الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطلع عليها أحد كالبينة وكان حكمه أيضًا جزءيًا لا يستدام له التحريم وكان من شأن بعضهم أن يتحاشى عن التداخل في شؤون الأمراء لما فيه من الافتيات كما قرر الباجي بهذا الوجه الأخير كلام ابن أبي هريرة في باب الإجماع من كتاب الإشارة لم يكن سكوتهم عليه دليلًا على الرضا لأنهم لا يرون في الإنكار فائدة لأن الأحكام لا تنقض ولأن الخلاف مرتفع بالحكم هذا وجه استثناء قول الحاكم أو الأمير على الخلاف في النقل عن ابن أبي هريرة. وأما ما قرره المص فيقضي إلى أن ابن أبي هريرة يجوز للحاكم خرق الإجماع لأمور ظنية باطنة وهذا لا قائل به ولو أراده المص لكان ذريعة للظلمة يخرقون به الإجماعات ولاكن المص أجل من أن يقر هذا لو أعاد عليه النظر بعد أن سبقه القلم.
ترجمة ابن أبي هريرة
وأبو علي بن أبي هريرة هو القاضي حسن بن حسين بن أبي هريرة البغدادي الشافعي
المتوفى سنة 345 خمس وأربعين وثلاثمائة كان من أساطين الشافعية له أقوال وكتب ومن لطائه أنه تغيب عن مجلسه بعض أصحابه فلما حضر فال له أين كنت قال شبه العليل قال وهبك الله شبه
العافية رحمه الله (قوله والإجماع المروي بإخبار الآحاد المظنونة الخ) أن ضعف طريق ثبوت الشيء يتنزل منزلة ضعفة في ذاته لأنه ضعف في وجوده فالإجماع المروي آحادا ليس له حجية الإجماع حتى تمنع مخالفته لأن شرط منع المخالفة تحقق أنهم أجمعوا بل يكون حجة في الجملة لترجيح المتعارضات ونحو ذلك وقولهم أن الظن معتبر في الأحكام جوابه أنه ترخص فيه في الاجتهاديات لأن وراءه أعمالًا من قياس وتتبع مقصد الشريعة وهي طرق لتقويته ولأنه قد يرجع عنه المجتهد ومن ينبهه إلى خطأه فيه غيره فلذلك عمل به وجار قبول خبر الواحد في الأحكام الفرعية أما نقل الإجماع فهو أشد لأن اعتباره يقطع كل عمل بخلافة علي أنه إثبات أمر من أصول الاجتهاد ومثله لا يثبت بالآحاد هذا مناط الفرق الذي ينظر له أكثر الناس وقد اعترف ابن الحاجب والعضد بذلك فقال ابن الحاجب والمعترض مستظهر من الجانبين وتكلف العضد لرد حجج الجمهور وقول الإمام غير أننا لا نكفر مخالفة تنبيه لما هو ظاهر من أنه ليس من المعلوم ضرورة ما دام منقولًا آحادًا (قوله قلت الفرق أن عموم البلوى أقل من الكل قطعًا الخ) هذا نص العبارة في جميع النسخ ولاشك أن بها نقصًا والظاهر أن أصلها أن عموم البلوى أقل من اتفاق الكل قطعًا وانتصب قطعًا على أنه تمييز لأقل والمراد بكونه أقل أنه أضعف من اتفاق الكل لأن ما تعم به البلوى هو ما لا يختص بأهل عصر ولا موضع وهذا لا يقتضي توفر الدواعي على نقله وإنما تتوفر الدواعي على السؤال عنه عند نزوله وقد تخلف فيه فتاوى العلماء روايات الرواة أما اتفاق العلماء على قول واحد في مسألة أو على نقل واحد فهو من الحوادث المهمة التي يشتد توفر
الدواعي على نقلها فالإجماع أخص مما تعم به البلوى وأشد منه في القطع ولذلك ضيق فيه وحاصل الجواب اعتذار عن الجمهور فإنه قائلون بقبول خبر الواحد فيما تعم به البلوى إلا الحنفية ومنعوا قبول خبر الواحد في نقل الإجماع إلا الأقل من الناس أما الحنفية فلا يرد عليهم هذا من أصله (قوله وإذا استدل العصر الأول بدليل وذكروا تأويلًا الخ) يراد من هذه المسألة هل ينعقد الإجماع على فهم في النص بدون توقيف ولا دليل من قياس وهذه مسألة ثالثة من المسائل المتفرعة على حجية الإجماع وهي مسائل منع إحداث قول ثالث، ومنع الفصل فيما جَمعوه، وهذه. فإذا انحصر قولهم في الاستدلال لحكم بدليل عينوه فهل يمنع من يأتي بعدهم من الاستدلال بذلك الحكم بدليل آخر مع الموافقة على الحكم ولعل من منعه أراد سدا لذريعة من مخالفة الإجماع لأنه إذا جوزنا لغيرهم أن يستدل بدليل آخر غير دليل المجمعين أمكن أن يقتضي دليله شيئًا يخالف ما اقتضاه دليلهم من اللوازم فيجر إلى مخالفة الإجماع وقد حقق القاضي عبد الوهاب أنه لا مانع منه وهو الحق. وأعلم أن هذه المسألة تنحل إلى صورتين الأولى أن يكون الدليل الثاني دليلًا لنفس الحكم الأول وهو الذي يناسبه كلام المص المنقول عن عبد الوهاب. الثانية أن يكون التأويل الجديد للدليل الذي استدل به الأولون تأويلًا مفيد الحكم ثان غير الحكم الذي استفادة الأولون وغير مناقض له وهذه الصورة هي الموجودة في كلام الإمام
الرازي إذ مثل باستدلال الأولين باللفظ المشترك على معنى من معانيه ثم يزيد العصر الثاني الاستدلال به على معنى ثان من معانيه فتدبر حق التدبر في هذا الموضع وابحث عن الأمثلة المناسبة لكلتا الصورتين وما أحسن قول مالك والشافعي بجوازه كما في الشرح على أن تفصيل القاضي عبد الوهاب حسن (قوله وإجماع أهل المدينة الخ) أي إجماع مجتهديهم في عصر الصحابة والتابعين قبل عصور الجهالة والبدء وتخالها بيننا وبين العصور الأولى وهذه مسألة مشهورة خالفنا فيها كثير من أهل المذاهب على عدم تحقيق حتى ظن بعضهم أن مالكًا رحمه الله لا يعتبر من الإجماع إلا إجماعهم فأخذ يحتج عليه بما يحتج به على منكري الإجماع وقد وقع هذا للغزالي على جلالة قدره فأولى غيره. قال القاضي عياض في مقدمة كتاب المدارك: إجماع أهل المدينة نوعان النوع الأولى ما كان طريقة النقل البحت (لا دخل للرأي والاجتهاد فيه) بحيث تنقله الكافة عن الكافة عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو ترك مال القول لفظ الآذان والقراءة والجهر بالقراءة. ومثال الفعل الصاع والمد والحباس وسيرته صلى الله عليه وسلم وكيفية الصلوات هيئة الخطبة. ومثال الإقرار إقرار عهدة الثلاث في الرقيق. ومثال الترك تركه صلى الله عليه وسلم أمورًا مع حدوث مقتضيها مثل ترك الجهر بالبسملة في الجهرية فيعلم منه عدم مشروعيتها ومثل ترك أخذ الزكوة عن الخضر. وهذا النوع هو الذي نص عليه مالك رحمه الله واعتمده وهو موجب للعلم القطعي (لأنه بمنزلة الحديث المتواتر) قال عبد الوهاب: لا خلاف بين أصحابنا فيه وقد رجع إليه أبو يوسف لما أوقفه مالك رحمهما الله على الأوقاف ومقدار
الصاع والمد وهراس الوضوء وحكى الأمدي عن أصحاب الشافعي ومنهم الصيرفي الموافقة عليه وهذا النوع إذا عارضه حديث آخر يخالفه رد لأجله لأنه يتنزل منزلة آخر الفعلين (فهو ناسخ لأن أهل المدينة أشد الصحابة ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم إلى وقت وفاته) النوع الثاني إجماعهم من طريق الاجتهاد وقد اختلف فيه أصحابنا فذهب معظمهم ومنهم كبراء البغداديين كابن بكير والأبهري وابن المنتاب وابن القصار إلى أنه ليس بحجة ولا يرجح له (وما هو إلا كقول طائفة من المجتهدين) وأنكروا أن يكون مالك يقول به وذهب بعض أصحابنا إلى أنه ليس بحجة على غيرهم لكن يرجح على اجتهاد غيرهم (ويشهد لهذا قول عبد الرحمان بن عوف لعمر رضي الله عنهما حين هم أن يخطب في مكة في أمر الخلافة أن الموسم يجمع رعاع الناس ولعلك أن تصدر منك الكلمة فيطيروها عنك كل مطير ولكن انتظر حتى ترجع إلى المدينة وتخلص إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) وبهذا قال بعض الشافعية ولم يرتضه الباقلاني ومحققو أصحابنا وذهب بعض المغاربة وأبو مصعب إلى أنه حجة كالنوع الأول وهذا أضعف اهـ قلت كان كلام ابن رشد في المقدمات يميل إليه، هذا خلاصة كلام القاضي عياض مع زيادة قليلة وبه تعلم ما في حكاية المص واستدلاله من التداخل وأن فرضه في المتن الخلاف فيما طريقه التوقيف عني به الخلاف في ظاهر عبارات المخالفين أو في تعبير من لم يحرر محل النزاع لأن أصحاب الشافعي يوافقوننا فيه فلا تصح دعوى مخالفة الجميع لنا فيه وأن قوله والخطأ خبث إنما يناسب قول من عمم في حجية إجماع أهل المدينة لا من فصل
تفصيل المحققين ففيه نقض الغزل الذي نسج عليه المتن (قوله والخطأ خبث فوجب نفيه الخ) عليه منع ظاهر كما تقدم في دعوى كون الخطأ ضلالًا في طالع الباب (قوله سببه أن عليًا الخ) يرد عليه أنهم إن وافقوا أهل المدينة فذك والألم يتعين كون الحق معهم لأنهم ليسوا أولى من أهل الشام وأهل البصرة مثلًا ولأن أهل المدينة أولى منهم (قوله وجوابه أن الرجس الخ) أي بعد تسليم كون المراد من أهل البيت في الآية النازلة خطابًا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أبناء علي وفاطمة رضي الله عنهما كما هو مراد الشيعة لأن ذلك اصطلاح حدث من بعد فأهل البيت الأزواج والعيال، وفي حديث مسلم فكنا ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت من كثرة دخولهم ولزومهم له ومعنى حديث الكساء دعاء لله بأن يلحقهم في التطهير بأزواجه لأنهم من أهل بيته فإن فاطمة بنته وعليًا كان صهره وأخاه في المعاشرة ومساكنه ويدل لهذا قوله فاذهب الخ وإلا لكان الدعاء كتحصيل الحاصل فالمراد من قوله هؤلاء أهل بيتي تمهيد بساط الإجابة حيث أن الله وعد ووعده الحق بإذهاب الرجس عن أهل بيته فقوله هؤلاء أهل بيتي أي هم أيضًا أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وذلك لأن لفظ الأهل اسم جمع وهو كالجمع فلما أضيف أفاد العموم لاكن شمول اللفظ العام للإفراد ظني لا قطعي إلا أنه إذا نزل العام على سبب فصورة السبب قطعية الدخول عند الجمهور ولذلك فشمول اللفظ للأزواج قطعي محقق وشموله لغيرهن ممن يصدق عليه أنه من أهل البيت ظني فلذلك احتاج النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء ولتمهيد بساط الإجابة لتحقيق هذا
الظن بقوله هؤلاء أهل بيتي فنظير ذلك قول نوح {رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإنَّ وعْدَكَ الحَقُّ} أي وعدك نجاة أهلي إلا أن دعوة نوح عارضها سبب المنع وهو كفر ابنه على أن مراد الشيعة لا يتم لأنهم يجعلون الآية عامة حتى لذرية من شملهم الكساء وهذا لا يقتضيه اللفظ ولا الأثر إلا على قول ضعيف فسر أهل البيت ببيت النسب مثل ما في قول الفرزدق
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعايمه أعز وأطول
وقد وقع الخلاف في المراد من أهل البيت وفي حديث الكساء ورأَيت كلامًا للقرطبي في سورة الأحزاب هو فصل المقال فلابد من ذكره مع مالنا من الزيادات مشارًا إليها بوضعها بين هلالين (أقول: أعلم أن الأهل في اللغة مأخوذ من أهل إذا قطن فالأهل السكان يقال أهل البيت أي سكانه وفي القرآن رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أي سكان البيت الذي وقع خطاب المليكة فيه لإبراهيم ثم أطلق على عشيرة الرجل بإضافتهم إليه على حذف مضاف يقال أهل فلان والمراد أهل بيت فلان لأنهم يساكنونه غالبًا وقد جاء لفظ أهل البيت خطابًا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة ثم الحق في ذلك بنته وبعلها وأبناؤها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اذكركم الله في أهل بيتي ففهم منه الصحابة أنهم عشيرته من بني هاشم كما هو قول المحققين من أهل المدينة ومثله عن زيد بن أرقم فصار لفظ أهل البيت مصطلحًا عليه في بني هاشم من زمن الصدر الأول قال أبو بكر أرقبوا محمدًا في أهل بيته أخرجه البخاري وههنا نذكر تفسير الآية وحديث الكساء) قال القرطبي قوله تعلى {واذْكُرْنَ
مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ والْحِكْمَةِ
…
الخ} هذه الآية تعطي أن أهل البيت نساؤه، وقد اختلف أهل العلم في من هم أهل البيت. فقال عطاء وعكرمة وابن عباس هم زوجاته خاصة لا رجل معهن وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي لقوله واذكرن ما يتلى (بصغة التأنيث) وقالت فرقة منهم الكلبي هم علي وفاطمة وحسن وحسين خاصة، وفي هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت يشير لما رواه مسلم والترمذي من طريق ام سلمة أنه لما نزلت آية إنما يريد الله ليذهب كان في البيت علي وحسن وحسين وفاطمة فجللهم النبي صلى الله عليه وسلم بكساء. وقال:(اللهم أن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيرًا) واحتجوا بقوله ليذهب عنكم ويطهركم بالميم ولو كان للنساء خاصة لكان عنكن ويطهركن والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهن وإنما قال ويطهركم بصغة المذكر لأن النبي عليه السلام وعليًا والحسن والحسين كانوا فيهم فغلب المذكر على المؤنث فالآية تقتضي أن الزوجات من أهل البيت لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن ويدل له سياق الكلام، وأما الحديث المروي عن أم سلمة. فقال الترمذي هو حديث غريب (يعنى وهو أيضًا لا يقتضي التخصيص بأهل الكساء لأنه حينئذ يبطل شمول ما الواقعة في الآية المزوجات فيكون نسخًا وهو نسخ للقرآن بالآحاد ولا يساعد عليه أهل الوصول مع أن الأحاد هنا غريب ولكن يجوز كونه دليلًا على العموم والزيادة على النص ليست بنسخ عند غير الحنفية). وعلى قول الكلبي يكون قوله واذكرن ابتداء مخاطبة ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه فإنه يجوز أشياء في التفسير ما لو كان في زمن السلف
الصالح لمنعوه وحجروا عليه فالصواب أن قوله واذكرن مسوق على ما قبله والآيات كلها من قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى قوله {لَطِيفًا خَبِيرًا} مسوق بعضها على بعض فلا يصير في الوسط كلام منفصل لغيرهن وغنما قال عنكم نظرًا لقوله أهل (أي نظرًا لتذكير اللفظ أو تغليبًا كما تقدم)، وأما ما جاء في الخبر (حديث الكساء) فهو دعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية أحب أن يدخلهم بها في الآية التي خوطب بها الأزواج فهي خارجة عن التنزيل، وذهب الثعلبي إلى أنهم بنو هاشم فهذا مبني على أن البيت مراد به بيت النسب (أي على نحو قوله الفرزدق الماضي) فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم، ويروي ذلك عن زيد بن أرقم رضي الله عنه (روى مسلم في المناقب أن زيدًا ابن ارقم قال في حديث تركت فيكم كتاب الله وعترني أهل بيتي ففسر أهل البيت بمن تحرم عليه الصدقة وهذا بعيد عن الموضوع هنا لأننا بصدد الكلام على المراد منهم في الآية فلا حجة في حديث زيد بن أرقم) انتهى كلام القرطبي بتقديم وتأخير اقتضاه الربط وبزيادة بيان (1)(قوله وإجماع الخلفاء الأربعة الخ) من الصحابة من خالفهم في مسائل مثل ابن عباس في ربا النسئة وابن مسعود في حمل الناس على مصحف واحد وزيد في ميراث الجدات وكل ذلك دليل على أنه ليس له حكم الإجماع نعم يكون قولهم ارجح من قول غيرهم لأنهم اعلم بالسنة وأعني بالمصالح الإسلامية لأنهم لما تولوا امورها كانوا أعلم بما ينفعها عن بصيرة فحيث لا دليل للمجتهد فليؤخذ بقولهم وحيث يخالف قولهم قول غيرهم يقدم عليه وحيت عارضه نص لا يظن بمثلهم جهله قدم قولهم إن كان المعارض راحاد أو إلى هذا كان ينزع
(1)() هذه المقولة تتعلق بما وقع في الصحيفة 111.
مالك رحمه الله كما صرح به القاضي أبو بكر ابن العربي في العارضة في باب الأخذ بالسنة. ولهذا قدد مالك قولهم على قول زيد في توريث أكثر من جدتين مع حديث أفرضك زيد حملًا للحديث على أنه أفرض آحاد الصحابة والظاهر أن هذا لا يخالفنا فيه أحد وقد رأينا من دأب علماء السلف الاحتجاج بقولهم وقول أعيان الصحابة حيث لا نص فيما طريقة التوقيف، كما يفعل الإمام البخاري كثيرًا في صحيحه. أما إن قام للمجتهد دليل، فالواجب عليه اتباعه إذ ليس مكلفًا بتقليد غيره خلافًا لأبي حازم أما الاحتجاج بحديث «وسنة الخلفاء الراشدين فمع ما فيه من التكلم في سنده لأن فيه بقية بن الوليد وهو متكلم فيه، كما قال القاضي أبو بكر في العارضة لا نسلم أنهم المراد من الخلفاء الراشدين لأن إطلاق هذا عليهم اصطلاح جديد إنما المراد الأمر بملازمة الجماعة واتباع أيمة العدل بدليل أن أول الحديث أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة على انه لو سلم لكان الجواب ما قاله المص (قوله ومخالفة من خالفنا في الأصول أن كفرناهم الخ) إن قلت إذ أثبت هذا التفصيل فبماذا يعلم تكفيرهم حتى لا يعتد بخلافهم مع أنه ليس لدينا قاطع من كتاب أو سنة في تكفير طائفة معينة قلت تكفيرهم يعلم إما بنص قاطع من القرآن يقتضي كفر فاعل فعل ما كدعوى الألوهية لعلي أو إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال غرابية الروافض (1) وأما بما علم ضرورة أنه كفر مثل كفر الباطنية والحلولية المدعين أن القرآن غير مراد منه ظاهره من الوعيد والذنوب ومن قال أن الله يحل في
(1)() الغرابية قالوا أن عليا كان أشبه بمحمد من العراب بلغراب فلذا غلط جبريل فبلغ الرسالة المبعوث بها لعلي إلى محمد، كما ذكره القاضي عياض في القسم الرابع من الشفاء.
مخلوقاته وكان منهم بالقيروان من يقول أن الله سكن رقادة تعلى الله عن ذلك ومنهم من ادعى أن الله يوحي إليه وأنه يصعد إلى السماء مثل الحكام كبير العبيديين بمصر وكذا من عطل الشريعة مثل غلاة المرجئة الذين ادعوا أنه لا يضر مع الإيمان شيء من المعاصي وعطلوا الوعيد ومنهم القرامطة الذين اباحوا كل محرم وقالوا أن الفرايض المذكورة في القرآن أسماء رجال امروا بالبراءة منهم وكذلك من نفي صحة نقل الشريعة إلينا مثل طوائف من الشيعة الذين ادعوا أن الشريعة مع المعصوم وأن ما بلغ إلينا قل من كثر وكذلك من قال قولًا يدل على الاستخفاف بالرسل كتجويز كذبهم أو نسبتهم له وأما غير هذا فلا يحكم بالكفر فيه كخلاف الخوارج في تخليد صاحب الكبيرة والمعتزلة في نفي صفات المعاني والرؤية والرافضة في عدالة الشيخين أما من يلزمه لازم مكفر أي من يؤل قوله إلى مكفر عن غفلة أو غلو في شيء بحيث لو أوقف على لازم قوله لبرئ منه وذلك كبعض الإشراقيين القائلين بنبوة أفلاطون وباكتساب النبوة بالرياضة ونحو ذلك وبعض المتصوفة في نحو وحدة الوجود، وقد أشار المصنف إلى اختلاف العلماء في تكفيرهم. وقد نقل شارح المعالم في خاتمة باب الإجماع القول بالتكفير بلازم القول عن الأشعري قلت وهو أيضًا معزو لمالك على وجه التخريج من قوله في جناين المدونة لا يصلى على أهل الأهواء على أحد تأويلين وستأتي الإشارة إليه عند قول المصنف في مبحث خبر الواحد «لأنهم إما كفرة أو فسفة الخ» ولهذا فالوجه التفرقة بين اللازم البين بالمعنى الأخص فيضر لأنه كالمصرح به وبين غيره فلا حتى يوقف عليه صاحبه ويقول بموجبه كما فعل فقهاء بغداد مع الحلاج، وقد وردت أحاديث في تكفير بعض القدرية وهم
طائفة انقرضت في القرن الثاني والجمهور يتاولون ما ورد من هاته الأحاديث ويرون أن لا تكفير بلازم المذهب وتوقف القاضي. ومعنى قول المص هنا «وهذه القاعدة لمالك» أي عدم التكفير هو قول مالك فقد نقل القاضي عياض في الباب الثالث من القسم الرابع من الشفا أن عدم التكفير قول أكثر الفقهاء والمتكلمين وحكاه سحنون عن جميع أصحاب مالك وصححه ابن رشد عن مالك وإمام الحرمين ونسبه شارح المعالم للشافعي، ونقل أيضًا عن الأشعري، ونقل عن مالك التوقف أيضًا وسيأتي لهذا زيادة تحقيق في مبحث خبر الواحد، قال القاضي أبو بكر الكفر بالله هو الجهل بوجوده ولا يكفر أحد يقول إلا أن يكون جهلًا بالله أو بفعل اتفق المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر (قوله وهو مقدم الخ) راجع ما تقدم في مراتبه (قوله واختلف في تكفير مخالفه الخ) راجع ما تقدم أيضًا والمراد بالمخالفة الجحد لمقتضاه لا مخالفة العمل على أن هذا مذكور في خصوص ما انضم إليه علم ضروري بكون الجمع عليه من الدين فلا تكفير إلا بمخالفة المعلوم ضرورة وبه يظهر التنافي الواضح بين صدر كلامه في المتن وبين بقية كلامه في المتن وآخر كلامه في الشرح وقوله بناء على أنه قطعي إلى قوله وقيل ظني صوابه أنهما حالتان للإجماعات. هذا وأعلم أن تكفير مخالف الإجماع بمعنى جاحده مسالة معضلة وقد اضطربت فيها طرائق النقل والمحررون للعبارة المحققون للمعنى قيدوا حكاية
الخلاف في تكفير جاحده بما إذا انضم إلى الإجماع علم ضروري بكون الجمع عليه من الديانة أو بما كان الإجماع فيه قطعيًا، وكذلك فعل ابن الحاجب والسبكي وقد حكى ابن الحاجب الخلاف بقوله «مسألة إنكار حكم الإجماع القطعي ثالثها المختار أن نحو العبادات الخمس يكفر اهـ» أي نحوها في كونه ضروريًا فهو على مقتضى كلامه من محل الخلاف ويظهر من كلام شارحه عضد الدين أن ما كان معلومًا بالضرورة لا خلاف في تكفير جاحده ووافقه التفتزاني في الحاشية وقال لا يتصور من مسلم القول بأن إنكار ما علم من الدين بالضرورة لا يوجب الكفر وجعل الخلاف في هذا الضرب على تقرير ابن الحاجب ليس على ما ينبغي اهـ وإني لا عجب من استبعادهما اختلاف العلماء في هذا الضرب هل يكفر لم لا وصرفهم عبارة الشيخ ابن الحاجب عن صريحها مع شدة اطلاعه ومع أن القول بالتكفير لجاحد المعلوم ضرورة مبني على التكفير بلازم الاعتقاد، كما صرح به الفهري في شرح المعالم وغير واحد والتفكير باللازم مختلف فيه فذهب الأشعري رحمه الله إلى التكفير به، وذهب غيره إلى عدم التفكير وإليه يميل قول الشافعي رحمه الله كما في شرح المعالم فكيف ينكر القول بأن الخلاف موجود في تكفير جاحد المعلوم الضروري مطلقًا وقد يحتج لهذا الخلاف باختلاف الصدر الأول في إطلاق اسم المرتدين على مانعي الزكاة من العرب وحقق المحققون أن اسم الردة إنما أطلق على من انضم لمنعه الزكاة الخروج عن الدين والطعن في ختم النبوة مثل الأسود العنسي وأصحابه ومسيلمة الكذاب وأصحابه وأما من منع الزكاة فقط
فليس بمرته وإن قتال أبي بكر رضي الله عنه قتال لجمع الكلمة وهو لسد ذريعة الالتباس في الدين لا لأجل الردة ألا ترى أن عمر خالفه أولًا وقال كيف نقاتلهم وقد قالوا لا إله إلا الله ثم وافقه بعد ذلك على قتالهم وقال رأيت أن الله شرح لذلك صدر أبي بكر فعلمت أنه الحق أي في كونه مصلحة ولم يقل علمت أنهم كفروا هذا وقد بينوا وجه الملازمة بين جحد المعلوم من الدين ضرورة وبين الكفر بأن حجده يئول إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به هكذا يرمونها كلمة على عهنتها وهي لا تتم إلا إذا كان الجحد متعلقًا بنسبة ذلك الأمر المعلوم بالضرورة إلى الدين مع الاعتراف بوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول هذا الذي ثبت وروده لم يقله الله تعالى فهذا فقط يؤل إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه وليس حجد المعلوم بالضرورة ممن ينقل عنهم كالرافضة بواقع على هذا النحو بل الواقع أنهم يجحدون أمورًا يقولون أنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لا يفضي بهم حجدهم إلى تكذيبه إلى تكذيب الرواة من بعده من الصحابة فمن دونهم. وقد مضى علي زمن لم يبد لي فيه وجه التكفير ثم علمت أن مراد علمائنا بذلك أن المروي متواترا من الخلف عن السلف حتى علم كونه من الدين بالضرورة لمن ليس دخيلا في الدين بحدثان في الديانة لا سبيل إلى صدور إنكاره من عاقل إذ أن المعلوم الضروري لا ينكر والتواتر مفيد للعلم القطعي، كما تقرر فدل إنكار منكريه على أنهم يتذرعون بذلك إلى الطعن في الشريعة وحل عراها والتلبيس على عامة المسلمين في أمر دينهم فكان القول بتكفيرهم مبنيًا على أن لازم حالهم يقتضي أنهم لم يجهلوا كونه من الدين
ولا كنهم أرادوا الطعن في أصل الشريعة فلما أكبروا أن يتجاهروا بذم تشريع الصلاة والصيام مثلًا تذرعوا إلى ذلك بدعوى عدم ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم ليكون ثبوت ورودها موجبًا للطعن على نفس مشرعها كأنهم يقولون أولا نحن ننزه النبي عن أن يشرع هذا فإذا تسوهل معهم رجعوا فقالوا قد ثبت أنه قاله ومن قال ما ليس بحق لا يؤمن به فإما أن تقولوا أنه لم يقله فيدخل الشك في كل ما نقل عنه، وإما أن تقولوا قاله فيكون ذلك تنقيصًا للقائل حاشاه صلى الله عليه وسلم ومن مارس مقالات الملحدين علم أنهم يرمون لهذه الغاية فلذلك جزم الجمهور بأن جحد المعلوم ضرورة موجب للكفر وهو ما فهمه الصديق رضي الله عنه من مئال منع الزكوة إلى انحلال عرى الدين فقال والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وبهذا تعلم أن ذكر المجمع عليه هنا وصف طردي لأن المدار على كون الأمر معلومًا بالضرورة سواء كان مجمعًا عليه أم ثابتًا بالنص ولاكن لما كان العلم ضرورة يقارنه إجماع الأمة على كون ذلك المعلوم هو من الدين فرضوا المسألة بوصفين الجمع عليه المعلوم بالضرورة فتدبر في هذا الموضع فكم زلت فيه أقدام. أما بعامل جمود أو أقدام (قوله وأنتم لا تكفرون جاحد أصل الإجماع الخ) لا مخلص من هذا الإيراد وهو أدل دليل على فساد القول بتكفير جاحد حجية الإجماع عن اجتهاد والجواب عنه غير صحيح لأنه لو صح أن التكفير متوقف على مساعدة الكافر على اعتبار أصل ما كفر به لما تحقق تكفير كافر ما لأنه لا يكفر إلا وهو غير مستقر عنده دليل التكفير فإن أجيب بأن من الأدلة ما هو قطعي لا تسع مكابرته