الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنَازع النَّاس فِيمَا ينَال الْكَافِر فِي الدُّنْيَا من التنعم هَل هُوَ نعْمَة فِي حَقه أم لَا
؟
وَقد تنَازع النَّاس فِيمَا ينَال الْكَافِر فِي الدُّنْيَا من التنعم هَل هُوَ نعْمَة فِي حَقه أم لَا على قَوْلَيْنِ وَكَانَ أصل النزاع بَينهم هُوَ النزاع فِي الْقُدْرَة
والقدرية الَّذين يَقُولُونَ لم يرد الله لكل أحد إِلَّا خيرا لَهُ بخلقه وَأمره وَإِنَّمَا العَبْد هُوَ الَّذِي أَرَادَ لنَفسِهِ الشَّرّ بمعصيته وبترك طَاعَته الَّتِي يستعملها بِدُونِ مَشِيئَة الله وَقدرته أَرَادَ لنَفسِهِ الشَّرّ
وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ مَا نعم بِهِ الْكَافِر فَهُوَ نعْمَة تَامَّة كَمَا نعم بِهِ الْمُؤمن سَوَاء إِذْ عِنْدهم لَيْسَ لله نعْمَة خص بهَا الْمُؤمن دون الْكَافِر أصلا بل هما فِي النعم الدينيه سَوَاء وَهُوَ مَا بَينه من أَدِلَّة الشَّرْع وَالْعقل وَمَا خلقه من الْقُدْرَة والألطاف وَلَكِن أَحدهمَا اهتدي بِنَفسِهِ بِغَيْر نعْمَة أخري خَاصَّة من الله وَالْآخر ضل بِنَفسِهِ من غير خذلان يَخُصُّهُ من الله وَكَذَلِكَ النعم الدُّنْيَوِيَّة هِيَ فِي حَقّهمَا على السوَاء
وَالَّذين ناظروا هَؤُلَاءِ من أهل الْإِثْبَات رُبمَا زادوا فِي المناظرة نوعا من الْبَاطِل وَإِن كَانُوا فِي الْأَكْثَر على الْحق فكثيرا مَا يرد مناظر المبتدع بَاطِلا عَظِيما بباطل دونه
وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّة السّنة ينهون عَن ذَلِك ويأمرون بالاقتصاد وَلُزُوم السّنة الْمَحْضَة وَأَن لَا يرد بَاطِل بباطل
فَقَالَ كثير من هَؤُلَاءِ لَيْسَ لله على الْكَافِر نعْمَة دنيوية كَمَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ نعْمَة دينية تخصه إِذْ اللَّذَّة المستعقبة ألما أعظم مِنْهَا لَيست بِنِعْمَة كالطعام المسموم وَكَمن أعطي غَيره أَمْوَالًا لِيَطمَئِن ثمَّ يقْتله أَو يعذبه
قَالُوا وَالْكَافِر كَانَت هَذِه النعم سَببا فِي عَذَابه وعقابه كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا نملى لَهُم ليزدادوا إِثْمًا
وَقَالَ تَعَالَى أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ
وَقَالَ تَعَالَى فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون
وَقَالَ تَعَالَى فذرني وَمن يكذب بِهَذَا الحَدِيث سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ وأملى لَهُم إِن كيدي متين
وَخَالفهُم آخَرُونَ من أهل الْإِثْبَات للقدر أَيْضا فَقَالُوا بل لله على الْكَافِر نعم دنيوية
وَالْقَوْلَان فِي عَامَّة أهل الْإِثْبَات من أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد وَغَيرهم
قَالَ هَؤُلَاءِ وَالْقُرْآن قد دلّ على امتنانه على الْكفَّار بنعمه ومطالبته إيَّاهُم بشكرها فَكيف يُقَال لَيست نعما قَالَ تَعَالَى ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا
نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها إِلَى قَوْله الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الْفلك لتجرى فِي الْبَحْر بأَمْره وسخر لكم الْأَنْهَار إِلَى قَوْله وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها إِن الْإِنْسَان لظلوم كفار وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا وَكَيف يكون كفورا من لم ينعم عَلَيْهِ بنعمه
فَالْمُرَاد لَازم قَول هَؤُلَاءِ أَن الْكفَّار لم يحب عَلَيْهِم شكر الله إِذْ لم يكن قد أنعم عَلَيْهِم عِنْدهم وَهَذَا القَوْل يعلم فَسَاده بالاضطرار من دين الْإِسْلَام فَإِن الله ذمّ الْإِنْسَان بِكَوْنِهِ كفورا غير شكور إِذْ يَقُول إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود وَقَالَ تَعَالَى وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منا رَحْمَة ثمَّ نزعناها مِنْهُ إِنَّه ليؤوس كفور وَلَئِن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليَقُولن ذهب السَّيِّئَات عَنى إِنَّه لفرح فخور
وَقد قَالَ صَالح عليه السلام لِقَوْمِهِ واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد عَاد وبوأكم فِي الأَرْض تَتَّخِذُونَ من سهولها قصورا وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا فاذكروا آلَاء الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين
وَقَالَ تَعَالَى ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا
وَقَالَ تَعَالَى وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنة يَأْتِيهَا رزقها رغدا من كل مَكَان فكفرت بأنعم الله
وَقَالَ الْأَولونَ قد قَالَ تَعَالَى صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم
وَالْكفَّار لم يدخلُوا فِي هَذَا الْعُمُوم فَعلم أَنهم خارجون عَن النِّعْمَة وَقَالَ تَعَالَى فِي خطابه للْمُؤْمِنين كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَقَالَ تَعَالَى واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ وَقَالَ تَعَالَى كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم واشكروا لله
وَأما الْكفَّار فَخُوطِبُوا بهَا من جِهَة مَا هِيَ تنعم وَلَذَّة وسرور وَلم تسم فِي حَقهم نعْمَة على الْخُصُوص وَإِنَّمَا تسمي نعْمَة بِاعْتِبَار أَنَّهَا نعْمَة فِي حق عُمُوم بني آدم لِأَن الْمُؤمن سعد بهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْكَافِر ينعم بهَا فِي الدُّنْيَا
وَذَلِكَ أَن كفر الْكَافِر نعْمَة فِي حق الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ لَوْلَا وجود الْكفْر والفسوق والعصيان لم يحصل جِهَاد الْمُؤمنِينَ للْكفَّار وَأمرهمْ الْفُسَّاق والعصاة بِالْمَعْرُوفِ ونهيهم إيَّاهُم عَن الْمُنكر وَلَوْلَا وجود شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ لم يحصل للْمُؤْمِنين من بعض هَذِه الْأُمُور ومعاداتها ومجاهداتها وَمُخَالفَة الْهوى فِيهَا مَا ينالون بِهِ أَعلَى الدَّرَجَات وَأعظم الثَّوَاب
والأنسان فِيهِ قُوَّة الْحبّ والبغض وسعادته فِي أَن يحب مَا يُحِبهُ الله وَيبغض مَا يبغضه الله فَإِن لم يكن فِي الْعَالم مَا يبغضه ويجاهد أَصْحَابه لم يتم إيمَانه وجهاده وَقد قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون