الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التشريع اعتماد المصالح والمفاسد فلا يأخذ الناس شيئًا غير يقيني لجواز أن يفعلوا ما هو في الواقع مفسدة أو يتركوا ما هو مصلحة فأين هذا من معنى الحسن والقبح الذاتيتين للأفعال عقلا بل هو ينافي قاعدة الحسن لأن الناظر إليها لا يتوقف لاكتفائه بالصفة التي يشتمل عليها الفعل، فالاعتماد على الجواب الثاني (قوله ويشترط في المخبر العقل الخ) ليس المراد بالعقل عقل التكليف لأنه داخل في مسمى التكليف بل المراد عقل الفطنة وهو الذي يعبر عنه المحدثون بالضبط ويعبر عنه الفقهاء في صفات الشاهد بالتيقض، وقد أشار لهذا قول المص في شرح «أما العقل» فلأنه أصلي الضبط وفي المدارك عن مالك أنه قال أدركت بالمدينة أقوامًا لو استسقى بهم القطر لسقوا قد سمعوا الحديث كثيرًا وما حدثت عن واحد منهم شيئًا لأنهم كانوا الزموا أنفسهم الزهد وهذا الشأن يعني الحديث يحتاج إلى رجل معه تقي وورع وإتقان وعلم وفهم فأما رجل بلا اتفاق ولا معرفة فلا ينتفع به ولا هو حجة (قوله وإن
الفصل السادس مستند الراوي
الفصل السابع في عدده
كان تحمل الصبي صحيحًا الخ) لأن النظر لحال الأداء الذي يفرق فيه بصحة عقله بين ما يتحققه وما يشك وقد قبلت رواية ابن عباس رضي الله عنهما في حديث صلاة الليل والوتر قبل الفجر وهو يوم تحمله صبي في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها (قوله وإن كان أبو حنيفة رضي الله عنه قبل شهادة أهل الذمة الخ) استدراك استطرادي لما يقتضيه قوله لا تقبل روايته في الدين وألا فهو ليس من مسألتنا الخاصة بالرواية ولاشك أن أمر الرواية أشد لأنها تثبت بها أحكام عمومية كما سيأتي (قوله من المعتزلة وغيرهم الخ) أي فإن عمرو بن عبيد معتزلي ومن غيرهم روايته عن عمران بن حطان الخارخي، وروى البخاري ومسلم عن بعض الشيعية (قوله لأنهم إما كفرة أو فسقة وهو مذهب مالك الخ) بناء على أن لازم المذهب مذهب وقد علمت أن في ذلك عن مالك روايتين كما تقدم في الإجماع فالظاهر أن الضمير يعود على قوله أو فسقة. والتحقيق التفصيل بين اللازم البين بالمعنى الأخص وغيره أما من كان صريح مذهبه مخالفة أصول الدين فكافر كالقائلين بنبوة علي وهم الغرابية، أما القضاء على كل مخالف في العقيدة بالكفر أو الفسق فمحل تأمل وقد مضى لنا في باب الإجماع أن عدم التفكير باللازم هو قول جميع أصحاب مالك فبقى القول في التفسيق إلا أن يقال أن مجموع مقالات الطائفة منهم لا يخلو عن شيء مفسق أو مكفر فيجب حينئذ تتبع أصولهم ولعل المص أخذ مذهب مالك هذا إذا كان الضمير عائدًا لقوله كفره أو فسقه على معنى التقسيم من قوله في جنائز المدونة «لا يصلى على أحد من أهل الأهواء ولا تعاد مرضاهم» . قال أبو الحسن في شرحه وقد اختلفوا في تأويله فقيل إنما أراد
به التأديب وكراهة مخالطتهم وفيه بعد لأن الصلاة عليهم حق إسلامي لا يقع التأديب بالحرمان منه. وقيل لأنهم عنده كفار وصحح ابن رشد في البيان القول الأول وهو تأويل سحنون وتوقف مالك في إعادة صلاة من صلى خلف مبتدع وكل ذلك يقتضي الفسق لا محالة لأنه لا يؤدب بمثل هذه الغلظة إلا فاسق وكان وجه التفسيق أن هاته الأهواء لا تخلو من تجويز مفسق كاستحلال الخوارج لدماء المخالفين لهم أو من تعمد تأويل القرآن بلا دليل وذلك عمل مفسق. أما الآراء والاعتقادات التي لا تفضي إلى أحد هذين ولا تمس أصول الدين فلا يمكن أن تكون فسقًا وإن كانت مخالفة للصواب والحق وقد فسروا أهل الأهواء بمن يفسر متشابه القرآن بحسب رأيه وهو إلا من غير دليل واضح أي بحيث لا يحمله على تأويله إلا تصحيح مذهبه وهذا موذن بقلة التحرز في الدين وقد يقع لبعضهم ذلك لكن الباعث عليه شدة التغالي من غير تعمد، وكذلك من يؤول لوجود دليل عنده يظنه حاملًا على التأويل كما تأول المعتزلة ءاية الرؤية لمعارضتها لأصل عندهم وهو استحالة تعلق البصر بواجب الوجود ومثال التأويلات البعيدة بلا داع تأول الشيعة قوله أن علينا للهدى بأنه إن عليًا للهدى. ونقل السبكي في جمع الجوامع عن مالك قبول رواية المبتدعين إذ كانت بدعتهم لا تجيز الكذب، ولم يكن الراوي داعية لمذهبه وكذلك يوجد في شرح التلمساني على المعالم ولم أره لغيرهما فإن صح عنه فإنما يريد به الذين لم تبلغ بهم بدعتهم إلى مفسق كتعمد تأويل القرآن ونحوه فيكون مخصصًا لقوله في المدونة لا يصلى على أحد من أهل الأهواء
ولابد من هذا التخصص فإن كثيرًا منهم كانت خلافاتهم ضعيفة كالمعتزلة في الرؤية وقدرة العبد وصفات المعاني. وحاصل ما يتحرر من مذهب مالك في هاته المسألة ما صرح به شِراح المدونة وزدناه بيانًا وهو أن أهل الأهواء ثلاثة أقسام منهم من أداه قوله إلى كفر صريح كالغرابية والباطنية فلا شبهة في رد روايته وبطلان إمامته. ومنهم من أداه قوله إلى أمر خفيف (أو لخفة أمره ولو كان في مسائل كثيرة كالظاهرية ومن نفي صفات المعاني أو كان في مسائل معدودة لا تجر إلى غيرها كالمعتزلة في نفي الرؤية والشيعة غير الغلاة في القول بالإمام المعصوم، وهؤلاء تصح الصلاة خلفهم وتقبل روايتهم، والظاهر أن هذا مراد المص بمن كان فسقه مظنونًا. ومنهم من أداه اعتقاده إلى فسق عملي كمن جوز نكاح المتعة من الشيعة. وكالمرجئة المتجرءين على المعاصي لاعتقادهم أنه لا يضر مع الإيمان شيء. وكالخطابية بفتح الخاء وتشديد الطاء المجوزين للكذب فهؤلاء حكمهم حكم الفسقة لا تقبل روايتهم ويختلف في الصلاة خلفهم على الخلاف في صحة الصلاة خلف الفاسق فسقًا في غير الصلاة إن كان فسقهم لا يفضي في بعض الأحوال إلى فسق في الصلاة فإن المرجئ لا يصعب عليه أن يصلي بغير وضوء هذه خلاصة تحقيق المسألة وهو يبين كلام المص وإطلاق أهل الأهواء على جميع هؤلاء مراعه فيه غالب أحوال الغالب (قوله وهذا هو أحد التفاسير للصحابي الخ) ذكر منها ثلاثة ورابعها أنه كل من وجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويخص هذا باسم الصحابي بالمولد وهو كالثالث اطلاق قليل جدًا وأصح الإطلاقات ما ذكره المص أولًا وهو اصطلاح علماء الأصول وصوبه الغزالي واشهر الإطلاقات الثاني، وهو الذي ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه إذ قال
وكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وءامن به فهو من أصحابه (قوله في قصة أبي بكرة الخ) القصة شهيرة وهي شهادته مع ثلاثة من رفقهائه على المغيرة بن شعبة أمير الكوفة بالزنا ولم يكمل الرابع الشهادة عند رفعها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فحد الثلاثة الذين أتموها وتمثيل المصنف بذلك سهو واضح لأن الجميع يستثنون من المجرحات الحد في شهادة الزنا لعدم تعين الكذب بل لنقصان النصاب فالحد فيها أخذ بحق المقذوف إذ أشيع ذلك عليه لا عقوبة على الكذب وتسميته حد الفرية أغلبية أو إضافة للمظنة (قوله وقال بعض العلماء الخ) هو الأستاذ أبو إسحاق الاسفراءيني لاكن قصده التأدب واختار صاحب جمع الجوامع أن الكبيرة كل جريمة توذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (قوله استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرة الخ) ليس المراد بعظم المفسدة قوة أثر الفعل في الإفساد
بل المراد أن جنس تلك المعصية تنشأ عنه مفاسد وإن ندر تخلفها فشهادة الزور مفسدة كبيرة لأنها تقصد في الأمور المهمة مما له بال غالبًا (قوله ثم الفاسق إن كان فسقه مظنونًا الخ) أي سواء كان فسق جارحة أو كان فسق اعتقاد وهو ما كان فيه مخالفة صريحة لأصول الإسلام أو اشتمل على تأويل الشريعة بما لا دليل عليه ولا داعي صحيحًا إليه ومعنى كونه مظنونًا أن يكون الأول مدلولًا عليه بدليل ظني غير مقارب للقطع للاحتراز عمن يتعلق بشذوذ المذاهب كشرب النبيذ عند مالك وأن يكون الثاني مخالفًا لما دل عليه الدليل الظني من غير معارض عند المعتقد كنفي نصب الخليفة عند بعض الخوارج وتفضيل علي على الثلاثة رضي الله عنهم عند الشيعة فإنه لا داعي لذلك إلا التوصل إلى مرام سياسية. أما ما خالف قطعيًا فهو المقطوع به كالزنى وكالقول بعدم العقوبة للعاصي عند المرجئة، وكل هذا ما لم يبغ إلى كفر أي مخالفة معلوم بالضرورة فإن مخالفة القطعي أعم. أما مسألة الكفر في الاعتقادات فقد تقدمت للمصنف وقد جعل هنا مظنون الفسق محل اتفاق على قبول روايته وهو يعارض ما تقدم عن مالك من رد رواية أهل الأهواء مطلقًا لأنهم إما كفرة أو فسقة فلابد أن يكون مراده بالاتفاق الفسق المظنون بالجارحة دون الاعتقاد أو هو يرى أهل الأهواء مخالفين للقواطع دائمًا كما يقتضيه كلامه في الشرح وفيه ما فيه (قوله واختلف العلماء في شارب النبيذ فقال الشافعي أحده وأقبل شهادته الخ) هذان إشكالان وردا على حكاية الاتفاق على قبول رواية الفاسق بمظنون أولهما كيف حده مع قبول روايته ولم لم يعذره في درء الحد، الثاني كيف لم يقبل مالك روايته مع حكاية الاتفاق على قبولها وحاصل الجواب عن الإشكال الأول هو مضمون القاعدة الأولى أن الحد اقتضاه دليل التسوية بين النبيذ والخمر وهو أمر عملي وقضاء شرعي يجب على المجتهد أن يعمل فيه بما أداه إليه
اجتهاده بخلاف التجريح فإنه سلب الثقة عنه وعدم الركون إلى أمانته وذلك أمر علمي فلا يعتبر إلا بما يدل على الاستخفاف والتهاون بالشرع ولما كان هذا الشارب مقلدًا لم يكن متاونًا بالشرع فالحد مناسب للتحريم إذ ينبني عليه الانزجار في نظر الحاكم بقطع النظر عن حالة مرتكبه ولو مع عذر الشارب، أما سلب العدالة فلا مقتضى له مع العذر لأنه يتبع الجراءة على المخالفة وفي قواعد عز الدين ابن عبد السلام في فصل الزواجر ما نصه:«فإن قيل كيف زجر الحنفي عن شرب النبيذ بالحد مع إباحته قلنا: ليس هو مباحًا وهو مخطي بشربه وقد عفا الشرع عن مفاسد المخطئين الجاهلين دون العامدين ومن صوب المجتهدين فإنما اشترط أن لا يكون مذهب الخصم مستندًا إلى دليل ينقض الحكم المستند إليه به» وهذا هو الذي ساقه المصنف في القاعدة الثانية في تقريره لمذهب الشافعي غير أن عز الدين اقتصر بها على توجيه الحد والمصنف أنصف إذ جعلها مطردة حتى في عدم قبول الرواية لضعف مدرك المقلد المنزل منزلة العدم وهو منزع دقيق. أما مذهب مالك فتقريره في القاعدة الثانية أن دليل المخالف ضعيف لمخالفته القياس الجلي فلم يعتد به ولذلك تترتب على إلغائه سائر الآثار العملية الشرعية من الحد ومن التفسيق وسلب العدالة فكان مرتكبه لم يقلد أحدًا. ولهذا قال المصنف كأنه قطع بفسقه فينشأ عن هذا أن مالكًا رحمه الله يفصل بين ما قوي دليل المخالف فيه فيقبل رواية مرتكبه ويعذره وإن كان يجرى عليها الأحكام الاجتهادية دون ما ضعف فيه دليل المخالف ضعفًا بينا فلا يعذر به ونظيره قوله في النكاح الفاسد المختلف فيه يقرر بعد البناء بصداق المثل، وقال في نكاح المتعة بالفسح أبدًا وبالحد، وقد أشار المصنف هنا، وفي الفرع الأول من الفرق التاسع والثلاثين إلى أن كل ما ينقض فيه حكم القاضي لا يعتبر فيه خلاف المجتهد عذرًا، وقد قالوا في الفقه أن القضاء بالشفعة للجار لا يرفع الخلاف (قوله حجة الشافعي أنهم من
أهل القبلة فتقبل روايتهم الخ) أي أن توفر فيهم شرط قبول الرواية ولم يكن في بدعتهم ما يضعف الظن بثقتهم كبدعة المرجئة كما تقدم (قوله وقال أبو حنيفة يقبل قول المجهول الخ) أي مجهول الباطن حسن الظاهر وهو
المعبر عنه بمستور الحال، أما المجهول ظاهرًا وباطنًا فمردود إجماعًا. وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الأصل عدم المفسق وجوابه أنه معارض بغالب