الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون
أصل الْمُوَالَاة الْحبّ وأصل المعاداة البغض
وأصل الْمُوَالَاة هِيَ الْمحبَّة كَمَا أَن أصل المعاداة البغض فَإِن التحاب يُوجب التقارب والاتفاق والتباغض يُوجب التباعد وَالِاخْتِلَاف وَقد قيل الْمولي من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب وَهَذَا يَلِي هَذَا أَي هُوَ يقرب مِنْهُ
والعدو من العدواء وَهُوَ الْبعد وَمِنْه العدوة وَالشَّيْء إِذا ولي الشَّيْء ودنا مِنْهُ وَقرب إِلَيْهِ اتَّصل بِهِ كَمَا أَنه إِذا عدي عَنهُ ونأي عَنهُ وَبعد مِنْهُ كَانَ مَاضِيا عَنهُ
فأولياء الله ضد أعدائه يقربهُمْ مِنْهُ ويدنيهم إِلَيْهِ ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم وَيكون عَلَيْهِم مِنْهُ صَلَاة وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم وَهُوَ إبعاد مِنْهُ وَمن رَحمته ويبغضهم ويغضب عَلَيْهِم وَهَذَا شَأْن المتوالين والمتعادين فَالصَّلَاة ضد اللَّعْنَة وَالرَّحْمَة والرضوان ضد الْغَضَب والسخط وَالْعَذَاب ضد النَّعيم
قَالَ تَعَالَى فِي حق الصابرين أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون
وَقَالَ تَعَالَى فِي حق الْمُنَافِقين عَلَيْهِم دَائِرَة السوء وَغَضب الله عَلَيْهِم ولعنهم وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا
وَقَالَ تَعَالَى فِي حق الْمُجَاهدين يبشرهم رَبهم برحمة مِنْهُ ورضوان وجنات لَهُم فِيهَا نعيم مُقيم
وَقَالَ تَعَالَى فِي قَاتل الْمُؤمن مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما
والمتلاعنان يَقُول الرجل فِي الْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين وَذَلِكَ يكون قَاذِفا وَقد قَالَ تَعَالَى إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم وَتقول الْمَرْأَة فِي الْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صَادِقا كَانَت زَانِيَة فاستحقت الْغَضَب الَّذِي هُوَ ضد الرَّحْمَة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فنهي عَن الرأفة بهما فِي دين الله
وَالْمُؤمن يغار وَالله يغار وغيرة الله أعظم كَمَا قد استفاض عَن النَّبِي فِي الصَّحِيح من غير وَجه أَنه قَالَ لَا أحد أغير من الله من أجل ذَلِك حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن
وَفِي بعض الْأَحَادِيث الصِّحَاح لَا أحد أغير من الله أَن يَزْنِي عَبده أَو تَزني أمته وَفِي بَعْضهَا إِن الله يغار وغيرته أَن يَأْتِي العَبْد مَا حرم عَلَيْهِ
والغيرة فِيهَا من البغض وَالْغَضَب مَا يدْفع بِهِ الْإِنْسَان مَا غَار مِنْهُ فالزنا وَإِن كَانَ صادرا عَن الشَّهْوَة والمحبة مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا فَإِن ذَلِك مُقَابل بضرورة التَّنَزُّه عَن الْفَوَاحِش والتورع عَن الْمُحرمَات فَأمر الله أَن
لَا تأخذنا بهما رأفة فِي دين الله فنهانا عَن أَن تكون منا رأفة تدفع الْعَذَاب عَنْهُمَا فضلا عَن أَن يكون محبَّة لذَلِك الْفِعْل وَلِهَذَا أخبرنَا بِهِ بِأَنَّهُ لَا يحب ذَلِك أصلا فَقَالَ تَعَالَى إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء وَمَا لَا يَأْمر بِهِ لَا أَمر إِيجَاب وَلَا أَمر اسْتِحْبَاب لَا يُحِبهُ قَالَ لوط عليه السلام إِنِّي لعملكم من القالين والقلي بغضه وهجره والأنبياء أَوْلِيَاء الله يحبونَ مَا يحب الله ويبغضون مَا يبغض
وَرُبمَا قيل القلي أَشد البغض فَالله سُبْحَانَهُ يبغض ذَلِك وَهُوَ سُبْحَانَهُ يبغض كل مَا نهي عَنهُ كَمَا أَنه يحب كل مَا أَمر بِهِ بل الْغيرَة مستلزمة لقُوَّة البغض إِذْ كل من يغار يبغض مَا غَار مِنْهُ وَلَيْسَ كل من يبغض شَيْئا يغار مِنْهُ فالغيرة أحض وأقوي
وَلَا ريب أَن الْمَرْأَة الْمُزَوجَة الزَّانِيَة اسْتحقَّت الْغَضَب لشيئين لأجل مَا فِي الزِّنَا من التَّحْرِيم وَلِأَنَّهَا اعْتدت فِيهِ على الزَّوْج فأفسدت فراشة وَلِهَذَا كَانَ للزَّوْج إِذا قذف امْرَأَته وَلم يَأْتِ بأَرْبعَة شُهَدَاء أَن يلاعنها لما لَهُ فِي ذَلِك من الْحق وَلِأَنَّهُ مظلوم إِذا كَانَ صَادِقا وَعَلِيهِ فِي زنَاهَا من الضَّرَر مَا يحْتَاج إِلَى
دَفعه بِمَا شَرعه الله كالمقذوف الَّذِي لَهُ أَن يَسْتَوْفِي حد الْقَذْف من الْقَاذِف الَّذِي ظلمه فِي عرضه فَكَذَلِك الزَّوْج لَهُ أَن يَسْتَوْفِي حد الْفَاحِشَة من الْبَغي الظالمة لَهُ المعتدية عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِي ص فِي حق الرجل على امْرَأَته وَأَن لَا يوطئن فرشكم من تكرهونه فَلهَذَا كَانَ لَهُ أَن يقذفها ابْتِدَاء وقذفها إِمَّا مُبَاح لَهُ وَأما وَاجِب عَلَيْهِ إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ لنفي النّسَب ويضطرها بذلك إِلَى أحد أَمريْن إِمَّا أَن تعترف فيقام عَلَيْهَا الْحَد فَيكون قد استوفي حَقه وتطهرت هِيَ أَيْضا من الْجَزَاء لَهَا والنكال فِي الْآخِرَة بِمَا حصل وَإِمَّا أَن تبوء بغضب الله عَلَيْهَا وعقابه فِي الْآخِرَة الَّذِي هُوَ أعظم من عِقَاب الدُّنْيَا فَإِن الزَّوْج مظلوم مَعهَا والمظلوم لَهُ اسْتِيفَاء حَقه إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَة قَالَ الله تَعَالَى
لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم بِخِلَاف غير الزَّوْج فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حق الافتراش فَلَيْسَ لَهُ قَذفهَا وَلَا أَن يُلَاعن إِذا قَذفهَا لِأَنَّهُ غير مُحْتَاج إِلَى ذَلِك مثل الزَّوْج وَلَا هُوَ مظلموم فِي فراشها لَكِن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزَّوْج مَا لَا يحْتَاج إِلَى اللّعان فَإِن فِي الْفَاحِشَة إِلْحَاق عَار بالأهل والعار يحصل بمقدمات الْفَاحِشَة
فَإِذا لم تكن الْفَاحِشَة مَعْلُومَة بِإِقْرَار وَلَا بَيِّنَة كَانَ عُقُوبَة مَا ظهر مِنْهَا كَافِيا فِي اسْتِيفَاء الْحق مثل الْخلْوَة وَالنَّظَر وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي نهي الله عَنْهَا وَهَذَا من محَاسِن الشَّرِيعَة
وَكَذَلِكَ كثيرا مَا يقْتَرن بالفواحش من ظلم غير الزَّانِيَيْنِ فَإِن إِذا حصل بَينهمَا محبَّة ومودة فَاحِشَة كَانَ ذَلِك مُوجبا لتعونهما على أغراضهما فَيبقى كل مِنْهُمَا يعين الآخر على أغراضه الَّتِي يكون فِيهَا ظلم النَّاس فَيحصل الْعدوان وَالظُّلم للنَّاس بِسَبَب اشتراكهما فِي الْقَبِيح وتعاونهما بذلك على الظُّلم كَمَا جرت الْعَادة فِي الْبَغي من النِّسَاء وَالصبيان أَن خدنه أَو المسافح بِهِ يحصل لَهُ مِنْهُ من الْإِكْرَام وَالعطَاء والنصر والمعاونة مَا يُوجب استطالة ذَلِك الْفَاجِر بترك حُقُوق الْخلق والعدوان عَلَيْهِم
وَأَيْضًا فَإِن محبته لَهُ قد تحمل الطَّالِب الرَّاغِب على أَخذ أَمْوَال النَّاس بِغَيْر حق ليعطيه ذَلِك وتحمله أَيْضا على ترك حُقُوق النَّاس وَقَطِيعَة رَحمَه لأجل ذَلِك الشَّخْص فَإِنَّهُ لَا يُمكن الْجمع بَين الْأَمريْنِ ويحمله أَيْضا على الِانْتِصَار لَهُ بالعدوان
فَفِي الْجُمْلَة الْمحبَّة توجب مُوَافقَة الْمُحب للمحبوب فَإِذا كَانَت الْمحبَّة فَاسِدَة لَا يُحِبهَا الله وَلَا يرضاها إِذا لم يَتَعَدَّ ضررها للاثنين تكون الْعقُوبَة لَهما حَقًا لله لَكِن هِيَ فِي الْغَالِب بل فِي اللَّازِم يتَعَدَّى ضررها إِلَى النَّاس فَإِن كل وَاحِد من الشخصين عَلَيْهِ حُقُوق للنَّاس وَهُوَ ينْهَى عَن الْعدوان عَلَيْهِم فَإِذا تحابا وتعاونا لم يتَمَكَّن كل مِنْهُمَا من الْقيام بِحُقُوق النَّاس وَاحْتَاجَ إِلَى أَن يعتدي عَلَيْهِم
وَلَا يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يعْتَبر بِظَاهِر مَا يُقَال إِن الْإِنْسَان إِذا فعل فَاحِشَة فَإِن الْإِثْم عَلَيْهِ خَاصَّة وَلَيْسَ ذَلِك بظُلْم للْغَيْر فَإِن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَاحِشَة الْمَحْضَة مثل الزِّنَا الْمَحْض الَّذِي لم يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فإمَّا زنا الزَّوْجَة فَفِيهِ ظلم بالِاتِّفَاقِ كَمَا بَيناهُ
وَكَذَلِكَ الْمحبَّة والعشق الْفَاسِد فَإِن هَذَا أعظم ضَرَرا من الزِّنَا مرّة وَاحِدَة
فَإِن الرجل إِذا زنا مرّة أَو مرَّتَيْنِ حصل غَرَضه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة ثمَّ إِنَّه قد يكون بعوض من أَحدهمَا للْآخر وَقد لَا يكون فَرُبمَا كَانَ فِيهِ ظلم للْغَيْر
وَأما الْمحبَّة والعشق فَإِن ذَلِك مُسْتَلْزم للعدوان على غَيرهمَا فِي الْعَادة فَإِن الْمحبَّة توجب أَن يُعْطي المحبوب من الْمَنَافِع وَالْأَمْوَال مَا يُوجب حرمَان الْغَيْر والعدوان عَلَيْهِ وَيُوجب من الِانْتِصَار للمحبوب وَالدَّفْع عَنهُ مَا فِيهِ أَيْضا ترك حق الْغَيْر والعدوان عَلَيْهِ أَلا تري أَن الرجل إِذا أحب غير امْرَأَته أَو الْمَرْأَة إِذا أحبت غير زَوجهَا قصر كل مِنْهُمَا فِي حُقُوق الآخر واعتدي عَلَيْهِ بل إِذا أحب الرجل امْرَأَة أَو صَبيا قصر فِي حُقُوق أَهله وأصدقائه مِمَّن لَهُ عَلَيْهِ حق بل وظلمهم أَيْضا كَمَا يظلم غَيرهم لأَجله وَهَذَا سوى مَا فِي ذَلِك من حق الله الَّذِي يُوجب غليظ عِقَابه وَإِن كَانَ الرجل الْعَاقِل قد يقوم من الْحُقُوق بِمَا يُمكن ويدع الظُّلم بِحَسب الْإِمْكَان إِلَّا أَن هَذَا مَظَنَّة وَسبب لذَلِك وَهَذَا مِمَّا يُوجب تحير الرجل وتردده وتلومه إِلَى الْحق تَارَة وَإِلَى الْبَاطِل أُخْرَى وَهَذَا مرض عَظِيم كَمَا ذكر الله تَعَالَى ذَلِك فِي قَوْله فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض وَأما مَا فِي ذَلِك من ظلم كل مِنْهُمَا لنَفسِهِ ولخدنه فَذَاك ظَاهر لكنهما ظلما أَنفسهمَا فهما الظالمان المظلومان وَأما الْغَيْر فظلماه بِغَيْر رِضَاهُ وَلَا اخْتِيَاره
وَكَذَلِكَ مَا تُفْضِي إِلَيْهِ هَذِه الْمحبَّة الْبَاطِلَة من ظلم كل مِنْهُمَا للْآخر إِمَّا بقتْله وَإِمَّا بتعذيبه بِغَيْر الْحق وَإِمَّا مَنعه من الِاتِّصَال بِالنَّاسِ وَفعل مَا يخْتَار
من مصلحَة وَغَيرهَا فَفِيهَا هَذِه الْمَفَاسِد كلهَا وأكبر مِنْهَا لَكِن ذَلِك ظلم مِنْهُمَا لأنفسهما مبدؤه المحبه الْفَاسِدَة
وَلِهَذَا أَمر سُبْحَانَهُ أَن لَا تأخذنا بهما رأفه فِي دين الله فَإِن الرأفة وَالرَّحْمَة توجب أَن توصل للمرحوم مَا يَنْفَعهُ وتدفع عَنهُ مَا يضرّهُ وَإِذا رأف بهما أحد لأجل مَا فِي قلوبهما من الشَّهْوَة والمحبة وَغير ذَلِك وَترك عذابهما كَانَ ذَلِك جالبا لما يضرهما ودافعا لما ينفعهما فَإِن ذَلِك مرض فِي قلوبهما وَالْمَرِيض الَّذِي يَشْتَهِي مَا يضرّهُ لَيْسَ دواؤه إعطاءه المشتهي الضار بل دواؤه الحمية وَإِن آلمته وإعطاؤه مَا يَنْفَعهُ وتعويضه عَن ذَلِك الضار بِمَا أَمر مِمَّا لَا يضر
فَهَكَذَا أهل الشَّهَوَات الْفَاسِدَة وَإِن أضرمت قُلُوبهم نَار الشَّهْوَة لَيْسَ رحمتهم والرأفة بهم تمكينهم من ذَلِك أَو ترك عَذَابهمْ فَإِن ذَلِك يزِيد
بلاءهم وعذابهم والحرارة الَّتِي فِي قُلُوبهم مثل حرارة المحموم متي مكن المحموم مِمَّا يضرّهُ ازْدَادَ مَرضه أَو انْتقل إِلَى مرض شَرّ مِنْهُ
فَهَذِهِ حَال أهل الشَّهَوَات بل تدفع تِلْكَ الشَّهْوَة الحلوة بضدها وَالْمَنْع من موجباتها ومقابلتها بالضد من الْعَذَاب المؤلم وَنَحْوه الَّذِي يخرج الْمحبَّة من الْقلب كَمَا قيل
فَإِنِّي رَأَيْت الْحبّ فِي الْقلب والأذى
…
إِذا اجْتمعَا لم يلبث الْحبّ يذهب
فَإِذا كَانَ يحصل بالمحبة ونيل الشَّهْوَة أَمر مِمَّا يزِيد ألمه على لذتها انكفت النَّفس وَكَذَلِكَ إِذا حصل بدله أَمر لذيذ أطيب مِنْهُ اغتاظت النَّفس فاللذيذ يتْرك لما يرجح عَلَيْهِ من لذيذ وأليم كَمَا أَن الْأَلِيم مُحْتَمل لما يرجح عَلَيْهِ من لذيذ وأليم وَإِذا تكافئا تقابلا فَلم يغلب أَحدهمَا الآخر بل تبقي الْأُمُور على مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذا اسْتَوَت الدَّوَاعِي والصوارف وَاحْتِمَال الْأَلِيم وفوت اللذيذ وَإِن كَانَ فِيهِ مرَارَة فَذَلِك يدْفع بِهِ مَا هُوَ أَمر مِنْهُ ويجلب بِهِ مَا هُوَ أرجح مِنْهُ من الحلو
وَلَكِن هَذَا من محبَّة بني آدم وفتنتهم الَّتِي لَا بُد مِنْهَا وَهِي محالفة الْأَهْوَاء فَلَا تقوم مصلحَة أحد من بني آدم بِدُونِ ذَلِك أبدا لَا مصلحَة دُنْيَاهُ وَلَا مصلحَة دينه كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أجمع عقلاء كل أمة على أَن النَّعيم لَا يدْرك بالنعيم وَلَا بُد من الصَّبْر فِي جَمِيع الْأُمُور قَالَ تَعَالَى وَالْعصر إِن
الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ
فَلَا بُد من التواصي بِالْحَقِّ وَالصَّبْر إِذْ أَن أهل الْفساد وَالْبَاطِل لَا يقوم باطلهم إِلَّا بصبر عَلَيْهِ أَيْضا لَكِن الْمُؤْمِنُونَ يتواصون بِالْحَقِّ وَالصَّبْر وَأُولَئِكَ يتواصون بِالصبرِ على باطلهم كَمَا قَالَ قَائِلهمْ أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم إِن هَذَا لشَيْء يُرَاد
فالتواصي بِالْحَقِّ بِدُونِ الصَّبْر كَمَا يَفْعَله الَّذين يَقُولُونَ آمنا بِاللَّه فَإِذا أوذي أحدهم فِي الله جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله وَالَّذين يعْبدُونَ الله على حرف فَإِن أصَاب أحدهم خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
والتواصي بِالصبرِ بِدُونِ الْحق كَقَوْل الَّذين قَالُوا أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم كِلَاهُمَا مُوجب للخسران وَإِنَّمَا نجا من الخسران الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ وَهَذَا مَوْجُود فِي كل من خرج عَن هَؤُلَاءِ من أهل الشَّهَوَات الْفَاسِدَة وَأهل الشُّبُهَات الْفَاسِدَة أهل الْفُجُور وَأهل الْبدع
وَمَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْمحبَّة الْفَاسِدَة توجب ظلم المتحابين لأنفسهما