الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحِيما فَدَعَاهُمْ سُبْحَانَهُ بعد مَا فَعَلُوهُ من النِّفَاق إِلَى التَّوْبَة وَهَذَا من كَمَال رَحمته بعباده يَأْمُرهُم قبل الْمعْصِيَة بِالطَّاعَةِ وَبعد الْمعْصِيَة بالاستغفار وَهُوَ رَحِيم بهم فِي كلا الْأَمريْنِ بأَمْره لَهُم بِالطَّاعَةِ أَولا برحمته وَأمرهمْ بالاستغفار من رَحمته فَهُوَ سُبْحَانَهُ رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذين أطاعوه أَولا وَالَّذين استغفروه ثَانِيًا
فَإِذا كَانَ رحِيما بِمن يطيعه وَالرَّحْمَة توجب إِيصَال مَا يَنْفَعهُمْ إِلَيْهِم وَدفع مَا يضرهم عَنْهُم فَكيف يكون الْمَأْمُور بِهِ مُشْتَمِلًا على ضررهم دون منفعتهم
معنى الْمَجِيء إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بعد مماته
وَقَوله فجاؤوك الْمَجِيء إِلَيْهِ فِي حُضُوره مَعْلُوم كالدعاء إِلَيْهِ وَأما فِي مغيبه ومماته فالمجيء إِلَيْهِ كالدعاء إِلَيْهِ وَالرَّدّ إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول وَقَالَ تَعَالَى فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول وَهُوَ الرَّد والمجيء إِلَى مَا بعث بِهِ من الْكتاب وَالْحكمَة وَكَذَلِكَ الْمَجِيء إِلَيْهِ لمن ظلم نَفسه هُوَ الرُّجُوع إِلَى مَا أمره بِهِ فَإِذا رَجَعَ إِلَى مَا أمره بِهِ فَإِن الجائي إِلَى الشَّيْء فِي حَيَاته مِمَّن ظلم نَفسه يَجِيء إِلَيْهِ دَاخِلا فِي طَاعَته رَاجعا عَن مَعْصِيَته كَذَلِك فِي مغيبه ومماته
واستغفار الله مَوْجُود فِي كل مَكَان وزمان وَأما اسْتِغْفَار الرَّسُول فَإِنَّهُ أَيْضا
يتَنَاوَل النَّاس فِي مغيبه وبعد مماته فَإِنَّهُ أَمر بِأَن يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَهُوَ مُطِيع لله فِيمَا أمره بِهِ والتائب دَاخل فِي الْإِيمَان إِذْ الْمعْصِيَة تنقص الْإِيمَان وَالتَّوْبَة من الْمعْصِيَة تزيد فِي الْإِيمَان بِقَدرِهَا فَيكون لَهُ من اسْتِغْفَار النَّبِي بِقدر ذَلِك
فَأَما مَجِيء الْإِنْسَان إِلَى الرَّسُول عِنْد قَبره وَقَوله اسْتغْفر لي أَو سل لي رَبك أَو ادعو لي أَو قَوْله فِي مغيبه يَا رَسُول الله ادْع لي أَو اسْتغْفر لي أَو سل لي رَبك كَذَا وَكَذَا فَهَذَا لَا أصل لَهُ وَلم يَأْمر الله بذلك وَلَا فعله وَاحِد من سلف الْأمة المعروفين فِي الْقُرُون الثَّلَاثَة وَلَا كَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بَينهم وَلَو كَانَ هَذَا مِمَّا يسْتَحبّ لَكَانَ السّلف يَفْعَلُونَ ذَلِك ولكان ذَلِك مَعْرُوفا فيهم بل مَشْهُورا بَينهم ومنقولا عَنْهُم فَإِن مثل هَذَا إِذا كَانَ طَرِيقا إِلَى غفران السَّيِّئَات وَقَضَاء الْحَاجَات لَكَانَ مِمَّا تتوفر الهمم والدواعي على فعله وعَلى نَقله لَا سِيمَا فِيمَن كَانُوا أحرص النَّاس على الْخَيْر فَإِذا لم يعرف أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَا نَقله أحد عَنْهُم علم أَنه لم يكن مِمَّا يسْتَحبّ وَيُؤمر بِهِ
بل الْمَنْقُول الثَّابِت عَنهُ مَا أَمر الله بِهِ النَّبِي من نَهْيه عَن اتِّخَاذ قَبره عيدا ووثنا وَعَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد
وَأما مَا ذكره بعض الْفُقَهَاء من حِكَايَة الْعُتْبِي عَن الْأَعرَابِي الَّذِي أُتِي قبر النَّبِي وَقَالَ يَا خير الْبَريَّة إِن الله يَقُول وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم وَإِنِّي قد جِئْت وَأَنه رَأْي النَّبِي فِي الْمَنَام وَأمره أَن يبشر الْأَعرَابِي فَهَذِهِ الْحِكَايَة وَنَحْوهَا مِمَّا يذكر فِي قبر النَّبِي وقبر غَيره
من الصَّالِحين فَيَقَع مثلهمَا لمن فِي إيمَانه ضعف وَهُوَ جَاهِل بِقدر الرَّسُول وَبِمَا امْر بِهِ فَإِن لم يعف عَن مثل هَذَا لِحَاجَتِهِ وَإِلَّا اضْطربَ إيمَانه وَعظم نفَاقه فَيكون فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْمُؤَلّفَة بالعطاء فِي حَيَاة النَّبِي كَمَا قَالَ إِنِّي لأتألف رجَالًا بِمَا فِي قُلُوبهم من الْهَلَع والجزع وَأكل رجَالًا إِلَى مَا جعل الله فِي قُلُوبهم من الْغَنِيّ وَالْخَيْر مَعَ أَن أَخذ ذَلِك المَال مَكْرُوه لَهُم فَهَذِهِ أَيْضا مثل هَذِه الْحَاجَات
وَأما الْمَشْرُوع الَّذِي وَردت بِهِ سنته فَهُوَ دُعَاء الْمُسلم ربه متوسلا بِهِ لَا دعاؤه فِي مماته ومغيبه وَهُوَ أَن يفعل كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ أَن النَّبِي علم رجلا أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك وأتوسل إِلَيْك بنبيك مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة يَا مُحَمَّد يَا نَبِي الله إِنِّي أتوسل بك إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتي