الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَفعَال الرب الاختيارية:
وَكَذَلِكَ كَونه " خَالِقًا " و " رازقا " و " محسنا " و " عادلا " فَإِن هَذِه أَفعَال فعلهَا بمشيئته وَقدرته إِذْ كَانَ يخلق بمشيئته ويرزق بمشيئته. ويعدل بمشيئته وَيحسن بمشيئته. وَالَّذِي عَلَيْهِ " جَمَاهِير الْمُسلمين " من السّلف. وَالْخلف أَن الْخلق غير الْمَخْلُوق؛ فالخلق فعل الْخَالِق والمخلوق مَفْعُوله.
وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بِأَفْعَال الرب وَصِفَاته كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " {أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عُقُوبَتك وَبِك مِنْك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك.} " فاستعاذ بمعافاته كَمَا استعاذ بِرِضَاهُ.
وَقد اسْتدلَّ " أَئِمَّة السّنة " كأحمد وَغَيره على أَن " كَلَام الله غير مَخْلُوق " بِأَنَّهُ استعاذ بِهِ فَقَالَ: " {من نزل منزلا فَقَالَ: أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من شَرّ مَا خلق لم يضرّهُ شَيْء حَتَّى يرتحل مِنْهُ} . " فَكَذَلِك معافاته وَرضَاهُ غير مَخْلُوق لِأَنَّهُ استعاذ بِهِ والعافية الْقَائِمَة ببدن العَبْد مخلوقة فَإِنَّهَا نتيجة معافاته.
وَإِذا كَانَ " الْخلق فعله " والمخلوق مَفْعُوله " وَقد خلق الْخلق بمشيئته دلّ على أَن الْخلق فعل يحصل بمشيئته وَيمْتَنع قِيَامه بِغَيْرِهِ فَدلَّ على أَن أَفعاله قَائِمَة بِذَاتِهِ مَعَ كَونهَا حَاصِلَة بمشيئته وَقدرته.
وَقد حكى البُخَارِيّ إِجْمَاع الْعلمَاء على الْفرق بَين الْخلق والمخلوق وعَلى هَذَا يدل " صَرِيح الْمَعْقُول ". فَإِنَّهُ قد ثَبت بالأدلة " الْعَقْلِيَّة والسمعية " أَن كل مَا سوى الله تَعَالَى مَخْلُوق مُحدث كَائِن بعد أَن لم يكن وَأَن الله انْفَرد بالقدم والأزلية.
وَقد قَالَ تَعَالَى: {الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام} فَهُوَ حِين خلق السَّمَوَات ابْتِدَاء؛ إِمَّا أَن يحصل مِنْهُ فعل يكون هُوَ خلقا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَإِمَّا أَن لَا يحصل مِنْهُ فعل؛ بل وجدت الْمَخْلُوقَات بِلَا فعل وَمَعْلُوم أَنه إِذا كَانَ الْخَالِق قبل خلقهَا وَمَعَ خلقهَا وَبعده سَوَاء لم يجز تَخْصِيص خلقهَا بِوَقْت دون وَقت بِلَا سَبَب يُوجب التَّخْصِيص.
و" أَيْضا " فحدوث الْمَخْلُوق بِلَا سَبَب حَادث مُمْتَنع فِي بدايه الْعقل وَإِذا قيل: الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة الْقَدِيمَة خصصت. قيل: نِسْبَة الْإِرَادَة الْقَدِيمَة إِلَى جَمِيع الْأَوْقَات سَوَاء.
وَأَيْضًا فَلَا تعقل إِرَادَة تخصص أحد المتماثلين إِلَّا بِسَبَب يُوجب التَّخْصِيص.
" وَأَيْضًا " فَلَا بُد عِنْد وجود المُرَاد من سَبَب يَقْتَضِي حُدُوثه وَإِلَّا فَلَو كَانَ مُجَرّد مَا تقدم من الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة كَافِيا؛ للَزِمَ وجوده قبل ذَلِك لِأَنَّهُ مَعَ الْإِرَادَة التَّامَّة وَالْقُدْرَة التَّامَّة يجب وجود الْمَقْدُور.
وَقد احْتج من قَالَ: " الْخلق " هُوَ الْمَخْلُوق - كَأبي الْحسن وَمن اتبعهُ مثل ابْن عقيل - بِأَن قَالُوا: لَو كَانَ غَيره لَكَانَ إِمَّا قَدِيما وَإِمَّا حَادِثا فَإِن كَانَ قَدِيما لزم قدم الْمَخْلُوق لِأَنَّهُمَا متضايفان؛ وَإِن كَانَ حَادِثا لزم أَن تقوم بِهِ الْحَوَادِث ثمَّ ذَلِك الْمَخْلُوق يفْتَقر إِلَى خلق آخر وَيلْزم التسلسل.
فأجابهم " الْجُمْهُور " - كل طَائِفَة على أَصْلهَا - فطائفة قَالَت: الْخلق قديم وَإِن كَانَ الْمَخْلُوق حَادِثا كَمَا يَقُول ذَلِك كثير من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَعَلِيهِ أَكثر الْحَنَفِيَّة؛ قَالَ هَؤُلَاءِ: أَنْتُم تسلمون لنا أَن الْإِرَادَة قديمَة أزلية؛ وَالْمرَاد مُحدث فَنحْن نقُول فِي الْخلق مَا قُلْتُمْ فِي الْإِرَادَة.
وَقَالَت " طَائِفَة ": بل الْخلق حَادث فِي ذَاته وَلَا يفْتَقر إِلَى خلق آخر؛ بل يحدث بقدرته. وَأَنْتُم تَقولُونَ: إِن الْمَخْلُوق يحصل بقدرته بعد أَن لم يكن فَإِن كَانَ الْمُنْفَصِل يحصل بِمُجَرَّد الْقُدْرَة فالمتصل بِهِ أولى وَهَذَا جَوَاب كثير من الكرامية والهشامية وَغَيرهم.