الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء وراء ذلك من كون لأنه انتهى الخلق فإذا قال السلفيون بأن الله تبارك وتعالى على العرش استوى أي استعلى، فلماذا تنسبونهم إلى أنهم حصروا الله عز وجل في كونه ولا كون هناك لأن الكون محصور ومحدود وفي رأينا آخر الكون وأعلاه العرش، في رأيك أنت العرش وعليه الكروبيون ولا شيء بعد ذلك، فإذن العقيدة الصحيحة عقلاً ونقلاً إنما هي عقيدة السلف الصالح؛ لأنهم لم يجعلوا الله في مكان كما تزعمون؛ لأنه لا مكان هناك وراء العرش إنما هو العدم المحض إلا الله تبارك وتعالى، ولكن ما بالكم أنتم أنكم حينما فررتم مما نسبتم السلفيين إليه وهم براء منه فإن الله ليس في مكان لأن ما بعد العرش ليس كونًا وليس مكانًا فهو على العرش استوى، لكن ما بالكم أنتم تفرون من إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى وهي صفة التنزيه تمامًا؛ لأنه ليس في الكون، فكيف وأنتم تقولون إن الله في كل مكان تحصرونه في كونه الذي خلقه بعد أن لم يكن له وجود، فأنتم المشبهة وأنتم المجسمة، ولسنا نحن معشر السلفيين إلا القائلون بما قال تعالى:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وعلى أساس من هذه الآية بطرفيها ننزهه تعالى تنزيهًا كاملاً ونثبت له الصفات كما يليق بعظمته وجلاله
"فتاوى جدة -الأثر-"(17/ 01:15:15)
[1043] باب الرد على مقولة: الله موجود في كل الوجود، وبيان بطلان مذهب الاتحادية والحلولية
قال الشيخ: لا بد أنكم جميعاً تسمعون عن طائفة تعرف بالصوفية، وعن علمٍ .. أو سلوكٍ، يُعْرَفُ بالتصوف، وهذا التصوف طبعاً أهله المنتمون إليه أيضاً هم درجات، فمنهم من اشتطَّ وخرج عن الإسلام باسم التصوف الإسلامي، خرج عن
الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين؛ لماذا؟! لأنهم تأولوا وفسروا آيات من القرآن الكريم بتفاسير هي والفلسفة الإلحادية شيء واحد، أولئك الذين يُعرفون عند علماء المسلمين بأهل وحدة الوجود، هم الذين يقولون كما يقول الدهريون، -ولكن بألفاظ غير ألفاظ الدهريين-، يقولون: إنه ليس هناك إلا واحد، فالكون الذي نراه هو الله
…
لذلك يسمون أهل الوحدة.
المسلمون يقولوا: لا إله إلا الله، ففي نفي وفي إثبات، فيه نفي لكل مُؤَوِّل بغير حق، ثم الإثبات لله الحق سبحانه وتعالى.
أما أولئك الصوفيين فيقولون: لا هو إلا هو، ثم يختصرونها وجعلونها ورداً لهم:«هُوْ هُوْ» فهذا انحرافٌ خطيرٌ كما ترون، يعني: إنكار لوجود الله الحق، وبالتالي إنكار الشرائع، لا إسلام .. لا يهودية .. ولا نصرانية، لأنه ما في عبد ورب، رب يكلِّف وعبد يكلَّف، لذلك قال قائلهم:
الرب عبد والعبد ربٌ
…
فليت شعري من المكلَّف؟
إن قلت عبدٌ فذاك نفي
…
أو قلت رب أنى يكلَّف؟
فلا هُوْ إلا هُوْ وبالأخير: هُوْ هُوْ
هناك كلمات تخرج من المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وليسوا من أولئك الدهريين، لكن يتلفظون أحياناً بكلمات تؤدي بهم إلى تلك العقيدة الباطلة، وهذا أمر خطير جداً، لا يكاد ينجو منه إلا الأقلون.
الآن نحن في مجالسنا المعتادة، يقول قائلهم بمناسبة وبغير مناسبة: الله في
كل الوجود، (الله في كل الوجود) تساوي (لا هُوْ إلا هُوْ).
الشيخ: هذا تسمعونه كثير "الله موجود في كل الوجود"، تساوي عند إمعان النظر في دلالتها ومضمونها قول الصوفية الصريحين .. غلاتهم طبعاً: لا هُوْ إلا هُوْ.
لأننا إن تأملنا في شهادة الحق التي هي حينما يقول المؤمن حقاً: لا إله إلا الله، فهو يثبت وجودين: لا إله إلا الله، ينفي الآلهة الباطلة التي عبدت من دون الله، وهي موجودة، في القرآن في قول قوم نوح:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23)، هؤلاء آلهة عبدت من دون الله، ولذلك لما بعث الله عز وجل نوحاً عليه السلام إلى قومه كان أن أمرهم بأن يعبدوا الله وحده، فإذاً:(لا إله) نفي للآلهة الباطلة وهي موجودة.
(إلا الله) إثبات للوجود الحق وهو الله تبارك وتعالى.
إذاً: هناك وجودان لا يمكن للمسلم الفاهم بإسلامه أولاً، ثم المؤمن بأنه مخلوق لله ثانياً، لا يمكن إلا أن يثبت وجودين، يعبر علماء التوحيد بالوجود الأول، وهو وجود الخالق سبحانه وتعالى، فهو موجود بذاته، أي: أزلي لا أول له، فوجوده واجب الوجود كما يعبرون عنه، أما الوجود الآخر فهو ممكن الوجود وهو الإنسان والمخلوقات كلها، حيث كانت ثم قال الله عز وجل لها كوني فكانت، فهي سُبِقَت بالعدم بخلاف وجود الله عز وجل، فهو الأول لا بداية له، كما هو معلوم لديكم جميعاً.
حينئذ، حينما يقول المسلم الغافل: الله موجود في كل الوجود، فإما أن يعني
هاتين الحقيقتين، وهما متنافيتان تماماً، الوجود الحق وهو الله، والوجود الممكن وهو الخلق، إما أن يعني هذا المعنى، حينئذ يقع في عقيدة أخرى غير وحدة الوجود وهي الحلول، تعرفون مثلاً بعض الطوائف الإسلامية يعتقدون بأن الله يَحِلُّ في بعض الأشخاص المعظَّمين بزعمهم، مثلاًَ بتشاهدوا هؤلاء العلويين والإسماعيليين، الإسماعيليين يمكن تقرأوا عنهم الشيء الكثير الذي كان الآغا تبعهم، كان كل سنة يوزن بوزن ذهب في أمريكا، فيعتقدوا أن هذا الإله يتقمصه، يحل فيه، هذا اسمه الحلول، هذا أخف من وحدة الوجود التي تكلمنا عليها آنفاً، وحدة الوجود شيء لا انفصال بعضه عن بعض، أما الحلول فالله منفصل وبائن عن خلقه كما يقول العلماء، لكن يحل ويتقمص بعض البشر -بزعمهم طبعاً- فإذا كان هذا الذي يقول: الله موجود في كل الوجود، يعني وجودين، فمعنى ذلك أن أحدهما حَلَّ في الآخر، فبدل ما يحل في شخص، حَلَّ في الكون كله، وهذا طبعاً كفر لا يشك في ذلك مسلم إطلاقاً، وإن كان يعني المعنى الأول (الله موجود
في كل الوجود) أي: لا خالق ولا مخلوق هناك، إنما هو شيء واحد، فهذا
أكفر وأكفر.
ترى هؤلاء المسلمين الذين يصومون معنا، ويصلون معنا، ونقتدي وراءهم .. الخ، لما يقول قائلهم: الله موجود في كل الوجود، ترى يعني أحد المعنيين؟! هل يعني الوحدة المطلقة عند الصوفية، أي: لا خالق ولا مخلوق، أو يعني الحلول، أن الله خلق الكون ثم حَلَّ فيه، ما أعتقد أن مسلماً يعتقد هذه العقيدة أو تلك.
إذاً: لماذا يقولون هذه الكلمة، لماذا لا يتأدبون بأدب الرسول عليه السلام
الذي يقول: «لا يقولنَّ أحدُكُم: خَبُثَت نفسي، ولكن: لَقِسَت» (1). معنى خبثت هي: لَقِسَت، ولَقِسَت هي خَبُثَت، لكن الرسول أراد منا أن نتحدث عن أنفسنا بألفاظٍ لطيفةٍ، وإن كان المعنى هو نفسه، فما بالنا نحن حينما نتحدث عن
ربنا تبارك وتعالى، في هذه الحالة لا يجوز أن نتكلم بكلمة توهم الكفر وتوهم الضلال.
حينما يُطْرَحُ مثل هذا البحث، كثيراً ما يقول أكثر الجالسين في الواقع ينتبهوا وكأنهم كانوا في غفلة، لكن بعضهم بيقولك نحن لا نقصد أن الله تبارك وتعالى بذاته حالل في مخلوقاته كلها، ونحن ما قلنا إنهم يقصدون هذا؛ لأنهم إن قصدوا هذا، هذا بحث ثاني، يكون كفر، لكن نحن بحثنا في تهذيب الألفاظ.
إذاً: ماذا تقصدون الله موجود في كل الوجود؟ يعني علمه.
جميل جداً، الله بعلمه بلا شك محيطٌ وهو بكل شيء محيطٌ تبارك وتعالى، لكن التعبير إذاً: خطأ، تريد أن تقول تتحدث عن علم الله، فتقول:{أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق:12)، نص في القرآن الكريم {أحاط بكل شيء علماً} ، {لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء} لا تقول:(الله) الذي هو عبارة عن الذات الإلهية المتصفة بكل صفات الكمال، والمنزهة عن كل صفات النقصان، لا تقل: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل الوجود، لكن تقول: أحاط بكل شيء علماً.
فهذا البحث إذاً كان في سبيل إصلاح الألفاظ. فإذاً وضح ما قصدت إليه، مِنْ
(1)"البخاري"(رقم5825) ومسلم (رقم6015).
أن من مقاصد الشارع تهذيب الألفاظ أيضاً، فبدل من أن نقول: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، ونحن نقصد علمه، نقول: أحاط بكل شيء علماً؛ لأن العبارة الأولى: (الله موجود في كل الوجود) تتصل بعقيدة غلاة الصوفية الذين يقولون: لا هو إلا هو، فليس هناك خالق ومخلوق، وكما قال قائلهم:
لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار
لأن النار والجنة، خالق، ومخلوق، كل هذه أشياء لا حقيقة لها، وباختصار قولهم: لا هو إلا هو، يقولون: كل ما تراه بعينك فهو الله!
فإذاً: لا ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلمة يضطر بعدها إلى أن يتأولها، قلها صريحة وليس بعد القرآن أفصح منه:{أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (الطلاق:12)، أما تتكلم الكلمة وتقول بعد ذلك: والله أنا أقصد كذا وكذا، قال عليه الصلاة والسلام وهذا من تأديبه إيانا، لو أطعناه لنجحنا:«لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس» (1).
(لا تكلمن) أي لا تتكلمن. (بكلام تعتذر به عند الناس).
والرواية الأخرى أقصر من هذا: «إياك وما يعتذر منه» .
فلا تقل: الله موجود في كل مكان، والله موجود في كل الوجود، ستأتيك اعتراضات وانتقادات لا قِبَل لك بردِّها، سيقال لك: المكان الذي يضطر المسلم أن يدخله مرتين أو ثلاثة، ويتمنى أن لا يدخل ذلك المكان، هل ربك هناك أيضاً؟! وقس على ذلك الكهاريج والمجاري و .. إلى آخره، ما يقول المسلم بهذا.
إذاً: اسحب كلامك هذا، لا تقله.
(1)"صحيح الجامع"(رقم742) بلفظ: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه
…
».
هنا والكلام ذو شجون كما يقال، فماذا نعتقد وماذا نقول، بدل قولنا: الله في كل مكان، أي: حينما نتحدث عن الذات الإلهية التي يعبر عنها بلفظة الجلالة: الله، اسم الذات، هذا معروف لدى المسلمين جميعاً.
قول بعضهم: الله في كل مكان، عرفنا أن هذا خطأ، وأن المقصود به العِلْم، فنقول: ليكن تعبيرك صحيحاً إذا كنت تقصد العلم الإلهي فتقول: أحاط بكل شيء علماً.
لكن إذا أردنا أن نتحدث عن الله عز وجل، عن الذات الإلهية، فماذا نقول؟
لقد جاء عن أحد السلف الأئمة وهو بالذات عبد الله بن المبارك من كبار شيوخ إمام السنة الإمام أحمد رحمه الله، جاء بعبارة جمعت فأوعت، قال:«الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، وهو بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه» .
جاء في الجملة الأخيرة: «وهو معهم بعلمه» البحث السابق: «أحاط بكل شيء علمًا» لكن الآن في مبتدأ الكلام يتحدث عن الذات الإلهية، فيقول: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته. أخذ هذا من آيات كثيرة وكثيرة جداً في القرآن الكريم .. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) .. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10).
وفي الحديث المشهور: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» . وهذا الحديث كأنه اقتباس من قوله تبارك وتعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك:16 - 17).
الإمام عبد الله بن المبارك شيخ الإمام أحمد يعبر عن هذه الآيات وغيرها مما