الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1040] باب في علو الله تعالى
ونقد عقيدة: الله موجود في كل الوجود
سؤال: نسمع البعض يقولون: أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، ونسمع البعض يقول: أنه فوق عرشه في السموات، أو في السماء السابعة؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير؟
الشيخ: نعم. هذا السؤال في الواقع سؤال مهم ويتعلق بواقع الأمة في العصر الحاضر، حيث مما يُفرِح القلب أن هناك ما يسمى بالصحوة الإسلامية، وأنا أعتقد بأن هناك صحوة فعلا، ولكنها في أوائلها، من ذلك أننا وكما ترون كدنا نبلغ الثمانين، منذ أربعين سنة ما كنا نسمع: قال الله، قال رسول الله في ألسنة الخطباء والوعاظ والمرشدين إلا ما ندر جداً، وإذا تحدث أحدهم بآية فهو لا يحسن تفسيرها؟ لأنه لا يعرف الأصول التي ينبغي أن تفسر الآية الكريمة على أساسها، وإذا روى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو يرويه دون أن يتثبت من صحته وهكذا. أما الآن فأظنكم جميعا تشهدون معي أنكم كثيرا ما تسمعون أن هذا حديث صحيح، وهذا رواه البخاري هذه رواه مسلم، وهذا الآية فسرها ابن جرير الطبري بكذا، وابن كثير الدمشقي بكذا
…
الخ.
فهذه بلا شك من علامات الصحوة، ولكن كما قلت آنفا لا نزال نحن في أول الصحوة، فالآن أثرت مسألة الأسماء والصفات كما سمعتم آنفاً، وأن المسلم يجب أن يوحد الله في أسمائه وصفاته، فهل من صفات الله عز وجل ما يدندن به بعضهم، بل كافة العامة من المسلمين اليوم، وبعض الخاصة منهم، ومن أولئك الذين ينتمون إلى بعض المذاهب الكلامية أو التوحيدية: كالأشاعرة، والماتريدية،
فضلا عن المعتزلة الذين ليس لهم ذكر في هذه الأيام إلا من أفراد ضلوا ضلالهم؟ ففي عقيدة الأشاعرة والماتريدة تبعاً للمعتزلة: أن الله عز وجل في كل مكان، فهل هذا من صفات الله تبارك وتعالى؟
هل من صفات الله عز وجل أن له مكانا؟
نحن البشر لنا مكان، فنحن الآن في بيت من بيوت الله، نحن في مكان، لكن الله عز وجل هل هو في مكان؟.الجواب: الله عز وجل منزه أن يكون في مكان؛ لأن الله عز وجل باتفاق جميع المسلمين على ما بينهم من اختلاف في مثل هذه المسألة وغيرها: كان الله ولا شيء معه، كان الله ولا شيء معه كما في حديث عمران بن حصين في صحيح البخاري. إذن كان الله ولا شيء معه: أي لا كون معه: أي أن يقال: إن الله عز وجل في كل مكان هو من الشرك الذي ينافي توحيد الله في أسمائه وصفاته، لماذا؟
لننظر الآن بماذا وصف الله عز وجل به نفسه؟
هل وصف نفسه في الآية، أوفي حديث صحيح أنه في كل مكان؟
هذا الكلام لا أقول: إنه لم يرد في حديث؛ بل هو كلام ما أنزل الله به من سلطان؛ ذلك لأنه مخالف لما وصف الله عز وجل به نفسه أما الآيات التي فيها وصف الله عز وجل لنفسه بأن له صفة العلو المطلق على كل مخلوقاته، وأنه ليس في شيء من مخلوقاته، بل هو فوق مخلوقاته كلها، الآيات في ذلك لا تعد ولا تحصى؛ فمثل الآية التي جاءت في الاستدراك فيما أظن:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5). {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) الآن نقف قليلاً هنا لنذكِّر بأصل من أصول التفسير الصحيح الذي إذا تمسك به المسلم كان على هدى من
ربه، وإذا حاد عنه عاش في ضلال بعيد.
القرآن يجب تفسيره بالقرآن: هذا هو الأصل الأول القرآن يفسر بالقرآن، وبحديث الرسول عليه السلام ثم بالآثار الصحيح الواردة عن سلفنا الصالح.
هذا النظام لا بد من التزامه في تفسير القرآن الكريم وبخاصة ما كان من القرآن متعلقا بغيب الغيوب وهو الله تبارك تعالى متعلقا بعبادته أو بصفة من صفاته، فتفسير هذه الآيات لابد أن تفسر على هذا المنهاج، يفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة ثم بالآثار الواردة عن السلف الصالح.
كنا ذكرنا لكم في بعض الجلسات السابقة أنه لا يكفي للمسلم اليوم أن يكون على هدى من ربه، وأن يكون سالكا سوياً على صراط مستقيم أن يقول: أنا آخذ بالكتاب والسنة، هذا لا بد منه ولكن هذا وحده لا يكفي، لا بد من الكتاب والسنة وشيء ثالث: وهو ما كان عليه السلف الصالح.
وأثبت لكم ببعض النصوص ولا أريد إعادة الموضوع وإنما الآن أذكر بقوله تبارك وتعالى فقط: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115). كان يكفي أن يقال في الآية الكريمة: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى، لكن الله عز وجل أضاف إلى ما ذكر جملة أخرى فقال:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115).
هذه جملة مهمة جدا؛ لأنها تعني: أن فهم الكتاب وفهم السنة لا سبيل لنا إليه إلا من طريق سلفنا الصالح.
الآن، وكما قلت: لا أعيد الكلام الماضي خشية التكرار والملل، قول بعض
المعاصرين اليوم تبعا لبعض أهل الكلام أو علماء الكلام: إن الله في كل مكان، هل نجد هذه الكلمة، هذه الجملة، هذه العقيدة في كلمات السلف الصالح؟
حاشا الله، وإنما في كلمات السلف الصالح ما يتجاوب مع الآيات والأحاديث التي نثبت لله عز وجل صفة العلو على المخلوقات كلها.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف:54)، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج:4).
«ارحموا من في الأرض يرحكم من في السماء» ، {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)، آيات وأحاديث كثيرة فضلا عن أقوال السلف الصالح التي تجمع كلها على إنكار هذه الضلالة: إن الله عز وجل في كل مكان، وإثبات أن الله عز وجل ليس له مكان، وإنما هو كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وفسروا استوى بمعنى: استعلى، أما أولئك الذين جعلوا الله في كل مكان فتأولوا الآية وعطلوها خلاف المنهج في تفسير القرآن الذي ذكرته لكم آنفا، حيث قالوا استوى: أي استولى.
هذا مع أنه تفسير خلفي ليس له أصل في أي كلمة من كلمات السلف الصالح، فبالإضافة إلى ذلك هو مخالف لتفسير السلف الصالح فهذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5).
أي: استعلى، هكذا فسره السلف، وجملة الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة حينما جاءه ذاك السائل يقول له: يا مالك، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) كيف استوى؟
قال: الاستواء معلوم أي وهو العلو والارتفاع، والكيف أي الذي أنت تسال
عنه مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل؛ فإنه مبتدع.
خلاصة الكلام في إبطال هذه الضلالة وهي قولهم: إن الله في كل مكان، البحث فيها طويل وننصح في هذه المناسبة قراءة كتاب "العلو للعلي الغفار أو للعلي العظيم"، للحافظ الذهبي، والأولى مختصر العلو؛ لأنه أقرب تناولا بعد تهذيب الأصل، وهو بقلمي وبتأليفي.
مختصر العلو للعلي الغفار، فقد ذكر فيه الآيات التي تثبت لله عز وجل صفة أنه على المخلوقات كلها، وأنه ليس في مكان، والأحاديث الكثيرة، والكثيرة الطيبة التي جاءت تتجاوب مع النصوص القرآنية بأن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، ثم الآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى زمن الإمام الذهبي، إلى ما بعد القرن السابع من الهجرة.
عشرات إن لم نقل مئات العلماء الذين يبطلون هذه الضلالة وهي قولهم: إن الله في كل مكان، ويثبتون أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها.
ومن أوضح الأدلة على ذلك، حديث الجارية الذي اتفق علماء الحديث على تصحيحه، وخلاصة هذا الحديث أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه: معاوية بن الحكم السلمي، كان له جارية ترعى غنما له في أُحُدٍ، فسطا الذئب يوماً على الغنم، فغضب السيد سيد الجارية فصفعها صفعة في خدها، وندم على ما فعل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: يا رسول الله إن عليَّ عتقُ رقبة، وعندي جارية، يسأله: هل يجزى عنه أن يعتقها ويكون كفارة ما عليه من عتق؟
قال: «ها تها» . فلما جاء بها قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أين الله؟.قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال لسيدها: أعتقها؛ فإنها مؤمنة» .
اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادة الجارية بأن الله في السماء: أنها ليست تشهد فقط بلسانها: أن لا إله إلا الله، بل هي تؤمن بأنه واحد في ذاته، واحد في عبادته، واحد في صفاته؛ فإياكم أن تقعوا في هذه الضلالة؛ لأننا نسمعها، نكون في مجلس فكأنه يذكر الله فيقول: الله موجود في كل الوجود، ألا تسمعوه هذه الكلمة؟ هذه هو معناه: الله موجود في كل الوجود.
هناك وجودان أحدهما: واجب الوجود وهو الله، كان ولا شيء معه كما سمعتم.
الوجود الثاني: هو الوجود الممكن وهو المخلوق.
فنحن لنا وجود ولله عز وجل وجوده الأزلي: لا أول له ولا آخر فإذن الله موجود في كل الوجود يعني ومنها الوجود هذا الذي نحن فيه الآن هنا معنى تلك الضلالة: الله موجود في كل مكان، فإياكم أن تقولوها صريحة، الله موجود في كل مكان، أو الله موجود في كل الوجود، لا.
هذا ضلال ما بعده ضلال؛ لأنه ينافي ما ذكرناه مما جاء في القرآن والسنة والآثار السلفية: أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها.
يقابل هذه الضلالة ضلالة أخرى هي أضل من الأولى، الضلالة الأخرى هي أن الله عز وجل ليس داخل العالم ولا خارجه.
الذي يقول: أن الله عز وجل داخل العالم، أي يقول: الله موجود في كل مكان، أو الله موجود في كل الوجود، هنا يثبت لله وجود مع التشبيه، والتشبيه باطل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11) ولذلك فهذا ضلال، ولكن أضل أن يقال: إن الله ليس داخل العالم ولا خارجة، فهذا نصف الكلام صح: الله ليس داخل
العالم، هذا هو كلام صحيح، وإنما هو فوق المخلوقات كلها.
أما أن نتبع هذه الكلمة بقولهم: ولا خارج العالم، فهذا اسمه في لغة العلماء: تعطيل وجود الحق: أي إنكار وجود الحق، لأن الله عز وجل كما ذكرناكم آنفا في حديث عمران بن حصين:«كان الله ولا شيء معه» .
إذن كان الله ولا مخلوق معه، لكن فيما بعد خلق المخلوقات كما هو مشاهد ويجب الإيمان بذلك أن هناك وجودان كما ذكرنا.
فالله عز وجل إذا لم يكن داخل العالم وهو الحق: أنه ليس داخل العالم، فإذا قال قائل بالإضافة إلى ذلك: ليس خارج العالم معناها: لا إله، معناها: الإلحاد والجحد المطلق، معناه الرجوع إلى عقيدة غلاة الصوفية، ولا أقول الرجوع إلى عقيدة الصوفية؛ لأن الصوفية قسمان:
منهم غلاة ومنهم دون ذلك.
الغلاة: هم الذين يقولون: بأن الوجود واحد، غلاة الصوفية وعلى رأسهم: ابن عربي، هو الذي يقول: إن الوجود واحد، أما المسلمون فهم يقولون: لا
إله إلا الله.
فهذه الآية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد:19) نثبت وجودين، الوجود الواحد المعبود الحق، والوجود الآخر: المعبودات بالباطل.
أما ابن عربي ومن ضل به فهم يقولون: الوجود واحد، وهم لهم عبارات يفصحون فيها عن شركهم وعن ضلالهم.
فهم يقولون مثلا: كل ما تراه بعينك فهو الله، كل ما تراه بعينك، فهو الله.
الوجود واحد، شو بتشوف بتشوف بشر، بتشوف حجر، بتشوف شجر، بتشوف سماء، بتشوف أرض، هذا الكون هو الله، هو عقيدة الدهريين، هو عقيدة الشيوعيين، لا إله، هذه تعود إلى الإنكار المطلق لوجود الله عز وجل.
فإذا قيل: إن الله ليس داخل العالم، ولا خارجه، فمعنى ذلك أن الوجود هو واحد، وهي عقيدة غلاة الصوفية: كل ما تراه بعينك فهو الله، لما عبد قوم نوح الآلهة كما قال في القرآن:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23) هل عبدوا غير الله؟ الجواب عند غلاة الصوفية لما عبدوا المجوس النار، ما عبدوا إلا الواحد القهار.
هذا هو الجحد المطلق فإذا قيل: إن الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، رجعت هذه العقيدة التي تقال إنها عقيدة أهل السنة والجماعة اليوم هناك أفراد من الناس ينشرون بعض الرسائل، ويعلقون بعض التعليقات إن لم نقل التعليكات، يكتبون هذه العقيدة إنه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله لا داخل العالم
ولا خارجه.
الله عز وجل كان ولا شيء معه، فهو الآن كما من قبل كان، هو الآن مستغنى كما كان من قبل مستغن عن المخلوقات كلها، فلما خلق المخلوقات قال: استوى عليها: استعلى، استعلى، أي ارتفع، ولا بد هنا لتوضح هذه العقيدة بشيء من العقل السليم: إن الله عز وجل بعد أن ثبتنا بنصوص الكتاب والسنة: أن الله عز وجل فوق المخلوقات وليس داخل المخلوقات،
لا بد لنا بعد ذلك أن نناقش أولئك المنكرين لوجود الله مطلقا، وإن كانوا يقولون: اله موجود، ولا إله إلا الله، ولكن حينما يقولون: هو لا داخل العالم ولا
خارجه، معنى ذلك: أنهم أنكروا وجود الله، نحن نقول لهؤلاء: أنتم معنا: أن الله كان ولا شيء معه، فلما خلق الخلق لا بد من شيء من ثلاثة أشياء، لا بد أن الله عز وجل حين خلق الخلق دخل في خلقه، وهذه هم متفقون معنا: أن الله ليس في كل مكان حينئذ ٍتبقى الثانية: لا بد أن الله عز وجل لما خلق الخلق جعلها فوق، وهذا باطل؛ لأن الله فوق كل شيء، إذن لم يبق إلا الثالثة: أن الله عز وجل لما خلق خلقه واستعلى عليها وارتفع، وهذا هو اللائق بالله عز وجل.
فلذلك القول: بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه هو كما قال ابن تيمية رحمه الله يصف طائفتين كلتا هما في ضلال، لكن إحداهما أضل من الأخرى، قال: المشبه الذي يشبه الله ببعض مخلوقاته يعبد صنماً، يعبد شيئا موجوداً، ولكنه يشبه بالأصنام التي كان المشركون يعبدونها من دون الله.
المشبه يعبد صنما، والمُعطِّل يعبد عدماً.
من هو المعطل؟
هو الذي يقول: لا داخل العالم ولا خارجه.
الذي يقول: هو داخل العالم مشبه، وهو في ضلال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11).
والذي يقول: إن الله عز وجل لا داخل العالم ولا خارجه، فقد أنكر وجود الله تبارك وتعالى فهذا أضل من الأول.
هذا الكلمة: لا داخل العالم ولا خارجه، اسمعوا الآن تفصيلها على ألسنة بعضهم، أريد أن أنهى الكلمة بهذه الكلمة؛ لتكونوا على بينة في أن كل من
يخالف عقيدة الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح يكون في ضلال مبين.
يقول قائلهم من هؤلاء علماء الكلام: إن الله لا يوصف: بأنه فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار ولا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلا به ولا منفصلا به. قولوا لي بربكم: أليس هذا وصف للمعدوم؟
مدخلة: أي نعم.
الشيخ: إذا قيل لأي عاقل أوتي شيئاً من الفهم والعقل والبيان: صف لنا المعدوم، الذي لا وجود له، لا حقيقة له، لم يمكنه أن يصف هذا المعدوم بأكثر مما وصف هؤلاء معبودهم حينما قال قائلهم: لا فوق لا تحت، لا يمين لا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلَاّ به ولا منفصلاً عنه.
أما نحن فنقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى:11)، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5).
مداخلة: قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) تبعا للسؤال الأول ما هو تفسيرها؟ وقوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46)؟
الشيخ: قبل الإجابة عن هذا السؤال والجواب عليه مختصر إن شاء الله، أريد أذكر بالأصل الذي ذكرتكم به في الكلمة السابقة، يجب تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال السلف. فمن أردا أن يعرف معنى هذه الآية:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) عليه أن يدرس التفاسير السلفية التي ضربت لكم مثلا ببعضها: تفسير ابن جرير الطبري، تفسير ابن كثير الدمشقي ومن نحا نحوهما.
مداخلة: القرطبي يا شيخ يسأل عن القرطبي.
الشيخ: أحفظ سؤالك، حسبي أن أقول ومن نحا نحوهما.
طبعا ليس كل مسلم يجب عليه أن يكون عالما، لكن إن لم يكن عالما، فلا بد من أن تكون سائلا كما هو الواقع الآن في الأسئلة السابقة واللاحقة والحاضر الآن من السؤال، أريد أن أذكر أن جوابي الآن سيأتي قائما على هذا الأصل من تفسير القرآن، فعلماء التفسيري قاطبة قالوا:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) أي بعلمه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) بعلمه، أي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء لذلك قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله هذا من نوادر أئمة السلف المحدثين الفقهاء الذين جمعوا بين العلم والزهد والجهاد، لا أعني جهاد النفس فقط بل جهاد الكفار، أي حمل السلاح، فهذا الرجل كان مجاهدا في سبيل الله مع علمه وزهده وتقواه، وهو من كبار شيوخ الإمام أحمد إمام السنة رحمه الله.
قال: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته هذا بحث سبق بيانه بشيء من التفصيل ثم قال هذه ثلاثة أمور يجب على الأقل على كل مسلم أن ترسخ معانيها له في عقله، ثم في قلبه الذي يؤمن به: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، أولا ثانيا: بائن من خلقه، بائن من خلقه؛ ضربٌ للخرافة السابقة: الله موجود في كل الوجود، لا: بائن من خلقه أي: هو الغنى عن العالمين بنص القرآن الكريم، هذه الخصلة الثانية.
أعيد فأقول: الله تبارك وتعالى مش أنا أقول: أحكى عن عبد الله بن المبارك ما قال فأقول: قال: الله تبارك وتعالى فوق عرشه بذاته، هذه الأولى، بائن من خلقه: أي ليس داخل العالم وإنما هو مستغنٍ عن العالم، خارج العالم.
الثالثة وهي موضع الشاهد: وهو معهم بعلمه: أي: السؤال السابق: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) بعلمه، ليس بذاته، وأنا أستغرب مثل هذا السؤال وبعد ذاك البيان: بأن القول بأن الله بذاته في كل مكان، هذا باطل شرعا وعقلا.
إذن لا ينبغي أن يسبق إلى ذهن السائل أنه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) يعني بذاته، هذا معنى يترفع عن أن يراه المسلم في منامه، وليس في يقظته، لماذا؟
نحن الآن في بيت، في مكان هو من خير البقاع كما جاء في الصحيح عن رسول الله: أنه سئل عن خبر البقاع وشر البقاع، قال:«خير البقاع المساجد، وشر البقاع، الأسواق» .
كبقعة كبيرة، لكن في السوق، في السوق في أماكن هي شر من السوق، هي المراحيض مثلا، فالسوق مكان من شر البقاع كما سمعتم وأشر من هذا الشر هي المراحيض، قد يكون في بعض الأسواق بارات، خمارات، بيوت الزنا والعهرو
…
و .. الخ.
هل الله عز وجل بذاته في هذا الأماكن: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4) حاشا، لكن هو فوق عرشه كما قال عبد الله بن المبارك، لكن هو معكم بعلمه؛ فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
إذن لا تُشْكِلن هذه الآية على أحد أن المقصود بها: ذات الله، ذات الله مستغن عن مخلوقات الله كلها، «كان الله ولا شيء معه» .
إذن: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد:4)، هو معكم بعلمه أينما كنتم، لا يقول الإنسان: والله أنا بين جدران أربعة في حجب بيني وبين ربى فلا يراني، لا،