الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- من قدرته وإرادته للحق قَاصِرَة وَفِيه إِرَادَة للباطل
وَالْقسم الرَّابِع من قدرته قَاصِرَة وإرادته للحق قَاصِرَة وَفِيه من إِرَادَة الْبَاطِل مَا الله بِهِ عليم فَهَؤُلَاءِ ضعفاء الْمُجْرمين وَلَكِن قد يكون لَهُم من التَّأْثِير بقلوبهم نصيب وحظ مَعَ أهل باطلهم كَمَا يُوجد فِي الْعلمَاء والعباد والزاهدين من الْمُشْركين وَأهل الْكتاب ومنافقي هَذِه الْأمة مَا فِيهِ مضاهاة لعلماء الْمُؤمنِينَ وعبادهم وَذَلِكَ أَن الشَّيْطَان جعل لكل شَيْء من الْخلق نظيرا فِي الْبَاطِل فَإِن أصل الشَّرّ هُوَ الْإِشْرَاك بِاللَّه كَمَا أَن أصل الْخَيْر هُوَ الْإِخْلَاص لله
فَإِن الله سُبْحَانَهُ خلق الْخلق ليعبدوه وَحده لَا يشركوا بِهِ شَيْئا وَبِذَلِك أرسل الرُّسُل وَبِه أنزل الْكتب كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن أعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت
الْعِبَادَة تجمع كَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الذل
وَالْعِبَادَة تجمع كَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الذل فالعابد محب خاضع بِخِلَاف من يحب من لَا يخضع لَهُ بل يُحِبهُ ليتوسل بِهِ إِلَى مَحْبُوب آخر وَبِخِلَاف من يخضع لمن لَا يُحِبهُ كَمَا يخضع للظالم فَإِن كلا من هذَيْن لَيْسَ عبَادَة مَحْضَة وَإِن كل
مَحْبُوب لغير الله ومعظم لغير الله فَفِيهِ شوب من الْعِبَادَة كَمَا قَالَ النَّبِي فِي الحَدِيث الصَّحِيح
تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد الدِّينَار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش
وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث إِن الشّرك فِي هَذِه الْأمة أُخْفِي من دَبِيب النَّمْل مَعَ أَنه لَيْسَ فِي الْأُمَم أعظم تَحْقِيقا للتوحيد من هَذِه الْأمة وَلِهَذَا كَانَ شَدَّاد بن أَوْس يَقُول يَا نعايا الْعَرَب يَا نعايا الْعَرَب إِن أخوف مَا أخوف عَلَيْكُم الرِّيَاء والشهوة الْخفية قَالَ أَبُو دَاوُد الشَّهْوَة الْخفية حب الرياسة
وَفِي حَدِيث الترمذى عَن كَعْب بن مَالك أَن النَّبِي قَالَ مَا ذئبان جائعان أرسلا فِي غنم بأفسد لَهَا من حرص الْمَرْء على المَال والشرف لدينِهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح والحرص يكون على قدر قُوَّة الْحبّ والبغض
وَقد قَالَ الله تَعَالَى وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون وَرُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ للنَّبِي إِذا كَانَ
الشّرك أُخْفِي من دَبِيب النَّمْل فَكيف نتجنبه فَقَالَ النَّبِي أَلا أعلمك كلمة إِذا قلتهَا نجوت من قَلِيله وَكَثِيره قل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم وأستغفرك لما لَا أعلم فَأمره مَعَ الِاسْتِعَاذَة من الشّرك الْمَعْلُوم بالاستغفار فَإِن الاسْتِغْفَار والتوحيد بهما يكمل الدَّين
كَمَا قَالَ تَعَالَى فَاعْلَم انه لاإله إِلَّا الله واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَقَالَ تَعَالَى كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير أَلا تعبدوا إِلَّا الله إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
وَفِي الحَدِيث
إِن الشَّيْطَان قَالَ أهلكت بني آدم بِالذنُوبِ وأهلكوني بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَالِاسْتِغْفَار فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك بثثت فيهم الْأَهْوَاء فهم يذنبون وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ لأَنهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا وَهَذَا كَذَلِك فَإِن من اتخذ إلهه هَوَاهُ صَار يعبد من يهواه وَقد زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا
قَالَ تَعَالَى أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا
وَقَالَ تَعَالَى وَكَذَلِكَ زين لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل وَمَا كيد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تباب
وَقَالَ تَعَالَى وَإِذا زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرِي مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب إِذْ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض غر هَؤُلَاءِ دينهم وَمن يتوكل على الله فَإِن الله عَزِيز حَكِيم
وَقَالَ تَعَالَى وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عَلَيْهِم دينهم
وَكَمَال الدَّين هُوَ أَدَاء الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات وَالْفِعْل وَالتّرْك أَصلهمَا الْحبّ والبغض فَإِذا ترك مَأْمُورا أَو فعل مَحْظُورًا فَإِنَّمَا هُوَ لنَقص الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق وَحب مَا يُحِبهُ الله وبغض مَا يبغضه الله
والمحبوبات على قسمَيْنِ قسم يحب لنَفسِهِ وَقسم يحب لغيره إِذْ لَا بُد من مَحْبُوب يحب لنَفسِهِ وَلَيْسَ شَيْء شرع أَن يحب لذاته إِلَّا الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ التَّعْظِيم لذاته تَارَة يعظم الشَّيْء لنَفسِهِ وَتارَة يعظم لغيره وَلَيْسَ شَيْء يسْتَحق التَّعْظِيم لذاته إِلَّا الله تَعَالَى
وكل مَا أَمر الله أَن يحب ويعظم فَإِنَّمَا محبته لله وتعظيمه عبَادَة لله فَالله هُوَ المحبوب الْمُعظم فِي الْمحبَّة والتعظيم الْمَقْصُود المستقر الَّذِي إِلَيْهِ المنتهي وَأما مَا سوي ذَلِك فيحب لأجل الله أَي لأجل محبَّة العَبْد لله يحب مَا أحبه الله