الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْخلْع
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
سمي الْخلْع خلعا لِأَن الْمَرْأَة تخلع نَفسهَا مِنْهُ وَهِي لِبَاس لَهُ لقَوْله تَعَالَى {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} وَسمي الافتداء لِأَنَّهَا تَفْتَدِي نَفسهَا مِنْهُ بِمَا تبذله لَهُ من الْعِوَض
وَالْخلْع يَنْقَسِم على ثَلَاثَة أَقسَام
قِسْمَانِ مباحان وَقسم مَحْظُور
فأحد المباحين إِذا كرهت الْمَرْأَة خلق الزَّوْج أَو خلقه أَو دينه وخافت أَن لَا تُؤدِّي حَقه فبذلت لَهُ عوضا ليُطَلِّقهَا
جَازَ ذَلِك وَحل لَهُ أَخذه بِلَا خلاف
لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن حَبِيبَة بنت سهل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج إِلَى صَلَاة الصُّبْح وَهِي على بَابه
فَقَالَ من هَذِه فَقَالَت أَنا حَبِيبَة بنت سهل
فَقَالَ مَا شَأْنك فَقَالَت يَا رَسُول الله لَا أَنا وَلَا ثَابت تَعْنِي زَوجهَا ثَابت بن قيس فَلَمَّا جَاءَ ثَابت قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذِه حَبِيبَة تذكر مَا شَاءَ الله أَن تذكر
فَقَالَت يَا رَسُول الله كل مَا أَعْطَانِي عِنْدِي
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِثَابِت خُذ مِنْهَا
فَأخذ مِنْهَا
وَجَلَست فِي أَهلهَا
وَفِي رِوَايَة عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه أَنَّهَا اخْتلعت من زَوجهَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق جميلَة بنت سهل
وَرُوِيَ أَن الرّبيع بنت بن معوذ بن عفراء اخْتلعت على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
الْقسم الثَّانِي من الْمُبَاح أَن تكون الْحَالة مُسْتَقِيمَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَلَا يكره أَحدهمَا الآخر
فيتراضيا على الْخلْع
فَيصح
وَيحل للزَّوْج مَا بذلت لَهُ
لقَوْله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا}
الْقسم الثَّالِث وَهُوَ أَن يضْربهَا أَو يخوفها بِالْقَتْلِ أَو يمْنَعهَا نَفَقَتهَا أَو كسوتها
ليخالعها
فَهَذَا الْمَحْظُور
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} والعضل الْمَنْع فَإِن خالعته فِي هَذِه الْحَالة
وَقع الطَّلَاق
وَلَا يملك الزَّوْج مَا بذلته لَهُ على ذَلِك
فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول كَانَ رَجْعِيًا لِأَن الرّجْعَة إِنَّمَا سَقَطت لأجل ملكه المَال فَإِذا لم يملك المَال كَانَ لَهُ الرّجْعَة
فَإِن ضربهَا للتأديب فِي النُّشُوز
فخالعته عقب الضَّرْب صَحَّ الْخلْع لِأَن ثَابت بن قيس كَانَ قد ضرب زَوجته فخالعته مَعَ علم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْحَال وَلم يُنكر عَلَيْهِمَا
وَلِأَن كل عقد صَحَّ مَعَ الضَّرْب صَحَّ بعده
كَمَا لَو حد الإِمَام رجلا ثمَّ اشْترى مِنْهُ شَيْئا عقبه
قَالَ الطَّبَرِيّ وَهَكَذَا لَو ضربهَا لتفتدي مِنْهُ فافتدت نَفسهَا مِنْهُ عقبه طَائِعَة صَحَّ لما ذَكرْنَاهُ
وَإِن زنت فَمنعهَا حَقّهَا لتخالعه فخالعته فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه من الْخلْع الْمُبَاح لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} فَدلَّ على أَنَّهَا إِذا أَتَت بِفَاحِشَة مبينَة جَازَ عضلها
وَالثَّانِي أَنه من الْخلْع الْمَحْظُور لِأَنَّهُ خلع أكرهت عَلَيْهِ بِمَنْع حَقّهَا
فَهُوَ كَمَا لَو أكرهها على ذَلِك من غير زنا
وَأما الْآيَة فَقيل إِنَّهَا مَنْسُوخَة بالإمساك فِي الْبيُوت وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} ثمَّ نسخ ذَلِك بِالْجلدِ وَالرَّجم
وَهُوَ فرقة بعوض بِلَفْظ طَلَاق أَو خلع وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَيشْتَرط لصحتهما من الزَّوْج أَن يكون مِمَّن ينفذ طَلَاقه فَلَا يَصح خلع الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَيصِح خلع الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس والسفه
وَإِذا خَالع السَّفِيه على مَال فَلَا يسلم المَال إِلَيْهِ بل إِلَى وليه
وَيصِح خلع العَبْد وَيسلم المَال إِلَى السَّيِّد
وَيشْتَرط فِيمَن يقبل الْخلْع أَن يكون مُطلق التَّصَرُّف فِي المَال
فَإِن كَانَت الزَّوْجَة المختلعة أمة واختلعت بِغَيْر إِذن السَّيِّد حصلت الْبَيْنُونَة سَوَاء اخْتلعت بِعَين مَال السَّيِّد أَو بدين
وَهل يسْتَحق الزَّوْج فِي ذمَّتهَا مهر الْمثل أَو قيمَة الْعين إِذا اخْتلعت بِعَين وَمهر الْمثل أَو الْمُسَمّى فِي صُورَة الدّين فيهمَا قَولَانِ
الْأَظْهر الأول
وَإِن اخْتلعت بِإِذن السَّيِّد فَإِن عين مَالا من أَمْوَاله يختلع عَلَيْهِ وامتثلت أمره