الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1125] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خلق الله آدم على صورته»
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«خلق الله آدم صلى الله عليه وآله وسلم[على صورته]، وطوله ستون ذراعاً، ثم قال: اذهب، فسَلَّم على أولئك- نفرٌ من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورته، فلم يزل ينقص من الخلق حتى الآن» .
(صحيح).
[علق الإمام على قوله: "على صورته" قائلاً]:
زيادة من " صحيح المؤلف"[أي: البخاري](الاستئذان، رقم: 6227)، وهي عند مسلم أيضاً (8/ 149)، وكلاهما أخرجه من طريق عبد الرزاق،
وهذا في "المصنف"(10/ 384) وعنه ابن حبان أيضاً (6129)، وكذلك المصنِّف هنا.
وفي هذا الحديث دلالة صريحة على بطلان حديث: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» مع أن إسناده معلول بأربع علل كنت ذكرتها مفصلاً في "الضعيفة"(1175 و1176)، ونحو ذلك في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم (517 و541).
وبهذا الحديث الصحيح يُفسَّر حديث أبي هريرة الآخر الذي صح عنه من طرق بلفظ " خلق الله آدم على صورته" وقد مضى برقم (129/ 173) مع التعليق عليه بما يناسب هذا الحديث الصحيح.
وبهذه المناسبة أقول: لقد أساء الشيخ التويجري- رحمه الله تعالى- إلى العقيدة والسنة الصحيحة معاً بتأليفه الذي أسماه: " عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن"، فإن العقيدة لا تثبت إلا بالحديث الصحيح، والحديث الذي أقام عليه كتابه مع أنه لا يصح من حيث إسناده، فهو مخالف لأربعة طرق صحيحة عن أبي هريرة، هذا الحديث المتفق على صحته أحدها، والأخرى مع أن الشيخ خرجها وصححها فهو لم يستفد من ذلك شيئاً؛ لأن هذا العلم ليس من شأنه، وإلا كيف يصح لعالم أن يقبل طريقاً خامساً عن أبي هريرة بلفظ:
" على صورة الرحمن "!
مخالفاً لتلك الطرق الأربعة، والتي ثلاثتها بلفظ:" على صورته"، والأولى منها فيها التصريح بأن مرجع الضمير إلى آدم عليه السلام كما ترى، يضاف إلى هذه المخالفة التي تجعل حديثها شاذاً عند من يعرف الحديث الشاذ لو كان إسناده صحيحاً، فكيف وفيها ابن لهيعة، والشيخ يعلم ضعفه ومع ذلك يحاول (ص:27) توثيقه، ولو بتغيير كلام الحفاظ وبتره، فهو يقول " قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": صدوق"! وتمام كلام الحافظ يرد عليه؛ فإنه قال فيه:
"خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما"! وهذا الحديث ليس من رواية أحدهما! فماذا يقال فيمن ينقل بعض الكلام، ويكتم بعضه؟! وله مثل هذا كثير، لا يتسع هذا التعليق لبيان ذلك.
وأما حديث ابن عمر باللفظ المنكر، فقد تكلف الشيخ جداً في الإجابة عن العلل الثلاث التي كنت نقلتها عن ابن خزيمة، كما تجاهل رجاحة رواية سفيان المرسلة على رواية جرير المسندة عن ابن عمر! ولربما تجاهل علة رابعة كنت ذكرتها في "الضعيفة"(3/ 317) وهي أن جريراً ساء حفظه في آخر عمره، وهذا
هو سبب اضطرابه في هذا الحديث، فمرة رواه بهذا الفظ المنكر، فتشبث الشيخ به، ومرة رواه باللفظ الصحيح:" على صورته" فتجاهله الشيخ! مع أنه مطلع عليه في "السنة" برقم (518) ومن تعليقي عليه ينقل ما يحلو له نقله من كلامي ليرد عليه بزعمه، ومنه أنني قلت في حديث أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ:" على صورة وجهه"؛ فإني صححت إسناده تحت رقم (516) وأتبعته بقولي:
" لكني في شك من ثبوت قوله: "
…
وجهه" فإن المحفوظ في الطرق الصحيحة: "على صورته" فألزمني الشيخ - في كلام طويل له ممجوج- بالقول بصحة الحديث، وقال (ص 28):
" وإذا كان الإسناد صحيحاً، فلا وجه للشك في متنه"!
ومن الواضح لكل ذي بصيرة أن هذا الكلام غير وارد علي، لأنني لم أشك في متن الحديث فرددته مع صحة إسناده، حاشا لله فنحن بفضل الله وتوفيقه من أشد الناس معاداة لمن يفعل ذلك، وإنما شككت في هذه الزيادة:"وجهه" للمخالفة المشار إليها، وفي ظني أن الشيخ لا يعرف أنه لا يلزم من صحة السند صحة المتن، وأن من شروط الصحيح أن لا يشذ ولا يعل، وإلا لما ألزمني ذاك الإلزام، ولرد علي- لو أمكنه- دعواي الشذوذ المشار إليه في قولي: " والمحفوظ
…
" ولكن هيهات هيهات! وختاماً فإني أريد أن أنبه القراء الكرام إلى أن ما نسبه الشيخ إلى ابن تيمية والذهبي وابن حبان أنهم صححوا الحديث، فهو غير صحيح، وإنما صححوه باللفظ المتفق عليه، فأما اللفظ المنكر فلا، وراجع "الضعيفة" لتتأكد من صحة ما أقول.
"صحيح الادب المفرد"(ص270 - 271).