الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو قدم الناقة في المثال فقال: هذه الناقة أو هذه الشاة لزيد لزمه ما قبل حرف الشك.
ولو قال: هذا الثوب أو هذا العبد مثلًا غصبته من فلان وعينه كزيد، لا بل من آخر، وعينه، كخالد، فهو للأول منهما؛ لإقراره له به أو لا ويتهم في إخراجه عنه ثانيا، وقضى للثاني بقيمته، إن كان مقوما، وإلا فمثله على المعروف من المذهب ابن القاسم، ولا يمين عليهما، كذا أطلق المصنف.
وقال عيسى: إلا أن يدعيه الثاني فله اليمين على الأول فإن حلف كما تقدم وإن نكل الأول حلف الثاني وأخذه ولا شيء على المقر.
ابن رشد: هو تفسير لقول ابن القاسم.
ولو قال: لك أحد ثوبين معينين أو أحدهما تين الأمتين، عيّن المقر أحدهما للمقر له لأن إقراره يحتمل الإبهام والشك وله دعوى زوال الشك وعلى كل له التعيين فإن عين أجودهما أخذه وكذا إن عين أدناهما وصدقه دون يمين وإن كذبه حلف المقر ودفعه له فإن نكل حلف المقر له وأخذه الأعلى وبقي الأدنى.
وإلا بأن لم يعين المقر، وبقي على شكه: فإن عين المقر له أجودهما حلف عند ابن القاسم، وإن عين الأدنى أخذه دون يمين.
وإن قال المقر له أيضًا: لا أدري عين ثوبي منهما، حلفا على نفي العلم المقر ثم المقر له، واشتركا فيهما بالنصف.
ابن عرفة: وكذا إن نكلا أو حلف أحدهما.
[الاستثناء في الإقرار: ]
ولما كان الاستثناء كالتعقب بالرافع ذكره، فقال: والاستثناء هنا في باب الإقرار كغيره من الأبواب، كـ: الطلاق والعتق من كونه بأدوات مخصوصة وشروط كالاتصال وما في حكمه كما تقدم في غير هذا الباب، فيصح استثناء الأكثر عند الأكثر، خلافًا لابن الماجشون، وكذا يصح استثناء
المساوي عند الأكثر، كـ: عشرة إلا خمسة، ولا يصح المستغرق اتفاقًا عند الأكثر.
وحكى القرافي عن أبي طلحة فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه ينفعه، وعلى ما عليه الأكثر ففي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية تلزمه تسعه، وإلى الواحد خمسة؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات (1)، فيحط الأخير مما يليه، ثم باقيه مما يليه وكذلك حتى الأول فما
(1) قال الشوكاني في إرشاد الفحول (1/ 369 - 370): "المسألة التاسعة: الاستثناء من النفي والخلاف فيه، اتفقوا على أن الاستثناء من الإثبات نفي، وأما الاستثناء من النفي فذهب الجمهور إلى أنه إثبات، وذهبت الحنفية إلى أن الاستثناء لا يكون إثباتا وجعلوا بين الحكم بالإثبات والحكم بالنفي واسطة وهي عدم الحكم، قالوا: فمقتضى الاستثناء بقاء المستثنى غير محكوم عليه، لا بالنفي ولا بالإثبات.
واختلف كلام فخر الدين الرازي، فوافق الجمهور في "المحصول" واختار مذهب الحنفية في "تفسيره".
والحق ما ذهب إليه الجمهور، ودعوى الواسطة مردودة، على أنها لو كان لها وجه لكان مثل ذلك لازمًا في الاستثناء من الإثبات، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.
وأيضًا نقل الأئمة عن اللغة يخالف ما قالوه ويرد عليه، ولو كان ما ذهبوا إليه صحيحًا لم تكن كلمة التوحيد توحيدًا، فإن قولنا: لا إله إلا اللَّه، هو استثناء من نفي؛ وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه"، وقد استدلت الحنفية بأن الاستثناء هو مأخوذ من قولك: ثنيت الشيء إذا صرفته عن وجهه: فإذا قلت: لا عالم إلا زيد فههنا أمران:
أحدهما: هذا الحكم.
والثاني: نفس العلم.
فقولك: إلا زيد، يحتمل أن يكون عائدًا إلى الأول، وحينئذ لا يلزم تحقق الثبوت؛ إذ الاستثناء إنما يزيل الحكم بالعلم، فيبقى المستثنى مسكوتا عنه غير محكوم عليه بنفي ولا إثبات، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى الثاني، وحينئذ يلزم تحقق الثبوت؛ لأن ارتفاع العدم يحصل الوجود لا محالة؛ لكون عود الاستثناء إلى الأول أولى؛ إذ الألفاظ وضعت دالة على الأحكام الذهنية لا على الأعيان الخارجية، فثبت أن عود الاستثناء إلى الأول أولى.
وحكى عنهم الرازي في "المحصول" أنهم احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"
1 -
و"لا صلاة إلا بطهور". =
حصل فهو الباقي، فيحط الواحد من الاثنين، فيقي واحد يحطه من ثلاثة، يبقي اثنان يحطهما من خمسة يبقي ثلاثة يحطها من ستة يبقي ثلاثة يحطها من سبعة تبقي أربعة يحطها من تسعة تبقي خمسة يحطها من عشرة تبقي خمسة هي المقر بها.
ولما كان ما يؤدي الاستثناء هنا عرفا يعتبر، ولو خالف اللغة، وكان يعتبر لفظه، قال: وصح الدار التي بيدي والبيت الفلاني منها لي، فلا فرق بينه وبين إلا البيت الفلاني فهو لي، وصح الاستثناء بغير الجنس المستثنى منه، كألف له علي إلا عبدا على الأصح.
وعبر عنه ابن راشد بالمشهور فيوصف ويقوم بصفته وينقص من الألف، ولذا قال: وسقطت قيمته.
وفهم منه أن قيمته لا تكون مساوية ولا أكثر؛ لئلا يستغرق، كما نص عليه ابن شاس، وكذا له عندي عبدا لا ثوب فيطرح قيمة الثاني من الأول.
=2 - ولم يلزم منه تحقق النكاح عند حضور الولي، ولا تحقق الصلاة عند حضور الوضوء، بل يدل على عدم صحتها عند عدم هذين الشرطين.
هكذا حكى عنهم في "المحصول" ولم يتعرض للرد عليهم، ويجاب عن الأول: بمنع ما قالوه، ولو سلم أنه لا يستفاد الإثبات من الوضع اللغوي، لكان مستفادًا من الوضع الشرعي.
وعن الثاني: بأنه إن كان النزاع فيما يفيد ذلك باعتبار الوضع الشرعي فلا بد من اعتبار تمام ما اشترط الشرع في النكاح والصلاة، وإن كان النزاع فيما يفيد ذلك باعتبار الوضع اللغوي، فدخول الباء في المستثنى قد أفاد معنى غير المعنى الذي مع عدمها، فإن دخولها ليس بمخرج مما قبله؛ لأنا لم نقل لا نكاح إلا الولي، ولا صلاة إلا الطهور، بل قلنا:"إلا بولي" و"إلا بطهور" فلا بد من تقدير متعلق هو المستثنى منه فيكون التقدير: لا نكاح يثبت بوجه إلا مقترنًا بولي، أو نحو ذلك من التقديرات.
قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": وكل هذا عندي تشغيب. ومراوغات جدلية والشرع خاطب الناس بهذه الكلمة، يعني كلمة الشهادة، وأمرهم بها لإثبات مقصود التوحيد وحصل الفهم منهم بذلك والقبول له من غير زيادة ولا احتياج إلى أمر آخر، ولو كان وضع اللفظ لا يفيد التوحيد لكان أهم المهمات تعليم اللفظ الذي يقتضيه؛ لأنه المقصود الأعظم".