الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْأَيْمَان
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي انْعِقَاد الْيَمين الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم واحفظوا أَيْمَانكُم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تشكرون} وَقَوله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم}
وَأما السّنة فَروِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ وَالله لأغزون قُريْشًا وَالله لأغزون قُريْشًا وَالله لأغزون قُريْشًا إِن شَاءَ الله وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ كثيرا مَا يحلف لَا ومقلب الْقُلُوب بلَى ومقلب الْقُلُوب
وأجمعت الْأمة على انْعِقَاد الْيَمين
وَالْيَمِين تَنْعَقِد من كل بَالغ عَاقل مُخْتَار قَاصد إِلَى الْيَمين
فَأَما الصَّبِي وَالْمَجْنُون والنائم فَلَا تَنْعَقِد أَيْمَانهم لقَوْله صلى الله عليه وسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق
وَلَا تَنْعَقِد يَمِين الْمُكْره لما روى أَبُو أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ على مقهور يَمِين
وَأما لَغْو الْيَمين فَلَا تَنْعَقِد وَهُوَ الَّذِي سبق لِسَانه إِلَى الْحلف بِاللَّه من غير أَن يقْصد الْيَمين أَو قصد أَن يحلف بِاللَّه لَا أفعل كَذَا
فَسبق لِسَانه وَحلف بِاللَّه ليفعلن كَذَا
والأيمان على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا يَمِين تقع فِي خُصُومَة
وَالثَّانِي يَمِين تقع فِي غير خُصُومَة
فَأَما الَّتِي تقع فِي خُصُومَة فعلى ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا يَمِين يَقع جَوَابا
وَهِي يَمِين الْمُنكر
وَالثَّانيَِة يَمِين اسْتِحْقَاق
وَهِي فِي خمس مسَائِل
أَولهَا اللّعان
ثَانِيهَا الْقسَامَة
ثَالِثهَا الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فِي الْأَمْوَال والنكول خَاصَّة
رَابِعهَا رد الْيَمين فِي سَائِر الدَّعَاوَى
وَهل طَرِيقه الْإِقْرَار أم لَا على قَوْلَيْنِ
خَامِسهَا الْيَمين مَعَ الشَّاهِد
وَذَلِكَ فِي سبع مسَائِل
الأولى الرَّد بِالْعَيْبِ
الثَّانِيَة فِي دَعْوَى الْإِعْسَار
الثَّالِثَة فِي دَعْوَى الْعنَّة
الرَّابِعَة فِي الدَّعْوَى على جراح بَاطِن
الْخَامِسَة فِي الدَّعْوَى على ميت
السَّادِسَة فِي الدَّعْوَى على غَائِب
السَّابِعَة أَن يَقُول رجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق أمس
وَيَقُول إِنَّهَا كَانَت مُطلقَة من غَيْرِي
وَيُقِيم فِي هَذِه الْمسَائِل الشَّاهِدين وَيحلف مَعَهُمَا
وَأما الْيَمين الَّتِي تقع فِي خُصُومَة
فَثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا لَغْو الْيَمين
كَقَوْلِه لَا وَالله وبلى وَالله وَنَحْو ذَلِك
فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد بِحَال
لِأَن اللَّغْو هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَا يقْصد إِلَيْهِ الْمُتَكَلّم
الثَّانِي يَمِين الْمُكْره فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد بِحَال للْحَدِيث الْمُتَقَدّم ذكره
وَالثَّالِث الْيَمين المعقودة
وَهِي على وَجْهَيْن
أَحدهمَا الْيَمين على فعل مَاض وَالثَّانِي على فعل مُسْتَقْبل
فَإِن حلف على فعل مَاض أَنه لم يكن وَقد كَانَ فَذَلِك الْيَمين الْغمُوس
وَهُوَ الَّذِي يَأْثَم بِهِ لما روى الشّعبِيّ عَن ابْن عمر أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْكَبَائِر قَالَ الْإِشْرَاك بِاللَّه
قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ عقوق الْوَالِدين
قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمين الْغمُوس قيل لِلشَّعْبِيِّ وَمَا الْيَمين الْغمُوس قَالَ الَّذِي يقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم وَهُوَ فِيهَا كَاذِب
وروى ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف على يَمِين وَهُوَ فِيهَا فَاجر
ليقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان
وَسميت الْغمُوس لِأَنَّهَا تغمس من حلف بهَا فِي النَّار
وَأما الْيَمين على الْمُسْتَقْبل فَتَصِح أَيْضا
لقَوْله صلى الله عليه وسلم وَالله لأغزون قُريْشًا
وَالْيَمِين على الْمُسْتَقْبل تَنْقَسِم على خَمْسَة أَقسَام الْقسم الأول يَمِين عقدهَا طَاعَة وَالْمقَام عَلَيْهَا طَاعَة وحلها مَعْصِيّة مثل أَن يحلف ليصلين الصَّلَوَات الْخمس الْوَاجِبَات أَو أَنه لَا يشرب الْخمر أَو أَنه لَا يَزْنِي
وَإِنَّمَا كَانَ عقدهَا طَاعَة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا طَاعَة لِأَنَّهَا قد تَدعُوهُ إِلَى الْمُوَاظبَة على فعل الْوَاجِب وَيخَاف من الْحِنْث فِيهَا الْكَفَّارَة
وحلها مَعْصِيّة لِأَن حلهَا إِنَّمَا يكون بالامتناع من فعل الْوَاجِب أَو بِفعل مَا حرم عَلَيْهِ
الْقسم الثَّانِي يَمِين عقدهَا مَعْصِيّة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا مَعْصِيّة
وحلها طَاعَة مثل أَن يحلف أَن لَا يفعل مَا يجب عَلَيْهِ أَو ليفعلن مَا حرم عَلَيْهِ
الْقسم الثَّالِث يَمِين عقدهَا طَاعَة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا طَاعَة وحلها مَكْرُوه مثل أَن يحلف ليصلين النَّوَافِل أَو ليصومن التَّطَوُّع أَو ليتصدقن بِصَدقَة التَّطَوُّع
الْقسم الرَّابِع يَمِين عقدهَا مَكْرُوه وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا مَكْرُوه
وحلها طَاعَة مثل أَن يحلف أَن لَا يُصَلِّي صَلَاة النَّافِلَة أَو لَا يَصُوم صَوْم التَّطَوُّع أَو لَا يتَصَدَّق صَدَقَة التَّطَوُّع
وَإِنَّمَا قُلْنَا عقدهَا وَالْمقَام عَلَيْهَا مَكْرُوه لِأَنَّهُ قد يمْنَع من فعل الْبر خوف الْحِنْث
وَإِنَّمَا كَانَ حلهَا طَاعَة لقَوْله صلى الله عليه وسلم من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير
فَإِن قيل كَيفَ يكون عقدهَا مَكْرُوه وَالْمقَام عَلَيْهَا مَكْرُوه وَقد سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة
يَقُول هَل عَليّ غَيرهَا فَقَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع
فَقَالَ وَالله لَا أَزِيد على ذَلِك وَلَا أنقص مِنْهُ وَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ
قُلْنَا يحْتَمل أَنه لما حلف أَن لَا يزِيد وَلَا ينقص تَضَمَّنت يَمِينه مَا هُوَ طَاعَة وَهُوَ ترك النُّقْصَان عَنْهَا
فَلذَلِك لم يُنكر عَلَيْهِ
وَيحْتَمل أَن يكون لِسَانه سبق إِلَى الْيَمين
وَعلمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يُنكره عَلَيْهِ
لِأَنَّهَا لَغْو
وَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر عَلَيْهِ ليدل على أَن ترك التَّطَوُّع جَائِز
وَإِن كَانَت الْيَمين مَكْرُوهَة
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يفعل الْمَكْرُوه
كالالتفات فِي الصَّلَاة ليدل على الْجَوَاز
الْقسم الْخَامِس يَمِين عقدهَا مُبَاح وَالْمقَام عَلَيْهَا مُبَاح
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي حلهَا
وَذَلِكَ مثل أَن يحلف لادخلت هَذِه الدَّار ولاسلكت هَذَا الطَّرِيق وَإِنَّمَا كَانَ عقدهَا وَالْمقَام عَلَيْهَا مُبَاحا لِأَنَّهُ يُبَاح لَهُ ترك دُخُول الدَّار وَترك سلوك الطَّرِيق
وَهل حلهَا أفضل أم الْمقَام عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْمقَام عَلَيْهَا أفضل
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها}
الثَّانِي حلهَا أفضل
لِأَنَّهُ إِذا أَقَامَ على الْيَمين منع نَفسه من فعل مَا أُبِيح لَهُ
وَالْيَمِين لَا تغير الْمَحْلُوف عَلَيْهِ عَن حكمه
فرع قَالَ الشَّافِعِي وَمن حلف بِغَيْر الله فَهُوَ يَمِين مَكْرُوه مثل أَن يحلف بِأَبِيهِ أَو بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَو بِالْكَعْبَةِ أَو بِأحد من الصَّحَابَة
وَذَلِكَ لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا أَن يقْصد بذلك قصد الْيَمين وَلَا يعْتَقد فِي الْمَحْلُوف بِهِ من التَّعْظِيم مَا يعْتَقد فِي الله تَعَالَى
فَهَذَا يكره لَهُ ذَلِك وَلَا يكفر
لما روى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ وَلَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحلفُوا بِاللَّه إِلَّا وَأَنْتُم صَادِقُونَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أدْرك عمر رضي الله عنه فِي ركب وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ
فَمن كَانَ حَالفا
فليحلف بِاللَّه أَو لِيَسْكُت قَالَ عمر فَمَا حَلَفت بهَا بعد ذَلِك ذَاكِرًا وَلَا آثرا وَمعنى قَوْله ذَاكِرًا أَي أذكرهُ عَن غَيْرِي
وَمعنى قَوْله آثرا أَي حاكيا عَن غَيْرِي
الثَّانِي أَن يحلف بذلك ويقصد الْيَمين
ويعتقد فِي الْمَحْلُوف بِهِ من التَّعْظِيم مَا يَعْتَقِدهُ فِي الله
فَهَذَا يحكم بِكُفْرِهِ
لما روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حلف بِغَيْر الله فقد كفر وَرُوِيَ فقد أشرك
الثَّالِث أَن يجْرِي ذَلِك على لِسَانه من غير قصد إِلَى الْحلف بِهِ
فَلَا يكره بل يكون بِمَعْنى لَغْو الْيَمين
فَإِن قيل ورد فِي الْقُرْآن أَقسَام كَثِيرَة بِغَيْر الله
فَالْجَوَاب أَن الله تَعَالَى أقسم بمصنوعاته الدَّالَّة على قدرته تَعْظِيمًا لَهُ تَعَالَى لَا لَهَا
وتنعقد الْيَمين بِخمْس إِذا حلف بِاللَّه أَو باسم من أَسْمَائِهِ أَو بِصفة من صِفَاته أَو بِالطَّلَاق أَو بالعتاق أَو نذر إِخْرَاج الْأَمْوَال أَو الْإِتْيَان بالعبادات وحروف الْقسم الْبَاء وَالْوَاو وَالتَّاء وَالْألف
فَتَقول آللَّهُ وَبِاللَّهِ وَوَاللَّه وتالله
وألفاظ الْيَمين ثَلَاثَة أقسم بِاللَّه وأعزم بِاللَّه وَأشْهد بِاللَّه
فَإِن لم يذكر لفظ الله فِي هَذَا فَلَيْسَ بِيَمِين
وَيقطع حكم الْيَمين خَمْسَة معَان الْبر والحنث
وَالِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل وانحلال الْيَمين واستحالة الْبر
وَإِذا وَقع الْحِنْث كفر عَن يَمِينه
وَإِن قدم الْكَفَّارَة جَازَ إِلَّا الصّيام فَإِنَّهُ لَا يقدم
وَإِذا حلف على زَوجته بِطَلَاقِهَا أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا
فَتزَوج عَلَيْهَا فِي عدَّة مِنْهُ رَجْعِيَّة حنث
فَإِن حلف أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا فَتزَوج عَلَيْهَا فِي عدَّة مِنْهُ رَجْعِيَّة لم