المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالعشق - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الْمَجْمُوعَة الثَّانِيَة

- ‌الرسَالَة الأولىرِسَالَة فِي الصِّفَات الاختيارية

- ‌فصل

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية:

- ‌مقَالَة السّلف وَأهل السّنة:

- ‌صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة فِي صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية فِيهَا:

- ‌مقَالَة الرَّازِيّ:

- ‌مقَالَة الْآمِدِيّ:

- ‌مقَالَة الْجُوَيْنِيّ:

- ‌الْآيَات الدَّالَّة على صفة الْكَلَام:

- ‌فَصِل

- ‌صفة الْإِرَادَة:

- ‌صفتا الْمحبَّة وَالرِّضَا:

- ‌فصل

- ‌صفتا السّمع وَالْبَصَر:

- ‌أَفعَال الرب الاختيارية:

- ‌فصل

- ‌الْأَدِلَّة على هَذَا الأَصْل من السّنة:

- ‌فصل

- ‌مَوَاقِف النفاة من مَسْأَلَة الصِّفَات وَالرَّدّ عَلَيْهِم:

- ‌الرَّد على حجَّة للنفاة من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الْخَامِس:

- ‌السَّادِس:

- ‌فصل

- ‌فَسَاد حجج النفاة لحلول الْحَوَادِث:

- ‌الْحجَّة الأولى:

- ‌فَسَاد هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْحجَّة الثَّانِيَة:

- ‌بطلَان هَذِه الْحجَّة من وُجُوه:

- ‌الْوَجْه الأول:

- ‌الْوَجْه الثَّانِي:

- ‌الْوَجْه الثَّالِث:

- ‌الْوَجْه الرَّابِع:

- ‌الْحجَّة الثَّالِثَة:

- ‌إِثْبَات بطلَان هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح للتغير:

- ‌الْحجَّة الرَّابِعَة:

- ‌الرَّد عَلَيْهَا:

- ‌الرسَالَة الثَّانِيَةشرح كَلِمَات من "فتوح الْغَيْب

- ‌قَالَ الجيلاني: لابد لكل مُؤمن من أَمر يمتثله وَنهي يجتنبه وَقدر يرضى بِهِ:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌الثَّلَاثَة ترجع إِلَى امْتِثَال الْأَمر:

- ‌حكم الْمُبَاحَات وأنواعها:

- ‌سلوك الْأَبْرَار وسلوك المقربين:

- ‌النَّاس فِي الْمُبَاحَات على ثَلَاثَة أَقسَام:

- ‌حكم الإلهام فِي الشَّرِيعَة:

- ‌الْمُؤمن وَالْقدر:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أَمر الجيلاني بالفناء عَن الْخلق والهوى والإرادة:

- ‌‌‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام الجيلاني عَن عَلَامَات الفناء:

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام آخر للجيلاني عَن عَلامَة فنَاء إِرَادَة العَبْد:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌الفلاسفة ضالون كافرون من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الرسَالَة الثَّالِثَةقَاعِدَة فِي الْمحبَّة

- ‌الْحبّ والإرادة أصل كل فعل وحركة فِي الْعَالم والبغض وَالْكَرَاهَة أصل كل ترك فِيهِ

- ‌الْمحبَّة الَّتِي أَمر الله بهَا هِيَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ

- ‌أهل الطَّبْع المتفلسفة لَا يشْهدُونَ الْحِكْمَة الغائية من الْمَخْلُوقَات

- ‌أهل الْكَلَام يُنكرُونَ طبائع الموجودات وَمَا فِيهَا من الْقوي والأسباب

- ‌الْمحبَّة والإرادة أصل كل دين

- ‌مَعَاني كلمة الدَّين

- ‌لَا بُد لكل طَائِفَة من بني آدم من دين يجمعهُمْ

- ‌الدَّين هُوَ التعاهد والتعاقد

- ‌الدَّين الْحق هُوَ طَاعَة الله وعبادته

- ‌كل دين سوي الْإِسْلَام بَاطِل

- ‌لَا بُد فِي كل دين من شَيْئَيْنِ العقيدة والشريعة أَو المعبود وَالْعِبَادَة

- ‌تنوع النَّاس فِي المعبود وَفِي الْعِبَادَة

- ‌ذمّ الله التَّفَرُّق وَالِاخْتِلَاف فِي الْكتاب وَالسّنة

- ‌يَقُول بعض المتفلسفة إِن الْمَقْصُود بِالدّينِ مُجَرّد الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة

- ‌فصل

- ‌الْحبّ أصل كل عمل والتصديق بالمحبة هُوَ أصل الْإِيمَان

- ‌تَأْوِيل طوائف من الْمُسلمين للمحبة تأويلات خاطئة

- ‌تنَازع النَّاس فِي لفظ الْعِشْق

- ‌منكرو لفظ الْعِشْق لَهُم من جِهَة اللَّفْظ مأخذان وَمن جِهَة الْمَعْنى مأخذان

- ‌المأخذ الأول من جِهَة اللَّفْظ

- ‌المأخذ الثَّانِي

- ‌المأخذ الْمَعْنَوِيّ قيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْحبّ والإرادة

- ‌وَقيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْإِدْرَاك والتخيل والمعرفة

- ‌فصل

- ‌كل محبَّة وبغضة يتبعهَا لَذَّة وألم

- ‌اللَّذَّات ثَلَاثَة أَجنَاس:

- ‌الأول: اللَّذَّة الحسية

- ‌الثَّانِي: اللَّذَّة الوهمية

- ‌الثَّالِث: اللَّذَّة الْعَقْلِيَّة

- ‌شرع الله من اللَّذَّات مَا فِيهِ صَلَاح حَال الْإِنْسَان وَجعل اللَّذَّة التَّامَّة فِي الْآخِرَة

- ‌غلط المتفلسفة وَمن اتبعهم فِي أَمر هَذِه اللَّذَّات

- ‌ضل النَّصَارَى كَذَلِك فِي أَمر اللَّذَّات

- ‌الْيَهُود أعلم لكِنهمْ غواة قساة

- ‌تَفْصِيل مقَالَة الفلاسفة فِي اللَّذَّة

- ‌فصل

- ‌حب الله أصل التَّوْحِيد العملي

- ‌أصل الْإِشْرَاك العملي بِاللَّه الْإِشْرَاك فِي الْمحبَّة

- ‌الْمُؤْمِنُونَ يحبونَ لله ويبغضون لله

- ‌محبَّة الله مستلزمة لمحبة مَا يُحِبهُ من الْوَاجِبَات

- ‌الذُّنُوب تنقص من محبَّة الله

- ‌مَرَاتِب الْعِشْق

- ‌ذكر الله الْعِشْق فِي الْقُرْآن عَن الْمُشْركين

- ‌المتولون للشَّيْطَان هم الَّذين يحبونَ مَا يُحِبهُ

- ‌عباد الله المخلصون لَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهِم سُلْطَان

- ‌العشاق يتولون الشَّيْطَان ويشركون بِهِ

- ‌يُوقع الشَّيْطَان الْعَدَاوَة والبغضاء بَين الْمُؤمنِينَ بالعشق

- ‌أصل الْعِبَادَة الْمحبَّة والشرك فِيهَا أصل الشّرك

- ‌الْفِتْنَة جنس تَحْتَهُ أَنْوَاع من الشُّبُهَات والشهوات

- ‌فصل

- ‌محبَّة الله توجب المجاهدة فِي سَبيله

- ‌موادة عَدو الله تنَافِي الْمحبَّة

- ‌محبَّة الله وَرَسُوله على دَرَجَتَيْنِ: وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْمحبَّة الْوَاجِبَة وَهِي محبَّة الْمُقْتَصِدِينَ

- ‌الْمحبَّة المستحبة وَهِي محبَّة السَّابِقين

- ‌ترك الْجِهَاد لعدم الْمحبَّة التَّامَّة وَهُوَ دَلِيل النِّفَاق

- ‌انقسام النَّاس إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام:

- ‌1- قوم لَهُم قدرَة وَإِرَادَة ومحبة غير مَأْمُور بهَا

- ‌2- قوم لَهُم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة كَامِلَة لله وقدرة كَامِلَة

- ‌3- قوم فيهم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة قَوِيَّة لَكِن قدرتهم نَاقِصَة

- ‌4- من قدرته وإرادته للحق قَاصِرَة وَفِيه إِرَادَة للباطل

- ‌الْعِبَادَة تجمع كَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الذل

- ‌من أحب شَيْئا كَمَا يحب الله أَو عظمه كَمَا يعظم الله فقد أشرك

- ‌الْإِنْسَان لَا يفعل الْحَرَام إِلَّا لضعف إيمَانه ومحبته

- ‌تَزْيِين الشَّيْطَان لكثير من النَّاس أنواعا من الْحَرَام ضاهوا بهَا الْحَلَال

- ‌موقف الْمُؤمن من الشرور والخيرات وَمَا يجب عَلَيْهِ حيالها

- ‌بَنو آدم لَا يُمكن عيشهم إِلَّا بالتعاقد والتحالف

- ‌التَّحَالُف يكون وفقا الشَّرِيعَة منزلَة أَو شَرِيعَة غير منزلَة أَو سياسة

- ‌الْمُسلمُونَ على شروطهم إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالاوَلِهَذَا قَالَ النَّبِي

- ‌فصل

- ‌الْمَقْصُود الأول من كل عمل هُوَ التنعم واللذة

- ‌ النَّعيم التَّام هُوَ فِي الدَّين الْحق

- ‌من الْخَطَأ الظَّن بِأَن نعيم الدُّنْيَا لَا يكون إِلَّا لأهل الْكفْر والفجور

- ‌الْمُؤمن يطْلب نعيم الدُّنْيَا وَالنَّعِيم التَّام فِي الْآخِرَة

- ‌من الْخَطَأ الِاعْتِقَاد أَن الله ينصر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَلَا ينصر الْمُؤمنِينَ

- ‌مَا سبق يتَبَيَّن بأصلين:

- ‌الأَصْل الأول: حُصُول النَّصْر وَغَيره من أنوع النَّعيم لَا يُنَافِي وُقُوع الْقَتْل أَو الْأَذَى

- ‌الأَصْل الثَّانِي: التنعم إِمَّا بالأمور الدُّنْيَوِيَّة وَإِمَّا بالأمور الدِّينِيَّة:

- ‌1- الدُّنْيَوِيَّة

- ‌2- الدِّينِيَّة

- ‌فصل

- ‌تنَازع النَّاس فِيمَا ينَال الْكَافِر فِي الدُّنْيَا من التنعم هَل هُوَ نعْمَة فِي حَقه أم لَا

- ‌رَأْي ابْن تَيْمِية

- ‌حَال الْإِنْسَان عِنْد السَّرَّاء وَالضَّرَّاء

- ‌حَال الْمُؤمن عِنْدهمَا

- ‌الْمُؤمن أرجح فِي النَّعيم واللذة من الْكَافِر فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة وَإِن كَانَت

- ‌لذات أهل الْبر أعظم من لذات أهل الْفُجُور

- ‌لما خَاضَ النَّاس فِي مسَائِل الْقدر ابتدع طوائف مِنْهُم مقالات مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة:

- ‌بدع الْقَدَرِيَّة

- ‌بدع طَائِفَة من أهل الْإِثْبَات

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌الْمقَالة الصَّحِيحَة لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة

- ‌رفع الله الْحَرج عَن الْمُؤمنِينَ

- ‌الْإِيمَان وَالطَّاعَة خير من الْكفْر وَالْمَعْصِيَة للْعَبد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

- ‌معنى الْمَجِيء إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بعد مماته

- ‌على الْمُؤمن أَن يحب مَا أحب الله وَيبغض مَا أبغضه الله ويرضى بِمَا قدره الله

- ‌فصل

- ‌جَمِيع الحركات ناشئة عَن الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار

- ‌فصل

- ‌أصل الْمُوَالَاة الْحبّ وأصل المعاداة البغض

- ‌فصل

- ‌تَقْسِيم الْعلم إِلَى فعلي وانفعالي

- ‌علم الرب بِأَفْعَال عباده الصَّالِحَة والسيئة يسْتَلْزم حبه للحسنات وبغضه للسيئات

- ‌الْإِرَادَة والمحبة ينقسمان أَيْضا إِلَى فعليتين وانفعاليتين

- ‌الْحبّ يتبع الإحساس والإحساس يكون بموجود لَا بمعدوم

- ‌الْأُمُور الغائبة لَا تعرف وَلَا تحب وَتبْغض إِلَّا بِنَوْع من الْقيَاس والتمثيل

الفصل: ‌يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالعشق

الْعِشْق لَيْسَ يفِيق الدَّهْر صَاحبه

وَإِنَّمَا يصرع الْمَجْنُون فِي الْحِين

وَقَالَ الآخر

سَكرَان سكر هوى وسكر مدامة

وَمَتى إفاقة من بِهِ سَكرَان

فصاحبه أَحَق بِأَن يشبه بعابد الوثن والعاكفين على التماثيل يعملونها على صُورَة آدَمِيّ

وَقد قَالَ سبحانه وتعالى وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة امْرَأَة الْعَزِيز تراود فتاها عَن نَفسه قد شغفها حبا أَي شغفها حبه أَي وصل حبه إِلَى شغَاف الْقلب وَهِي جلدَة فِي دَاخله فَهَذَا يكون قد اتخذ ندا يُحِبهُ كحب الله

‌يُوقع الشَّيْطَان الْعَدَاوَة والبغضاء بَين الْمُؤمنِينَ بالعشق

وَإِذا كَانَ الشَّيْطَان يُرِيد أَن يُوقع بَين الْمُؤمنِينَ الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدهم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فالعداوة والبغضاء الَّتِي يُرِيد أَن يوقعها بالعشق وصده عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة بذلك أَضْعَاف غَيره كَمَا قد تكلمنا عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْموضع وَبينا أَن جَمِيع الْمعاصِي يجْتَمع فِيهَا هَذَانِ الوصفان وَأَن ذكر ذَلِك فِي الْخمر وَالْميسر اللَّذين هما من أَوَاخِر الْمُحرمَات يُنَبه على مَا فِي غَيرهمَا من ذَلِك مِمَّا حرم قبلهمَا كَقَتل النُّفُوس بِغَيْر حق وَالْفَوَاحِش وَنَحْو ذَلِك

وَمِمَّا يبين هَذَا أَن الْفَوَاحِش الَّتِي أَصْلهَا الْمحبَّة لغير الله سَوَاء كَانَ الْمَطْلُوب الْمُشَاهدَة أَو الْمُبَاشرَة أَو الْإِنْزَال أَو غير ذَلِك هِيَ فِي الْمُشْركين أَكثر مِنْهَا فِي

ص: 269

المخلصين وَيُوجد فيهم مَا لَا يُوجد فِي المخلصين لله

قَالَ الله تَعَالَى يَا بني آدم لَا يفتننكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله مَا لَا تعلمُونَ قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد وادعوه مُخلصين لَهُ الدَّين كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ فريقا هدي وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة فاخبر سُبْحَانَهُ أَنه جعل الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى افتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو بئس للظالمين بَدَلا وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون

وَإِذا كَانَ سُلْطَانه على أوليائه الَّذين تولوه وَالَّذين هم بِهِ مشركون وهم الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَقَالَ تَعَالَى إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين فَيكون هَؤُلَاءِ هم الغاوين وهم الَّذين قَالَ الشَّيْطَان لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين

وَلِهَذَا أخبر سُبْحَانَهُ عَن أوليائه أَنهم وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله مَا لَا تعلمُونَ فَأخْبر عَن أَوْلِيَاء الشَّيْطَان وهم الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون أَنهم إِذا فعلوا فَاحِشَة احْتَجُّوا بالتقليد

ص: 270

لأسلافهم وَزَعَمُوا مَعَ ذَلِك أَن الله أَمرهم بهَا فيتبعون الظَّن فِي قَوْلهم إِن الله أَمرهم بهَا وَمَا تهوي الْأَنْفس فِي تَقْلِيد أسلافهم وأتباعهم

وَهَذَا الْوَصْف فِيهِ بسط كثير لكثير من المنتسبين إِلَى الْقبْلَة من الصُّوفِيَّة والعباد والأمراء والأجناد والمتكلمة والمتفلسفة والعامة وَغَيرهم يسْتَحلُّونَ من الْفَوَاحِش مَا حرمه الله وَرَسُوله وَأَصله الْعِشْق الَّذِي يبغضه الله

وَكثير مِنْهُم يَجْعَل ذَلِك دينا ويري أَنه يتَقرَّب بذلك إِلَى الله إِمَّا لزعمه أَنه يُزكي النَّفس ويهديها وَإِمَّا لزعمه أَنه يجمع بذلك قلبه على آدَمِيّ ثمَّ ينْتَقل إِلَى عبَادَة الله وَحده وَإِمَّا لزعمه أَن الصُّور الجميلة مظَاهر الْحق ومشاهده وَرُبمَا اعْتقد حُلُول الرب فِيهَا واتحاده بهَا وَمِنْهُم من يخص ذَلِك بهَا وَمِنْهُم من يَقُول بِإِطْلَاق وَهَؤُلَاء إِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا

وكل هَؤُلَاءِ فيهم من الْإِشْرَاك بِقدر ذَلِك وَلِهَذَا يظْهر الافتتان بالصور وعشقها فِيمَن فيهم شرك كالنصارى والرهبان والمتشبهين بهم من هَذِه الْأمة من كثير من المتفلسفة والمتصوفة الَّذين يفتنون بالأحداث وَغَيرهم فتجد فيهم قسطا عَظِيما من اتِّخَاذ الأنداد من دون الله يحبونهم كحب الله إِمَّا تدينا وَإِمَّا شَهْوَة وَإِمَّا جمعا بَين الْأَمريْنِ وَلِهَذَا تَجِد بَين أغنيائهم وفقرائهم وَبَين مُلُوكهمْ وأمرائهم تحَالفا على اتِّخَاذ أنداد من دون الله من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ

وَلِهَذَا تجدهم كثيرا مَا يَجْتَمعُونَ على سَماع الشّعْر والأصوات الَّتِي تهيج الْحبّ الْمُشْتَرك الَّذِي يجْتَمع فِيهِ محب الرَّحْمَن ومحب الْأَوْثَان ومحب الصلبان ومحب الأخوان ومحب الأوطان ومحب المردان ومحب النسوان

ص: 271

وَهَذَا السماع هُوَ سَماع الْمُشْركين كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت إِلَّا مكاء وتصدية

وَسبب مَا ذكرنَا أَن الله خلق عباده لعبادته الَّتِي تجمع محبته وتعظيمه فَإِذا كَانَ فِي الْقلب مَا يجد حلاوته من الْإِيمَان والتوحيد لَهُ احْتَاجَ إِلَى أَن يسْتَبْدل بذلك مَا يهواه فيتخذ إلهه هَوَاهُ فيتخذ الشَّيْطَان وَذريته أَوْلِيَاء من دون الله وهم لَهُم عَدو بئس للظالمين بَدَلا

وَلِهَذَا كَانَ هَذَا وَنَحْوه من تَبْدِيل الدَّين وتغيير فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا قَالَ تَعَالَى فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدَّين الْقيم وَقَالَ تَعَالَى وَمن يُشْرك بِاللَّه فقد ضل ضلالا بَعيدا إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يدعونَ إِلَّا شَيْطَانا مرِيدا لَعنه الله وَقَالَ لأتخذن من عِبَادك نَصِيبا مَفْرُوضًا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله

قَالَ تَعَالَى لَا تَبْدِيل لخلق الله وَنَفس مَا خلقه الله لَا تَبْدِيل لَهُ لَا يُمكن أَن تُوجد الْمَخْلُوقَات على غير مَا يخلقه الله عَلَيْهَا وَلَا أَن تخلق على غير الْفطْرَة الَّتِي خلقهَا الله عَلَيْهَا لَكِن بعض الْخلق قد يُغير بَعْضهَا كَمَا قَالَ النَّبِي كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء

ص: 272