الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أشهب أن ضمان التالف من المفلس حق يصل للغرماء، عينا كان أو عرضا، وهو قول ابن عبد الحكم، واختاره اللخمي وابن عبد السلام.
وترك له أي: للمفلس من ماله قوته نفسه، وترك له أيضًا النفقة الواجبة عليه لغيره، كزوجته وولده ووالديه وأمهات أولاده ومدبريه؛ لظن يسرته.
وهذا كقول المازري: التحقيق أن يترك له إلى وقت يؤدي الاجتهاد أنه يحصل له في مثله ما تأتى له منه المعيشة انتهى. وفي التوضيح: نحو الشهر هو المشهور.
وقال في الشامل: لظن يسرته هو المشهور، وليس خلافا.
وبما قررناه يتضح لك أن قول صاحب التكملة: (الظاهر أن عطف النفقة على قوته من عطف الخاص على العام) غير ظاهر، وإن أقره بعض تلامذته من شيوخنا.
وترك له ولمن تلزمه نفقته كسوتهم دستا معتادا.
قال في القاموس: الدست: بالسين المهملة، مفتوح الدال، هو: الدشت. أي: بالمعجمة.
تكميل:
إذا خلقت كسوة ولده الصغار ترك لهم كسوة على المشهور، والزوجة أحرى، ونحوه في التوضيح.
ولو ورث المفلس أباه بيع كله، إن استغرقه الدين، وإلا فيقدره إن وجد من يشتريه شقصا، وعتق باقيه، وإلا فكله، ويملك الباقي.
ولو ادخل الكاف أباه ليشمل كل من يعتق عليه لكان أحسن؛ لتعلق حق الغرماء بملكه.
لا إن وهب له من يعتق عليه، فلا يباع إن علم واهبه أنه يعتق عليه؛ لأنه إنما وهبه حينئذ للعتق لا للغرماء، والمتصدق به عليه كالموهوب.
ومفهوم الشرط: إن لم يعلم الواهب أنه يعتق عليه بيع، وبه جزم ابن يونس والمازري وغيرهما، وجعله ابن رشد محل نظر.
وأشار للحكم الثالث من أحكام الفلس بقوله: وحبس المفلس، وغاية حبسه لثبوت عسره، وإذا ثبت وجب انتظاره إن جهل حاله؛ حملا له على الملاء، وسواء كان دينه عن معاوضة أو لا، ومحل حبسه إن لم يسأل الصبر له، أي: لثبوت عسره بحميل، حتى يكشف أمره، فإن سأل مكن على الأصح.
عياض: والصواب أن يكون الحميل بوجهه.
وسبقه إلى ذلك أبو عمران والتونسي وغيرهما.
فغرم هذا الحميل إن لم يأت به، ولو أثبت عدمه، كذا قال المصنف هنا تبعا لما في المقدمات.
وقال في باب الضمان: لا يغرم أن أثبت عدمه، وهما طريقان، ذكرهما في توضيحه، وكذا ابن عرفة.
وذكر صاحب الشامل الطريقين قولين، وتلخص من اقتصار المصنف في البابين رجحان كل من الطريقين.
ثم عطف على من جهل حاله، فقال: أو ظهر ملاؤه جنس إن تفالس، وإن ترك بغير حبس فهل بحميل بالمال أو بالوجه.
قال في الشامل: ورجح.
ثم قال: وهل على ظاهرهما، أو الأول للمد، والثاني لغيره، خلاف.
وإن وعد المفلس بقضاء لما عليه، وسأل تأخيره يوم أعطى حميلا، ولم يأت به، سُجِنَ.
ثم شبه بما تقدم في الحبس فقط، فقال: كمعلوم الملاء، إذا لم يعط ما عليه لددًا سجن.
وقال سحنون: يضرب بالدرة المرة بعد المرة.
وأجل معلوم الملاء لبيع عرضه إن أعطى حميلا بالمال لا بالوجه، وفي حلفه على عدم الناض، أي: أنه لا ناض عنده، ذهب ولا فضة، وهو قول ابن دحون (1)، وعدم حلفه، وهو قول أبي على الحداد، أو يحلف إن كان تاجرا، وهو قول ابن زرب، تردد لهؤلاء.
قال بعض مشايخي: وهذا التردد يحتمل أن يكون لعدم نص المتقدمين، وهو الظاهر، أو لاضطراب المتأخرين في النقل.
وإن علم بالناض لم يؤخر، ولا يحلف.
عياض: وهو الصواب.
وضرب معلوم الملاء مرة بعد مرة؛ لأنه ملد، ومن جهل حاله إن شهد بعسره عند القاضي قبل فلسه أو بعده، وصفة الشهادة: أن يقولوا: إنه لا يعرف له مال ظاهر ولا باطن، وهذا بدل من قوله (بعسره).
حلف المشهود له كلذلك، أي: طبقا للشهادة على نفي العلم؛ لاحتمال أن يملك ما لا يعلمه، كإرث أو هبة.
(1) قال في ترتيب المدارك: "أبو محمد عبد اللَّه بن يحيى بن دحون، أحد جلّة شيوخ المفتين بقرطبة وكبار أصحاب ابن المكوى، وابن زرب، صحبهما وتفقه بهما وبغيرهما.
قال ابن حيان: لم يكن في أصحاب ابن المكوى، بإجماع، أفقه منه. ولا أغوص على الفتيا ولا أضبط للروايات مع نصيب من الأدب والخبر. ولم يكن معه كتب إلا يسيرًا من الأصول. وكان بقية علماء وقته بقرطبة. وعاش بعد قرنائه، فانفرد بالرئاسة، بقية مدته. وكان فكه المجلس. جمّ الإفادة. شديد التواضع مع رفعة حاله، وتقديم الناس له. يشتري جميع ما يحتاج إليه في الأسواق لنفسه. حسن الرأي. أنشد بعض الأدباء لابن دحون، وزعم أنها من قوله، وهي تنشد لابن الروي رحمه الله:
عجبت من الخير في أنعم بالدجى
…
وأصبح ريّاه مع الصبح يعجب
فخلت الرِّيا طبعًا له فكأنه
…
فقيه يرائي وهو بالليل يشرب
قال ابن حيان: وكان يرخص في السماع، ويجادل فيه عن مذهبه. وسئل عن حاله، فقال: ما حال من يعثر في ثوبه ويلقط الحيوان في جسمه. وتوفي في صدر محرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة".