المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رأي ابن تيمية - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الْمَجْمُوعَة الثَّانِيَة

- ‌الرسَالَة الأولىرِسَالَة فِي الصِّفَات الاختيارية

- ‌فصل

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية:

- ‌مقَالَة السّلف وَأهل السّنة:

- ‌صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْجَهْمِية والمعتزلة فِي صفة الْكَلَام:

- ‌مقَالَة الْكلابِيَّة والسالمية فِيهَا:

- ‌مقَالَة الرَّازِيّ:

- ‌مقَالَة الْآمِدِيّ:

- ‌مقَالَة الْجُوَيْنِيّ:

- ‌الْآيَات الدَّالَّة على صفة الْكَلَام:

- ‌فَصِل

- ‌صفة الْإِرَادَة:

- ‌صفتا الْمحبَّة وَالرِّضَا:

- ‌فصل

- ‌صفتا السّمع وَالْبَصَر:

- ‌أَفعَال الرب الاختيارية:

- ‌فصل

- ‌الْأَدِلَّة على هَذَا الأَصْل من السّنة:

- ‌فصل

- ‌مَوَاقِف النفاة من مَسْأَلَة الصِّفَات وَالرَّدّ عَلَيْهِم:

- ‌الرَّد على حجَّة للنفاة من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الْخَامِس:

- ‌السَّادِس:

- ‌فصل

- ‌فَسَاد حجج النفاة لحلول الْحَوَادِث:

- ‌الْحجَّة الأولى:

- ‌فَسَاد هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْحجَّة الثَّانِيَة:

- ‌بطلَان هَذِه الْحجَّة من وُجُوه:

- ‌الْوَجْه الأول:

- ‌الْوَجْه الثَّانِي:

- ‌الْوَجْه الثَّالِث:

- ‌الْوَجْه الرَّابِع:

- ‌الْحجَّة الثَّالِثَة:

- ‌إِثْبَات بطلَان هَذِه الْحجَّة:

- ‌الْمَعْنى الصَّحِيح للتغير:

- ‌الْحجَّة الرَّابِعَة:

- ‌الرَّد عَلَيْهَا:

- ‌الرسَالَة الثَّانِيَةشرح كَلِمَات من "فتوح الْغَيْب

- ‌قَالَ الجيلاني: لابد لكل مُؤمن من أَمر يمتثله وَنهي يجتنبه وَقدر يرضى بِهِ:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌الثَّلَاثَة ترجع إِلَى امْتِثَال الْأَمر:

- ‌حكم الْمُبَاحَات وأنواعها:

- ‌سلوك الْأَبْرَار وسلوك المقربين:

- ‌النَّاس فِي الْمُبَاحَات على ثَلَاثَة أَقسَام:

- ‌حكم الإلهام فِي الشَّرِيعَة:

- ‌الْمُؤمن وَالْقدر:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أَمر الجيلاني بالفناء عَن الْخلق والهوى والإرادة:

- ‌‌‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام الجيلاني عَن عَلَامَات الفناء:

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌كَلَام آخر للجيلاني عَن عَلامَة فنَاء إِرَادَة العَبْد:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌تَابع كَلَام الجيلاني:

- ‌تَعْلِيق ابْن تَيْمِية:

- ‌فصل

- ‌الفلاسفة ضالون كافرون من وُجُوه:

- ‌الأول:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِث:

- ‌الرَّابِع:

- ‌الرسَالَة الثَّالِثَةقَاعِدَة فِي الْمحبَّة

- ‌الْحبّ والإرادة أصل كل فعل وحركة فِي الْعَالم والبغض وَالْكَرَاهَة أصل كل ترك فِيهِ

- ‌الْمحبَّة الَّتِي أَمر الله بهَا هِيَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ

- ‌أهل الطَّبْع المتفلسفة لَا يشْهدُونَ الْحِكْمَة الغائية من الْمَخْلُوقَات

- ‌أهل الْكَلَام يُنكرُونَ طبائع الموجودات وَمَا فِيهَا من الْقوي والأسباب

- ‌الْمحبَّة والإرادة أصل كل دين

- ‌مَعَاني كلمة الدَّين

- ‌لَا بُد لكل طَائِفَة من بني آدم من دين يجمعهُمْ

- ‌الدَّين هُوَ التعاهد والتعاقد

- ‌الدَّين الْحق هُوَ طَاعَة الله وعبادته

- ‌كل دين سوي الْإِسْلَام بَاطِل

- ‌لَا بُد فِي كل دين من شَيْئَيْنِ العقيدة والشريعة أَو المعبود وَالْعِبَادَة

- ‌تنوع النَّاس فِي المعبود وَفِي الْعِبَادَة

- ‌ذمّ الله التَّفَرُّق وَالِاخْتِلَاف فِي الْكتاب وَالسّنة

- ‌يَقُول بعض المتفلسفة إِن الْمَقْصُود بِالدّينِ مُجَرّد الْمصلحَة الدُّنْيَوِيَّة

- ‌فصل

- ‌الْحبّ أصل كل عمل والتصديق بالمحبة هُوَ أصل الْإِيمَان

- ‌تَأْوِيل طوائف من الْمُسلمين للمحبة تأويلات خاطئة

- ‌تنَازع النَّاس فِي لفظ الْعِشْق

- ‌منكرو لفظ الْعِشْق لَهُم من جِهَة اللَّفْظ مأخذان وَمن جِهَة الْمَعْنى مأخذان

- ‌المأخذ الأول من جِهَة اللَّفْظ

- ‌المأخذ الثَّانِي

- ‌المأخذ الْمَعْنَوِيّ قيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْحبّ والإرادة

- ‌وَقيل إِن الْعِشْق فَسَاد فِي الْإِدْرَاك والتخيل والمعرفة

- ‌فصل

- ‌كل محبَّة وبغضة يتبعهَا لَذَّة وألم

- ‌اللَّذَّات ثَلَاثَة أَجنَاس:

- ‌الأول: اللَّذَّة الحسية

- ‌الثَّانِي: اللَّذَّة الوهمية

- ‌الثَّالِث: اللَّذَّة الْعَقْلِيَّة

- ‌شرع الله من اللَّذَّات مَا فِيهِ صَلَاح حَال الْإِنْسَان وَجعل اللَّذَّة التَّامَّة فِي الْآخِرَة

- ‌غلط المتفلسفة وَمن اتبعهم فِي أَمر هَذِه اللَّذَّات

- ‌ضل النَّصَارَى كَذَلِك فِي أَمر اللَّذَّات

- ‌الْيَهُود أعلم لكِنهمْ غواة قساة

- ‌تَفْصِيل مقَالَة الفلاسفة فِي اللَّذَّة

- ‌فصل

- ‌حب الله أصل التَّوْحِيد العملي

- ‌أصل الْإِشْرَاك العملي بِاللَّه الْإِشْرَاك فِي الْمحبَّة

- ‌الْمُؤْمِنُونَ يحبونَ لله ويبغضون لله

- ‌محبَّة الله مستلزمة لمحبة مَا يُحِبهُ من الْوَاجِبَات

- ‌الذُّنُوب تنقص من محبَّة الله

- ‌مَرَاتِب الْعِشْق

- ‌ذكر الله الْعِشْق فِي الْقُرْآن عَن الْمُشْركين

- ‌المتولون للشَّيْطَان هم الَّذين يحبونَ مَا يُحِبهُ

- ‌عباد الله المخلصون لَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهِم سُلْطَان

- ‌العشاق يتولون الشَّيْطَان ويشركون بِهِ

- ‌يُوقع الشَّيْطَان الْعَدَاوَة والبغضاء بَين الْمُؤمنِينَ بالعشق

- ‌أصل الْعِبَادَة الْمحبَّة والشرك فِيهَا أصل الشّرك

- ‌الْفِتْنَة جنس تَحْتَهُ أَنْوَاع من الشُّبُهَات والشهوات

- ‌فصل

- ‌محبَّة الله توجب المجاهدة فِي سَبيله

- ‌موادة عَدو الله تنَافِي الْمحبَّة

- ‌محبَّة الله وَرَسُوله على دَرَجَتَيْنِ: وَاجِبَة ومستحبة

- ‌الْمحبَّة الْوَاجِبَة وَهِي محبَّة الْمُقْتَصِدِينَ

- ‌الْمحبَّة المستحبة وَهِي محبَّة السَّابِقين

- ‌ترك الْجِهَاد لعدم الْمحبَّة التَّامَّة وَهُوَ دَلِيل النِّفَاق

- ‌انقسام النَّاس إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام:

- ‌1- قوم لَهُم قدرَة وَإِرَادَة ومحبة غير مَأْمُور بهَا

- ‌2- قوم لَهُم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة كَامِلَة لله وقدرة كَامِلَة

- ‌3- قوم فيهم إِرَادَة صَالِحَة ومحبة قَوِيَّة لَكِن قدرتهم نَاقِصَة

- ‌4- من قدرته وإرادته للحق قَاصِرَة وَفِيه إِرَادَة للباطل

- ‌الْعِبَادَة تجمع كَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الذل

- ‌من أحب شَيْئا كَمَا يحب الله أَو عظمه كَمَا يعظم الله فقد أشرك

- ‌الْإِنْسَان لَا يفعل الْحَرَام إِلَّا لضعف إيمَانه ومحبته

- ‌تَزْيِين الشَّيْطَان لكثير من النَّاس أنواعا من الْحَرَام ضاهوا بهَا الْحَلَال

- ‌موقف الْمُؤمن من الشرور والخيرات وَمَا يجب عَلَيْهِ حيالها

- ‌بَنو آدم لَا يُمكن عيشهم إِلَّا بالتعاقد والتحالف

- ‌التَّحَالُف يكون وفقا الشَّرِيعَة منزلَة أَو شَرِيعَة غير منزلَة أَو سياسة

- ‌الْمُسلمُونَ على شروطهم إِلَّا شرطا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالاوَلِهَذَا قَالَ النَّبِي

- ‌فصل

- ‌الْمَقْصُود الأول من كل عمل هُوَ التنعم واللذة

- ‌ النَّعيم التَّام هُوَ فِي الدَّين الْحق

- ‌من الْخَطَأ الظَّن بِأَن نعيم الدُّنْيَا لَا يكون إِلَّا لأهل الْكفْر والفجور

- ‌الْمُؤمن يطْلب نعيم الدُّنْيَا وَالنَّعِيم التَّام فِي الْآخِرَة

- ‌من الْخَطَأ الِاعْتِقَاد أَن الله ينصر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَلَا ينصر الْمُؤمنِينَ

- ‌مَا سبق يتَبَيَّن بأصلين:

- ‌الأَصْل الأول: حُصُول النَّصْر وَغَيره من أنوع النَّعيم لَا يُنَافِي وُقُوع الْقَتْل أَو الْأَذَى

- ‌الأَصْل الثَّانِي: التنعم إِمَّا بالأمور الدُّنْيَوِيَّة وَإِمَّا بالأمور الدِّينِيَّة:

- ‌1- الدُّنْيَوِيَّة

- ‌2- الدِّينِيَّة

- ‌فصل

- ‌تنَازع النَّاس فِيمَا ينَال الْكَافِر فِي الدُّنْيَا من التنعم هَل هُوَ نعْمَة فِي حَقه أم لَا

- ‌رَأْي ابْن تَيْمِية

- ‌حَال الْإِنْسَان عِنْد السَّرَّاء وَالضَّرَّاء

- ‌حَال الْمُؤمن عِنْدهمَا

- ‌الْمُؤمن أرجح فِي النَّعيم واللذة من الْكَافِر فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة وَإِن كَانَت

- ‌لذات أهل الْبر أعظم من لذات أهل الْفُجُور

- ‌لما خَاضَ النَّاس فِي مسَائِل الْقدر ابتدع طوائف مِنْهُم مقالات مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة:

- ‌بدع الْقَدَرِيَّة

- ‌بدع طَائِفَة من أهل الْإِثْبَات

- ‌الرَّد عَلَيْهِم

- ‌الْمقَالة الصَّحِيحَة لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة

- ‌رفع الله الْحَرج عَن الْمُؤمنِينَ

- ‌الْإِيمَان وَالطَّاعَة خير من الْكفْر وَالْمَعْصِيَة للْعَبد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

- ‌معنى الْمَجِيء إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بعد مماته

- ‌على الْمُؤمن أَن يحب مَا أحب الله وَيبغض مَا أبغضه الله ويرضى بِمَا قدره الله

- ‌فصل

- ‌جَمِيع الحركات ناشئة عَن الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار

- ‌فصل

- ‌أصل الْمُوَالَاة الْحبّ وأصل المعاداة البغض

- ‌فصل

- ‌تَقْسِيم الْعلم إِلَى فعلي وانفعالي

- ‌علم الرب بِأَفْعَال عباده الصَّالِحَة والسيئة يسْتَلْزم حبه للحسنات وبغضه للسيئات

- ‌الْإِرَادَة والمحبة ينقسمان أَيْضا إِلَى فعليتين وانفعاليتين

- ‌الْحبّ يتبع الإحساس والإحساس يكون بموجود لَا بمعدوم

- ‌الْأُمُور الغائبة لَا تعرف وَلَا تحب وَتبْغض إِلَّا بِنَوْع من الْقيَاس والتمثيل

الفصل: ‌رأي ابن تيمية

قَالُوا وَلَو كَانَت هَذِه اللَّذَّات نعما مُطلقَة لكَانَتْ نعْمَة الله على أعدائه فِي الدُّنْيَا أعظم من نعْمَته على أوليائه قَالُوا ونعمة الله الَّتِي بدلوها كفرا هِيَ إِنْزَال الْكتاب وإرسال الرَّسُول حَيْثُ كفرُوا بهَا وجحدوا أَنَّهَا حق كَمَا قَالَ عليه السلام أَلا لَا فَخر إِنِّي من قُرَيْش

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنة يَأْتِيهَا رزقها رغدا من كل مَكَان فكفرت بأنعم الله هم الَّذين كفرُوا بِمَا أنزل الله من الْكتاب وَالرسل وَتلك نعْمَة الله المعظمة وَقَالَ تَعَالَى أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزى الله الشَّاكِرِينَ

‌رَأْي ابْن تَيْمِية

وَحَقِيقَة الْأَمر أَن هَذِه الْأَمر فِيهَا من التنعم باللذة وَالسُّرُور فِي الدُّنْيَا مَا لَا نزاع فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بِمَا كُنْتُم تفرحون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَبِمَا كُنْتُم تمرحون وَقَالَ تَعَالَى أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم

ص: 347

الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا وَقَالَ تَعَالَى وذرني والمكذبين أولى النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا وَقَالَ تَعَالَى ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل وَقَالَ تَعَالَى وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور وَهَذَا أَمر محسوس

لَكِن الْكَلَام فِي أَمريْن أَحدهمَا هَل هِيَ نعْمَة أم لَا وَالثَّانِي أَن جنس تنعم الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا بِالْإِيمَان وَمَا يتبعهُ هَل هُوَ مثل تنعم الْكَافِر أَو دونه أَو فَوْقه وَهَذِه هِيَ الْمَسْأَلَة الْمُقدمَة

فَأَما الأول فَيُقَال اللَّذَّات فِي أَنْفسهَا لَيست نفس فعل العَبْد بل قد تحدث عَن فعله مَعَ سَبَب آخر كَسَائِر المتولدات الَّتِي يخلقها الله تَعَالَى بِأَسْبَاب مِنْهَا فعل العَبْد

لَكِن اللَّذَّات تَارَة تكون بِمَعْصِيَة من ترك مَأْمُور أَو فعل مَحْظُور كاللذة الْحَاصِلَة بِالزِّنَا وبموافقة الْفُسَّاق وبظلم النَّاس وبالشرك وَالْقَوْل على الله بِغَيْر علم فَهُنَا الْمعْصِيَة هِيَ سَبَب للعذاب الزَّائِد على لَذَّة الْفِعْل لَكِن ألم الْعَذَاب قد يتَقَدَّم وَقد يتَأَخَّر وَهِي تشبه أكل الطَّعَام الطّيب الَّذِي فِيهِ من السمُوم مَا يمرض أَو يقتل ثمَّ ذَلِك الْعَذَاب يُمكن دَفعه بِالتَّوْبَةِ وَفعل حَسَنَات أخر لَكِن يُقَال تِلْكَ اللَّذَّة الْحَاصِلَة بالمعصية لَا تكون معادلة لَهَا مَا فِي التَّوْبَة عَنْهَا والأعمال الصَّالِحَة من الْمَشَقَّة والألم وَلِهَذَا قيل ترك الذَّنب أَمر من التمَاس التَّوْبَة وَقيل رب شَهْوَة سَاعَة أورثت حزنا طَويلا

ص: 348

لَكِن فعل التَّوْبَة والحسنات الماحية قد يُوجب من الثَّوَاب أعظم من ثَوَاب ترك الذَّنب أَولا فَيكون ألم التائب أَشد من التارك إِذا اسْتَويَا من جَمِيع الْوُجُوه وثوابه أَكثر وَكَذَلِكَ لما يكفر الله بِهِ الْخَطَايَا من المصائب مرَارَة تزيد على حلاوة المعاصى

وَتارَة تكون اللَّذَّات بِغَيْر مَعْصِيّة من العَبْد لَكِن عَلَيْهِ أَن يُطِيع الله فِيهَا فيتجنب فِيهَا ترك مأموره وَفعل محظوره كَمَا يؤتاه العَبْد من المَال وَالسُّلْطَان وَمن المآكل والمناكح الَّتِى لَيست بمحرمة

وَالله سُبْحَانَهُ أَمر مَعَ أكل الطَّيِّبَات بالشكر فَقَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم واشكروا لله إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ وَفِي صَحِيح مُسلم عَن النَّبِي أَنه قَالَ إِن الله ليرضى عَن العَبْد أَن يَأْكُل الْأكلَة فيحمده عَلَيْهَا وَيشْرب الشربة فيحمده عَلَيْهَا وَفِي الْأَثر الطاعم الشاكر كالصائم الصابر رَوَاهُ ابْن ماجة عَن النَّبِي

ص: 349

وَقد قَالَ تَعَالَى ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم

وَلما ضاف النَّبِي أَبَا الْهَيْثَم بن التيهَان وجلسوا فِي الظل وأطعمهم فَاكِهَة وَلَحْمًا وسقاهم مَاء بَارِدًا قَالَ هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ

وَالسُّؤَال عَنهُ لطلب شكره لَا لإثم فِيهِ فَالله تَعَالَى يطْلب من عباده شكر نعمه وَعَلِيهِ أَن لَا يَسْتَعِين بِطَاعَتِهِ على مَعْصِيَته فَإِذا ترك مَا وَجب عَلَيْهِ فِي

ص: 350

نعْمَته من حق واستعان بهَا على محرم صَار فعله بهَا وَتَركه لما فِيهَا سَببا للعذاب أَيْضا فالعذاب أستحقه بترك الْمَأْمُور وَفعل الْمَحْظُور على النِّعْمَة الَّتِي هِيَ من فعل الله تَعَالَى وَإِن كَانَ فعله وَتَركه بِقَضَاء الله وَقدره بِعِلْمِهِ ومشيئته وَقدرته وخلقه

فَأن حَقِيقَة الْأَمر أَنه نعم العَبْد تنعيما وَكَانَ ذَلِك التَّنْعِيم سَببا لتعذيبه أَيْضا فقد اجْتمع فِي حَقه تنعيم وتعذيب وَلَكِن التعذيب إِنَّمَا كَانَ بِسَبَب مَعْصِيَته حَيْثُ لم يؤد حق النِّعْمَة وَلم يتق الله فِيهَا

وعَلى هَذَا فَهَذِهِ التنعمات هِيَ نعْمَة من وَجه دون وَجه فَلَيْسَتْ من النعم الْمُطلقَة وَلَا هِيَ خَارِجَة عَن جنس النعم مُطلقهَا ومقيدها فباعتبار مَا فِيهَا من التنعم يصلح أَن يطْلب حَقّهَا من الشُّكْر وَغَيرهَا وَينْهى عَن اسْتِعْمَالهَا فِي الْمعْصِيَة فَتكون نعْمَة فِي بَاب الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد

وَبِاعْتِبَار أَن صَاحبهَا يتْرك فِيهَا الْمَأْمُور وَيفْعل فِيهَا الْمَحْظُور الَّذِي يزِيد عَذَابه على نعمها كَانَت وبالا عَلَيْهِ وَكَانَ أَن لَا يكون ذَلِك من حَقه خيرا لَهُ من أَن يكون فَلَيْسَتْ نعْمَة فِي حَقه فِي بَاب الْقَضَاء وَالْقدر والخلق والمشيئة الْعَامَّة وَإِن كَانَ يكون نعْمَة فِي حق عُمُوم الْخلق وَالْمُؤمنِينَ وعَلى هَذَا يظْهر مَا تقدم من خيرات الله فَإِن ذَلِك اسْتِدْرَاج ومكر وإملاء

وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من ثُبُوت الإنعام بهَا من وَجه وسلبه من وَجه آخر مثل مَا ذكر الله فِي قَوْله تَعَالَى فَأَما الْإِنْسَان إِذا مَا ابتلاه ربه فَأكْرمه ونعمه

ص: 351

فَيَقُول ربى أكرمن وَأما إِذا مَا آبتلاه فَقدر عَلَيْهِ رزقه فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا فَإِنَّهُ قد أخبر أَنه أكْرمه وَأنكر قَول الْمُبْتَلى رَبِّي أكرمن وَاللَّفْظ الَّذِي أخبر الله بِهِ مثل اللَّفْظ الَّذِي أنكرهُ الله من كَلَام الْمُبْتَلى لَكِن الْمَعْنى مُخْتَلف فَإِن المبتلي اعْتقد أَن هَذِه كَرَامَة مُطلقَة وَهِي النِّعْمَة الَّتِي يقْصد بهَا أَن النعم إكرام لَهُ والإنعام بِنِعْمَة لَا يكون سَببا لعذاب أعظم مِنْهَا وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك بل الله تَعَالَى ابتلاه بهَا ابتلاء ليتبين هَل يطيعه فِيهَا أم يعصيه مَعَ علمه بِمَا سَيكون من الْأَمريْنِ لَكِن الْعلم بِمَا سَيكون شَيْء وَكَون الشَّيْء وَالْعلم بِهِ شَيْء

وَأما قَوْله تَعَالَى فَأكْرمه ونعمه فَإِنَّهُ تكريم بِمَا فِيهِ من اللَّذَّات وَلِهَذَا قرنه بقوله ونعمه وَلِهَذَا كَانَت خوارق الْعَادَات الَّتِي تسميها الْعَامَّة كَرَامَة لَيست عِنْد أهل التَّحْقِيق كَرَامَة مُطلقًا بل فِي الْحَقِيقَة الْكَرَامَة هِيَ لُزُوم الاسْتقَامَة وهى طَاعَة الله وَإِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَبْتَلِي الله بِهِ عَبده فَإِن أطاعه بهَا رَفعه وَإِن عَصَاهُ بهَا خفضه وَإِن كَانَت من آثَار طَاعَة أخري كَمَا قَالَ تَعَالَى وألو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقا لنفتنهم فِيهِ وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعدا

ص: 352

وَإِذا كَانَ فِي النِّعْمَة والكرامة هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَهِيَ من بَاب الْأَمر وَالشَّرْع نعْمَة يجب الشُّكْر عَلَيْهَا وَفِي بَاب الْحَقِيقَة الْقَدَرِيَّة لم تكن لهَذَا الْفَاجِر بهَا إِلَّا فتْنَة ومحنة اسْتوْجبَ بِمَعْصِيَة الله فِيهَا الْعَذَاب وَهِي فِي ظَاهر الْأَمر أَن يعرف حَقِيقَة الْبَاطِن ابتلاء وامتحان يُمكن أَن تكون من أَسبَاب سعادته وَيُمكن أَن تكون من أَسبَاب شقاوته وَظهر بهَا جَانب الِابْتِلَاء بالمر فَإِن الله يَبْتَلِي بالحلو والمر كَمَا قَالَ تَعَالَى ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وإلينا ترجعون وَقَالَ وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات لَعَلَّهُم يرجعُونَ

فَمن ابتلاه الله بالمر بالبأساء وَالضَّرَّاء والبأس وَقدر عَلَيْهِ رزقه فَلَيْسَ ذَلِك إهانة لَهُ بل هُوَ ابتلاء فَإِن أطَاع الله فِي ذَلِك كَانَ سعيدا وَإِن عَصَاهُ فِي ذَلِك كَانَ شقيا كَمَا كَانَ مثل ذَلِك سَببا للسعادة فِي حق الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ وَكَانَ شقاء وسببا للشقاء فِي حق الْكفَّار والفجار

وَقَالَ تَعَالَى وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء وَالضَّرَّاء وَحين الْبَأْس وَقَالَ تَعَالَى أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ مستهم البأساء وَالضَّرَّاء وزلزلوا وَقَالَ تَعَالَى وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ وَمن أهل الْمَدِينَة مَرَدُوا على

ص: 353

النِّفَاق لَا تعلهم نَحن تعلمهمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم وَقَالَ تَعَالَى ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ

وكما أَن الْحَسَنَات وَهِي المسار الظَّاهِرَة الَّتِي يَبْتَلِي بهَا العَبْد تكون عَن طاعات فعلهَا العَبْد فَكَذَلِك السَّيِّئَات وَهِي المكاره الَّتِي يَبْتَلِي بهَا العَبْد تكون عَن معاصي فعلهَا العَبْد كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك

وَقَالَ تَعَالَى أولما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة قد أصبْتُم مثليها قُلْتُمْ أَنِّي هَذَا قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم

وَقَالَ تَعَالَى وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير

وَقَالَ تَعَالَى فَكيف إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة بِمَا قدمت أَيْديهم ثمَّ جاءوك يحلفُونَ بِاللَّه

وَقَالَ تَعَالَى وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم فَإِن الْإِنْسَان كفور

ثمَّ تِلْكَ المسار الَّتِي هِيَ من ثَوَاب طَاعَته إِذا عصي الله فِيهَا كَانَت سَببا لعذابه والمكاره الَّتِي هِيَ عُقُوبَة مَعْصِيَته إِذا أطَاع الله فِيهَا كَانَت سَببا

ص: 354

لسعادته فَتدبر هَذَا لتعلم أَن الْأَعْمَال بخواتيمها وَأَن مَا ظَاهره نعْمَة هُوَ لَذَّة عاجلة قد تكون سَببا للعذاب وَمَا ظَاهره عَذَاب وَهُوَ ألم عَاجل قد يكون سَببا للنعيم وَمَا هُوَ طاعه فِيمَا يري النَّاس قد يكون سَببا لهلاك العَبْد بِرُجُوعِهِ عَن الطَّاعَة إِذا ابْتُلِيَ فِي هَذِه الطَّاعَة وَمَا هُوَ مَعْصِيّة فِيمَا يري النَّاس قد يكون سَببا لسعادة العَبْد بتوبته مِنْهُ وتصبره على الْمُصِيبَة الَّتِي هِيَ عُقُوبَة ذَلِك الذَّنب

فَالْأَمْر وَالنَّهْي يتَعَلَّق بالشَّيْء الْحَاصِل فَيُؤْمَر العَبْد بِالطَّاعَةِ مُطلقًا وَيُنْهِي عَن الْمعْصِيَة مُطلقًا وَيُؤمر بالشكر على كل مَا يتنعم بِهِ

وَأما الْقَضَاء وَالْقدر وَهُوَ علم الله وَكتابه وَمَا طابق ذَلِك من مَشِيئَته وخلقه فَهُوَ بِاعْتِبَار الْحَقِيقَة الآجلة فالأعمال بخواتيمها والمنعم عَلَيْهِم فِي الْحَقِيقَة هم الَّذين يموتون على الْإِيمَان

وَقد يذكر تنَازع النَّاس فِي هَذَا الْبَاب

فالمثبتة للْقَضَاء وَالْقدر من متكلمه أهل الْإِثْبَات وَغَيرهم يلاحظون الْقدر من علم الله وَكتابه ومشيئته وخلقه وَقد يعرضون عَمَّا جَاءَ بِهِ الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد وَعَن الْحِكْمَة الْعَامَّة وَمَا فِي تَفْصِيل ذَلِك من الحكم الْخَاصَّة

ص: 355

وَأما من لم يُلَاحظ إِلَّا الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد فَقَط من الْقَدَرِيَّة وَمن ضاهاهم فِي حَاله فقد كفر بِمَا وَجب عَلَيْهِ الْإِيمَان بِهِ من خلق الله وَكتابه ومشيئته وتدبيره لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ الَّذين سبقت لَهُم مِنْهُ الْحجَّة بتدبير خَاص وَمن قَضَائِهِ على الْكفَّار بِمَا هُوَ فِيهِ عدل سُبْحَانَهُ كَمَا فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع مَاض فِينَا أَمرك عدل فِينَا قضاؤك وَلَا يظلم رَبك أحدا

وَإِذا عرف أَن كل وَاحِد من الِابْتِلَاء بالسراء وَالضَّرَّاء قد يكون فِي بَاطِن الْأَمر مصلحَة للْعَبد أَو مفْسدَة لَهُ وَأَنه إِن أطَاع الله بذلك كَانَ مصلحَة لَهُ وَإِن عَصَاهُ كَانَ مفْسدَة لَهُ تبين أَن النَّاس أَرْبَعَة أَقسَام مِنْهُم من يكون صَلَاحه على السَّرَّاء وَمِنْهُم من يكون صَلَاحه على الضراء وَمِنْهُم من يصلح على هَذَا وَهَذَا وَمِنْهُم من لَا يصلح على وَاحِد مِنْهُمَا

ص: 356

وَالْإِنْسَان الْوَاحِد قد تَجْتَمِع لَهُ هَذِه الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة فِي أَوْقَات مُتعَدِّدَة أَو فِي وَقت وَاحِد باعتبارها أَنْوَاع يَبْتَلِي بهَا

وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع أَن من عبَادي من لَا يصلحه إِلَّا الْغَنِيّ وَلَو أفقرته لأفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي من لَا يصلحه إِلَّا الْفقر وَلَو أغنيته لأفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي من لَا يصلحه إِلَّا السقم وَلَو أصححته لأفسده ذَلِك وَذَلِكَ أَنِّي أدبر عبَادي إِنِّي بهم خَبِير بَصِير

فَكَمَا أَن التنعم العاجل لَيْسَ بِنِعْمَة قي الْحَقِيقَة قد يكون فِي الْحَقِيقَة بلَاء وشرا بِاعْتِبَار الْمعْصِيَة فِيهِ وَالطَّاعَة الْمُتَقَدّمَة قد تكون حابطة وسببا للشر بِاعْتِبَار مَا يعقبها من ردة وفتنة فَكَذَلِك التألم العاجل قد يكون فِي الْحَقِيقَة خيرا ونعمة وَالْمَعْصِيَة الْمُتَقَدّمَة قد تكون سَببا للخير بِاعْتِبَار التَّوْبَة وَالصَّبْر على مَا تعقبه من مُصِيبَة لَكِن تتبدل الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة

وَهَذَا يَقْتَضِي أَن العَبْد مُحْتَاج فِي كل وَقت إِلَى الِاسْتِعَانَة بِاللَّه على طَاعَته وتثبيت قلبه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ص: 357