من معالجة التَّقْوَى
وَالله تَعَالَى قد جعل أكمل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أعظمهم بلَاء كَمَا قيل للنَّبِي أَي النَّاس أَشد بلَاء قَالَ الْأَنْبِيَاء ثمَّ الصالحون ثمَّ الأمثل فالأمثل يَبْتَلِي الرجل على حسب دينه فَإِن كَانَ فِي دينه صلابة زيد فِي بلائه وَإِن كَانَ فِي دينه رقة خفف عَنهُ وَلَا يزَال الْبلَاء بِالْمُؤمنِ حَتَّى يمشي على الأَرْض وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَة
وَمن هَذَا أَن الله شرع من عَذَاب الْكفَّار بعد نزُول التَّوْرَاة بأيدي الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد مَا لم يكن قبل ذَلِك حَتَّى إِنَّه قيل لم ينزل بعد التَّوْرَاة عَذَاب عَام من السَّمَاء للأمم كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب من بعد مَا أهلكنا
الْقُرُون الأولى بصائر للنَّاس وَهدى وَرَحْمَة لَعَلَّهُم يتذكرون
فَإِنَّهُ قبل ذَلِك قد أهلك قوم فِرْعَوْن وَشُعَيْب لوط وَعَاد وَثَمُود وَغَيرهم وَلم يهْلك الْكفَّار بجهاد الْمُؤمنِينَ وَلما كَانَ مُوسَى أفضل من هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ مُحَمَّد وهما الرسولان المبعوثان بالكتابين العظيمين كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّا أرسلنَا إِلَيْكُم رَسُولا شَاهدا عَلَيْكُم كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا وَقَالَ تَعَالَى قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى أولم يكفروا بِمَا أُوتى مُوسَى من قبل إِلَى قَوْله قل فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا اتبعهُ
وَأمر الله هذَيْن الرسولين بِالْجِهَادِ على الدَّين وَشَرِيعَة مُحَمَّد أكمل فَلهَذَا كَانَ الْجِهَاد فِي أمته أعظم مِنْهُ فِي غَيرهم
قَالَ تَعَالَى كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كره لكم وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ
وَقَالَ تَعَالَى وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم وَلَكِن ليبلوا بَعْضكُم بِبَعْض
وَقَالَ تَعَالَى لِلْمُنَافِقين وَنحن نتربص بكم أَن يُصِيبكُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بِأَيْدِينَا
فالجهاد للْكفَّار أصلح من هلاكهم بِعَذَاب سَمَاء من وُجُوه أَحدهَا أَن ذَلِك أعظم فِي ثَوَاب الْمُؤمنِينَ وأجرهم وعلو درجاتهم لما يَفْعَلُونَهُ من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا وَيكون الدَّين كُله لله
الثَّانِي أَن ذَلِك أَنْفَع للْكفَّار أَيْضا فَإِنَّهُم قد يُؤمنُونَ من الْخَوْف وَمن أسر مِنْهُم وسيم من الصغار يسلم أَيْضا وَهَذَا من معنى قَوْله تَعَالَى كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وكنتم خير النَّاس للنَّاس تأتون بهم فِي الأقياد والسلاسل حَتَّى تدخلوهم الْجنَّة فَصَارَت الْأمة بذلك خير أمة أخرجت للنَّاس وأفلح بذلك الْمُقَاتِلُونَ وَهَذَا هُوَ مَقْصُود الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر وَهَذَا من معنى كَون مُحَمَّد مَا أرسل إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين فَهُوَ رَحْمَة فِي حق كل أحد بِحَسبِهِ حَتَّى المكذبين لَهُ هُوَ فِي حَقهم رَحْمَة أعظم مِمَّا كَانَ غَيره
وَلِهَذَا لما أرسل الله إِلَيْهِ ملك الْجبَال وَعرض عَلَيْهِ أَن يقلب عَلَيْهِم الأخشبين قَالَ لَا استأني بهم لَعَلَّ الله أَن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وَحده لَا شريك لَهُ