الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْقَضَاء
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي ثُبُوته فِي الشَّرْع الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} وَقَوله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} وَقَوله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَإِذا حكمتم بَين النَّاس أَن تحكموا بِالْعَدْلِ إِن} وَقَوله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم واحذرهم أَن يفتنوك عَن بعض مَا أنزل الله إِلَيْك فَإِن توَلّوا فَاعْلَم أَنما يُرِيد الله أَن يصيبهم بِبَعْض ذنوبهم وَإِن كثيرا من النَّاس لفاسقون}
وَأما السّنة فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حكم بَين النَّاس وَبعث عليا إِلَى الْيمن للْقَضَاء بَين النَّاس وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله
وَمن عَصَانِي فقد عصى الله
وَمن أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي وَمن عصى أَمِيري فقد عَصَانِي
وَجُمْلَة ذَلِك أَن من عصى إِمَامًا أَو قَاضِيا أَو حَاكما من الْحُكَّام فِيمَا أَمر بِهِ من الْحق أَو حكم فِيهِ بِوَجْه الْحق وَالْعدْل
فقد عصى الله وَرَسُوله وتعدى حُدُوده
وَأما إِن قضى بِغَيْر الْعدْل أَو أَمر بِغَيْر الْحق فطاعته غير لَازِمَة لقَوْله صلى الله عليه وسلم لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق إِلَّا أَن يخْشَى أَن تُؤدِّي مُخَالفَته إِلَى الْهَرج وَالْفساد وَسَفك الدِّمَاء
واستباحة الْأَمْوَال وهتك الحرمات
فَتجب طَاعَته حِينَئِذٍ على كل حَال
وَأما الْإِجْمَاع فَإِن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين حكمُوا بَين النَّاس
وَبعث أَبُو بكر أنس بن مَالك إِلَى الْبَحْرين ليقضي بَين النَّاس
وَبعث عمر أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى الْبَصْرَة قَاضِيا
وَبعث عبد الله بن مَسْعُود إِلَى الْكُوفَة قَاضِيا
وَأما الْقيَاس فَلِأَن الظُّلم من شيم النُّفُوس وطبع الْعَالم
وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِر وَالظُّلم من شيم النُّفُوس فَإِن تَجِد ذَا عفة فلعلة لَا يظلم وَقد وَردت أَخْبَار تدل على ذمّ الْقَضَاء وأخبار تدل على مدحه
فَأَما الَّتِي تدل على ذمه فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من استقضي فَكَأَنَّمَا ذبح بِغَيْر سكين قيل ل بن عَبَّاس وَمَا الذّبْح قَالَ نَار جَهَنَّم وروت عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بِالْقَاضِي الْعَادِل فَيلقى من شدَّة الْحساب مَا يود أَنه لم يكن قضى بَين اثْنَيْنِ فِي تَمْرَة وَاحِدَة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأبي ذَر إِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي
فَلَا تأمرن على اثْنَيْنِ وَلَا تتول مَال يَتِيم
وَلِأَن الْقَضَاء محنة وبلية
فَمن دخل فِيهِ فقد عرض نَفسه للهلاك لعسر التَّخَلُّص مِنْهُ لقَوْله صلى الله عليه وسلم من جعل قَاضِيا فقد ذبح بِغَيْر سكين وَقَالَ إِنَّكُم ستختصمون على الْإِمَارَة وستكون حسرة وندامة
وَقَالَ عمر رضي الله عنه وددت أَن أنجو من هَذَا الْأَمر كفافا لَا عَليّ وَلَا لي
وَأما الْأَخْبَار الَّتِي تدل على مدحه فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ
وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر
وروى ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته بِالْحَقِّ وَرجل آتَاهُ الله حِكْمَة
فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا
وَتَأْويل ذَلِك أَن الْأَخْبَار الَّتِي تدل على ذمه مَحْمُولَة على من علم من نَفسه أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم بِالْقضَاءِ إِمَّا لجهله أَو لقلَّة أَمَانَته
وَالْأَخْبَار الَّتِي تدل على مدحه مَحْمُولَة على من علم من نَفسه الْقُدْرَة على الْقيام بِالْقضَاءِ لعلمه وأمانته
وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقُضَاة ثَلَاثَة وَاحِد فِي الْجنَّة
وَاثْنَانِ فِي النَّار
فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل علم الْحق وَقضى بِهِ
فَهُوَ فِي الْجنَّة
وَرجل عرف الْحق فجار فِي حكمه
فَهُوَ فِي النَّار
وَرجل قضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار وروى أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من طلب الْقَضَاء حَتَّى يَنَالهُ
فَإِن غلب عدله جوره فَهُوَ فِي الْجنَّة وَإِن غلب جوره عدله فَهُوَ فِي النَّار وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا جلس القَاضِي بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ يسددانه
فَإِن عدل أَقَامَا
وَإِن جَار عرجا وتركاه وَعَن عبد الله ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من حَاكم يحكم بَين النَّاس إِلَّا يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة وَملك آخذ بقفاه حَتَّى يستوقفه على شَفير جَهَنَّم حَتَّى يلْتَفت إِلَيْهِ مغضبا
فَإِن قَالَ ألقه أَلْقَاهُ فِي الْهَوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَفِي رِوَايَة سبعين خَرِيفًا وَفِي حَدِيث أم سَلمَة قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر
وأنكم تختصمون إِلَيّ
فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من أَخِيه فأقضي لَهُ على نَحْو مَا
أسمع من كَلَامه
فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذهُ فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه إِلَى الْيمن كَيفَ تقضي إِذا عرض لَك قَضَاء قَالَ أَقْْضِي بِكِتَاب الله
قَالَ فَإِن لم يكن فِي كتاب الله قَالَ فبسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
قَالَ فَإِن لم يكن فِي سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أجتهد رَأْيِي وَلَا آلو
قَالَ فَضرب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صَدره
وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَالْقَضَاء فرض كِفَايَة
فَإِن قَامَ بِهِ من يصلح سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ وَإِن امْتنع الْجَمِيع أثموا
وَالصَّحِيح أَن الإِمَام يجْبر أحدهم
وَشرط القَاضِي إِسْلَام وتكليف وحرية وذكورة وعدالة وَسمع وبصر على الصَّحِيح ونطق وكفاية واجتهاد
وَهُوَ أَن يعرف من الْقُرْآن وَالسّنة مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَالْخَاص وَالْعَام وَالْمُطلق والمقيد والمجمل والناسخ والمنسوخ ومتواتر السّنة والآحاد والمرسل والمتصل وَحَال الروَاة جرحا وتعديلا
ولسان الْعَرَب لُغَة ونحوا وأقوال الْعلمَاء من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ إِجْمَاعًا واختلافا
وَالْقِيَاس وأنواعه وَأَن يكون عَارِفًا بأصول الِاعْتِقَاد
وَلَا يشْتَرط الْكِتَابَة فِي الْأَصَح وَلَا التبحر فِي هَذِه الْعُلُوم وَلَا حفظ الْقُرْآن
وَفِيه نزاع
فَإِن تَعَذَّرَتْ هَذِه الشُّرُوط فولى سُلْطَان لَهُ شَوْكَة فَاسِقًا نفذ قَضَاؤُهُ للضَّرُورَة
وَينْدب للْإِمَام أَن يَأْذَن للْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَاف
فَإِن نَهَاهُ لم يسْتَخْلف
فَإِن كَانَ مَا فوضه إِلَيْهِ لَا يُمكنهُ الْقيام بِهِ
فَقيل هَذَا النَّهْي كَالْعدمِ
وَشرط الْمُسْتَخْلف كَالْقَاضِي إِلَّا أَن يستخلفه فِي أَمر خَاص
فَيَكْفِي علمه بِمَا يتَعَلَّق بِهِ
وَيجوز للْإِمَام أَن يولي قَاضِيا فِي الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ
لما رُوِيَ أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعَمْرو بن الْعَاصِ اقْضِ بَينهمَا
فَقَالَ أَقْْضِي بَينهمَا