الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1156] باب معنى ما ينسب لأبي حنيفة من قوله: "الله يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق"، والكلام على أقسام التوحيد وما يقابله من الشرك
الملقي: ما رأيك بقول الإمام أبي حنيفة في متن شرح الفكر الأكبر لعلي القارئ ص (51): وأن الله يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق، نظراً إلى أن هذا القول إن ثبت عن أبي حنيفة يوافق عقيدة الأشاعرة في المسألة، وأن أبا حنيفة من السلف؟
الشيخ: سؤالك هذا يفتح لي باباً جديداً من العلم لا بد أن أذكرك به، وأن ألفت نظرك إليه، الإسلام كما تعلم قال في القرآن الكريم وهذا من مزاياه أنه حذر المسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع الأولون من اليهود والنصارى فقال في حق هؤلاء:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (التوبة:31) هذه الآية حين نزلت كان في المجلس رجل عربي من العرب النوادر الذي كان بالتعبير العصري مثقفاً يومئذٍ غير أمي، العرب أميون إلا النادر منهم، فهذا كان من هؤلاء النادرين كان مثقفاً، كان متعلماً، قرأ الكتاب المعروف بـ «الكتاب المقدس» ، الذي يحوي التوراة والإنجيل، فوجد التوراة والإنجيل خير مما وجد عليه قومه يعبدون التماثيل والأصنام، وجد هناك شيئاً من الأخلاق، شيئاً من التشريعات، حيث لا يجد شيئاً من ذلك إطلاقاً في الوثنية الجاهلية فتنصر، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على نصرانيته جاء وقد علق الصليب على صدره، فأنكر الرسول عليه السلام ذلك عليه، ثم هداه الله عز وجل وأسلم وحسن إسلامه، وأخذ يتفقه ويجلس مجالس الرسول عليه السلام، ذات يوم لما نزلت هذه الآية:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (التوبة:31)،
وهو كان من أولئك النصارى قال: يا رسول الله ما اتخذناهم أرباباً من دون الله! تبادر إلى ذهن عدي بن حاتم رضي الله عنه إلى أن مقصود الآية: يعني اعتقدوا في أحبارهم أنهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون وو الخ، قال:«ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه، وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه؟» قال: أما هذا فقد كان، قال:«فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله» .
فالمقصود: المسلمون حتى اليوم والحمد لله لا يزالون يوجد فيهم من يحافظ على التوحيد بكامله؛ لأن التوحيد الذي يستنبط من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يختلف تماماً عن التوحيد الموجود عند النصارى وعند اليهود، بل وأرجو أن لا يقع ثقيلاً على مسامعك: وحتى بعض المسلمين، التوحيد الذي جاء في القرآن وفي السنة يجهله كثير من المسلمين، فضلاً عن أهل الأديان الأخرى؛ ذلك لأن التوحيد الذي دعت إليه الرسل كلهم دون استثناء أحد منهم هو يعني توحيد الله عز وجل في ذاته، أي: لا ند له لا خالق معه، لا رازق معه، وهذا أمر يشترك فيه حتى المشركون، المشركون الذين بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يعتقدون أن الخالق هو واحد لا ند له في خالقيته، ولكنهم مع ذلك وصفوا في عديد من الآيات بأنهم مشركون، وأن الله قال لهم:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:22) فما هي الأنداد التي جعلوها لله عز وجل، وأنكرها الله عليهم؟ مع أنهم كانوا يقولون بصريح القرآن الكريم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان:25)؛ إذاً خلق السموات والأرض، هم يعتقدون أنه واحد لا شريك، فإذاً أين شركهم، ما دام أنهم يوحِّدون الله في ذاته، هنا يكمن جهل كل الأديان التي أشرنا إليها آنفاً، وبعض الجهلة من المسلمين، حيث يفهمون معنى: لا إله إلا الله، حتى رأيت بعض الرسائل لبعض المشايخ
فسرها (لا إله إلا الله) أي: لا رب إلا الله، وهذا تفسير خاطئ جداً جداً، بحيث يترتب منه أن مشركاً يهودياً كان أو نصرانياً قال: لا رب إلا الله، لا يدخل في الإسلام؛ لأنه لا رب إلا الله كان المشركون كما سمعت آنفاً من القرآن يقولون: الخالق هو رب العالمين هو واحد، إذاً لماذا بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هؤلاء المشركين أن يدعوهم إلى أن يعتقدوا أن خالق السموات والأرض هو الله وحده لا شريك له، لا، هذا اسمه تحصيل حاصل، تفهم مني تحصيل حاصل؟
يعني شيء كان موجوداً في قرارة نفوس المشركين هؤلاء، لكن هو دعاهم إلى شيء كانوا أحوج ما يكونون إليه، كالأرض العطشى إلى ماء السماء.
قال الله عز وجل في القرآن الكريم، هذه الآية الجواب لتساؤلي السابق: لماذا أرسل الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى هؤلاء المشركين ما دام أنهم كانوا يعترفون بأن الخالق هو واحد لا شريك له، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، هنا في شيء يسمى عند العلماء بـ «طي من الكلام» ، وهذا من إعجاز القرآن:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (الزمر:3)، وين الطي وين الاختصار؛ إذا قيل لهم: لماذا اتخذتم هؤلاء أولياء من دون الله؟ قال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، فهم اعترفوا بشيئين: الشيء الأول: أنهم يعبدونهم من دون الله. وأنهم إنما يعبدونهم ليوصلوهم إلى الله، فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إليهم ليخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، لم يدعهم إلى الاعتقاد بأن الخالق واحد؛ لأنه هذا كما قلنا تحصيل حاصل، لكن مع اعترافهم أن الخالق المحيي المميت هو واحد لا ند له ولا شريك له كانوا يعبدون معه غيره كما في هذه الآية وآيات كثيرة وكثيرة جداً.
مثلاً نحن قلنا آنفاً لو أن مشركاً مهما كان دينه قال: لا رب إلا الله، لا يدخل في الإسلام؛ لأنه آمن إيمان المشركين، وهو يجب أن يؤمن إيمان الموحدين، الموحدون حقاً يوحدون الله في ذاته، يوحدون الله في عبادته، لا يعبدون معه غيره، كما يفعل النصارى مثلاً؛ يعبدون عيسى عليه السلام، يوحدونه في أسمائه وفي صفاته، فإذا مسلم آمن بأن الله واحد في ذاته، كما كان المشركون يقتصرون على هذا التوحيد، ثم أضاف هذا المسلم إلى ذلك أنه يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره، مثلاً: لعلك تسمع أن كثيراً من المسلمين الطيبين الصالحين إذا وقعوا في ضيق ينادون من؟ من يسمونه بـ «البدوي» ، وبـ «سيدي عبد القادر» ، ونحو ذلك من الأولياء والصالحين يدعونهم من دون الله، فهم يفعلون فعل الجاهلية الأولى، فإذاً قولهم: لا إله إلا الله، لم يفدهم، لم ينقذهم من الشرك؛ لأن الشرك ثلاثة أنواع كالتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، من أنكر وجود الله كالدهريين مثلاً، هذا مشرك، أشرك عقله، ونفى وجود ربه، أما لو آمن بوجود الله وأنه خالق، ولكنه يعبد غيره، يعبد هواه، كما في الآية القرآنية؛ كيف الآية؟
مداخلة: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23).
الشيخ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثية:23) شايف؟ فإذاً هذا الذي أسلم وقال: الله في ذاته لا شريك له، هذا لا بد منه، ثم لا يعبد إلا الله عز وجل، ولكنه يعطي صفة من صفات الله لعبد من عباد الله ما يكون مؤمناً بـ لا إله إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله تشمل هذه الأنواع الثلاثة؛ فمن آمن بالله واحداً في ذاته، واحداً في عبادته، واحداً في صفاته وأسمائه فهذا هو الذي يدخل الجنة، وهو الموعود بقوله:«من قال: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة» ، أو كما في الحديث الآخر:«نفعته يوماً من دهره» ، أما الإخلال بشيء من هذا التوحيد الثالث وهو توحيد الأسماء
والصفات أو توحيد العبادة فهذا لا يكون مسلماً؛ لذلك قال تعالى في حق المشركين الذين آمنوا بأن الله هو الخالق: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (الصافات:35)، لماذا يستكبرون، وهم يقولون: الله هو الذي خلق السموات والأرض؟ لماذا يستكبرون أن يقولوا: لا إله إلا الله؟ لأنهم عرب وأنهم يفهمون أن معنى لا إله إلا الله، ليس معنى لا رب إلا الله، بل المعنى أوسع بكثير من هذا المعنى الضيق، لا رب إلا الله، هذا أساس التوحيد، ثم لا بد أن يضم إلى ذلك عبادته وحده لا شريك له في العبادة، ثم توحيد الأسماء والصفات، وأنا أضرب لك الآن مثلاً فيما يخل بتوحيد الصفات، إذا مسلم اعتقد بأن الشيخ الفلاني يعلم الغيب؛ هل يكون موحداً؟
الملقي: يفرق بين
…
بين بعض الناس، وبين كل الناس.
الشيخ: يمكن أن تشرح لي لأفهم عليك؟
الملقي: مثلاً هذا الرجل الذي يجلس هنا يعرف ماذا في [تفسير] آية الكرسي. فهذا غيب بالنسبة إليه،
الشيخ: لا
الملقي: وليس غيباً بالنسبة لما هو
…
الشيخ: معليش
الملقي: هاه.
الشيخ: لكن هذا أمر واقع، هذا الغيب النسبي.
الملقي: نعم
الشيخ: وأنا أقول لك ما هو يعني أبعد عن الناس، هؤلاء الفلكيون الذين يخبروننا قبل سنين بخسوف الشمس والقمر، هذا غيب نسبي، ولكن هل يستطيع أحد أن يقول: أنا أعلم ما في اللوح المحفوظ؟
الملقي: كيف؟!
الشيخ: هاه.
الملقي: كيف يعلم؟! ....
الشيخ: هاه، فإذا قال فلان يغيب، ويقرأ ما في اللوح المحفوظ؛ هل يكون شهد بـ: لا إله إلا الله، هل يكون آمن بكتاب الله:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، نحن نعلم مع الأسف الشديد، لذلك قلت لك، وأنا لك ناصح أمين: أخشى على إسلامك أن يداخله شيء مما يفسد عليك إسلامك، مما قد تسمعه من بعض من يظن أنه مسلم وصالح وعالم، فنحن نعلم من الكتب ومن مشاركتنا ومخالطتنا بالناس أن كثيراً من هؤلاء المسلمين مع الأسف الشديد يعتقدون بأن بعض الأولياء والصالحين يعلمون الغيب، يعلمون الغيب، بالرغم من النصوص القاطعة في القرآن وفي السنة، وأنا تلوت على مسامعك الآن الآية الصريحة {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، وهناك حديث في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بجوارٍ من الأنصار وهن يغنين، ويقلن فيما يقلن: وفينا نبيٌ يعلم ما في غد، فقال:«لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا وقولي ما كنت تقولين» ، هي قال: يعلم ما في غد، لعلك سمعت من بعض المشايخ أو الصوفيين أو الطرقيين أنهم يتناشدون في مجالسهم التي يسمونها بمجالس الذكر، يخاطبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول البوصيري:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
ألم تسمع هذا؟
الملقي: لا لا ما سمعت.
الشيخ: احمد الله عز وجل.
الملقي: الحمد لله.
الشيخ: احمد الله عز وجل، ولكن أنا أُذكِّرك الآن لا بد أنك ستسمع إن لم تكن سمعت كما قلت، هذا يتقربون به إلى الله، وينشدون هذا النشيد يخاطبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة الكفر، وأنا أعرف في سوريا كانوا إذا جلسوا مجلس ذكر جاؤوا بوعاء فيه ماء، بيسموها (شربة) شو بتسموها انتوا؟
مداخلة: شربة شيخنا.
الشيخ: شربة، عرفت هذه؟
الملقي: نعم
الشيخ: وعاء من الفخار.
الملقي: وعاء من الفخار
الشيخ: كهذه الشربة، شايف هذه؟ من فخار ممتلئة ماءً فيضعونه في وسط الحلق، وهم ينشدون ويطربون ويميلون، ويخاطبون الرسول عليه السلام بقولهم:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
الملقي: ضرتها، شو معنى ضرتها؟
الشيخ: كيف؟
الملقي: ضرتها ما معناها؟
الشيخ: آه، الضرة الآخرة. فإن من جودك الدنيا وضرتها، يعني الآخرة.
مداخلة: الدنيا والآخرة.
الملقي: آه.
الشيخ: وهذا هو عين الكفر.
مداخلة: الله أكبر.
الشيخ: لأنه كيف يتصور المسلم أن المسلم يجود في الدنيا معليش، لكن في الآخرة هاللي وصفها الرسول عليه السلام بقوله:«يها ما لا عين رأت، و .. » .
مداخلة: ولا أذن سمعت.
مداخلة: «ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (1)، وفيها أكبر نعمة هي: رؤية الله عز وجل في الآخرة، كما قال رب العالمين:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22، 23)، وقال في القرآن الكريم
…
الآية؛ للذين أحسنوا، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26) للذين أحسنوا في الدنيا: آمنوا بالله ورسوله، لهم الحسنى؛ أي: الجنة، وزيادة؛ أي: رؤية الله عز وجل في الآخرة، وجاء في بعض الأحاديث أن أهل الجنة حينما يرون ربهم ينسون نعيم الجنة ولا
(1)"البخاري"(رقم3072).
شك، وهذا أمر طبيعي جداً، حينما يرى إنسان حبيباً له من البشر من طين، ينسى كل شيء، فما بال هذا الإنسان يرى رب العالمين؛ كيف يقال أن مسلماً عادياً يطلق الدنيا ويجود بالدنيا وبضرتها الآخرة، لو نسب هذا القول المسلم أقل مسلم علماً وعملاً صالحاً لكان خطأً كبيراً، فكيف ينسب هذا القول إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم: ومن علومك علم اللوح والقلم؛ وأنت تعلم كما أظن (من) للتبعيض، تعرف هذا؟
الملقي: نعم.
الشيخ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (التوبة:103) مش خذ أموالهم كلها.
الملقي: نعم.
الشيخ: خذ بعض أموالهم، من بعض أموالهم إلى آخره، فهون يخاطب الرسول عليه السلام الذي قال للجارية:{لا يعلم الغيب إلا الله} ، هو يقول:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
علم اللوح والقلم أحاط بكل شيء كان وما سيكون، إذاً الرسول عليه السلام أحاط بهذا علماً، وهذا بعض علمه، فهذا كله مما يوجد في عقائد كثير من المسلمين اليوم.
الملقي: توحيد الأسماء والصفات، شو موضع الشاهد بالنسبة لنفي الحروف المنسوب إلى أبي حنيفة؟
الشيخ: أحسنت، لا، هذا لسه ما وصلنا إليه، هذا ما وصلنا إليه، أنا أريد أن يعني أن أُذكِّرك بأشياء قد تسمعها فتكون على بصيرة منها أنها لا صلة لها بالإسلام، فيجب على كل مسلم أن يعرف أن التوحيد له ثلاث أقسام؛ يقابله الشرك له ثلاثة أقسام، توحيد الربوبية، توحيد العبادة، توحيد الأسماء والصفات،
فتوحيد الأسماء والصفات كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فيجب على المسلم أن يصف ربه بما وصف به نفسه، ولكن وصف نفسه بالتنزيه أو بالإثبات ثانياً، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، ثم أثبت فقال:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فلا يجوز نحن أن نشبهه بالخلق؛ لأنه منزه عن مشابهة للحوادث، ولا يجوز أن ننفي صفة من صفاته بزعم أن هذه الصفة فيها تشبيه لله عز وجل بالحوادث، وإنما نحن مع الكتاب تنزيهاً وإثباتاً.
فإذا عرفت هذه الحقيقة، الآن أعود إلى ما سألته في الأول: الحروف تستطيع أن تقول: الله ينزه عن الحرف المعهود عندك وعندي، هذا الذي يحتاج إلى جوف، ويحتاج إلى لسان، ولهاة وو الخ، طبعاً رب العالمين منزه عن هذه الأشياء كلها، فحينما ينقل عن أبي حنيفة مثل تلك الرواية، أنا بدأت بآية: اتخذوا أحبارهم؛ لماذا؟ لنقول: إذا جاءنا قول عن إمام من أئمة المسلمين، نحن هذا الإمام لا نتخذه إلهاً كما فعلت النصارى بعيسى، نحن نؤمن بإمامته، ولا نؤمن بعصمته، واضح؟
الملقي: نعم.
الشيخ: حينئذٍ أي قول جاءنا عن إمام قبل كل شيء نريد أن نتثبت من نسبته إليه، بعد ذلك إن صح هذا القول عرضناه على الكتاب والسنة، مثل هذا القول نحن لا نؤمن به.
الملقي: نسبة الكتاب له هو صحيح؟
الشيخ: لا مو صحيح، يعني أبو حنيفة لم يؤلف كتاباً في حياته، هذا الذي ألفه بعض أتباعه من بعده، ففي هذا الكتاب ما يوافق الكتاب والسنة، وما يخالف ذلك.
الملقي: ممكن مدلس عليه.
الشيخ: كيف؟
الملقي: مدلس على أبي حنيفة الكتاب؟
الشيخ: منسوب منسوب إليه، لا يقال مدلس، منسوب إليه، هناك كتب كثيرة منسوبة لغير مؤلفيها
الملقي: نعم.
الشيخ: لكن أنت ما يهمك هذه الناحية مع أني أجبتك، هذا الكتاب منسوب إلى أبي حنيفة، أبو حنيفة ليس له كتاب، كل الأئمة الأربعة كلهم لهم كتب بنسب متفاوتة كثرةً وقلة، إلا الإمام الأول بالنسبة للطبقة وهو أبو حنيفة، فليس له كتاب، وإنما هناك له تلامذة وله روايات تروى عنه، ولذلك فما ينبغي أن نهتم نحن بـ هل هذا الكتاب صحيح النسبة لأبي حنيفة أو لا؟ فيما يتعلق بموضوعنا.
الملقي: نعم.
الشيخ: مع أني قلت لك: الذي نعرفه أن هذا الكتاب لا تثبت نسبته إلى أبي حنيفة، لكن افترض، نحن نبتلى بكثير من الناس المتعصبين المذهبيين نبتلى بكثير من هؤلاء المتعصبة، من يتعصبون لقول الإمام، قد يكون هذا القول صحيح النسبة إليه، وقد لا يكون صحيح النسبة إليه، نحن الآن نفترض أن هذا القول أو هذا الكتاب كله صحيح النسبة لأبي حنيفة، وقال هذا الكلام، نحن لا نقبله؛ لماذا؟ لأننا نعلم أن المبتدعة الذين خالفوا عقيدة السنة وأهل السنة وأهل الحديث هم الذين يقولون بنفي هذه الأشياء أي الحروف واللفظ ونحو ذلك، يتوصلون منها لنفي ما صرح القرآن الكريمة والسنة الصحيحة. مثلاً أنا أربطك الآن بالمشكلة
الأساسية، لا شك أن الله عز وجل من صفته الكلام، حيث رب الأنام:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)،والقرآن باتفاق المسلمين هو كلام الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: الم، حرف؛ بل ألف حرف، لام حرف، ميم حرف» (1) إذاً قد قال الله: {كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164)، إذا نثبت كلام الله عز وجل، ولا ننفيه بشيء من التأويل، ونثبت أن كلام الله حروف، كما سمعت من قوله عليه السلام:«من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات» ، لكننا حينما نثبت هذا وذاك لا نقول: كلام الله ككلامنا، ولا نقول: الحرف الذي يخرج من كلام الله عز وجل هو ككلامنا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فنثبت ما أثبت وننفي ما نفى، ما الذي نفى؟ {ليس كمثله شيء} ، ما الذي أثبت، أثبت السمع والبصر، هذا هو السمع هو هذا؟! الذي أثبته لنفسه هو هذا؟
الملقي: لا.
الشيخ: حاشا، أثبت لنفسه السمع؛ هو هذا؟ حاشا، إنما هنا كلمة لبعض المحدثين، وهو بالضبط أبو بكر الخطيب صاحب تاريخ بغداد، تسمع به ولا بد، يقول كلمة حق لو وقف عندها الفرق التي اختلفت في الكلام الإلهي اختلافاً كثيراً لاتفقوا جميعاً على كلمة سواء، كما قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (آل عمران:64)، كذلك لو اتفقوا على هذه الكلمة التي ذكرنا بها الخطيب رحمه الله لزال الخلاف وهو: يقال في الصفات ما يقال في الذات، هل نحن
(1)"صحيح الجامع"(رقم6469).
نعلم كيفية الذات؟
الملقي: لا.
الشيخ: لا لا نعلم كيفية الذات أليس كذلك؟ لكننا نؤمن بأن الله ذات مش معنى ذهني قائم فقط ليس له وجود خارج، فمالذي نقوله في الذات نقوله في الصفات؛ لأنه الصفات متعلقة بالذات، فكما نؤمن بوجود الذات الإلهية نؤمن تماماً بوجود الصفات الإلهية، كما نؤمن بأن ذاته ليست كالذوات كذلك نقول: صفاته ليست كالصفات، الآن الكلام ما موقف المسلمين إلى اليوم: ثلاثة مذاهب، تعرف هذا أنت ولا بد؟
الملقي: سمعت.
الشيخ: ثلاث مذاهب: مذهب المعتزلة؛ يقولون: الله لا يتكلم. آه، وحينما يأتون إلى قوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:164) يقولون الله ما تكلم، إنما التي تكلمت هي الشجرة، فنفوا الكلام صراحة؛ لماذا؟ قالوا: لأنه الكلام صفة الإنسان.
الملقي: نعم
الشيخ: فإذا قلنا الله يتكلم معناه شبهناه بالمخلوق، فهذا منتهى الجهل والضلال.
الملقي: نعم، قتل الجهم في نفس هذه المسألة.
الشيخ: فأقول: هذا منتهى الجهل والضلال، لم؟ أنت وأنا وكل هذه المخلوقات من إنس وجن وملائكة وجماد وو الخ، كمان موجودات، فنحن بين
أحد شيئين، إما أن نقول: الله غير موجود؛ لأننا إذا قلنا موجود صار فيه اشتراك بيننا وبينه، وهذا هو التشبيه، فإذا ماذا نقول؟ نقول كما قالت المعتزلة: ننفي، نقول الله غير موجود؛ لأنه هذا فيه تشبيه للرب الموجود بالمخلوقات إذاً هو غير موجود، وهذا ضلال بين، إذا ماذا نفعل؟ نقول كما قال أهل وحدة الوجود، أظن تعرف شيئاً عنهم؟
الملقي: نعم سمعت
…
الشيخ: آه، هؤلاء الذين يقولون:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا
…
وما الله إلا راهب في كنيسة
وكل ما تراه بعينك فهو الله، ولما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، أي: هو هو، لا شيء إلا هو، حينئذٍ فكل ما تراه بعينك فهو الله، هذا هو الوجود؛ لذلك هم يسمون أنفسهم بـ أهل التوحيد، نحن الذين نقول: لا إله إلا الله، نحن مشركون؛ لأننا أوجدنا شيئاً مع الله، هذا هو الضلال المبين بسبب أيش؟ عدم التمسك بالآية:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، نثبت ما أثبت مع التنزيه، وننزه كما نزه، الشاهد المعتزلة قالوا: الله لا يتكلم، الأشاعرة قالوا: كيف؟! الله بيتكلم، لكن داروا، ولفوا، ووصلوا عند المعتزلة بالتأويل، فقالوا بالكلام النفسي، سمعت بهذا؟
الملقي: نعم، نعم.
الشيخ: الكلام النفسي.
الملقي: نعم كلام النفس
…
الشيخ: آه الكلام النفسي، معناها أنهم التقوا مع المعتزلة بأن الله لا يتكلم كلاماً مسموعاً، وأنت ذاكر معي قول الله عز وجل:{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:12، 13)، هنا الشاهد، فاستمع لما يوحى، فالكلام النفسي لا يسمع، الآن أنا في صدري كلام أنت ما تسمعه.
الملقي: نعم
الشيخ: وأنت في صدرك كلام أنا لا أسمعه، لا يحسن لي أن أخاطبك أنت: اسمع لكلامي الذي في نفسي، وإنما قد أقول لك: افهم ما في نفسي. أما اسمع، هذا لا يقال، فكيف يؤول الكلام الإلهي المصرح في الآية عند الأشاعرة بأنه كلام نفسي، الله يقول:{فاستمع لما يوحى} إذاً هو كلام، أي كلام مسموع، لكن نحن كيف، لهاة وفم وأضراس وأسنان والخ، هذه أشياء نبرأ إلى الله من أن نخوض فيها، فإذاً الأشاعرة لما أولوا الكلام أثبتوا شيئاً لم يتعرض له القرآن، القرآن تعرض لإثبات العلم الإلهي، فإذا قلنا بالكلام النفسي وفسرناه بالعلم الإلهي فممكن أن يكون هذا كلام معقول، لكن هو العلم، ولماذا نسميه بالكلام النفسي تضليلاً.
في النهاية هم يقولون بأن القرآن هذا لم يصدر من الله عز وجل، وهذا خلاف عقيدة المسلمين جميعاً، والسبب أنهم وقفوا عند صفة الكلام فاختلفوا ثلاث مذاهب: المعتزلة صرحوا بأن الله لا يتكلم، أي: إنه وقعوا في شر ما منه فروا، الذي لا يتكلم هو الجماد، صح؟ فإذاً وصفوا الله عز وجل بالجماد؛ إذاً ما الحل؟ الحل إنكار وجوده وانتهت المشكلة كلها، فالمهم فالأشاعرة التقوا مع المعتزلة في إنكار الكلام الإلهي، وهذا يلزم منه يا أخا الإسلام إنكار عشرات
الآيات، ربنا عز وجل حينما خاطب الملائكة وقال لهم:{اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} (البقرة:34) أليس هناك كلام تسمعه الملائكة ويأمرهم وأيضاً كان إبليس يعبد الله معهم، {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ} (الحجر:30، 31)، {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (المائدة:116)، ما يسمع عيسى عليه السلام حينما يخاطبه رب الأنام بهذا .. ، هذا كله تعطيل لعشرات إن لم نقل مئات النصوص للكتاب والسنة، بسبب أيش: التأويل، وتحكيم العقل، وقياس الغائب، غيب الغيوب هو الله تبارك وتعالى على الشاهد وهو البشر، يبقى المذهب الثالث يقول: نحن نثبت لله ما أثبت لنفسه، أثبت لنفسه الكلام، وأن هذا القرآن هو كلام الله وليس كلام مخلوق من خلق الله عز وجل أبداً، ولكن كيف؟ لا ندري، لعلك سمعت قول الإمام مالك رحمه الله حينما جاءه سائل قال له: يا مالك .. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا هذا الرجل.
مداخلة: والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
الشيخ: بدعة أخرجوا هذا الرجل فإنه مبتدع، فقال له: الاستواء معلوم لغة، وهو العلو، فالله عز وجل فوق المخلوقات كلها، كما نقرأ في القرآن: سبحان ربي الأعلى (1) ونقوله في السجود والخ، لكن استواؤه ليس كاستوائي أنا على الكرسي وأنت وغيرك من البشر، هو استواء يليق بعظمته وجلاله، لا نقول كما يقول -أيضاً- المعتزلة والأشاعرة وغيرهم اليوم، يكون هنا مجلس كهذا المجلس يقول أحدهم في ظنه أنه يذكر الله: اللـ آآآآآآآآآ ـه موجود في كل وجود، اللـ آآآآآآآآآ ـه
(1) في القرآن: (سبح اسم ربك الأعلى).
موجود في كل وجود، لا بد سمعت هذا التوحيد؟
الملقي: لا.
الشيخ: ما سمعته؟
مداخلة: الحمد لله.
الشيخ: هنيئاً لك، هههه.
مداخلة: ههه.
الشيخ: نحن نسمعه كثيراً، لو سألت الآن سائلاً أي إنسان ممن تعرفه أو لا تعرفه: أين الله؟ سيقول لك: الله في كل مكان، فهذا سؤال يعني جوابه معروف عند الناس اليوم مشايخ ووعاظ ومرشدين ودكاترة والخ، الله موجود في كل مكان.
مداخلة: هذا الحلول.
الشيخ: هذا حلول -بارك الله فيك-، هذا حلول، والعقيدة الصحيحة ما قال مالك، {الرحمن على العرش استوى} ، أما أن نقول: الله موجود في كل مكان! ما بتعرفوا أنه من الأماكن الدهاليز والمجاري والبارات والسينمايات وو ما لا يدخله الإنسان حتى الكافر حتى الفاسق إلا مضطراً، فيجعلون ربهم في أماكن ما يدخلونه هم إلا مضطرين، هذا توحيد؟ هذا إسمه توحيل؟
مداخلة: هههه.
الشيخ: باللام، هاه، هذا اسمه توحيل، ولذلك قال أحد فقهاء الحنفية الماتريدية، الماتريدية هنا طائفتان: طائفة تلتقي مع الأشاعرة في نفي العلو لله عز وجل، ويلتقون مع المعتزلة: الله موجود في كل مكان، وطائفة منهم يلتقون مع
أهل السنة. فقال قائلهم:
ورب العرش فوق العرش لكن
…
بلا وصف التمكن واتصال
مفهوم هذا الكلام، وهذا تفسير لقوله عز وجل:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97)، إن الله غني عن العالمين، كل العالمين المخلوقين فضلاً عن كرسي أو عن عرش يحمله، فهذه العقائد أخي يجب أن تؤخذ من الكتاب والسنة وليس من الفقه المسمى بـ «الفقه الأكبر» ، حتى لو صحت النسبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهي غير صحيحة النسبة.
الملقي: هي غير صحيحة.
الشيخ: أي نعم
مداخلة: المتهم به أظن أبو مطيع البَلْخي.
الشيخ: أي نعم، لا بأس ولو أطلنا على المشايخ نروي له هالنكته هاده، هاللي إلها علاقة بالعقيدة.
مداخلة: تفضل يا شيخي.
الشيخ: كنا في بعض سنين الحج في منى، وأنا جالس في ليلة صافية جداً، واجتمعنا اجتمعنا مع بعض الشباب منهم أنصار السنة في مصر؛ لما دخل علينا أحد المشايخ الأزهريين، سمع شَعَرَ أنه في مجلس علم فجلس، وانتبه أنه الأرض مسكونة بمن يسمونهم بالوهابية يعني.
الملقي: آه.
الشيخ: الجو علمي وهابي، قال: بس أنتم معشر الوهابية تجسمون، قلت: كيف؟ قال: أنتم بتقولوا إنه الله على العرش، قلت له: سبحان الله، نحن نقول، ولَّا رب العالمين قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، قال: لكن أنتو بتقولوا إنه الله له مكان، الشاهد الآن جرى النقاش هذا النقاش الحقيقة يشبه الفلسفة؛ لأنه نقاش عقلي منطقي، ولكن المسلم ليس بحاجة أن يناقش المسائل الاعتقادية مناقشة عقلية، لكن يضطر أحياناً لمناقشة هؤلاء الذين يحكمون العقل على النقل فيضلون ضلالاً بعيداً، لما قال: لكن أنتم تجعلون لله مكاناً، قلت: أسألك
وأرجو أن تجيبني، قال: تفضل، قلت له: المكان شيء عدمي أم وجودي؟ مفهوم السؤال؟
الملقي: نعم.
الشيخ: قال: وجودي، قلت: كان منذ الأزل أم وجد بعد أن لم يكن؟ قال: وجد بعد أن لم يكن، قلنا: إذاً نحن الآن في مكان؟ قال: نعم، قلنا: فوقنا السماء الأولى؟ قال: نعم. مكان؟ قال: نعم. السماء الثانية ووو السماء السابعة مكان أمكنة كلها؟ قال: نعم، قلت له: وفوق السماء السابعة أيش في؟ قال: العرش، قلت: مكان؟ لأنه مخلوق طبعاً، قال: نعم مكان، قلت: وفوق العرش أيش في؟ ففاجأني بشيء لم يكن في الحسبان، قال: الملائكة الكروبيون، قلت: ما هم هذول كروبيون؟ أيه، قلت: أيش هدون ملائكة كروبيون؟
مداخلة: كروبيون بيكربوا.
الشيخ: ههه ههه قال: هؤلاء ملائكة، قلت: في عندك آية تثبت إنه على العرش ملائكة ولهم اسم كروبيون؟ قال: لا، قلت: حديث نبوي عن الرسول
-عليه السلام؟ قال: لا، قلت: عجباً، أنت رجل أزهري، ونحن نعلم أن مشايخ الأزهر يلقنونكم أنه لا يجوز إثبات عقيدة بحديث صحيح آحاد إلا إذا كان متواتراً، أنت كيف تثبت عقيدة أمر غيبي أنه هناك فوق العرش ملائكة كروبيون بلا حديث؟ قال: هيك لقنونا.
مداخلة: الله أكبر.
الشيخ: هيك لقنونا أنه هناك ملائكة فوق أيش العرش، قلنا له: لا حول ولا قوة إلا بالله، نمشي معك الآن، بزعمك فوق العرش الملائكة كروبيون، فوق الملائكة الكروبيون أيش في؟ سكت، قلت: الكون محدود، أم لا محدود؟ قال: محدود، قلنا له: المحدود إذاً نهايته العرش، وبزعمك أنه فوق العرش ملائكة كروبيون، فوق الملائكة الكروبيون ما في إلا العدم أليس كذلك ما دام الكون محدوداً؟ قال: نعم، إذاً إذا قال السلفيون إن الله عز وجل على العرش فليش أنت تنسبهم إلى أنهم جعلوه في مكان، وليس هناك مكان؛ لأن الخلق انتهى،
…
ماذا يجيب المفحم بالحجة! حسبه أن يبلع ريقه. فهذا منطق يتماشى مع نصوص الشريعة، الله قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟ لا ندري، هل ندري صفة من صفاته تعالى بما سبق الكلام عليها، السمع والبصر والكلام؟ لا، إن كنا ندري شيئاً عن ذاته، فندري شيئاً عن صفاته، وإن كنا لا ندري فلا ندري، نحن بس مؤمنون بكل ما جاء عن الله ورسوله، نثبت ما أثبت وننفي ما نفى، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، هذا منتهى علوم البشر كلهم إذا وقفوا مع قول الله عز وجل.
"الهدى والنور"(515/ 43: 50: 00)(516/ 40: 00: 00)