الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذي ذكره هو التحقيق ومعناه إناطة الحكم بالأعم بعد كون النص موهما لأناطته بجزءي أو لأناطته ببعض الأوصاف فالفرق بينه وبين إلغاء الفارق علم العلة فيه وتقييدها واستنباطها في إلغاء الفارق ليوصل إليها إما تخريج المناط فهو استخراج العلة من غير أن تكون مذكورة أي بالنظر في أحوال الأصل واستخراج علته منها مناسبة مع الاقتران والسلامة من القوادح كتخريج علة الإسكار للتخريج من بين أوصاف الخمر بإبداء مناسبة لأن غيره من الأوصاف لا يناسب التحريم وقد يوجد مع غير الخمر ولا تحريم ويجري تخريج المناط حتى بين الأوصاف الخاصة بالمعلوم مثل تعليل طهورية الماء بكرنه أشد الأشياء العامة إزالة للنجاسات والأوساخ لا بكونه مائعا تبنى القنطرة على جنسه وإن كان الأمران خاصين به فمحصل الفرق بين تخريج المناط وبين النوع الثاني من نوعي تنقيح المناط أن تنقيح المناط لا يكون إلا في أوصاف مذكورة للتعليل ومشتركة بين المقيس عليه وغيره مما خالفه في الحكم وأما الفرق بين تخريج المناط والنوع الأول من تنقيح المناط فظاهر لأنه في ذكر وصف فقط والتخريج يكون من غير مذكور (قوله حديث الأعرابي الخ) إذ لا يصح كون الإعرابية علة الكفارة وإلا لوجب التكفير على كل أعرابي ولو أفطر لعذر ولا ضرب الصدر ونتف الشعر ولا خصوص الموافقة بل العلة الإفطار عمدا في رمضان
الفصل الثالث في الدال على العلة
هي مسالك العلة فمنها ما هو مسلك للعلة المخصوصة وذلك المكان
النص والإيماء والمراد من النص ما يشمل الإجماع والبقية مسلك للعلة المستنبطة وأهم هذا النوع المناسبة فإنها أوسع مسالك الاستنباط لأنها طريق لإثبات التعليل في القياس على أصل وتسمى حينئذ تخريج المناط وطريق أيضًا لإثبات أحكام الأشياء التي لم ينص الشرع فيها بشيء وليس لها أصول تقاس عليها وهذا المعنى هو المراد لهم عند ما يقولون هذا الأمر ثبت على خلاف القياس وتسمى حينئذ الإخالة بكسر الهمزة وبعد هذا فبقية المسالك للعلة المستنبطة لا يعتد بها في القياس ما لم تكن مقارنة لقرب من المناسبة وإلا فهي مردودة (قوله الإيماء وهو خمسة الفاء الخ) من الأصوليين من يعد الفاء في النص ووجهه إنها للترتيب فهي من جملة ما ترتبت عليه ووجه ما درج عليه المصنف أن العلية أخص من مطلق الترتيب فجعلها إيماء للعلية (قوله والمناسبة ما تضمن تحصيل مصلحة الخ) رجع المناسبة للمصلحة والمفسدة وذلك مرجع التشريع وما دفع المفسدة إلا مصلحة فمرجع
الجميع المصلحة (قوله ينقسم إلى ما هو في محل الضرورات الخ) هذا تقسيم له اعتبار رتبة المصلحة التي يتضمنها فإما الضروري فهو ما يرجع إلى إقامة النظام الأصلي لنوع الإنسان وهو الذي به يمتاز حاله عن أحوال أنواع جنسه امتيازًا أوليا وذلك الكليات الخمس ومكملاتها. وأما لحاجي فهو الذي به قوام النظام المدني الذي يمتاز المتصفون به عن الطبقات السافلة من نوعه أعني الذي يخرج الإنسان عن الوحشية إلى كونه مدنيا مؤلفا من شعوب وقبائل وعائلات وهذا كالبيع والإجارة واشتراط العدالة فإنا لو فرضنا انعدامها لاستقام النوع في الجملة باعتماد كل على نفسه في جلب ما يلزمه من دواعي الحياة البسيطة ولكنه يفقد النظام المدني المبني على التعاون والتكافل في أصناف المنافع. وأما التحسيني فهو الذي يكمل المدنية في أجلى مظاهرها ويرقي الإنسان عن المشابهة بأنواع جنسه كلها إلى مشابهة الملائكة كمكارم الأخلاق وسلب العبد أهلية الشهادة والمرأة أهلية الإمارة واعتبار ما يرجع إلى المروآت والآداب التي لا تعارض الأصول الشرعية والأرفاق ونظام العائلة من ولاية وايصاء وقد يعرض للتحسين ما يصيره حاجيا كما يعرض للحاجي ما يصيره ضروريا لتوقف غيره عليه كمال التوقف (قوله وقيل والأعراض الخ) لما في انتهاكها من الاعتداء على أصحاب المروآت ومن تشجيع ملوثي الأعراض على التظاهر بنزاعاتهم لأنهم يستانسون بمن يذكر فيه مثل ما هم متلبسون به كما قال تعلى ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء وهذا داب
أهل الفواحش يودون مشاركة الناس لهم حتى لا يكونوا مشارا إليهم بلبنان في سوء السمعة فهم يحسدون أهل الفضل على ما آتيهم الله من فضله كما قال المعري.
أولوا الفضل في أوطانهم غرباء
…
تشذ وتنأى عنهم القرباء
فما سبلوا الراح الكميت للذة
…
ولا كان منهم للخراد سباء
وقد أشار الله إلى مقاصدهم من الافتراء على الأعراض بقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} فجعل العقاب على هذا المقصد السيء وعلى مظنته لان شيوع الفاحشة يفضي إلى تساهل الناس بها وزوال إنكارها من النفوس شيئا فشيئا ولذا شرع حد القذف وعقاب الشتم على التفصيل المذكور في كتب الفقه (قوله فإن النكاح غير ضروري لاكن الحاجة تدعو إليه لتحصيل الكف الخ) هكذا في النسخ ولعله تحريف صوابه فإن أنكحاها أو النكاح لها غير ضروري يريد من الضروري الحاجي وقوله لتحصيل الكفء أي الذي قد يتعسر وجود مثله بعد لا سيما عند فساد الناس وليس تحصيل الكفء محتاجا إليه لذاته بل لاستقامة النكاح على وجه لا يتطيرقه الشغب فالأجدر أن يقول لأن الحاجة تدعو إليه لإقامة البيوت ودفع التهارج الناشئ عن التشارك في المزاة (قوله وفي الإمامة على الخلاف حاجة لأنها شفاعة الخ) الأولى تعليله الحاجة بمصلحة دنيوية وأما التعليل بالمصالح الأخروية فليس من المناسبة وعلة كون العدالة حاجيه في الإمامة أن الإمامة اقتداء والقدوة يلزم حسن حاله لئلا يتأسى به الغافلون الذين يظنون أن ما يفعله هو من الشرع
(قوله الكليات الخمس حكي الغزالي وغيره لإجماع من الملل على اعتبارها الخ) يعني أن الخلاف بين الملل في وسائلها فالملل الماضية لم تكن تسد سائر الذرائع وكانت تشدد العقوبات والإسلام اعتاض عن تشديد العقوبات بسد الذرائع وذلك اقطع للجرائم واصلح للناس وانسب بالحالة التي بلغ إليها البشر وقت تشريع الله تعالى لهم شرع الإسلام قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (قوله وكذلك لم يبح الأموال بالسرقة الخ) السرقة حدها عظيم لأنها جنائية على المال بغير وجه ظاهر يمكن تعقبه ففارقت الغضب ولأنها جناية السارق على عرضه إذ رضي لنفسه عارها المؤذن بالطمع والعجز والجبن
(قوله إلى ما اعتبره الشرع الخ) ودليل اعتباره إما النص نحو قوله ما اسكر فكثيره فقليله حرام أو الأجماع كالسكر للحد أو الإيماء كترتيب الأحكام على الأوصاف وكاستقراء الشريعة الذي نستفيد منه مقاصد كلية (قوله والأول ينقسم إلى ما اعتبرهم نوعه في نوع الحكم الخ) المراد بالنوع هنا ما يصدق على كثيرين متفقين بالحقيقة صدقا عرفيا كصغر السن فإنه لا يصدق الأعلى حقيقة واحدة في العرف وهي حقيقة الإنسان ويلتحق بالنوع الجني المنحصر في فرد كالإسكار لانحصاره في الخمور عرفا دون سائر المائعات الحامضة ولذا قد ينظر بعضهم إلى كون ما صدقه شيئًا واحدًا فيعبر عنه بالعين عوضا عن النوع فالأول كالتعريف بال الجنسية والثاني كالتعريف بلام الطبيعة. وأعلم أن النوع تارة يؤخذ من مفهوم لفظ موضوع لمعنى مقيد نحو بيع وإجارة وتارة يؤخذ من جنس شائع بعد تقييده نحو ولاية مال فإن ولاية جنس وبإضافتها للمال ضارت نوعاً لأن النوع جنس مقيد أما بلفظ مفرد أو بمركب تقييدي ولهذا قد يصلح اللفظ مرة مثالا للنوع ومرة للجنس إذ قيد أو أطلق. وأما الجنس فالمراد به ما يصدق على مختلف الحقيقة من الأبواب كالولاية فإنها تكون ولاية مال وولاية نكاح وكالمشقة فإنها بدنية ووقتية فإطلاق الجنس والنوع على ما هنا إلا ينطبق تمام الانطباق على مصطلح المناطقة لا كنه يقاربه. وملاك الأمر هنا النظر للوصف أو الحكم فإن وجد أحدهما متنوعاً إلى أبواب كثيرة فقهية أو أسباب متنوعة لأحكام فهو الجنس وإلا فهو النوع ويسمونه العين. والمراد من الحكم ههنا المعلول كما تفصح عنه أمثلتهم التي منها تمثيل المصنف إياه بالتقديم في الميراث والنكاح
وإسقاط الصلاة وسمي بالحكم لأن اعتبار الوصف فيه إنما هو لإعطائه حكما مخصوصاً من وجوب أو حرمة أو نحوهما مما يقتضيه الوصف بحسب ما يشتمل عليه من مصلحة أو مفسدة قوية أو ضعيفة فهو من تسمية المفعول باسم المصدر وليس المراد من الحكم خطاب الله ولا أثره المنقسم إلى الأحكام الخمسة فقول المصنف في الشرح الحكم أعلم أجناسه كونه حكما وأخص منه كونه طلبا الخ يخالف هذا ولا يظهر له أثر في التقسيم إذ لا معنى لأن يراد بجنس الحكم مطلق النهي مثلا الصادق بالكراهة والحرمة إذ لا يمكن ثبوتهما معاً لشيء واحد محل البحث كون تأثير العلة في جنس شيء ما بالاستقراء دليلاً على أن ما لم يوجد في الاستقراء من بقية أفراد ذلك الجنس جدير بالإلحاق بأفراد جنسه. وهذا التقسيم إنما يريدون منه بيان أنواع العلة المنصوصة والمستنبطة وبيان مراتب العلة واختلاف طرق التعليل فإما المنصوصة فلها القسم الأول المعبر عنه بالمؤثر وهو اعتبار عين وصف في عين حكم أو بعبارة أخرى نوعه في نوعه ولذلك شرطوا له أن يكون الدال عليه نصا أو إجماعا والأقسام الثلاثة الأخر الملقب جميعها بالملائم تجري فيها العلة المنصوصة والمستنبطة من استقراء الشريعة والغالب إنها تثبت بالاستنباط فقط لأن التنصيص على التعليل قليل وهو إن وقع يقع التعرض له في علة خاصة لشيء خاص بخلاف العلة المستنبطة أو المومأ إليها والقصد من هذا كله فيما نرى هو التوصل إلى القياس عليها بإلحاق غير ما رتب الحكم فيه شرعاً على وفق الوصف بما رتب فيه لوجود الوصف فيهما بناء على أن وجود الوصف في المواضع الكثيرة يبين للمجتهد معنى مناسبة وإلى أي الأشياء هو مناسب حتى يمكنه
الإلحاق حينئذ لأن كثرة الأمثلة والنظائر تعين على استخراج القاعدة الكلية لاسيما إذا وجدت بين الأشياء المعلومة بالوصف صفة جامعة مثل الاقتيات والادخار في المزكاة أو التوصل إلى تحقيق المناط فيه بإثبات الوصف في آحاد صوره. وإلى أن المجتهد يكون قياسه أقرب متى كان الوصف معتبرا علة في جنس الحكم فيلحق به ما لم يرتبه الشرع من بقية أنواع ذلك الجنس مثل قياسنا القتل بالمثقل على القتل بالمحدد لأن الوصف هو الجناية وقد رتب عليها جنس أحكام كثيرة في النفس والأطراف فلا بدع أن الحق بها بعض الأحكام وهو كون الجناية بئالة غير الآلات الغالبة أما ما اعتبر فيه نوع الوصف في نوع الحكم فقد يعارض المجتهد عند قياسه عليه باحتمال أن ذلك تعبد يخص الصورة الموجودة فيلزمه أن يثبت حينئذ إلغاء الفارق حتى تكون دعوى المعترض غير مسموعة وحتى يعلم ما هو قياس جلي من غيره هذا ما ظهر لي في فائدة هذا التقسيم وأثره والمراد في القابه التي ما رأيت من أفصح عنها إفصاحا يبين المراد (قوله كاعتبار نوع الاسكار في نوع التحريم الخ) الأولى أن يقول في الخمر لأنها نوع واحد ولا التحريم فليس من الأحكام المعللة بل هو ناشئي عن العلة (قوله كالتعليل بمطلق المصلحة الخ) فإن المصلحة جنس لصدقها على المحققة والمظنونة والمطردة والغالبة والنادرة وأحسن منه التمثيل بالحجر في إبطال العقد إذا لحجر حجر سفه وحجر صغر وحجر مرض وحجر إفلاس وحجر زوجية والعقد معاوضة وتبرع وقد اعتبر الشرع الكل في الكل إلا صورة الثلث في المرض والزوجية (قوله فتأثير النوع في النوع مقدم الخ) لأنه لا يكون إلا منصوصا والأقسام الأخر يغلب عليها ثبوتها بالاستنباط
كما قدمناه فكانت أضعف منه هذا وأعلم أن النوع في الجنس وعكسه سواء كما رجع إليه المصنف إذ لا وجه لترجيح أحدهما ويقدمان على الجنس في الجنس لسعة دعوى العلية فيه من جهة اعتبار جميع أنواءها في جميع ما يصلح للتعليل ولا شك أنهم يريدون بالتقديم هنا التقديم الجدلي عند المناظرة لأن المنع يرد على تأثير الجنس في الجنس بسهولة فلا ينافي هذا ما قدمناه من كون تأثير الجنس في الجنس بعد وقوع ظن المجتهد به أو عند مصادقة المناظر عليه انفع للمجتهد لأنه يجعل قياسه الصورة المهملة جليا راجحا فهو إذن ارجح عند الناظر لا عند المناظر إلا إذا سلمه (قوله والملغي آهـ) يعني المناسب الملغي فهو وصف نجد فيه مناسبة لتعليل ما لما فيه من مصلحة أو مفسدة لا كننا نتتبع موارد الشريعة فنجدها شاهدة لإلغائه فنعلم أنه ملغي ولا يكون ذلك إلا إذا كان ما فيه من المناسبة مغموراً بما هو أشد منه مناسبة أو بموجب للرخصة لما في اعتبار مناسبته من المشقة وهذا كزراعة العنب فإنها مناسب للتحريم لأنه وسيلة اعتصار الخمور لكنها ملغاة اكتفاء بشدة تحريم الخمر وكذا التجاور في البيوت فإنه وسيلة للزا لكنها نادرة ومكتفي عنها بالحجاب وشدة العقوبة الزاجرة وكذا مرور العجل في الطرقات وإعلاء الأبنية مع ما يعرض لذلك من المضار لكنه ملغي لندرته وشدة الحاجة لهاته الأشياء متى حدثت لتوقف سير المدنية عليها ولأن عيشة الممنوع منها
تكون ضنكي بالنسبة لعيشة غيره ممن يستعملها (قوله ولذلك قدمت البنوة الخ) أشار بقوله ولذلك لتقديم الأخص على الأعم من غير أنواع المناسبة (قوله وأما المصلحة المرسلة فالمنقول إنها خاصة بنا الخ) كذلك ادعى أمام الحرمين وأنكر على مالك رحمه الله القول بها وضابط معنى المصلحة المرسلة عندنا حسب ما يستخلص من عبارات علمائنا إن يكون وصف مناسب للتعليل لكنه لا يستند إلى أصل معين بل إلى المصلحة العامة في نظر العقل مثل رمي عدو تترس باسرانا فإن رميناه أهلكناهم وغلبناه وإن تركناهم اضر بنا وبالترس فيخصص بهذه المصلحة عموم قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} أو يبين بها قوله صلى الله عليه وسلم إلا بحقها وقد اعتبرها مالك ومعظم الحنفية متى تحققت المصلحة أو قربت وذهبت جماعة إلى منع الاستدلال بغير ما يقاس على أصل معتبر شرعا ومنهم الباقلاني والمتكلمون ونقل عن الشافعي في أحد قوليه. وأورد إمام الحرمين على مذهب مالك أنه يستلزم فسادين أحدهما تحكيم العوام بحسب أراءهم من ملائمهم ومنافرهم والثاني اختلاف الأحكام باختلاف الأشخاص والبقاع والأوقات وأجاب عن ذلك الأبياري في شرح البرهان بأن الحكم في المصلحة للمجتهد لا للعوام وتحقيق المصلحة منوط بالاجتهاد آهـ أي لأنها دليل حكم فهي من وظائف المجتهد وليست هي حكما حتى يعمل بها العامي. وعن الثاني بالتزامه وهو معنى دوام الشريعة ومناسبتها لكل زمان. وقيد الغزالي المصلحة بأن لا تكون في مرتبة التحسين وهو قيد لازم وبهذا كله يظهر أن الخلاف في هاته المسألة بيننا وبين الشافعية لفظي كما قال المصنف وأن تشنيع إمام الحرمين نزعة
من طرايق مناظرات المخالفين المتبعة في القديم وهي طرايق كان الأجدر بهمم العلماء التنكب عن سلوكها وسيأتي كلام على هاته المسألة في الباب العشرين (قوله الرابع الشبه الخ) أي الشبه المعنوي وهو أن يشبه الوصف أوصافاً قد عهد في أمثالها التعليل للأحكام بحيث لا تظهر في الوصف مصلحة ذاتية وإنما يكون مشبها بقوة للأوصاف التي عهدت مصالح فلذلك لا يعدمنا سبا لكنه دون المناسب وفوق الطردي وليس المراد الشبه الصوري أي الشبه في الذات إذ ليس ذلك طريقا للعلية وأما جزاء الصيد فمن باب تقدير المتلفات بأشباهها بطريق النص لا لأجل الشبه وإلا لكان جزاء النعامة باللقلق أولى. ثم المشابهة تعتبر أما بالمماثلة كمشابهة الانعاش للاقتيات مثلًا فتلحق سببه العقاقير المنعشة في حرمة التفاضل. وأما لكونه مستلزما للمناسب فأشبه المناسب لأنه لما استلزمه صار مثله والتلازم يكون بواسطة واحدة وبوسائط واقتصر القاضي على القسم الثاني وبهذا يظهر الفرق بين الشبه وبين القياس وأن وقع في كلام كثير من المؤلفين مثل الشيخ حلولو ما يوهم التباس الأمرين. فإن القياس الحلق فرع بأصل لوجود العلة المعينة فيهما وأما الشبه فهو الحاق وصف بوصف ليكون علة مثله لشبهه به (قوله لتأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب الخ) صواب العبارة لتأثير مثله القريب أي شديد الشبه به في الحال لمثل الحكم القريب من حرمة أو مطلق منع أو فساد ومن وجوب أو إذن أو صحة وأما تأثير الجنس في الجنس فلا يخفى أنه من قسم المناسب حسبما تقدم فقد وقع في العبارة هنا تحريف أو تسامح
ويفصح عن المعنى كلامه في الشرح فتثبت (قوله كرد الجلسة الثانية الخ) صوابه كرد الأولى إلى الثانية كما هو ظاهر (قوله والعبد المقتول الخ) بيان لوجود الشبه في الأحكام والعلل مع جواز تردد لشبه لشيئين فصاعدا فيرجح (قوله فهذا هو الدوران في صورة واحدة الخ) أراد من الصورة الذات أي هذا مثال دوران الحكم مع الوصف وجودا وعد ما مع كون الذات هي هي وهو الذي فيه حجة ظنية لأن دوران الحكم مع الوصف مؤذن بالعلية ولأن بقاء الذات دليل على تعيين الوصف إذ لا يمكن التردد في الوصف المدعى كونه علة لظهور وجوده وعلمه دون بقية الأوصاف بالمشاهدة بخلاف الدوران مع اختلاف الذات فإنه يحتمل أن سبب تخلف الحكم عند تخلف الوصف لأجل ذلك الوصف ويجوز أن يكون لأجل تخلف وصف أخر اندرج مع الذات وأنه لو
أجيد التأمل لعرف أنه العلة دون الوصف المدعى فلما كان هذا يرد عليه منع كل ضعف (قوله فيقول الموجب لوجوب الزكاة في النقدين الخ) أي نقول لتعيين علة الزكوة ما هي حتى نعرف هل تجب الزكوة في الحى ونرتكب في تعيين العلة ملك الدوران (قوله امكن أن يقال أن موجب العلة الخ) هذا مقول القول أي امكن أن يرد عليه منه صه أن موجب العلة الخ فاراد بالموجب العلة أي يقال لا تسلم كون الوصف الذي ادعيتموه هو العلة لجواز أن يكون غيره علة وانه لما كانت الذات المتخلف عنها الوصف المدعى ذاتا أخرى فقد تخفت عنها أوصاف الأولى كلها فلم يتبين أن بعض الأوصاف كان علة دون بعض ففي مثال المصنف لا يتعين أن الذهبية والفضية هي على الزكاة لانهما وان تخلفت لزكاة عند تخلفهما في العقار لاكن العقار ذات أخرى تخلفت عنها عدة أوصاف موجودة في النقدين فلم يتعين للتعليل الذهبية فقط مثلا لجواز كون العله هي الثمنية فلا يكون انتفاء الوصف الذي ادعيتموه دليلا على انتفاء الحكم لجواز أن ينتفي الحكم لانتفاء وصف أخر كما يجوز أن يثبت الحكم عند انتفاء الوصف المدعى لان علته وصف أخر لم يزل موجودا مثل المالية فإنها موجودة في العقار والمصنف اقتصر في المنع على أحد شقي الجواز فتأمل في هاته العقدة (قوله فما تعين عدم اعتبار غيره الخ) أي لم يكن هناك دليل على أن غير المدعى من أوصاف الذات الماضية ليس بعلة لأننا وجدنا انعدام الحكم عند انعدام جميع الأوصاف تبعا لانعدام الذات بخلاف تخلف الحكم عن انتفاء الوصف مع كون الذات واحدة فإنه بدليل المشاهدة تعبن الوصف للتعليل ضرورة أن بقية
الأوصاف غير ذلك الوصف لم يزل موجودا فلو كان علة لاقتضى وجود الحكم وقد سكت المصنف عن تجويز أخر في منع حجية الدوران مع اختلاف الذات وهو أنه يجوز أن لا يكون الوصف علة وإنما تخلف الحكم لا لانتفا الوصف بل لان في الذات الجديدة صفة تمنع من الحكم بان تكون العلة المالية وإنما انتفت الزكاة عن العقار لأن ماليته ليست مطردة لتوقفها على جمود الراغب (قوله لقوله تعلى أن الله يأمر بالعدل والإحسان الخ) دليل غرب جدا وحاصله أننا أمرنا بالتسوية والإحسان وفي اعتبار حجية الدورانات المجهول حالها من جهة توفية بحق العدل كما هو ظاهر وبحق الإحسان لأننا نريح المكلفين من تطلب المرجحات والأدلة التي تقتضي اعتبار بعض الدورانان دون بعض بما يتكاف لاستخراجه من الفروق فكان القول باعتبار حجة الدوران ضربا من العدل ومن الإحسان (قوله بتوفير خواطرهم الخ) هكذا وقع في الشرح ولعل اصل العبارة بتوفير أي استبقاء وإراحة خواطرهم من الفحص والفكرة فالعطف للتفسير إذ الفحص هو فحص الفكر (قوله حجة المنع أن بعض الدوران ليس بحجة الخ) حاصلها بالقلب وهو أن ما صلح دليلا لكم يصلح دليلا لنا لان بعض الدورانات ليس بحجة لا محالة والله يأمر بالعدل وبالإحسان فمن العدل والإحسان اطلاق القول بعدم حجية الدوران
وقد ارما بذلك قوله أخر استدلالهم والنقض خلاف الدليل أي ثبوت حجية بعض الدورانات دون بعض يخالف الاستدلال بعموم الآية أن الله والإحسان وجواب المصنف عن ذلك لا يتم وتعلقه بكلمة التقض سفسطة لأنهم أرادوا من النقض المعنى اللغوي فهو بمعنى أسم المفعول أي الصورة التي يثبت لها حكم مخالف لحكم البقية حتى يقض بها عموم المستدل لا المعنى المنطقي حتى يجيبهم بعد استحالة النقض (قوله السادس السبر والتقسيم الخ) أي السبر التقسيم كقول علماء البديع الجمع والتفريق فهو مسلك واحد يسمى السبر ويسمى التقسيم وقد يجمعان ومعنى السبر الاختبار أي اختبار ما يصلح للعلية فيؤخذ دون غيره ثم التقييم أي ذكر الأقسام وهو بيان القسم الذي هو علة سواء كان واحدا أم أكثر والقسم الذي ليس بعلة وما ذكره المصنف في الشرح مبني على كون التقسيم بمعنى تعديد الأقسام ومثال السبر علة الربا في الأصناف يحتمل أن تكون المقدار أو الاقتيات أو الطعمية أو مجموع الاقتيات والادخار ثم يرجع فيبطل ثلاثة ويعين الباقي والأبطال يكون إما بالنقض الاتي أي نخلف الحكم عن العلة وإما بالمناسب وإما بغير ذلك من مسالك الاجتهاد وفي عد السبر والتقسيم دليلا على العلية تسامح لأنه طريق لمعرفة حال الوصف المراد التعليل به فليس هو مثال المناسب والشبه والدوران لان تلك أدلة على العلية أي تدل على علية الوصف المشتمل عليها وأما السبر وتنقيح المناط فطريق يتوصل به إلى معرفة ما هو علة ثم لابد؟ ؟ ؟ من استخدام المناسب أو الشبه أو الدوران ليتعين ما هو علة من غيره فلو ذكروهما في