المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التحالف يكون وفقا الشريعة منزلة أو شريعة غير منزلة أو سياسة - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الْمَجْمُوعَة الثَّانِيَة

- ‌الرسَالَة الأولىرِسَالَة فِي الصِّفَات الاختيارية

- ‌فصل

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية:

- ‌مقَالَة السّلف وَأهل السّنة:

- ‌صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة فِي صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية فِيهَا:

- ‌مقَالَة الرَّازِيّ:

- ‌مقَالَة الْآمِدِيّ:

- ‌مقَالَة الْجُوَيْنِيّ:

- ‌الْآيَات الدَّالَّة على صفة الْكَلَام:

- ‌فَصِل

- ‌صفة الْإِرَادَة:

- ‌صفتا الْمحبَّة وَالرِّضَا:

- ‌فصل

- ‌صفتا السّمع وَالْبَصَر:

- ‌أَفعَال الرب الاختيارية:

- ‌فصل

- ‌الْأَدِلَّة على هَذَا الأَصْل من السّنة:

- ‌فصل

- ‌مَوَاقِف النفاة من مَسْأَلَة الصِّفَات وَالرَّدّ عَلَيْهِم:

- ‌الرَّد على حجَّة للنفاة من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الْخَامِس:

- ‌السَّادِس:

- ‌فصل

- ‌فَسَاد حجج النفاة لحلول الْحَوَادِث:

- ‌الْحجَّة الأولى:

- ‌فَسَاد هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْحجَّة الثَّانِيَة:

- ‌بطلَان هَذِه الْحجَّة من وُجُوه:

- ‌الْوَجْه الأول:

- ‌الْوَجْه الثَّانِي:

- ‌الْوَجْه الثَّالِث:

- ‌الْوَجْه الرَّابِع:

- ‌الْحجَّة الثَّالِثَة:

- ‌إِثْبَات بطلَان هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح للتغير:

- ‌الْحجَّة الرَّابِعَة:

- ‌الرَّد عَلَيْهَا:

- ‌الرسَالَة الثَّانِيَةشرح كَلِمَات من "فتوح الْغَيْب

- ‌قَالَ الجيلاني: لابد لكل مُؤمن من أَمر يمتثله وَنهي يجتنبه وَقدر يرضى بِهِ:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌الثَّلَاثَة ترجع إِلَى امْتِثَال الْأَمر:

- ‌حكم الْمُبَاحَات وأنواعها:

- ‌سلوك الْأَبْرَار وسلوك المقربين:

- ‌النَّاس فِي الْمُبَاحَات على ثَلَاثَة أَقسَام:

- ‌حكم الإلهام فِي الشَّرِيعَة:

- ‌الْمُؤمن وَالْقدر:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أَمر الجيلاني بالفناء عَن الْخلق والهوى والإرادة:

- ‌‌‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام الجيلاني عَن عَلَامَات الفناء:

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام آخر للجيلاني عَن عَلامَة فنَاء إِرَادَة العَبْد:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌الفلاسفة ضالون كافرون من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الرسَالَة الثَّالِثَةقَاعِدَة فِي الْمحبَّة

- ‌الْحبّ والإرادة أصل كل فعل وحركة فِي الْعَالم والبغض وَالْكَرَاهَة أصل كل ترك فِيهِ

- ‌الْمحبَّة الَّتِي أَمر الله بهَا هِيَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ

- ‌أهل الطَّبْع المتفلسفة لَا يشْهدُونَ الْحِكْمَة الغائية من الْمَخْلُوقَات

- ‌أهل الْكَلَام يُنكرُونَ طبائع الموجودات وَمَا فِيهَا من الْقوي والأسباب

- ‌الْمحبَّة والإرادة أصل كل دين

- ‌مَعَاني كلمة الدَّين

- ‌لَا بُد لكل طَائِفَة من بني آدم من دين يجمعهُمْ

- ‌الدَّين هُوَ التعاهد والتعاقد

- ‌الدَّين الْحق هُوَ طَاعَة الله وعبادته

- ‌كل دين سوي الْإِسْلَام بَاطِل

- ‌لَا بُد فِي كل دين من شَيْئَيْنِ العقيدة والشريعة أَو المعبود وَالْعِبَادَة

- ‌تنوع النَّاس فِي المعبود وَفِي الْعِبَادَة

- ‌ذمّ الله التَّفَرُّق وَالِاخْتِلَاف فِي الْكتاب وَالسّنة

- ‌يَقُول بعض المتفلسفة إِن الْمَقْصُود بِالدّينِ مُجَرّد الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة

- ‌فصل

- ‌الْحبّ أصل كل عمل والتصديق بالمحبة هُوَ أصل الْإِيمَان

- ‌تَأْوِيل طوائف من الْمُسلمين للمحبة تأويلات خاطئة

- ‌تنَازع النَّاس فِي لفظ الْعِشْق

- ‌منكرو لفظ الْعِشْق لَهُم من جِهَة اللَّفْظ مأخذان وَمن جِهَة الْمَعْنى مأخذان

- ‌المأخذ الأول من جِهَة اللَّفْظ

- ‌المأخذ الثَّانِي

- ‌المأخذ الْمَعْنَوِيّ قيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْحبّ والإرادة

- ‌وَقيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْإِدْرَاك والتخيل والمعرفة

- ‌فصل

- ‌كل محبَّة وبغضة يتبعهَا لَذَّة وألم

- ‌اللَّذَّات ثَلَاثَة أَجنَاس:

- ‌الأول: اللَّذَّة الحسية

- ‌الثَّانِي: اللَّذَّة الوهمية

- ‌الثَّالِث: اللَّذَّة الْعَقْلِيَّة

- ‌شرع الله من اللَّذَّات مَا فِيهِ صَلَاح حَال الْإِنْسَان وَجعل اللَّذَّة التَّامَّة فِي الْآخِرَة

- ‌غلط المتفلسفة وَمن اتبعهم فِي أَمر هَذِه اللَّذَّات

- ‌ضل النَّصَارَى كَذَلِك فِي أَمر اللَّذَّات

- ‌الْيَهُود أعلم لكِنهمْ غواة قساة

- ‌تَفْصِيل مقَالَة الفلاسفة فِي اللَّذَّة

- ‌فصل

- ‌حب الله أصل التَّوْحِيد العملي

- ‌أصل الْإِشْرَاك العملي بِاللَّه الْإِشْرَاك فِي الْمحبَّة

- ‌الْمُؤْمِنُونَ يحبونَ لله ويبغضون لله

- ‌محبَّة الله مستلزمة لمحبة مَا يُحِبهُ من الْوَاجِبَات

- ‌الذُّنُوب تنقص من محبَّة الله

- ‌مَرَاتِب الْعِشْق

- ‌ذكر الله الْعِشْق فِي الْقُرْآن عَن الْمُشْركين

- ‌المتولون للشَّيْطَان هم الَّذين يحبونَ مَا يُحِبهُ

- ‌عباد الله المخلصون لَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهِم سُلْطَان

- ‌العشاق يتولون الشَّيْطَان ويشركون بِهِ

- ‌يُوقع الشَّيْطَان الْعَدَاوَة والبغضاء بَين الْمُؤمنِينَ بالعشق

- ‌أصل الْعِبَادَة الْمحبَّة والشرك فِيهَا أصل الشّرك

- ‌الْفِتْنَة جنس تَحْتَهُ أَنْوَاع من الشُّبُهَات والشهوات

- ‌فصل

- ‌محبَّة الله توجب المجاهدة فِي سَبيله

- ‌موادة عَدو الله تنَافِي الْمحبَّة

- ‌محبَّة الله وَرَسُوله على دَرَجَتَيْنِ: وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْمحبَّة الْوَاجِبَة وَهِي محبَّة الْمُقْتَصِدِينَ

- ‌الْمحبَّة المستحبة وَهِي محبَّة السَّابِقين

- ‌ترك الْجِهَاد لعدم الْمحبَّة التَّامَّة وَهُوَ دَلِيل النِّفَاق

- ‌انقسام النَّاس إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام:

- ‌1- قوم لَهُم قدرَة وَإِرَادَة ومحبة غير مَأْمُور بهَا

- ‌2- قوم لَهُم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة كَامِلَة لله وقدرة كَامِلَة

- ‌3- قوم فيهم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة قَوِيَّة لَكِن قدرتهم نَاقِصَة

- ‌4- من قدرته وإرادته للحق قَاصِرَة وَفِيه إِرَادَة للباطل

- ‌الْعِبَادَة تجمع كَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الذل

- ‌من أحب شَيْئا كَمَا يحب الله أَو عظمه كَمَا يعظم الله فقد أشرك

- ‌الْإِنْسَان لَا يفعل الْحَرَام إِلَّا لضعف إيمَانه ومحبته

- ‌تَزْيِين الشَّيْطَان لكثير من النَّاس أنواعا من الْحَرَام ضاهوا بهَا الْحَلَال

- ‌موقف الْمُؤمن من الشرور والخيرات وَمَا يجب عَلَيْهِ حيالها

- ‌بَنو آدم لَا يُمكن عيشهم إِلَّا بالتعاقد والتحالف

- ‌التَّحَالُف يكون وفقا الشَّرِيعَة منزلَة أَو شَرِيعَة غير منزلَة أَو سياسة

- ‌الْمُسلمُونَ على شروطهم إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالاوَلِهَذَا قَالَ النَّبِي

- ‌فصل

- ‌الْمَقْصُود الأول من كل عمل هُوَ التنعم واللذة

- ‌ النَّعيم التَّام هُوَ فِي الدَّين الْحق

- ‌من الْخَطَأ الظَّن بِأَن نعيم الدُّنْيَا لَا يكون إِلَّا لأهل الْكفْر والفجور

- ‌الْمُؤمن يطْلب نعيم الدُّنْيَا وَالنَّعِيم التَّام فِي الْآخِرَة

- ‌من الْخَطَأ الِاعْتِقَاد أَن الله ينصر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَلَا ينصر الْمُؤمنِينَ

- ‌مَا سبق يتَبَيَّن بأصلين:

- ‌الأَصْل الأول: حُصُول النَّصْر وَغَيره من أنوع النَّعيم لَا يُنَافِي وُقُوع الْقَتْل أَو الْأَذَى

- ‌الأَصْل الثَّانِي: التنعم إِمَّا بالأمور الدُّنْيَوِيَّة وَإِمَّا بالأمور الدِّينِيَّة:

- ‌1- الدُّنْيَوِيَّة

- ‌2- الدِّينِيَّة

- ‌فصل

- ‌تنَازع النَّاس فِيمَا ينَال الْكَافِر فِي الدُّنْيَا من التنعم هَل هُوَ نعْمَة فِي حَقه أم لَا

- ‌رَأْي ابْن تَيْمِية

- ‌حَال الْإِنْسَان عِنْد السَّرَّاء وَالضَّرَّاء

- ‌حَال الْمُؤمن عِنْدهمَا

- ‌الْمُؤمن أرجح فِي النَّعيم واللذة من الْكَافِر فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة وَإِن كَانَت

- ‌لذات أهل الْبر أعظم من لذات أهل الْفُجُور

- ‌لما خَاضَ النَّاس فِي مسَائِل الْقدر ابتدع طوائف مِنْهُم مقالات مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة:

- ‌بدع الْقَدَرِيَّة

- ‌بدع طَائِفَة من أهل الْإِثْبَات

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌الْمقَالة الصَّحِيحَة لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة

- ‌رفع الله الْحَرج عَن الْمُؤمنِينَ

- ‌الْإِيمَان وَالطَّاعَة خير من الْكفْر وَالْمَعْصِيَة للْعَبد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

- ‌معنى الْمَجِيء إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بعد مماته

- ‌على الْمُؤمن أَن يحب مَا أحب الله وَيبغض مَا أبغضه الله ويرضى بِمَا قدره الله

- ‌فصل

- ‌جَمِيع الحركات ناشئة عَن الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار

- ‌فصل

- ‌أصل الْمُوَالَاة الْحبّ وأصل المعاداة البغض

- ‌فصل

- ‌تَقْسِيم الْعلم إِلَى فعلي وانفعالي

- ‌علم الرب بِأَفْعَال عباده الصَّالِحَة والسيئة يسْتَلْزم حبه للحسنات وبغضه للسيئات

- ‌الْإِرَادَة والمحبة ينقسمان أَيْضا إِلَى فعليتين وانفعاليتين

- ‌الْحبّ يتبع الإحساس والإحساس يكون بموجود لَا بمعدوم

- ‌الْأُمُور الغائبة لَا تعرف وَلَا تحب وَتبْغض إِلَّا بِنَوْع من الْقيَاس والتمثيل

الفصل: ‌التحالف يكون وفقا الشريعة منزلة أو شريعة غير منزلة أو سياسة

يكون بِأَمْر آمُر مُطَاع فيهم فَالْأول هُوَ التَّحَالُف وَالثَّانِي مَا يطاع بِغَيْر تحالف سَوَاء كَانَت طَاعَته بِحَق أَو بِغَيْر حق

فَالَّذِي بِحَق مَا أَمر الله بِطَاعَتِهِ من أنبياءه وأولي الْأَمر من الْمُؤمنِينَ وَطَاعَة الْوَالِدين وَنَحْو ذَلِك وَمَا يُجَاب بِهِ بَعضهم إِلَى مُرَاد بعض بِحَق فَإِن ذَلِك هُوَ معنى الطَّاعَة إِذْ الْمَقْصُود بهَا مُوَافقَة الْمَطْلُوب

وَأما بِغَيْر حق فكطاعة الطواغيت وَهُوَ كل مَا عظم بباطل

‌التَّحَالُف يكون وفقا الشَّرِيعَة منزلَة أَو شَرِيعَة غير منزلَة أَو سياسة

وكل قوم لَا تجمعهم طَاعَة مُطَاع فِي جَمِيع أُمُورهم فَلَا بُد لَهُم من التعاقد والتحالف فِيمَا لم يَأْمُرهُم بِهِ المطاع

وَلِهَذَا كَانَت الشَّرِيعَة الْمنزلَة من عِنْد الله الْأَفْعَال فِيهَا الَّتِي تجب لله وَتجب لبَعض النَّاس على بعض تَارَة تجب بِإِيجَاب الله وَتارَة تجب بِالْعقدِ كالنذر وكعقود المفاوضات والمشاركات فَلَا وَاجِب فِي الشَّرِيعَة إِلَّا بشرع أَو عقد

وَإِذا لم يَكُونُوا على شَرِيعَة منزلَة من عِنْد الله فإمَّا أَن يَكُونُوا على شَرِيعَة غير منزلَة أَو سياسة وَضعهَا بعض المعظمين فيهم بِنَوْع قدرَة وَعلم وَنَحْو ذَلِك وَمَا بقدرة من هَذِه الْأُمُور الجامعة أوجب التَّحَالُف بَينهم فَإِنَّهُ لَا يَنْتَظِم لَهُم أَمر إِلَّا بِطَاعَة آمُر متحالفون عَلَيْهِ أَو يَأْمُرهُم بِهِ من يطيعونه وَلِهَذَا أنكر التَّحَالُف فِي الْأُمَم الْخَارِجَة عَن الشَّرِيعَة وَفِي الخارجين عَنْهَا وَفِي الْأُمُور الَّتِي لَا ترد إِلَى الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا يظْهر ذَلِك حَيْثُ تدرس آثَار النُّبُوَّة المطاعة فيتحالف قوم على طَاعَة ملك أَو شيخ أَو طَاعَة بَعضهم لبَعض فِي أُمُور

ص: 309

يتفقون عَلَيْهَا ويتحالفون كَمَا كَانَ الْعَرَب فِي جاهليتهم يتحالفون وَمِنْه الحليف الَّذِي يكون فِي الْقَبِيلَة فَيصير مِنْهُم

قَالَ الله تَعَالَى وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم إِن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا

وَقَالَ تَعَالَى وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِن الله يعلم مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم أَن تكون أمة هِيَ أربي من أمة إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ وليبينن لكم يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون

وَكَذَلِكَ مَا يُوجد من التَّحَالُف بالتآخي وَغير التآخي للملوك والمشايخ وَأهل الفتوة ورماة البندق وَسَائِر المتفقين على بعض الْأُمُور هُوَ دَاخل فِي هَذَا وأيمان التعاقد والتحالف عَام لبني آدم وهم فِي جاهليتهم تَارَة يتحالفون تحَالفا يُحِبهُ الله كَمَا قَالَ النَّبِي لقد شهِدت حلفا مَعَ عمومتي فِي دَار عبد الله بن جدعَان مَا يسرني بِمثلِهِ حمر النعم أَو قَالَ مَا يسرني حمر النعم وَأَن أنقضه وَلَو دعيت إِلَى مثله فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت

ص: 310

وفى مثل هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم عَن جُبَير بن مطعم عَن النبى أَنه قَالَ

لَا حلف فى الْإِسْلَام وَمَا كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة

ص: 311

وَهَذَا الْحلف يُسَمِّي حلف المطيبين كَانَ يقدم إِلَى مَكَّة من يَظْلمه بعض أكابرها فيستصرخ فَلَا ينصره أحد حَتَّى أنْشد بعض القادمين

يَا آل مَكَّة مظلوم بضاعته

بِبَطن مَكَّة بَين الرُّكْن وَالْحجر

وَكَانَ عبد الله بن جدعَان من خيارهم فاجتمعت قبائل من قُرَيْش فِي بَيته على التَّحَالُف للتعاون على الْعدْل وَنصر الْمَظْلُوم وَوَضَعُوا أَيْديهم فِي قَصْعَة فِيهَا طيب فَسمى حلف المطيبين

ص: 312

فَأَما إِذا كَانَ القَوْل على الشَّرِيعَة الَّتِى بعث الله بهَا رَسُوله فى دينهم ودنياهم فَإِن ذَلِك يغنيهم عَن التَّحَالُف إِلَّا عَلَيْهَا فعلَيْهَا يكون تحالفهم وتعاقدهم وتعاونهم وتناصرهم كَمَا وصف الله بِهِ المحبين المحبوبين فِي قَوْله تَعَالَى فَسَوف يأتى الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم

وعَلى ذَلِك يُبَايع المطاعون فيهم من الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء وَغَيرهم كَمَا قَالَ أَبُو بكر الصّديق فِي خطبَته للْمُسلمين أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت الله وَرَسُوله فَإِذا عصيت الله وَرَسُوله فَلَا طَاعَة لى عَلَيْكُم

ص: 313

وَبِذَلِك أَمر الله وَرَسُوله فِي طَاعَة أولى الْأَمر فَقَالَ النبى على الْمَرْء الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِي عسره ويسره ومنشطه ومكرهه مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة الله فَإِذا أَمر بِمَعْصِيَة الله فَلَا سمع وَلَا طَاعَة وَقَالَ النبى إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف ولَا طَاعَة لمخلوق فى مَعْصِيّة الْخَالِق

وفى الصَّحِيح أَن عبد الله بن عمر كتب بيعَته إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان لما اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ لعبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ إنى قد أَقرَرت لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة على سنة الله وَسنة رَسُوله فِيمَا اسْتَطَعْت وَقد أقرّ بنى لما أَقرَرت بِهِ فَأخْبرهُ أَنه يعاقده على مَا أَمر الله بِهِ من الطَّاعَة لَهُ فِي طَاعَة الله بِحَسب قدرته وَهَذَا وَاجِب عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ

ص: 314

فَهُوَ تعاقد على مَا أَمر الله بِمَنْزِلَة نفس الدُّخُول فى الْإِسْلَام وبيعة النبى كَمَا بَايعه الْأَنْصَار وكما بَايعه الْمُسلمُونَ تَحت الشَّجَرَة وكما كَانَ يُبَايع الْمُسلمين على السّمع وَالطَّاعَة ويلقنهم فِيمَا اسْتَطَعْتُم

وَطَاعَة الرَّسُول وَاجِبَة على الْخلق بِإِيجَاب الله بمعاقدتهم على ذَلِك معاقدة على طَاعَة الله كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصرى قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين

لَكِن هَذَا إِنَّمَا كَانَ ظَاهرا فى أَيَّام الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وبعدهم كثرت الْعُقُود الْمُوَافقَة للشريعة تَارَة والمخالفة لَهَا أخري فَلَا جرم كَانَ الحكم الْعَام فِي جَمِيع هَذِه الْعُقُود أَنه يجب الْوَفَاء فِيهَا بِمَا كَانَ طَاعَة لله وَلَا يجوز الْوَفَاء فِيهَا بِمَا كَانَ مَعْصِيّة لله كَمَا قَالَ النَّبِي فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَا بَال أَقوام يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله مَا كَانَ من شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل وَإِن كَانَ مائَة شَرط كتاب الله أَحَق وَشرط الله أوثق وَقَالَ من نذر أَن

ص: 315

يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعْصى الله فَلَا يَعْصِهِ وَفِي السّنَن الْمُسلمُونَ على شرطهم إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا

فَأَما أَمر الدَّين وَمَا يُحِبهُ الله وَيقرب إِلَيْهِ فَلَيْسَ لعقود بنى آدم فِيهِ أثر بل الْمرجع فِي ذَلِك إِلَى أَمر الله وَرَسُوله فَلَا دين إِلَّا مَا أَمر الله بِهِ وَمن اتبع فِي ذَلِك عُقُود بنى آدم فهم الَّذين اتبعُوا شركاءهم الَّذين شرعوا لَهُم من الدَّين مَا لم يَأْذَن الله بِهِ وَهَذِه حَال جَمِيع مَا ابتدع من الدَّين فَإِن الَّذِي ابتدعه وَافقه عَلَيْهِ غَيره وحالفه فاتخذوه دينا فتدين هَذَا فِيهِ يظْهر حَال جَمِيع أهل الْبدع الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وَأَن الْمُوَافقَة عَلَيْهَا هى من هَذَا الْبَاب

ص: 316