الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: لا، لا يوجد اضطراب.
مداخلة: هذا هو الصحيح.
الشيخ: نعم.
"الهدى والنور"(259/ 54: 23: 00)
[1175] باب رد قول من قال: العرش أول مخلوق
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
([إن] أول شيءٍ خَلَقَ اللهُ القلمُ، ثم خَلَقَ بعده النُّونَ، وهي الدَّواةُ، ثم قال سبحانه وتعالى: اكْتُب. فقال: وما أكْتُبُ؟ قال جل وعلا: اكتب ما يكونُ من عملٍ، أو أَثَرٍ، أو رِزْقٍ، [أو أجل].فكتبَ ما يكونُ، وما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، فذلك قوله عز وجل:{ن والقلم وما يسطرون} ثم خَتَمَ على القَلَم، فلمْ يَنْطِقْ، ولا ينطقُ إلى يومِ القيامةِ، [ثم خلق العقل فقال: وعزَّتي! لأُكَمِلَّنَّك فيمن أَحْبَبْتُ ولأُنْقِصَنَّك فيمن أَبْغَضْتُ].
(منكر).
[قال الإمام]:
أخرجه الآجري في "الشريعة"(ص 83)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 83) من طريق أبي مروان هشام بن خالد - يعني: الدمشقي الأزرق - قال: حدثنا الحسن بن يحيى الخُشَني عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه
…
مرفوعاً.
قلت وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله هذا: لم أجد له ترجمة.
والحسن بن يحيى الخشني: قال الحافظ:"صدوق كثير الخطأ".
وله طريق أخرى عن أبي صالح، ولكنها واهية: يرويه محمد بن وهب الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلم: نا مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح
…
به.
أخرجه ابن عدي في "الكامل"(6/ 269) وقال: "وهذا باطل
بهذا الإسناد".
ذكره في ترجمة محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، وقال:"وله غير حديث منكر، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماًً، وقد رأيتهم تَكَلَّموا فيمن هو خير منه".
ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن عساكر (16/ 95)، لكن ذكره في ترجمة محمد بن وهب بن مسلم أبو عمرو القرشي الدمشقي، يشير بذلك إلى خطأ ابن عدي في إيراده في ترجمة محمد بن وهب بن عطية. وصرَّح بتخطئته الذهبي في "الميزان"، وقال عَقِبَه:
"فصدق ابن عدي في أن الحديث باطل". وذكر نحوه الحافظ
في "التهذيب".
واعلم أن الزيادات التي بين المعكوفتين هي لابن عساكر في الموضوع المشار إليه من "تاريخه"، وإلا الأخيرة منها، فقد عزاها إليه الحافظ ابن كثير في تفسيره سورة {ن} . وساق إسنادها السيوطي في "اللآلي"(1/ 131) من طريق أبي مروان المتقدمة.
والحديث جاء من طرق ذكرها ابن عباس موقوفاً عليه بنحوه إلى قوله: {ن والقلم وما يسطرون} .
أخرجه الآجري (ص 84)، والطبري في "التفسير"(29/ 9 - 10)، و"التاريخ"(17 - 18)، والحاكم (2/ 498)، والبيهقي في " السنن"(9/ 3)
من طريق أبي ظبيان وأبي الضحى مسلم بن صبيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 433/12227) من طريق مؤمل ابن إسماعيل: حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى
…
به مرفوعاً.
قلت وهذا منكر، قال الطبراني عقبه:"لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا مؤمل بن إسماعيل" قال الهيثمي (7/ 128) عقبه: "قلت: مؤمل ثقة كثير الخطأ، وقد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله ثقات".
وأقول: وإنما يصح مرفوعاً من هذا الحديث عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وغيره أولُه مختصراً، فرواه سعيد بن جبير عنه بلفظ:"إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم، وأمره أن يكتب كل شيء يكون".
وهو مخرج في "الصحيحة"(133)، وله شواهد من حديث عبادة بن الصامت من طرق عنه، ومخرج في "المشكاة"(1/ 34/94)، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ في "الصحيحة" أيضاً (3136).
(تنبيه): وأما الرواية التي أخرجها الطبري في "كتابيه" من طريق سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً بلفظ:"إن الله تعالى ذِكْرُهُ كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً فكان أول ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة
…
".الحديث.
فهو منكر جداً عندي لقوله:"قبل أن يخلق شيئاً"
…
فإنه يشعر أن العرش غير مخلوق! وهذا باطل، وقد رواه شعبة عن أبي هاشم فلم يذكر فيه هذا الباطل. ولعله من قبل أبي هاشم الرماني، فإنه وإن كان ثقة بالاتفاق، فقد غمزه ابن حبان، فقال في "ثقاته" (7/ 596):
"كان يخطئ، يجب أن يعتبر حديثه إذا كان من رواية الثقات عنه، فأما رواية الضعفاء عنه
…
فان الوهن يلزق بهم دونه لأنه صدوق لم يكن له سبب يوهن به غير الخطأ، والخطأ متى لم يفحش لا يستحق من وجد فيه ذلك الترك".
قلت: وإذا كان لا بد من تعصيب الخطأ في ذلك القول إلى أحد من سلسلة هذا الإسناد، فالأولى أن ينسب إلى من دون ابن عباس، ثم إن أولاهم به هو أبو هاشم هذا -لما سبق-، وليس الراوي عنه سفيان -وهو: الثوري-، فإنه:"ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة" - كما قال الحافظ في "التقريب" -.
وإن مما يبطل ذاك القول ونسبته إلى ابن عباس: أنه نفسه ممن روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤكد بطلانه لما تقدم بلفظ: "إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم
…
".
ولذلك قال الطبري رحمه الله: "وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي رويناه أولى بالصواب، لأنه كان أعلم قائل بذلك قولاً بحقيقته وصحته، ومن غير استثناء منه شيئاً من الأشياء أنه تقدم خلقُ الله إياه خلقَ القلم، بل عمَّ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن أول شيء خلق الله القلم» كل شيء، أن القلم مخلوق قبله من غير استثناء من ذلك عرشاً ولا ماءً، ولا شيئاً غير ذلك، فالرواية التي رويناها عن أبي ظبيان وأبي الضحى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أولى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم، إذا كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان على ما ذكرت من اختلافها فيها".