الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأ عليه حتى بلغت {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: فذكره.
ومما يدل على [بطلانه .. ] أنه ثبت في " الصحاح " أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يُفتي بعض العلماء من المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي (ص 100 - 101 و117 - 118) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يُقعِد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على العرش واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت!
قال الذهبي رحمه الله: " فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردن الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} "
…
[و] اعلم أن إقعاده صلى الله عليه وآله وسلم على العرش ليس فيه إلا هذا الحديث الباطل.
"الضعيفة"(2/ 255 - 256).
[1078] باب منه ودفع تهمة التجسيم عن أهل السنة
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
«{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}؛ قال: يُجْلِسُني عه على السريرِ» .
(باطل).
[قال الإمام]:
هذا (حديث باطل مخالف) لأحاديث جمع من الصحابة بعضها في "البخاري"(4718): أن المقام المحمود هي شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى يوم القيامة. وراجع إن شئت ظلال الجنة" (2/ 784 و785 و789 و804 و813)، و"الصحيحة" (2369 و2370)، "الدر المنثور" (4/ 197).
أضف إلى ذلك أنه يستغله أعداء السنة وأفراخ الجهمية؛ ليطعنوا في أهل السنة الذين يثبتون الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة، مع التنزيه التام، ويرموهم بالتجسيم والتشبيه الذي عرفوا بمحاربته - كما يحاربون التعطيل -، كمثل الكوثري وأذنابه، وكالغماري والسقاف ونحوهما، كفى الله المسلمين شرهم. هذا، وقد كنت خرجت الحديث في المجلد الثاني من هذه "السلسلة" برقم (865) من حديث ابن مسعود، وبينت علته ونكارته هناك، وأنه رُوي عن مجاهد مقطوعاً، وعن غيره موقوفاً، وذكرت مستنكراً موقف بعض العلماء منه.
ثم أتبعته بحديث منكر، وآخر موضوع، فيهما نسبة القعود إلى الله على كرسيه. وفي الأول منهما زيادة نصها:"ما يفضل منه مقدار أربع أصابع ".
وذكرت تساهل بعضهم في توثيق رجالهما، وتقوية إسنادهما، فراجعه، فإنه مهم. كما كنت ذكرت في مقدمة كتابي المطبوع "مختصر العلو"(ص 15 - 17)، اضطراب موقف الذهبي بالنسبة لأثر مجاهد، مع تصريحه بأن رفعه باطل.
وبهذه المناسبة أريد أن أُبيِّن للقراء موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تلك الزيادة في الحديث الأول، فقد ذكر أن بعض المحدثين رووها بلفظ:
"إلا أربع أصابع".
فهذه تثبت (الأربع)، وتلك تنفيها - كما هو ظاهر - فضعف الشيخ رحمه الله الحديث بالروايتين لاضطرابهما، مع ملاحظته أن المعنى الذي كل منهما لا يليق بجلال الله وعظمته، فقال كما في "مجموع الفتاوى" (16/ 436):"فَلَوْ لَمْ يَكُنْ في الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ؛ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ، [يعني تكفي في تضعيفه]، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَرَادَ الْإِثْبَاتَ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ! وَهَذَا مَعْنًى غريب لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ قَطُّ في شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلْعَقْلِ.
وَيَقْتَضِي أَيْضاً أَنَّهُ إنَّمَا عَرَفَ عَظَمَةَ الرَّبِّ بِتَعْظِيمِ الْعَرْشِ الْمَخْلُوقِ، وَقَدْ جَعَلَ لْعَرْشَ أَعْظَمَ مِنْهُ، فَمَا عَظُمَ الرَّبُّ إلَّا بِالْمُقَايَسَةِ بِمَخْلُوقِ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرَّبِّ. وَهَذَا مَعْنًى فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ.
فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ في ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ عَظَمَةَ الرَّبِّ، وَأنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ، فَيَذْكُرُ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْهَا ".
ثم استشهد الشيخ ببعض الأحاديث على ذلك، وذهب إلى أن الصواب في رواية الحديث النفي، يعني من حيث المعنى؛ كما تقدم بيانه منه بياناً شافياً
رحمه لله تعالى.
وفي ذلك ما يؤيد حكمي على الحديث بالبطلان هنا وهناك من حيث لمعنى، وإن كان ذلك غير لازم من حيث المبنى، فليكن هذا منك على ذكر.
ومما تقدم يتبين لقرائنا دجل ذاك السقاف، أو أولئك الذين يؤلفون له ويتسترون باسمه؛ حين يكذبون أو يكذب على أهل العلم والسنة أحياء وأمواتاً لا
يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية: فإنه لفساد عقيدته، وجهله وقلة فهمه لا يتورع عن التصريح ورميه بأنه مجسم، وبغير ذلك من الأباطيل التي تدل على أنه مستكبر معاند للحق الجلي الناصع، فرسائله التي يؤلفونها وينشرونها له تباعاً مشحونة بالبهت والافتراء والأكاذيب وقلب الحقائق؛ بحيث أنها لو جمعت لكانت مجلداً كبيراً بل مجلدات، فها هي رسالته التي نشرها في هذه السنة (1414) في الرد على الأخ الفاضل سفر الحوالي طافحة - على صغرها وحقارتها - بالمين والتضليل والافتراء على السلفيين الذين ينبزهم بلقب (المتمسلفين)! وعلى الأخ الفاضل بصورة [خاصة]، وعلى شيخ الإسلام بصورة أخص.
وليس غرضي الآن الرد عليه، فإن الوقت أضيق وأعزّ من ذلك، وإنما أردت بمناسبة هذا الحديث أن أُقَدِّم إلى القراء مثلاً واحداً من مئات افتراءاته وأكاذيبه تقليبه للحقائق، التي تشبه ما يفعله اليهود بإخواننا الفلسطينيين اليوم الذين نطلقون من قاعدتهم الصهيونية:(الغاية تبرر الوسيلة)! الأمر الذي يؤكد للقراء نه لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله، وإلا لما تجرأ على الافتراء عليهم، الله عز وجل يقول {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ} .
لقد نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية عدة أقوال هو منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب [عليهما السلام]، بل هو يقول بخلافها!! ويهمنا الآن بيان فرية واحدة من تلك الفريات، فقال في مقدمة رسالته المشار إليها (ص 2 - 3) بعد أن نسب إليه عدة فريات:
"ويقول: إن المقام المحمود الذي وعدنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو جلوسه بجنب الله على العرش في المساحة المتبقية، والمقدرة عند هذه الطائفة بأربع أصابع!!!
وغير ذلك من الترهات". في الحاشية قال:
"انظر "منهاج سنته" (!) (1/ 260) وكتاب "بدائع الفوائد" لتلميذه ابن قيم الجوزية (4/ 39 - 40) ".
وإحالته فيما نسبه إلى الشيخ مما يزيد القراء قناعة بدجله، وأنه يتعمد الكذب والافتراء عليه، وأنه لا يبالي بقرائه إذا اكتشفوا {تشابهت قلوبهم} ، وهذا نص كلامه رحمه الله منقولاً بطريقة التصوير، ليكون القراء على يقين لذلك الإفك المبين: "وأما قوله إنه يُفضل عن العرش من كل جانب أربع أصابع فهذا لا أعرف قائلاً له ولا ناقلاً، ولكن روى في حَدِيثِ عبد الله بن خليفة أنه ما يفضل من العرش أربع أصابع يروى بالنفي، ويروى بالإثبات، والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي وابن الجوزي، ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه، ولفظ النفي لا يرد عليه شيء، فإن مثل هذا اللفظ رد لعموم النفي كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«ما في السماء موضع أربع أصابع، إلا وملك قائم، أو قاعد، أو راكع، أو ساجد» أي ما فيها موضع، ومنه قول العرب: ما في السماء قدر كف سحاباً، ذلك لأن الكف يقدر به الممسوحات، كما يقدر بالذراع، وأصغر الممسوحات التي يقدرها الإنسان من أعضائه كفه، فصار هذا مثلاً لأقل شيء، فإذا قيل إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان لمعنى ما يفضل منه شيء، والمقصود هنا بيان أن الله أعظم وأكبر من العرش، ومن المعلوم أن الحديث، لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاله فليس علينا منه، وإن كان قد قاله فلم يجمع بين النفي الإثبات، وإن كان قاله بالنفي لم يكن قاله بالإثبات، والذين قالوه بالإثبات ذكروا فيه ما يناسب أصولهم، كما قد بسط في غير هذا الموضع، فهذا وأمثاله سواء كان حقًّا أو باطلاً لا يقدح في مذهب هل السنة ولا يضرهم، لأنه بتقدير أن يكون باطلاً ليس هو قول جماعتهم، بل
غايته أنه قد قالته طائفة، رواه بعض الناس، وإذا كان باطلاً رده جمهور أهل السنة، كما يردون غير ذلك، فإن كثيراً من المسلمين يقول كثيراً من الباطل، فما يكون هذا ضار لدين المسلمين، وفي أقوال الإمامية من لمنكرات ما يعرف مثل هذا فيه لو كان قد قاله بعض أهل السنة» (1).
هذا كلام الشيخ رحمه الله، فأين فيه ما عزاه السقاف وأعوانه إليه؟! بحانك هذا بهتان عظيم. بل فيه حكايته الخلاف في صحة حديث الأصابع، عدم جزمه
هو بصحته، وإن كان هذا مستغرباً منه، لأن علته الجهالة والعنعنة -كما كنت
بيَّنته هناك-
وختاماً: كلمة حق لا بد لي منها:
إذا كان حقاً أن الله تعالى أعظم من العرش، ومن كل شيء - كما بينه
شيخ الإسلام فيما تقدم -، فيكون اعتقاد أن الله يُجلس محمداً معه على العرش باطلاً بداهة.
وأما إجلاسه على العرش دون المعية، فهو ممكن جائز لأن العرش خلق من خلق الله، فسواء أجلسه عليه، أو على منبر من نور - كما جاء ذلك في المتحابين في الله، وفي المقسطين العادلين - لا فرق بين الأمرين، لكن لا نرى القول بالإجلاس على العرش؛ لعدم ثبوت الحديث به، وإن حكاه ابن القيم عن جمع كما تقدمت الإشارة إلى ذلك-.والله سبحانه وتعالى أعلم.
"الضعيفة"(13/ 2/1043 - 1049).
(1) انظره مصوراً في الأصل:"الضعيفة".