الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشَّهَادَات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إِلَى قَوْله {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} إِلَى قَوْله {علمه الله فليكتب} فَمنع من كتمان الشَّهَادَة
فَدلَّ على أَنه إِذا أدّى الشَّهَادَة تعلق الحكم بهَا
وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة}
وَقَوله {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وغيرذلك من الْآيَات
وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عليه وسلم للحضرمي أَلَك بَيِّنَة
وروى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الشَّهَادَة فَقَالَ هَل ترى الشَّمْس فَقَالَ نعم
قَالَ على مثلهَا فاشهد أَو دع وَغير ذَلِك من الْأَخْبَار
وَأما الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْأَئِمَّة فِي تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ
وَتحمل الشَّهَادَة فرض
وَحَاصِله أَنه إِذا دعِي رجل ليتحمل الشَّهَادَة على نِكَاح أَو دين وَجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} وَقد قرىء بِرَفْع يضار وبنصبه
فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع
فَمَعْنَاه لَا يضر الْكَاتِب والشهيد بِمن يَدعُوهُ فَيمْتَنع من إجَابَته من غير عذر
وَقيل لَا يكْتب الْكَاتِب مَا لم يسْتَكْتب
وَلَا يشْهد الشَّاهِد مَا لم يشْهد عَلَيْهِ
وَمن قَرَأَهَا
بِالنّصب فَمَعْنَاه لَا يضر بالكاتب والشهيد بِأَن يدعوهما للكتابة وَالشَّهَادَة من غير حَاجَة إِلَى ذَلِك
فيقطعهما عَن حوائجهما
وَهِي فرض على الْكِفَايَة إِذا دعى إِلَى الشَّهَادَة جمَاعَة
فَأجَاب شَاهِدَانِ سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ
لِأَن الْقَصْد من الشَّهَادَة التَّوَثُّق
وَذَلِكَ يحصل بِشَاهِدين
فَإِن امْتنع جَمِيعهم من الْإِجَابَة أثموا
فَإِن لم يكن فِي مَوضِع إِلَّا شَاهِدَانِ فدعيا إِلَى تحمل الشَّهَادَة
تعيّنت عَلَيْهِمَا الْإِجَابَة
فَإِن امتنعا أثما
لِأَن الْمَقْصُود لَا يحصل إِلَّا بهما
وَكَذَلِكَ أَدَاء الشَّهَادَة فرض وَهُوَ إِذا كَانَ مَعَ رجل شَهَادَة لآخر
فَدَعَاهُ الْمَشْهُود إِلَى أَدَائِهَا عِنْد الْحَاكِم وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا عِنْد الْحَاكِم لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} فَنهى عَن كتمان الشَّهَادَة وتوعد على كتمها
فَدلَّ على أَنه يجب إظهارها
وَقَوله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَهَذَا يعم حَال التَّحَمُّل وَحَال الْأَدَاء
فَإِن امْتنع جَمِيع الشُّهُود من الْأَدَاء أثموا
وَقد يتَعَيَّن الْأَدَاء على شَاهِدين
فَإِن لم يشْهد على الْحق إِلَّا اثْنَان أَو شهد جمَاعَة لكِنهمْ غَابُوا أَو مَاتُوا أَو كَانُوا فساقا إِلَّا اثْنَيْنِ
فَإِنَّهُ يتَعَيَّن عَلَيْهِمَا الْأَدَاء إِذا دعيا إِلَيْهِ
لِأَن الْمَقْصُود لَا يحصل إِلَّا بهما
وَمن تعين عَلَيْهِ فرض تحمل الشَّهَادَة أَو أَدَائِهَا لم يجز لَهُ أَن يَأْخُذ على ذَلِك أُجْرَة
لِأَنَّهُ فرض توجه عَلَيْهِ
فَلَا يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة كَالصَّلَاةِ
وَإِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ
فَهَل يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز لِأَنَّهَا وَثِيقَة بِالْحَقِّ لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ
فَجَاز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ
ككتب الْوَثِيقَة
وَالثَّانِي لَا يجوز لَهُ ذَلِك
لِأَن التُّهْمَة تلْحقهُ بِأخذ الْعِوَض
وَلَا تقبل الشَّهَادَة إِلَّا من عدل
لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فَدلَّ على أَنه إِذا جَاءَ من لَيْسَ بفاسق لَا يتَبَيَّن
وَلقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} فَدلَّ على أَن شَهَادَة من لَيْسَ بِعدْل لَا تقبل
وَالْعدْل فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي اسْتَوَت أَحْوَاله واعتدلت
يُقَال فلَان عديل فلَان
إِذا كَانَ مُسَاوِيا لَهُ
وَسمي الْعدْل عدلا لِأَنَّهُ يُسَاوِي مثله على الْبَهِيمَة
وَأما الْعدْل فِي الشَّرْع فَهُوَ الْعدْل فِي أَحْكَامه وَدينه ومروءته
فالعدل فِي الْأَحْكَام أَن يكون بَالغا عَاقِلا حرا
وَالْعدْل فِي الدّين أَن يكون مُسلما
مجتنبا للكبائر غير مصر على الصَّغَائِر
وَالْعدْل فِي الْمُرُوءَة أَن يجْتَنب الْأُمُور الدنية الَّتِي تسْقط الْمُرُوءَة
وَحَاصِله أَنه لَا تقبل شَهَادَة صَاحب كَبِيرَة وَلَا مصر على صَغِيرَة لِأَن المتصف بذلك فَاسق
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه فَاسق لِأَن الْفسق لُغَة الْخُرُوج
لهَذَا يُقَال فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من قشرها
وَالْفِسْق فِي الشَّرْع الْميل عَن الطَّرِيقَة
وحد الْكَبِيرَة ارْتِكَاب مَا يُوجب الْحَد
ذكره الْبَغَوِيّ
وَقيل مَا يلْحق صَاحبهَا وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب أَو سنة
قَالَه الرَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ الْكَبِيرَة مَا أوجبت الْحَد أَو توجه بِسَبَبِهَا إِلَى الْفَاعِل وَعِيد
وَالصَّغِيرَة مَا قل فِيهَا الْإِثْم
وَمن شُرُوط الْعَدَالَة أَن يكون الْعدْل سليم السريرة مَأْمُونا عِنْد الْغَضَب محافظا على مُرُوءَة مثله
فَلَا تقبل شَهَادَة القمام وَهُوَ الَّذِي يجمع القمامة أَي الكناسة ويحملها
وَكَذَا الْقيم فِي الحمامات وَمن يلْعَب بالحمام أَي يطيرها لينْظر تقلبها فِي الجو
وَكَذَا الْمُغنِي سَوَاء أَتَاهُم أَو أَتَوْهُ
وَكَذَا الرقاص كالصوفية الَّذين يسعون إِلَى ولائم الظلمَة والمكاسين ويظهرون التواجد عِنْد رقصهم وتحريك رؤوسهم وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين
وَإِذا قرىء الْقُرْآن لَا ينصتون
وَإِذا تغنى مزمار الشَّيْطَان صَاح بَعضهم بِبَعْض أَو شاش وأزبد وأرغى وتواجد
قَاتلهم الله تَعَالَى
مَا أفسقهم وأزهدهم فِي كتاب الله وَمَا أرغبهم فِي مَزَامِير الشَّيْطَان
وَمَا أسبقهم إِلَى التفاخر فِي الْبدع وَمَا أشبههم بالشياطين
وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة من يَأْكُل فِي الْأَسْوَاق وَمثله لَا يعتاده بِخِلَاف من يَأْكُل قَلِيلا على بَاب دكانه مِمَّن عَادَتهم الْغَدَاء فِي الْأَسْوَاق
كالصباغين والسماسرة وَغَيرهم
مِمَّن هُوَ فِي مَعْنَاهُ
وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة من يمد رجله عِنْد النَّاس بِغَيْر مرض وَلَا من يلْعَب بالشطرنج على قَارِعَة الطَّرِيق وَلَا من يكْشف من بدنه مَا لَا يعْتَاد وَإِن لم يكن عَورَة وَلَا من يكثر من الحكايات المضحكة أَو يذكر أَهله أَو زَوجته بالسخف
ومدار ذَلِك كُله على حفظ الْمُرُوءَة
لِأَن حفظهَا من الْحيَاء ووفور الْعقل
وحد الْمُرُوءَة أَن يصون نَفسه عَن الأدناس وَمَا يشينها بَين النَّاس
وَقيل أَن يسير سير أشكاله فِي زَمَانه ومكانه
وَالتَّوْبَة فِيمَا بَين العَبْد وَبَين الله تَعَالَى
وَهِي تسْقط الْإِثْم
وَيشْتَرط فِيهَا إقلاع